حسام السراي
الحوار المتمدن-العدد: 1993 - 2007 / 7 / 31 - 11:56
المحور:
مقابلات و حوارات
حاوره: حسام السراي
أكد د. كاظم حبيب ان الديمقراطية في العراق ما زالت بعيدة عن ان تكون سلوكا اجتماعيا وجمعيا واعياً للعراقيات والعراقيين، ووصف المؤسسات الدينية فيه انها متباينة، مواقف بعضها اخذ يؤخر تطبيق الديمقراطية وتطور البلد، في الوقت الذي لم ينس فيه الدور الايجابي لرجال دين اخرين في العملية السياسية الحالية، وبخصوص اشكالية الدين والدولة، أشار الى ضرورة فهم العلمانية جيدا، وما تدعو اليه من مجتمع مدني ديمقراطي يعترف بحقوق المواطنة، ونوه الى ضرورة ألا تأخذ الفتاوى طابعا سياسيا، وفيما يتعلق بمجلس النواب، حدد مجموعة التحديات التي تواجهه الان، وأهمها دعم الحكومة، لتؤدي واجباتها على اتم وجه، معتقدا ان العراق اتحادي يتكون من فيدراليتين (كردستنانية ووادي الرافدين) وحكومة مركزية، وبخلافه ستكون الفيدراليات المكونة حديثا طائفية سياسية، برغم ما يقال عنها انها جغرافية وتاريخية، مطالبا بإلغاء الثقافة الذكورية، لان المرأة لم تخلق للمطبخ فقط، فهي تستطيع فرض حقوقها ومصالحها وإرادتها الحرة كامرأة على المجتمع، وان تصبح رئيس جمهورية ورئيس وزراء او رئيس مجلس نواب، وبين د. حبيب حاجة العراق الى مثقف مبدع يعبر عن ذاته وعن المجتمع من دون ان يوجه نداءه مباشرة إليه، وبخصوص المقاربة التي يطرحها البعض بين وضع كردستان بعد انتفاضة 1991، والوضع العراقي بعد سقوط صدام، قال: إن الصراع بين الحزبين في كردستان لم يكن أيديولوجيا، إلا إن ما يحصل الآن في بقية مناطق العراق، هو صراع أيديولوجي وصراع طائفي.
حرية واسعة إلى حد الفوضى
* هل بدأ مفهوم الديمقراطية يتحول إلى سلوك مجتمعي في العراق؟
ـ هذا المفهوم ما زال بعيدا عن أن يكون سلوكا اجتماعيا وجمعيا للعراقيات والعراقيين، فنحن الآن نمتلك الحرية المحدودة التي لا نستطيع استخدامها بصورة فعالة وايجابية بسبب الإرهاب الذي تمارسه قوى كثيرة، وخذ على سبيل المثال لا الحصر, جمهرة الصحفيين الذين قتلوا، والأساتذة والأكاديميين والعلماء والمثقفين والناس البسطاء، الذين يقتلون يومياً في الشوارع، فجميع هؤلاء لا يملكون حريتهم الفعلية، برغم إنها موجودة نظرياً وبإمكان الإنسان اليوم التحدث بما يشاء، لكنه يمكن أن يقتل في أي لحظة، فالحرية الموجودة الآن واسعة إلى حد الفوضى أو بتعبير فوضى الحرية، والديمقراطية عملية معقدة ومركبة ومتشابكة وطويلة الأمد, وهي سلوك اجتماعي يتطور بتطور المجتمع وتغيير القاعدة الاقتصادية للمجتمع وتغيير البنية الاجتماعية أيضا، بعدد كبير من العوامل التي يفترض أن تتوفر من خلالها مستلزمات الديمقراطية كالمجتمع المدني غير العشائري والإقطاعي والفلاحي الريفي المتخلف، ومن ثم نحتاج إلى تغيير عادات وتقاليد المجتمع تدريجيا وهي عملية طويلة الأمد وعبرها تتطور الديمقراطية ويتطور معها الإنسان وعيا وممارسة، بوجود تنوير قيمي اجتماعي لنستطيع الوصول إلى مرحلة يرى فيها الإنسان أخاه متساويا معه بغض النظر عن تفكيره ونشاطه واتجاهاته وحيويته.
رؤية قاصرة للإسلام
* فيما يتعلق بنفس الموضوع، كيف ننظر لدور رجال الدين والهيئات الدينية في عملية التغيير، وهل ترى إنهم يقومون بما هو مطلوب منهم؟
ـ المؤسسات الدينية الموجودة في العراق، مؤسسات متباينة، هناك رجال دين واعون ويلعبون دورا ايجابيا في العملية السياسية الجارية، إلا إن هناك آخرين لا يعون واجبهم ولا يفهمون من الدين الكثير، فتراهم يستخدمونه لأغراضهم الخاصة وبصورة غير حضارية، كونهم غير متنورين أو واعين للتحولات الجارية حولهم وفي العالم التي تستوجب تحولا في المفاهيم والممارسات وأمام الوضع الاستثنائي نجد رؤيا قاصرة للإسلام، في الوقت الذي يفترض أن يفهم الإسلام في إطار عصره أو في إطار الفترة التي ظهر بها، ويفترض أيضاً أن تؤخذ بنظر الاعتبار التغيرات الجارية، عندما نتعامل مع الدين ونمارسه ونفهمه، فلا تلعب كل المؤسسات الدينية الدور الايجابي، إذ أن هناك مواقف لرجال دين تؤخر تطبيق الديمقراطية وتطور وتقدم المجتمع، مثال ذلك مواقفهم من حرية الفرد ومن حقوق المرأة ومن قضية الفنون والموسيقى والمسرح والغناء والفن التشكيلي والرياضة عموماً والرياضة النسوية على نحو خاص، فالفتاوى الصادرة منهم بخصوص هذه القضايا عجيبة وغريبة, لكنها مقبولة من قبل أتباعهم, ومرفوضة من قبل بقية المجتمع، من الجانبين الديني والاجتماعي وليس الجانب السياسي فقط، لأنهم يدفعون بالمجتمع إلى اتجاهات غيبية غير عقلانية، تجعلهم بعيدين جدا عن الدين الإسلامي وفهمه. إضافة لما سبق ينبغي ألا تأخذ الفتاوى طابعا سياسيا، يميز بين الأحزاب السياسية القائمة في العراق، وتخلق الصراعات فيما بينها، لتفضيل احدها على الأخر، فعلى الأحزاب ألا تورط المرجعيات في السياسة لنحافظ على كرامتها ومكانتها لدى العراقيين.
دولة تحافظ على جميع المواطنين
* تقول في مقالات سابقة هل من بديل لشعار الدين لله والوطن للجميع، أيمثل ذلك تساؤلا ينطوي على اليأس من القوى الديمقراطية الحقيقية ومشروعها الذي يفصل الدين عن الدولة في العراق؟
ـ إنها دعوة صريحة وواضحة لان نكون مدنيين ديمقراطيين، فالعلمانية لا تعد كفرا أو إلحادا، أو مذهبا أو دينا، وإنما هي موقف يميز بين الدين والدول وبين دوريهما، تدعو لان يكون الدين لله والوطن للجميع، فالدولة مستقلة عن الدين تحترمه وتصونه وتدافع عن أتباع الديانات والمذاهب المختلفة، على أساس إن الدولة تحافظ على جميع المواطنات والمواطنين بمختلف أديانهم ومذاهبهم وأفكارهم واتجاهاتهم السياسية. فعندما يصبح الوطن والدولة للجميع ونفصل الدين عن الدولة، يكون للمواطنة والمواطن العراقي حق المواطنة سواء عربيا أكان أم كرديا أم تركمانيا أم آشوريا، كلدانيا، سريانيا أم من إي دين إسلامي، مسيحي، صابئي إيزيدي، كاكائي, شبكي، فكلهم مواطنون لهم حقوقهم وواجباتهم التي كفلها لهم الدستور وعموماً كلما التحمت الدولة بالدين، وظف الحكام المؤسسات الدينية ورجال الدين وسخروهم لمصلحتهم وهذه مألوفة لدينا منذ أيام العهد الأموي. لذا علينا أن نفهم العلمانية جيدا، فهي ليست مذهبا إلحاديا أو إيديولوجية، إنها موقف يؤطر العلاقة بين الدولة والدين، وهي تدعو إلى إقامة المجتمع المدني الديمقراطي الذي يعترف بحقوق المواطنة للجميع.
خطورة الاصطفاف الطائفي
* أراد منفذو تفجير المرقدين في سامراء أن يفتكوا بوحدة الوطن، إلى متى ستبقى ثقافة التعايش تتلقى مزيدا من الصفعات التي تستهدف تفرقة أبناء العراق؟
ـإن الذين فجروا مرقدي الإمامين، هم جماعة تريد إشعال نار الطائفية السياسية في العراق، وهؤلاء هم الإرهابيون التكفيريون بمختلف أصنافهم والصداميون القمعيون الذين يناوءون وحدة العراق ويكرهون إقامة الديمقراطية فيه, إذ أنهم يعتبرون الديمقراطية خطرا عليهم. ومن هذا المنطلق يجب الانتباه إلى أن الاصطفاف الطائفي السياسي في العراق ليس سليما بل يلحق أضراراً فادحة بالفرد والمجتمع، وان الأحزاب السياسية الإسلامية سنية كانت أم شيعية لعبت على وتر الطائفية السياسية وعمقت الاستقطاب والاصطفاف الطائفي في العراق وساهمت في تشديد الصراع ما بين الطائفتين لإغراض ضيقة كالانتخابات, وهذا يشكل خطراً كبيراً على مستقبل العراق وأجياله ووحدته، فالعراق بحاجة إلى وحدة شعبه بكل مكوناته القومية والدينية والفكرية والسياسية، لكن بعض القوى تحاول تدمير الوحدة الوطنية، وهنا على الأحزاب السياسية الإسلامية التخلي عن خط الاصطفاف الطائفي الذي تسير عليه، فالتمزيق لوحدة العراق لا يستفيد منه إلا الإرهابيون الذين يريدون الظلامية للبلد أو إعادة نظام البعث المقبور، ونحن لا نرغب بان تكون الدولة في العراق، رجعية مثلما كانت في أفغانستان أو دولة مشابهة لإيران، نريد دولة ديمقراطية اتحادية تعددية تؤمن بالحرية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات، دولة تقوم على أساس الدستور وتداول السلطة بالطرق السلمية والبرلمانية وان تحقق العدالة الاجتماعية وهذا هو جوهر ما نسعى إليه.
الاستفادة من أخطاء الحكومات السابقة
* أترى أفقا ضيقا في تفكير الأحزاب السياسية العراقية الآن؟
ـ نعم، والصراع على السلطة تعبير عن الصراع حول مستقبل العراق، والذهنية الطامحة للسيطرة على كل المراكز لتتحكم بسياسة العراق يجب أن تسقط وآلا تنتصر، لأنها ذهنية هيمنة ونحن سئمنا من الهيمنة على امتداد عقود من الزمن، ونحتاج شيئا أخر لا توفره السياسات الراهنة، وأتمنى أن تستفيد حكومة الوحدة الوطنية الحالية من أخطاء حكومتي علاوي والجعفري ومن الفردية في سياسة هذين الشخصين على أساس إن احديهما علماني والثاني إسلامي، ونأمل أن يتبع رئيس الوزراء نوري المالكي سياسة مشتركة تجمع القوى السياسية ووحدتها وتتفق على هذه السياسة جميع هذه القوى لمحاربة الإرهاب ولضمان استقرار العراق والقضاء على الفساد الإداري المنتشر في دوائر الدولة، فالإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة يقودان المجتمع إلى عواقب سلبية.
بنية مجلس النواب غير متوازنة
* كيف تنظر لمجلس النواب والتشكيلة التي جاء بها؟
ـ العملية السياسية في العراق صعبة ومعقدة جدا، وهناك وعي مجتمعي مشوه بعيد عن الواقع وعن فهم ما يفترض أن يبنى على أساسه العراق، ومجلس النواب الحالي هو من هذا المجتمع وبنيته لا تزال غير متوازنة ولا تعبر عن حقيقة الواقع الاجتماعي والسياسي، ومع ذلك نقول إن هذا المجلس عليه السير باتجاه ديمقراطي وان يلتزم بالدستور وتعديله كما اتفق في البدء, وان نبعد الدستور عن أن يكون حمال أوجه, كما هو عليه الآن, وضرورة خلوه من أي نقاط ضعف، وان أهم التحديات أمام مجلس النواب:
1. إعادة النظر بعدد من المواد الدستورية.
2. دعم الحكومة لتؤدي واجباتها على أتم وجه، لأننا نواجه تحديات الإرهاب وسوء الخدمات والبطالة الواسعة والتضخم الكبير في الأسعار والاستيراد المنفلت الذي يزيد من تخلف الصناعة الوطنية والمشاريع الصناعية متوقفة لا يعمل منها إلا القليل والزراعة لا توفر السلع الغذائية الضرورية للاستهلاك المحلي، فالأموال التي نحصل عليها من صادرات النفط لا تصرف على التنمية وإنما من اجل إشباع حاجات السوق الداخلية وهذه أيضا من جملة التحديات أمام الحكومة والتي عليها إسقاط الطائفية والصراع الطائفي السياسي القائم ومنع تدخلات دول الجوار العراقي، سواء أكانت سوريا أم إيران أم تركيا أم غيرها، ليس التدخل من قبل الحكومات الرسمية في هذه الدول فقط، بل ومن قوى سياسية أيضا موجودة فيها تساند الإرهاب وتمده بالسلاح والأموال وتسمح بتسلل الإرهابيين إلى العراق، وأمامها أيضا مشكلة إنهاء وجود الميليشيات العلنية والسرية والموقف من كركوك في ضوء المادة” 58 “ من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية وما ورد في الدستور بهذا الصدد.
فيدرالية وادي الرافدين
* كانت لديك مجموعة من التحفظات على بعض الطروحات المتعلقة بتطبيق الفيدرالية، واعتراضات أخرى على بنود من الدستور، نريد أن نفهم أسباب ذلك؟
- يمكن أن تقام في العراق فيدراليتان، فيدرالية كردستانية وفيدرالية عربية أو فيدرالية وادي الرافدين، هاتان الفيدراليتان تمتلكان إمكانيات العيش والتفاعل لأنها أولا تمثل قومية كردية في كردستان العراق مع قوميات أخرى متآخية وفي الجانب الأخر تكون الفيدرالية العربية بقومية عربية مع قوميات أخرى متعايشة فيما بينها، فالعراق اتحادي يتكون من فيدراليتين وحكومة (اتحادي) مركزية، وأنا ضد إقامة فيدرالية في الجنوب, لأنها تعني أننا سنواجه فيدرالية للشيعة وأخرى للسنة, وان قيل عنها إنها فيدراليات جغرافية وتاريخية, لكنها في حقيقة الأمر ستصبح فيدراليات طائفية سياسية, إذ أن هناك جهوداً تبذل في مناطق العراق المختلفة للتطهير الطائفي والديني للعراقيات والعراقيين، وتلك مصيبة كبيرة عندما تتأسس إقطاعات (گيتوات) للشيعة وللسنة، أما الدستور فان لدي بعض الملاحظات عنه منها بخصوص الموقف من المرجعيات, أو ما ورد بلسانين مثلاً: انه لا يجوز وضع قانون بعيد عن ثوابت ومبادئ الإسلام من جهة, ومن جهة أخرى انه لا يجوز أن يحتوي الدستور على قوانين تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان, وكذلك الموقف من حقوق المرأة, مما يستلزم إعادة النظر في الدستور، ليسمح بمزيد من التآخي والتآلف بين أفراد المجتمع العراقي وليس لنشوء المزيد من الثغرات لإثارة التناقضات والصراعات حول هذه القضية أو تلك.
مجتمع انساني لا يفرق بين المرأة والرجل
* تقف القوى السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني مع قضية المرأة وحقوقها، فأين المشكلة إن كان جميع هؤلاء يدافعون عن حقوقها؟ ألم تحصل المرأة على ما تريده بعد؟
- النساء يشكلن أكثر من نصف المجتمع وأنا إلى جانب أن تتحدث كل القوى السياسية عن حقوق المرأة وان تكون لها كوتا في الوقت الحاضر، نسبة معينة، وان تزداد هذه النسبة بما يساعدنا على القول بان الرجل والمرأة لهما نفس الحقوق والواجبات وفسح المجال أمامها لتساهم في كل مجالات الحياة وتعمل في الاقتصاد والسياسة والثقافية وسائر دوائر الدولة وآلا نقيدها بل نعطيها حريتها بدون إجبارها على ارتداء الحجاب والعباءة السوداء من قمة رأسها إلى أخمص قدميها ولا نرى إلا سوادا. فالمجتمع المدني الديمقراطي الذي ندعو إلى إقامته يعترف بحقوق المرآة كاملة غير منقوصة, لأن حقوقها اليوم مغتصبة من قبل الرجل والعائلة والمجتمع والدولة ومن الدستور الجديد أيضا.
اننا نفهم مثلا عندما يذهب المتطرفون لاحراق بعض صالونات الحلاقة النسائية وكأن المرأة خلقت للمطبخ فقط وليس من حقها أن تتزين وتتجمل وتعمل، علينا أن نعمل لإلغاء هذه الثقافة الذكورية لمجتمع ذكوري، لنكون مجتمعا إنسانيا لا يفرق بين المرأة والرجل وفي حال حرمانها من حقوقها كاملة, سيبقى المجتمع متخلفا وبائساً فكرياً واجتماعياً ولا يتقدم خطوة واحدة, والإخلال بهذا المطلب سيخل بكامل حركة المجتمع. وعلينا أن نعي بأن عمل المرأة في جميع المجالات وحصولها على أجر ينمي لديها الشعور بالاستقلالية وعدم التبعية للرجل, وبالتالي يسهم في تمتعها بحرياتها الفردية كالرجل. وتبقى الفوارق الفيزيولوجية قائمة ما بين الرجل والمرأة. وفي اكبر الديمقراطيات في دول العالم الاخرى لم تحدد للمرأة نسبة في البرلمان، فتجد نسبتها لا تتجاوز 15%, وهو تعبير أن المرأة حتى في تلك الديمقراطيات لم تحقق حقوقها كاملة حتى الآن. وجاء تعيين نسبة المرأة في البرلمان العراقي لزيادة عدد النساء فيه، لان الديمقراطية لدينا ما تزال تحبو ونسبية تنسجم مع الواقع الاجتماعي الذي نحن فيه الآن, وأنا مع زيادة النسبة وعدم بقائها 25% (تمثل الحد الادنى), فالمرأة عندما تنطلق تستطيع فرض حقوقها ومصالحها وإرادتها الحرة على المجتمع, ولها الحق في أن تصبح رئيسة جمهورية ورئيسة وزراء او رئيسة مجلس نواب، لماذا نبعد النساء عن هذه المناصب, إذ يمكن أن تكون نائبة لرئيس الجمهورية أو لرئيس الوزراء أو لرئيس مجلس النواب, علينا الاعتراف بان الرجل هو المضطهد الاول للمرأة، وهذه اشكالية كبيرة في مجتمعنا والا ما تفسير أن يكون كل الموروث الغنائي والاحاديث الشعبية تدور حول الرجل، فالمجتمع الذكوري الراهن يساعد على تهميش المرأة ومؤسسات الحكومة تتفق مع هذه السياسة بوجود عدد من النساء غير المتعلمات اكبر بكثير من عدد الرجال غير المتعلمين.
الجماهير في الشارع... السياسي في المنطقة الخضراء
* كلما نسمع عن اخطاء تخل بالنظام الجديد نجد من يقول: نعم هذا هو المخاض الديمقراطي ونحن في بداية الطريق من دون مراجعة ما حصل ،فمتى نعترف بإخطائنا كجزء من تقويم السلوك الانساني والعبور الى مرحلة لاحقة؟
- عندما يدرك الانسان خطأه يعترف به ويجب ان نقر باننا مازلنا بعيدين عن الديمقراطية ولا نتمتع بها ولا نمارسها, نرتكب الأخطاء بحق هذا الموضوع او ذاك او بحق بعضننا البعض ولا نجرأ على الاعتراف بذلك, وهي جزء من نرجسية مرضية يفترض أن نتخلص منها. إن بناء مجتمع ديمقراطي يتطلب تهيئة مستلزمات عملية التغيير وبناء صناعة حديثة وايصال المدرسة والخدمات والثقافة الى القرية وان يكون للمثقفات والمثقفين دورهم المتميز في الحياة العامة والتنوير الاجتماعي والديني بعيداً عن هيمنة السياسي على ذهن وممارسات ونشاط المثقف وإصدار التوجيهات والأوامر له. إن ضعف دور المثقف حالياً غير ناشئ عن كسله أو تخاذله, وإنما لان السياسيين لا يفسحون له في مكاناً في المجال, وكذا الإرهاب لا يسمح له بتأدية دوره كاملا. فمئات المثقفين قتلوا رغم امتلاكهم الحرية ولكنهم غير قادرين على استخدامها، فالسياسي اليوم لا يتعامل بتعالٍ فقط مع المجتمع بل وباغتراب عنه كونهم مجبرين على البقاء في المنطقة الخضراء بعيدين عن الجماهير بسبب الارهاب الذي يعرضهم للتصفية الجسدية بسرعة لو خرجوا للشارع. صحيح ان هذا هو الوضع العام غير ان السياسيين مسؤولون عن توفير اجواء سليمة لتأدية واجبهم امام الجماهير فلا نستطيع ان نقول للمثقف احمِ نفسك لان ذلك ليس من مسؤوليته بل من مسؤولية الحكومة، فالحرية والأمن صنوان عندما يسوء الوضع الامني تتدهور الحرية, وعندما نفقد الحرية يسود الاستبداد والقمع, وأمام ذلك نحتاج الى مثقف مبدع يعبر عن ذاته وعن المجتمع من دون ان يوجه نداءه مباشرة اليه، لانتاج ما هو جميل ومنعش للروح وضروري للمجتمع، سواء أكان بقصيدة شعر أم قصة أم رواية أم كتاب عن الماضي فيه دروس للحاضر، أم رقصة أو أغنية أم لوحة فنية, أو أي نتاجات أخرى تتعلق بحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية وأهميتها. ومع هذا الانهيار في القيم والارتداد الاجتماعي وتخلف الوعي وافتقادنا لحياة ثقافية حقيقية, نحتاج إلى كل ذلك أكثر من أي وقت مضى. فالحياة الثقافية الصفراء التي خلقها النظام السابق ما تزال سائدة في كثير من المناطق، بوجود متطرفين ومتشددين من كل الطوائف، وتعشش في العقل الباطني وتلتهم أفكارهم السقيمة كل ما هو طيّب, إنهم يبثون سموما قاتلة، يتطلب منا جميعا التصدي لها، لخطورتها على حياة المجتمع وثقافته ومستقبله.
في الوقت الذي نعلم فيه ان عملية تغيير العادات البالية والتقاليد الخاطئة اعقد ما يكون لصالح العملية التنويرية اللازمة لتحول المجتمع، ندرك أيضاً بأن لا مندوحة من ذلك، فالعالم يتغير ويجب ان نتغير معه، وإلا نتراجع وتتسع الفجوة بيننا وبين بقية العالم، مع معرفتنا الكاملة بأن التضحيات ستكون كبيرة وسنستمر في أوضاع راهنية لفترة غير قصيرة، تؤذي العراقيات والعراقيين وتعرقل مسيرتهم، وبرأيي اننا لا بدّ أن نرى أفقا مضيئا في نهاية النفق الطويل وان كان بعيدا، فلا أتوقع ان نحل جميع مشكلاتنا الكبيرة بعد أربع أو خمس سنوات، بل مدة تصل بتقديري الى خمسة عشر سنة. ولكن سيتمكن شعبنا التصدي للإرهاب وإفشال مخططاته وأهدافه الشريرة.
أمل متبق ٍٍ.. الحكماء والعقلاء
* ثمة من يرى تشابها بين ما حصل في كردستان العراق بعد انتفاضة 1991 من تدهور وفوضى، وما نشهده الآن في مناطق مختلفة بعد اسقاط نظام صدام، فما تعقيبك؟
ـ كان الصراع في كردستان العراق بين حزبين علمانيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، والصراع لم يكن بالضرورة آيديولوجيا، وانما سياسيا، حول الموقف من السلطة والمال والنفوذ ووجهة التطور الى حدود ضيّقة، لانهما في الاصل حزب واحد، انفصلا منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، ثم تأسس الاتحاد الوطني الكردستاني في عام 1976، وفي عام 1998 اتفقا على الا تحل مشاكلهم بالصراع الدموي والقتل الذي استمر سنوات، وانما بالطرق السلمية، والتزما بهذا القرار الراجح. في المناطق الأخرى من العراق وبعد اسقاط نظام صدام نشأ صراع أيديولوجي بين القوى العلمانية والقوى الإسلامية السياسية, وصراع طائفي بين قوى اسلامية شيعية وقوى سنية، وكذلك في داخل كل منهما, كما يجري الآن في البصرة وكربلاء غيرهما, وهذا أعقد وأسوء بكثير من ذلك، ونتائجه خطيرة ومدمرة، نامل ان يلعب العقلاء والحكماء من كل الاطراف دورهم في معالجة الامور وابعاد الطائفية السياسية عن الصراع، ولا يعني ذلك الغاء وجود المذاهب وتنوعها الذي لم يأت خطأ في الفكر الاسلامي، وانما كان وما يزال تعبيراً عن الحيوية والقدرة على التفكير والنقد والتباين.
ان الاشكالية الحالية تتمثل في المذهبية السياسية والتمييز ما بين الأديان والمذاهب والطوائف والتعامل معهم على أساس ذلك بصوة غير عادلة، ففي زمن صدام ومن سبقه تأسست طائفية سياسية ازاء الشيعة وتمييز ديني ازاء الصابئة والمسيحيين، ولا نريد ان يحدث العكس، وانما ان يصبح هناك تفاهم ما بين المذاهب والاديان، بوجود دولة حيادية علمانية ومجتمع مدني ديمقراطي لا يؤمن بالمذهبية السياسية ولا يفرق بين المواطنين وينهي سلطة الميليشيات، كونها تنشط الاستقطاب والاصطفاف الطائفي السياسي وتسهم في تعميق الصراع لغير صالح العراق، وهذه هي الحقيقة التي نعاني منها، والتي لن تبقى الى الابد لاننا نستطيع ان نغير، عبر تنوير مجتمعي وعملية سياسية واعية وتعاون بين القوى الديمقراطية والليبرالية والاسلامية المتنورة، من أجل ان تلعب دورها في توعية الجماهير لصالح مستقبل افضل للعراقيات والعراقيين وللشعب المسكين الذي عانى ما عانى.
ويفترض أن نعمل من أجل صيانة وحماية أتباع بقية الأديان في العراق كالمسيحيين والصابئة المندائيين الذين يتعرضون اليوم إلى استئصال حقيقي من أرض الرافدين. إننا نهيم بالمواطنة والمواطن العراقي والدولة العراقية والحكومة في أن تتصدى لهؤلاء القتلة والمجرمين الذين يلاحقون أتباع الأديان والمذاهب المختلفة لتهجيرهم قسراً أو قتلهم والسيطرة على أملاكهم, إنها جريمة لا تغتفر وعار علينا أن نقبل بذلك.
#حسام_السراي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟