ليلى دره
الحوار المتمدن-العدد: 1996 - 2007 / 8 / 3 - 08:56
المحور:
الادب والفن
(1)
للأديبة السورية غادة السمان مقالات قديمة عرضت فيها موقفها من كثير من الأفلام العربية ، وهو موقف يتضح من خلال ما قامت به من تعداد ( لمزايا ) الفيلم العربي التي لم ولن تتوفر لأي من الأ فلام الغربية !!!
ومن تلك الميزات :
1. أن الفيلم العربيّ فيلم ( عمليّ ) ، فالمشاهد يستطيع أن يكتفي بالمشهد الأول أو بالمشهد الأخير من الفيلم ليفهم البقية كلها ودون أن يفوته شيء ، أو يعطل أعماله وأوقاته !
2. والفيلم العربيّ فيه تسهيلات لذوي العاهات ، إذ يمكن المصابين بالصمم من متابعته والاستمتاع به لخلوه من أي حوار ذي قيمة ، وللتفكك الكامل بين الشخصيات والأحداث !
3. وشخصيات الأفلام العربية تنطبع في نفس المتفرج إلى الحد الذي يستطيع فيه أن يميزها ويتنبأ بقصتها فور ظهورها ، فيكفي أن ترى فتاة ترتدي قميصاً ( رجالياً ) سيء الكي ، وقد رفعت شعرها بإهمال ، ووضعت نظارات طبية ، حتى تدرك فوراً أنها أمام امرأة مثقفة ، تطالب بمساواتها بالرجل ثم تلتقي برجل (حمش) يعيدها إلى مكانها في المطبخ نادمة تائبة !
وفي مقالة أخرى كتبتها بعد مشاهدتها لفيلم " خلي بالك من زوزو " ، عرضت آراء لا تقل قسوة عما سبق فقد رأت أن الفيلم وإن بدا للوهلة الأولى يطرح مشكلات معاصرة لكنه يعالجها بعين عتيقة و رجعية المنطلقات ، فغادة السمان تعتقد أن الفيلم مثلا يدعي محاولة تبديل مفهوم الشرف ، لكنه يحاول ذلك بصورة سطحية محافظا على كل مفاهيمه العتيقة ، فهو مثلا يحرص على أن تظل ( عفة ) زوزو الجسدية نقية ويتم إنقاذها قبل الدخول إلى عالم الكباريه خطوة واحدة وإلا ( فسدت ) ولم يعد ممكنا تزويجها من البطل آخر الفيلم .
والفيلم كما رأت غادة السمان يدعي وجود تفاهم فكري عصري بين البطل المثقف والبطلة الراقصة بنت الجامعة ، غير أن الخلاف الفكري الوحيد الذي نشب بين العاشقين حسمته صفعة من يد سعيد على خد زوزو وهو يصرخ بها : " يلا خشي غرفتك معندناش بنات يرقصوا في الكباريه " صفعة على طريقة ( الواد الحمش) وعلى طريقة كل الصفعات التي تثبت أن المرأة مهما تعلمت فهي بنصف عقل ، والصفعة هي الحوار الوحيد الممكن بينها وبين الرجل ... ( القبلة أو الصفعة وباقي الكلام ثرثرة لا أهمية لها في ساعة الحسم !!!) .
وتستعرض غادة السمان ساخرة بعضا من تقاليد السينما التي حافظ عليها الفيلم من مثل مطارحة سماعة التلفون الغرام ، والمكائد (النسوانية )حيث تستأجر أم زوزو لترقص في حفل زواج أخت سعيد ، ويأتي سعيد ومعه خطيبته الجامعية زوزو التي تفاجأ بأمها في حالة (هزّ يا وزّ ) ويتم بذلك تحقير زوزو أمام الطبقة (الباشوية) الملامح التي تحضر الحفل !
تكتب غادة السمان مستعرضة نقائص الفيلم التي لا تنتهي إلى أن تقرر أنها لن تكرر محنة مشاهدة فيلم عربي من جديد !
(2)
لطالما أثارت كتابات غادة السمان اهتمامي ويبدو أنني تأثرت برأيها في " خلي بالك من زوزو" فلم أتشجع لمشاهدته حتى مع علمي أن كاتب " يا واد يا تقيل " هو الشاعر صلاح جاهين !
لكنني غيرت رأيي ، وما زلت حتى هذه اللحظة أتمنى لو أتمكن من مشاهدة " خلي بالك من زوزو " ، ولكنني اكتفيت بسماع " يا واد يا تقيل " وما زلت استمتع بسماعها .
أما السبب في ذلك فهو أنني تفاجأت بأن المفكر العربي الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري يتحدث عن هذا الفيلم بطريقة رائعة في سيرته غير الذاتية ، وكذا في مقالة له حول الفيديو كليب والجسد والعولمة نشرها في صحيفة الأهرام .
في تلك المقالة يرى الدكتور المسيري أن " سعاد حسني" في " خلي بالك من زوزو " حاولت أن توسع من الإمكانات التعبيرية للرقص البلدي, إذ قدمت مرثية عالم أمها الراقصة التقليدية من خلال رقصة حزينة في حين كان شفيق جلال يغني أغنية (لا تبكي ياعين علي اللي فات ولا اللي قلبه حجر) ،
ويعتقد الدكتور المسيري أن هذه كانت المحاولة الأولي والأخيرة لفصل الرقص البلدي عن الإثارة الجنسية. في حين أن ما تفعله الفيديو كليبات هو عكس ذلك تماما.
وفي معرض حديث الدكتور المسيري في مقالته تلك عن الفيديو كليب والجسد ، يقارن بين ( كده )التي تقولها سعاد حسني بـ ( كده) التي تقولها " روبي" بجسدها فيقول :
" ( كده ) التي قالتها سعاد حسني كانت عبارة عن إعلان استقلال الفتاة المصرية ورفضها أن تكون كائنا سلبيا في علاقتها بالرجل الذي تحبه, فزوزو لا تبكي ولا تنهزم حينما تقع في غرام البطل وإنما تهز رأسها بطريقة غزلة لعوب وتقول: يا واد يا تقيل, ثم تقرر اصطياده, وتنط كما الزمبلك من كنبة لكرسي لترابيزة وتغني أغنية الأنثي الجديدة, فتصف صاحبنا بأنه بارد كجراح بريطاني هادي وراسي وكأنه أمين شرطة أو دبلوماسي( وكلاهما صاحب سلطة ومكر ودهاء) وهو متحفظ للغاية يرد بالقطارة فكأنه الرجل الغامض( الشخصية الروائية الأفرنكية غير الحقيقية), ويسير كأنه تمثال رمسيس الثاني( الفرعون المغرم بالتماثيل الضخمة). والإشارات هنا تدل كلها علي الذكورة والفحولة والضخامة والسيطرة, ولكن السياق والنبرة العامة للأغنية يدلان علي أن الغرض من التضخيم ليس التفخيم وإنما فضح ادعاءات الرجل المصري عن نفسه, ولذلك فكل صور الفخامة تسبقها عبارات مثل ماتقولشي وبسلامته واسم الله, وهي عبارات تشككنا في جدية هذه الصور وتحول الذكر الضخم إلي طفل صغير تتلاعب به هذه الأنثى الحقيقية. وحينما يقف أبو شوارب ويعلن أن الكون مش قد مقامه وأنه أطول واحد في الحارة نعرف انه ضحية مؤامرة تشهير ضخمة وأن الفتاة الزمبلك قد نصبت له فخا, وأوهمته أنه الصياد المفترس التقيل, وهو في واقع الأمر ليس سوي صيدة سهلة ولقمة سائغة, إنها تعلم أنه لاداعي للمقاومة فهو لن يغلبها رغم ضخامته الأسطورية ورغم ثقله التاريخي. كل هذا يقف علي طرف النقيض من كده في أغنية روبي, فهي إعلان أن الفتاة أن هي إلا جسد متحرك لذيذ, واللي ما يشتري يتفرج. إنها في نهاية الأمر مفعول به, رغم جاذبيتها الجنسية التي لايمكن إنكارها! "
(3)
بدت لي تلك الآراء طريفة جدا ، خاصة أنها صادرة عن مفكر عربي كبير ، لا يجد حرجا في الكتابة عن الفيديو كليب وعن " يا واد يا تقيل " في الوقت الذي عودنا مثقفو الأمة ومفكروها على أن اهتماماتهم غير اهتمامات ( العوام ) وقضاياهم الجليلة لا يمكن أن تنبت في تراب هذه الأرض ، فهم كائنات كونية و منزهة عن كل ما هو يومي وشائع .
ولكن آراء المسيري الطريفة تلك وإن كانت كفيلة بتغيير النظرة إلى فيلم " خلي بالك من زوزو " إلا أنها ، لن تضعف قناعات الكثيرين بقرار غادة السمان : أن لا تتورط بمشاهدة فيلم عربي !!
قرار قاس كانت قد أعلنته الأديبة المبدعة قبل أكثر من عشرين عاما إلا أنه ويا لخيبة الأمل ، يبدو صالحاً ومناسباً لأن يتخذ في أيامنا هذه ...
فمن منا لم يغلب خيار الاستمتاع بمشاهدة فيلم غربي على خيار مشاهدة فيلم عربي ، دون أن يندم على خياره ، خاصة إذا كان الفيلم الغربي من ذلك النوع من الأفلام التي لا توحد الجمهور بقدر ما تشرخ هذا الجمهور ، وتثير أسئة لا تنتهي بعيدا عن فن كسول يدعي القدرة على تقديم الإجابات الكاملة .
ومن منا لم يقل في نفسه قبل الشروع بمتابعة فيلم عربي : " لا يلدغ المتفرج الحاذق من فيلم عربي مرتين "؟!
#ليلى_دره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟