أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سحيم - خمسة قروش ...العدل أساس الملك ..!!















المزيد.....


خمسة قروش ...العدل أساس الملك ..!!


محمد سحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1997 - 2007 / 8 / 4 - 08:20
المحور: الادب والفن
    


يسير ببطءٍ وتثاقل، تتماثل خطواته، تشذ واحدة، تصحح الخطوة اللاحقة تعثر الواحدة، ثم تعود وتنتظم من جديد، خطى متثاقلة، متشابهة، حائرة أحياناً، بطيئة حيناً آخر، ومتباطئة أحياناً كثيرة، تتلعثم الخطوة خلال المسير ثم تفرج كبوتها.
يقف مقوس الظهر عند حافة الطريق ، الشمس تلفح وجهه ، تنعكس على جبينه ، تُذيبه أو تعتصره عرقاً ، تصبغه بالسُمرة ، تطرقه من أعلى قمة رأسه ، تُسيل عصارة الجبين ، ينحدر سائل الملح من على وجهه ، يغور في تجاعيد الزمن ، ينفذ من الجهة الأخرى ، يتدفق ثم يتبدد على كل جسده ، يضل واقفاً عند حافة الطريق بمحاذاة الرصيف يرمي ببصره ضفة الشارع الأخرى.
يغطي جِذع جسده ثوب بسيط ومختصر، يفتقد إلى بعض الأزرار كما يفتقد أيضاً إلى اللون و الشكل.
هو مجرد قطعة من القماش ، حار صيفاً بارد ممزق شتاءً.
يقف على أمل العبور، ليس إلا العبور ، ينتظر متأملاً فرصة هي ليست سوى برهة وفاصل يسمح له بإكمال المسير ، يفتعل الابتسامة أو إنه يحاول أن يبتسم أو قد يخيل إليه أنه يفعل ذلك ، تتلاقى يداه، تشتبكان، تقبض إحداهما على رسغ الأخرى تتعانقان خلف ظهره .
يلغي فكرة التبسم ، يحني رأسه ، يغمض عينيه بوقار، يعود عن الإغماض ببطء شديد، تخطر بباله فكرة السير عبر الرصيف وعبور الشارع من خلال نقطة أخرى غير التي يقف بها ، يسير ببطء وتثاقل ، تتماثل خطاه ، تشذ واحدة ، تصحح الرجل الأخرى تعثر الواحدة ، تعود الخطوات وتنتظم من جديد .
يمر أمام متجر للثياب النسائية ، تصطف خلف زجاج واجهته حسناوات الأصنام ، قوالب جامدة ترتدي ثياب الحرير الضيق منها والقصير ، يقف قبالة زجاج العرض ، يطالع الحسناء الصنم ورفيقاتها المتيبسات ، يكاد أو يوشِك أن يبتسم ، غير أنه لاحظ من خلف الزجاج انزعاج صاحب المتجر وتجهمه ، عرف أن وقوفه ونظراته غير مرغوب بهما ، مدانتان ، مرفوضتان ، لا مجال لا فسحة سوى الرحيل ، استشعر القمع ، أحس بالعسف ، تمنى لو أنه في يوم سعده و لم يلاحظه البائع ، أحس برغبة في الوقوف أمام واجهة المحل ، تفادى خطوات التصعيد ، استدار ربع دورة أكمل المسير بتثاقل وبطئ .
أحس بالهزيمة ، استشعرها ، تذوق مرارة الإذلال.
ملامح الإجهاد ظاهرة ومرتسمة على محياه ، شاخصة وقادرة على ابتلاع ألف عام من السعادة !!!! السعادة
نعم تذكر السعادة أو هكذا خطرت بباله ، لكنه سرعان ما نسي كيف ولماذا خطرت بباله ، وفي هذا الوقت بالتحديد ، حدّث نفسه عن فلسفته للسعادة ، لم يقل (فلسفة) أو أنه لم يفكر بكلمة (فلسفة) بل قال (فكرة) ، حدث نفسه عن فكرته المخزونة عن السعادة ،،،
نعم ،،، قال لنفسه :
السعادة ، ذاك...... ذاك البعيد الذي يطارحني منذ الولادة في مسيرٍ يوازي مسير أيامي ، توقفت كلماته عند هذا الحد ، أو هكذا كانت الفكرة قصيرة ومختصرة ، توقف أيضاً عن السير بعد أن وصل إلى النقطة التي كان ينوي أن يعبر الشارع منطلقاً منها قاصداً ضفته الأخرى.
مر بجانبه ولدان، توقفا عند باب أحد المتاجر ، رميا زجاج الواجهة بحجر ثم وليا مسرعين ، خرج صاحب المتجر تعالت صرخاته ، تطاير سبابه في كبد السماء استطاع التاجر النحيل والدقيق في كل شيء ، استطاع تلويث المحيط بصراخه ولعناته وشتائمه ذات الإسقاط والتشبيه الجنسي بحبكٍ وسبكٍ يمزج البحر إن مزج به ، تلاشى صراخ عود الكبريت وعاد الهدوء من جديد ، استشعر في نفسه الذكريات من خلال (شقاوة) الأطفال ، تمنى لو أنه لم يذكر كلمة (شقاوة) ، فقد ذكرته بشقاء الطفولة ، تذكر طفولته ، استرجع أهم لحظاتها والتي هي الأسوأ ، تذمر من هذا الإفراط في التذكر ، هز رأسه بانزعاج وقال :
يجب أن أعبر الشارع ، لقد تأخرت كثيراً.
سامته أشعة الشمس حر قبسها ، تعالت في وسط السماء أو هكذا بدت له ، رمته بلهيبها ، كان واجماً يقف بمحاذاة الرصيف ، يهُّم بالانطلاق ، يحذر أن تفتك به إحدى المركبات ، كانت الأخيرة كسيلٍ منهمر متواصلة ومسرعة ، تحسس فاصلاً للعبور ، همَ بالتحرك عَاجَله سائق متأخر زاد من سرعة مركبته ، سد منفذ العبور، سلبه فرصة عبور الشارع ، تراجع بسرعة ، بدا شكله مضحكاً وهو يتراجع بسرعة خوفاً على حياته من الدهس ، وأي حياةٍ هيّ !!!!!
تذمر واستاء من سلوك ذاك السائق ، أحس بأنه أضاع فرصة ثمينة للعبور ، وقف مُتحيناً ومترقباً لفاصل جديد يسمح له ببلوغ ضفة الشارع الأخرى .
رفع رأسه إلى السماء، نظر إلى أطراف السماء تفحصها بهدوء ، ثم قال :
لا توجد سحب ، السماء صافيه ، إنها كوجه الماء الصافي في قدحٍ من الصلصال ، لن تمطر!!! بالتأكيد هي لن تمطر ، لديها ما يمنعها من أن تفعل ذلك ، بالأحرى ليس لديها سوى ثلاث ذرائع :-
الأولى : أني أحب المطر ، والثانية : لا توجد سحب تحمل المطر ، والثالثة : أننا الآن في فصل الصيف .
السماء أيضاً تخاصمني وتتحين لي الفرص .
نظر عن يساره وعلى مسافة بعيدة بعض الشيئ من ذات الرصيف وقريبة بذات البعض .
كانت بمحاذاة تلك المسافة فتاة، كانت تقف موقفه و تنوي بلوغ ضفة الشارع الأخرى.
بمجرد أن لمست رِجل الفتاة أرضية الشارع تكومت عن يمينها كل المركبات التي كانت تعبر الشارع ، عبَرت الفتاة بخفة وأنفة دون أن تكافئ أي سائق على حسن التوقف ، حاول أن يستغل شهامة السائقين وينفُذ هو إلى الجهة المقابلة ، لكن سوء حظه وسرعة عبور الفتاة وانتهاء لحظات الإغماء التي أصيب بها السائقين جعلت مَسير المركبات يعود للتواصل والإسراع مجدداً لينكفئ مسرعاً و متراجعاً بذات الهيئة المضحكة وبمشيته التي تشبه سير الحافي على الجمر.
استدار نصف استدارة باتجاه صف المتاجر المطلة على الرصيف ، طأطأ رأسه ، عاد ورفعه ثانيةً باتجاه السماء ثم هوى ببصره على أحد المحلات سار باتجاهه ، ليس المحل بل هو سار باتجاه المحل ، خطوات متثاقلة ومتعثرة ، وقف أمام المحل ، كان متجراً يبيع المجوهرات ، اقترب من الزجاج ، أمْعن النظر ، شده عقدٌ ذهبي تتوسطه جوهرة خضراء ، ابتعد عن الزجاج ، لم يحاول تكرار التجربة السابقة ، عَاجَل الموقف بالرحيل بذات المسير و الهوينه.
عاد إلى بقعة تتوسط موقعيه السابقين ، رمق الجهة الأخرى بنظرة متعبة ، التفت عن يمينه ، ذات المشهد ، حاول اقتناص بعض الفرص ، لكن المحركات الحديثة كانت كفيلة بسد أي منفذ ، تراجع خطوة إلى الوراء عندما اقتربت منه إحدى السيارات المسرعة ، أحس بالخوف على حياته مرة أخرى .... وأي حياةٍ هِي..!!!
أحس بالإرهاق ، امتزج هذه المرة بما يشبه اليأس من العبور ، التفت عني يمينه من جديد ، حاول التقدم بعد أن رفع يده اليمنى ملوحاً في الهواء ، كادت تصدمه سيارة مسرعة ، صرخ به أحد السائقين قائلاً :-
ابتعد عن الطريق أيها المجنون .
أذعَن لما قيل له ، ابتعد عن الطريق ، توقف عند حافة الرصيف استعاد أنفاسه من جديد ، هدأت نفسه ، عاودته فكرة العبور من جديد ، التفت عن يمينه وعن شماله ، كان كل ما يتمناه في تلك اللحظة أن يعبر سالماً إلى تلك الجهة ، بالتأكيد هو يخاف على حياته ، أطرق رأسه ، عاد ورفعها من جديد ، تراجع خطواتٍ إلى الوراء ، بدا وكأنه ثور غاضب ينوي مهاجمة أحد ، ثم اندفع إلى الأمام بشكل سريع وعند حافة الرصيف ، تراجع عن فكرته.
كان الخوف من الدهس قد استوقفه عند حافة الرصيف ، لازال حتى هذه اللحظة يخاف على حياته ......وأي حياةٍ هِي .!!!
تَسمّر قبالة وجهته، لم يغير موقعه، أصرّ على أن يصل منطلقاً من هذه النقطة، أطال الوقوف، كان مشهد السيارات المسرعة والمتراصة وكأنه سرمدي أزلي لا ينتهي أو أن نهايته بعيدة وبعيدة جداً.
أصابه الإعياء، نالت منه الشمس، أيضاً محاولات العبور الفاشلة، أتعبه الوقوف، شعر بأنه في أسوء حالاته،
دارت به الدنيا ، تراجع عن حافة الطريق ، جلس على الرصيف ، لم يجلس بل وقع جالساً كان التعب والإعياء قد ساماه سوء الإجهاد ، أحس بأنه لا يقوى على النهوض ، كان الرصيف المقابل يدور حوله من اليمين إلى اليسار بعد أن كان قبالة وجهه ، كلُ ما يحيط به شارك في الدوران من حوله ، أحس بألم وصداع شديدين ، لم تتغير تقاسيم وجهه رغم نوبات الصداع التي أصابته .
اقترب منه أحد المارة ، انحنى باتجاهه حيث يجلس، رمى في حجره قطعة نقود معدنية ، ثم أكمل مسيره وعبر الشارع.
انتبه إلى وقوع ذاك الشيء في حجره، نظر باتجاه تلك العملة، حدّق بها، التقطها وابتسم، ابتسم ثم ضحك.
ضحك بصوتٍ عال وتعالت قهقهته ، قرّب تلك القطعة النقدية من عينه ، تفحصها ، قلّبها ، دقق في نقشها وسبكها ، أدارها حول نفسها عشرات المرات ، ثم أقامها بين السبابة والإبهام ، قرأ عبارة نقشت على أحد وجهي العملة .
قرأها بصوت عالي :-
خمسة قروش...العدلُ أساس الملك.

محمد سحيم
E – mail : [email protected]



#محمد_سحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سحيم - خمسة قروش ...العدل أساس الملك ..!!