بعد انهاء حكومة الاحتلال حصارها لمقر الرئيس عرفات في ايار من العام المنصرم ، وفي اقل من عام ونصف جرى تشكيل ثلاث حكومات فلسطينية . واذا كانت التشكيلة الاولى والثانية قد انهارتا بفعل عدم استحسانهما من قبل أمريكا وإسرائيل ، فان الحكومة الثالثة قد أضافت بعدا جديدا في التناقض تمظهر في الخلاف على الصلاحيات بين مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء ، وهذه أولى مقدمات تطبيق خارطة الطريق التي يشكل جوهرها نقل التناقض الى الداخل الفلسطيني، واليوم وفي اطار استعداد الاخ ابو العلاء لتشكيل حكومته الجديدة بعد استقالة الاخ محمود عباس من منصبه كرئيساً لوزراء الحكومة السابقة ، تتناثر في حمى المناخ المحيط شعارات واقتراحات متنوعة ( حكومة ائتلاف وطني ) تمييز ايجابي للمرأة ..... ولأنني لا اجرد أحدا او فئة من دوافعه النبيلة ، ومع ان الواجب يدعوا الجميع لاحترام الاجتهادات المتباينة كأساس لتكريس الديمقراطية في الحياة السياسية الفلسطينية ، ومع كل ذلك يبقى سؤالا معلقا لا بد من الإجابة عليه ، فهل تشكيل حكومة او حتى اربعة يمثل استحقاقا فلسطينيا داخليا وضرورة للدفع بقضيتنا الوطنية خطوات إلى الأمام او مخرجاً حقيقيا من الازمة الداخلية المستعصية؟
الإجابة على هذا السؤال تثير عدة اسئلة ، لماذا يجب علينا كشعب تشكيل حكومة جديدة بعيدا عن الطرق والقوانين التي يمليها عمل المؤسسات الديمقراطية حتى يجري تفعيل خارطة الطريق؟ نسأل هذا السؤال وفي الأذهان يتوارد سيناريو تعاطي أمريكا وما يسمى بالرباعية الدولية مع إسرائيل وفي نفس سياق الإعداد لبلورة خارطة الطريق أيضا ، فقد أعطيت إسرائيل المهلة التي تحتاجها لإبداء ملاحظاتها على هذا المشروع وتم انتظار استحقاق الانتخابات الإسرائيلية وفرز حكومة ومؤسسة تشريعية منتخبة، فلماذا لا يسحب هذا الحق كأحد ركائز حق تقرير المصير الذي تقره مواثيق وقوانين الشرعية الدولية على الشعب الفلسطيني ؟ وهذا الاستثناء غير المنطقي الا يعكس استخفافا بشعبنا وحقوقه ويطرح الف سؤال حول مغزى المشروع السياسي الجديد ومستوى قدرته وقدرة القوى الدولية الحاضنة له على الدفع لتحقيق اتفاق سلام او حتى تسوية تؤمن حقوق شعبنا المضمنة في نصوص قرارات الشرعية الدولية؟ فهل يريد المجتمع الدولي تحقيق السلام بين إسرائيل وزعيم فلسطيني، ام فئة بمعزل عن إرادة الشعب الفلسطيني ام مع ممثلية الذين يعكسون تطلعاته ورغباته ؟ الا يستدعي هذا المنطق الصائب والمنسجم مع القانون الدولي ان يعطى شعبنا الحق في انتخاب مؤسساته أولا ويفرز مؤسساته الشرعية كجزء من آليات حق تقرير مصيره لتقرر الأغلبية المنتخبة موقفها من مشروع خارطة الطريق .
وإذا كانت الإجابة على ما سبق من أسئلة يمكن تلخيصها بان إسرائيل سترفض أي اقتراح لا يستجيب لرؤيتها او للآليات التي تراها لمسار اي مفاوضات او تحرك سياسي يستهدف إنهاء معضلات وأسباب الصراع، واذا كان الامر كذلك ؟ وربما يضيف البعض ان هذه إرادة المجتمع الدولي التي لا يمكن معاندة رياحها .
. الا يشكل قبول هذا المنطق استدخال الهزيمة والاقرار بها ؟ الا يحق لشعبنا ان يرفض هذا المنطق المهزوم بل وان يحاكم من سمح لنفسه بإقرار هذه الهزيمة دون العودة للشعب، الا يستطيع شعبنا ان يصر على مطالبة هذه الدول وفي مقدمتها امريكا التي تتشدق بدعواتها لاشاعة الديمقراطية في العالم العربي بل والعالم اجمع ، الا يحق له المطالبة بان تاخذ هذه الرباعية دورها في توفير كافة مقومات ممارسة شعبنا لحقوقة ؟
أليس غريبا أيضا ان يصر البعض منا وبمعزل عن أهليته او حتى شرعيته ان ينصب نفسه قيما على شعبنا ويقرر له ما يشاء ؟ من اعطى الحق للجنة فتح المركزية وبمعزل عن نواياها لتقرر نيابة عن شعبنا ومؤسساته، المسارات السياسية لشعبنا ؟
أتساءل وفي ذهني ان كافة مؤسسات شعبنا الوطنية ، المجلس التشريعي ، مؤسسات المنظمة، قد تجاوزت الفترة الزمنية التي تمنحها لها أنظمتها الداخلية صلاحيات ممارسة دورها، وأضيف على ذلك المنظمات والاتحادات الشعبية الفلسطينية ، والمجالس البلدية والقروية .
وحتى لا يعتقد البعض انني احاكم منطقا تعسفيا بأخر لا يقل عنه تعسفا، فان مسار السنة ونصف الأخيرة وما راكمته من تناقضات داخل مؤسسات السلطة نفسها وداخل لجنة فتح المركزية اذ لم اقل في عموم التنظيم ، هذا التناقض الذي تمظهر باسوء صورة في الصراع بين الرئيس ورئيس الوزراء ، وشكل مناخا مواتيا كي ترفع الحكومة الصهيونية درجة تدخلها في الشأن الفلسطيني الداخلي حين أقرت إبعاد الاخ الرئيس عرفات من حيث المبدأ ، كما يمكن ان نراه في قرارات الرباعية الدولية ، التي لا يمكن ان يشفع لها دعوتها لوقف الاستيطان حين تشرع لإسرائيل الحق في استمرار عدوانها على شعبنا تحت يافطة الدفاع عن النفس ، وكأن الشعب الفلسطيني محتلاً ويمارس إرهاب الاحتلال على الكيان الصهيوني ومستوطنيه.
فالأزمة الفلسطينية الراهنة سببها استدخال كافة أشكال الاملاءات الخارجية التي تشكل تدخلا غير مشروعا في الشأن الفلسطيني الداخلي، والترويج لها وكأنها استحقاقات ضرورية تتطلبها المصلحة الوطنية العليا لشعبنا ، فلا التشكيل الجديد وما قد يليه من حكومات مشكلة على اساس هذه القاعدة ستحرر الوضع الداخلي الفلسطيني من اسباب تفاقم ازمتة ، ان ما يمكن ان يضعنا على ابواب مغادرة ألازمة هو تحصين الوضع الداخلي الفلسطيني والتهيئة لإعادة بنائه ديمقراطيا بالعودة لجماهير شعبنا وتوفير كافة مقومات ممارسته لحقه في اختيار ممثليه لقيادة مؤسساته السياسية والمهنية ، مؤسسات السلطة والمنظمة ، والنقابات والاتحادات الشعبية .... الخ .
او استمرار النضال من اجل توفيرهذه المقومات اذا كانت معطيات الواقع وإجراءات الاحتلال تعيق إجراء انتخابات للمؤسسات السياسية المفصلية ، وفي نفس الوقت العمل على بناء القيادة الموحدة كمرجعية سياسية عليا لشعبنا لاتخاذ القرارات المفصلية التي ترسم اتجاهات نضاله وتضعه على الطريق التي تقود في الغد القريب الى محطة ممارسته لحقه في تقرير مصيره كمحطة تمهد لإنجاز أهدافه الوطنية الثابتة في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة ، لذا فان ما ينبغي عمله الان ويمثل أركان الاستحقاقات الفلسطينية الداخلية الراهنة وعصب الوحدة الشعبية والوطنية هو :
1- وقف كافة النشاطات لتشكيل الحكومة الفلسطينية الداخلية وإبقاء الحكومة السابقة كأداة لتصريف الأمور حتى يتم انتخاب المرجعية التشريعية الجديدة واذا تطلب الامر اجراء بعض التعديلات بهدف ملئ الشواغر الضرورية .
2- ان يناط بالقيادة الموحدة التي لا بد من بنائها كضرورة واستحقاق فلسطيني داخلي مهمة اعداد القانون الانتخابي العام للمجلس الوطني الفلسطيني كأعلى هيئة تشريعية فلسطينية وأداة لمشاركة كافة تجمعات شعبنا في رسم القرارات المصيرية التي تقتضيها المرحلة، وعلى أساس هذا القانون يمكن صياغة القانون الأساسي لانتخابات المجلس التشريعي بوصفة جزءاً من المجلس الوطني ، ويمثل اعضاؤه المنتخبين عضويه المجلس من الداخل، كما يمكن ان تشكل نسبتهم أساسا لتوزيع عضوية المجلس الوطني على كافة تجمعات شعبنا الفلسطيني. ولان الانتخابات ليست هدفا بحد ذاتها خاصة في الظرف الراهن ،ولان المهمة الرئيسية التي يجب ان يتصدى لها الجميع هي طرد الاحتلال وانجاز الاستقلال الوطني ، لذا فان اعادة البناء للبيت الفلسطيني الداخلي بطريقة ديمقراطية ليست مستعصية في حال توفر الارادة لدى اصحاب القرار في الهرم القيادي الفلسطيني مهما تعقدت الظروف ، فهناك اكثر من طريقة لاعادة هيكلة منظمة التحرير لتشكل الاطار الذي يمثل كافة مؤسسات شعبنا وتعبيراته السياسية والاجتماعية بنفس حجومها ونسبتها في الشارع الفلسطيني أي تركيب يقترب من نتائج العملية الديمقراطية، المهم ان يجري تحشيد وتمثيل كافة قوى شعبنا السياسية والاجتماعية في اطار اداة سياسية قيادية واحدة هي منظمة التحرير .
3- وضع خطة وبرنامج نضالي لتفعيل المقاومة الشعبية الفلسطينية بكافة أساليبها تحت إدارة وتوجيه القيادة الموحدة ، بما في ذلك العمل الدبلوماسي اللازم لانتزاع حقوق شعبنا في ممارسته لحقه في تقرير المصير، وإجراء الانتخابات كإحدى آليات ممارسة هذا الحق ، وهنا فنحن لا نطالب المجتمع الدولي بما هو غير واقعي بل بأبسط الحقوق التي تنص عليه المواثيق والقوانين الدولية .
وأخيرا فان شق طريق انتزاع استقلالنا وحقوقنا الوطنية في ظل معادلات القوى العالمية الراهنة والمنطق الدولي الذي وجد ان اقصر الطرق لتحريك المسار السياسي في فلسطين هو ممارسة ضغوطه وفرض املاءاتة على شعبنا وقيادته السياسية وليس على الاحتلال، فالمنطق المقلوب ليس وليدا لخارطة الطريق فقط ،بل وجدت مقدماته منذ ان وافقت القيادة السياسية المهيمنة على القرار في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية عند قبولها لاشتراطات مسار مدريد - اوسلو ، وما هو مطروح من رؤية ومشروع نضالي يستهدف تصحيح هذا المنطق المقلوب وتمليك شعبنا الحصانة الضرورية لوقف أي اختراق او تدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي .
الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
احمد سعدات
28/9/2003