أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن رفاعي - ابو المجاري














المزيد.....

ابو المجاري


مازن رفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 1999 - 2007 / 8 / 6 - 11:08
المحور: الادب والفن
    


النهار يودع الشمس والشارع يتحرك تحت مظلة من سحب الشتاء الداكنة الهاربة في كل اتجاه ، المطر خفيف رقيق ناعم أنفاسه السريعة المتلاحقة تغسل الأرض، الإشعاعات الأخيرة من الشمس الغاربة تودع الرصيف المبتل تزحف خارجة من النافذة بعد أن وجدت لمسة من الدفء بجانب الموقد .
نظراته من النافذة تراقب عجلات العربات وهي تلتهم أرض الشارع الزلقة بنهم متجهة إلى هدف لايدري به يلتفت إلى نفسه مخاطبا إياها قائلا : انظري إلى إطارات تلك الآليات كيف تدور متجهة إلى هدف لاتدركه ماأشبهها بأيامي، عربتي يقودها الفقر والطريق مليئ بالمطبات والحفر.

منذ سنين أنهى عمرو دراسته الجامعية. ، حصاد العمر حصاد عشرين سنة من الدراسة والعمل والكد والتعب ، آمال بعد التخرج ونيل الشهادة الكبيرة بداية تحقيق الأحلام الكبيرة الخطوة الأولى على اتوستراد المستقبل.
سنتان كانتا كافيتان لتحيل غابة أحلامه إلى حقل مهجور إلا من الأشواك.
لا تزال البيوت خاوية ، والجيوب أيضا ، ولا يملك حتى الآن الوسيلة لملئهما. ولا يزال يبحث غير واجد في رأسه عن مكان يجد فيه الحلول. ولا يزال يتساءل ما هي المشكلة وأين يكمن الخطأ ؟
شكله مقبول، ونظاراته متقنة الصنع ، كفاه بلا قيد ، ولسانه لا يعارض . مسموح له بزيارة أهله في سجونهم ومقابرهم ومغترباتهم ، حين حاول تعلم السباحة ليطفو فوق مشاكله لاحقته أمواج الفشل العالية، وفي كل يوم كان يدفن حلما جديدا من أحلامه البسيطة المستحيلة، سنتان فقط بعد اليوم الكبير كانتا كافيتان لوأد جميع أحلامه ، أحلامه تستقل كل ليلة قطارا بدون عودة ، وكل ما استطاع فعله هو أن يطور تلك الأحلام إلى كوابيس.

فجأة أشرقت على حياته وأحبها، وهو الفعل الوحيد الذي يتقنه ، رغم اضطهاد الحب واعتقال الأحاسيس ومراقبة العواطف . أحبها ، ومن أبواب المجهول إلى عينيها كانت أولى رحلاته ، عيناها جزر لجأت إليها أحلامه في الليالي الممطرة.
حولته شمسها إلى زهرة عباد الشمس، فبات يخشى غروبها .ربى المدرسة كانت تخبئ في بحور عينيها الزرقاوتين مئات الأسماك المفترسة ، كانت كالقمر يسرق الضوء من سيقان الأشجار ويوما آخر من حياته،
تقدم لها ورفضته، رفضت شهاداته الورقية، التي لاتغني ولاتثمر من جوع، فهي تبحث عن زوج يرفعها ويريحها ولاتضم قواميسها كلمات مثل التضحية والإيثار والكفاح ، وخلال أشهر كان حفل زفافها على صديقه" عبد الجبار ".

عبد الجبار صديق الطفولة الفاشل دراسيا " أبو المجاري" كما كانوا يستهزؤونه ، كان بارعا في إخفاء ذيله، ودائما يفتخر بالقرون التي تزين رأسه، ولا يري مخالبه إلا لأصدقائه وحتى إن فتك بهم فسيسامحونه، فهو صديق يحق له أن يؤذي وقت الضيق.
أبو المجاري تزوج ربى المدرسة أجمل فتيات الحي ، ويملك اليوم منزلا وسيارة وربى ، فعلى ما يبدو أن المجاري هي الطريق الوحيد لتأمين المستقبل هذه الأيام.

قرر عمرو الهروب في الهزيع الأول من الليل وحمل في ترحاله أطياف أحلام خطفتها الأيام ، وفي القلب دمعة من غبار الهزائم، وفي النبض لاتزال تشتعل الرغبات، وفي الأعماق دبيب التصحر، أحلامه تناثرت كأوراق خريفية صفراء وتداعت كمبنى عتيق ،عبر شاطئ الحزن لم يبال بطحالب الخوف وأشباح الهزيمة ومطرقة المأساة التي هوت على آماله كحوافر خيول جامحة ، لم تتمكن بحور البعد من أن تطفئ اللهيب في الوجدان .
الشمس لا تزال مطفأة . وهو كطائر مهاجر يسافر مرغما بعيدا عن ارض المولد، يقطع المسافات ، يطوي الأزمنة ، يحوم حول الأمكنة ، يستقر برهة يتعرف على ما حوله، وحين يكتشف لذة طعم الاستقرار يحزم أمتعته مغادرا إلى مجهول جديد.حرم نفسه من الطفولة ومن المراهقة ومن الشباب ،حرمها من الصحة ومن السعادة، ومن الاخوة والابوة ،حرمها من العطف ومن الحب ،ومن كل ماهو جميل وجذاب وممتع.

الزمن يترك علاماته على وجهه.وهو يبحث عن المجهول ما أقسى الأيام الراسمة علاماتها على الوجوه ؟ ،
في ترحاله لا يزال يبحث عن السعادة عن المجهول عن التحدي عن الوجود عن المفقود.
الفوضوية تنساب منسلة من كل لحظة في عمره ، نفسه المهاجرة بحاجة إلى من يعيد ترتيب محتوياتها وينظمها.
في يوم ما قرر الهجرة ، الهروب ، الرحيل من شباك الواقع ،فما أسهل الهروب وما أصعب المواجهة. في كل يوم تشرق شمس جديدة على كل العالم، أما هو فلا يزال مغتربا في ملكوت الظلام ،
بعد قطع تلك المسافات في رحلته الأبدية لايزال يعيش على أمل أن هناك حياة بعد الموت، ويتساءل هل هناك حياة قبل الموت !



#مازن_رفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن رفاعي - ابو المجاري