تعديل قانون التجنس يشكل انتهاكا لحق اساسي من حقوق الانسان المعترف به اسرائيليا ودوليا بممارسة الحياة الاسرية، مما يضع مئات العائلات العربية امام خيارات صعبة: اما الحفاظ على وحدة العائلة داخل اسرائيل بصفة "غير قانونية"، واما تفكك العائلة، او تركها اسرائيل وفقدان الاولاد حق التجنس الاسرائيلي. الخيار الثالث هو الهدف الحقيقي من تعديل القانون الذي جاء ليمنع انتقال الفلسطينيين الى حدود "الدولة اليهودية".
ميخال شفارتس
لا يوجد في اسرائيل قانون رسمي يمنع المواطنين من الزواج بفلسطينيين من المناطق المحتلة. ولو كان قانون من هذا النوع، لوضع اسرائيل في نفس المستوى مع المانيا النازية التي منعت زواج ذوي "العرق الآري" بذوي "العرق اليهودي"، ونظام التفرقة العنصرية (الابارتهايد) السابق في جنوب افريقيا الذي منع زواج البيض بالسود.
بدل سن قانون من هذا النوع، تجاوزت الكنيست العقبة عندما اقرت تعديلا في قانون "التجنس والدخول الى اسرائيل"، في 31 تموز (يوليو) الماضي، يجمد اجراءات التجنس. التأثير المباشر للتعديل: انتهاك حق اساسي من حقوق الانسان المعترف به اسرائيليا ودوليا بممارسة الحياة الاسرية. المتضرر المباشر: هم المواطنون العرب الذين تربطهم بفلسطينيي المناطق المحتلة علاقات اجتماعية وقومية ودينية وبطبيعة الحال عائلية ايضا. ولا يدع هذا مجالا للشك ان القانون، بصيغته الجديدة، يميز بشكل مكشوف وجارف ضد فلسطينيي المناطق المحتلة، فقط بسبب انتمائهم الوطني.
يضع التعديل قائمة جديدة من العقبات امام من يرغب بلم شمل الزوجين في بيت واحد من خلال الحصول على المواطنة الاسرائيلية. فهو يمنع وزير الداخلية بشكل جارف من ممارسة صلاحيته منح التجنس والاقامة للفلسطينيين الذين تزوجوا باسرائيليين، لممارسة حياتهم العائلية في البلاد. كما يجمّد صلاحية القادة العسكريين في المناطق المحتلة منح اعداد كبيرة من الفلسطينيين تأشيرات مكوث مؤقتة في البلاد، لتمكينهم من زيارة افراد عائلاتهم. ويقضي القانون بتجميد اجراءات التجنس، الامر الذي يعني ان من حصل على مكانة "مقيم مؤقت" سيبقى مؤقتا حتى اشعار آخر.
الخيارات امام مثل هذه العائلات اليوم صعبة: اما الحفاظ على وحدة العائلة داخل اسرائيل بشكل "غير قانوني"، او تفكك العائلة، او تركها اسرائيل وفقدان الاولاد حق التجنس الاسرائيلي. الخيار الثالث هو الهدف الحقيقي من تعديل القانون الذي جاء ليمنع انتقال الفلسطينيين الى حدود "الدولة اليهودية".
"جمعية حقوق المواطن" في اسرائيل قدمت، بواسطة المحامية شارون ابراهام فايس، التماسا بهذا الصدد ضد وزير الداخلية والقادة العسكريين في المناطق الفلسطينية المحتلة. يطالب الالتماس باصدار امر احترازي لتجميد تنفيذ القانون، ثم الامر بالغائه، ويكشف الصفات غير المعقولة، غير الشرعية والعنصرية لهذا التعديل.
ويعتبر السبب المباشر لسن التعديل ارتفاع عدد منفذي العمليات الانتحارية من الذين حصلوا على بطاقات هوية اسرائيلية بسبب لم الشمل (ارتفع الى 20 حالة منذ انطلاق الانتفاضة الثانية). وكانت العملية الشهيرة تلك التي وقعت في مطعم ماتسا بحيفا قبل نحو عام، ونفذها شاب والدته عربية من اسرائيل ووالده فلسطيني.
مع هذا، فبامكاننا ان نجزم انه ليست هناك حاجة امنية حقيقية لمثل هذا التعديل. فصيغة القانون الاصلية فرضت على طالبي التجنس اجراءات طويلة قد تصل الى اربع سنوات ونصف. وشملت الاجراءات الحصول على تقرير امني كامل، والتأكد من ان الفلسطيني لا يشكل خطرا امنيا او مدنيا، وفحص ما اذا كان الزواج نفسه مستمرا. اما التعديل الجديد، فحسب اقوال رئيس الكنيست روفين رفلين: "يعتبر كل فلسطيني مذنبا، الى ان يثبت العكس". من هنا، فالتعديل هو عبارة عن عقاب جماعي للفلسطينيين ولافراد عائلاتهم من المواطنين العرب.
الهدف الحقيقي من التعديل كشفه النائب ورجل المخابرات جدعون عزرا اثناء مناقشة الكنيست للتعديل. فقد قال ان احدا لا يريد ان تتوقف دولة اسرائيل عن ان تكون دولة يهودية، واكد: "دولة اسرائيل، وكم بالحري حكومتها، لا تنوي تطبيق حق العودة الزاحف". قول عزرا بانه على المواطنة العربية اللحاق بزوجها والانتقال للسكن معه في الضفة، انما يكشف ان الهدف الحقيقي من التعديل هو تشجيع هجرة العرب من اسرائيل الى المناطق المحتلة، دون علاقة بالاسباب الامنية.
في هذا ما يفسر لماذا يجيز التعديل دخول اسرائيل للفلسطيني الذي يطلب تصريحا للعمل او للعلاج الطبي، ولكنه يمنعه من زيارة زوجته واولاده ولو لفترة قصيرة. اذن فالفلسطيني ليس خطرا امنيا اذا جاء ليعمل في اسرائيل ويعود من بعدها لقريته بالضفة، اما اذا اراد ممارسة حقه بالحياة الاسرية داخل اسرائيل، فانه سرعان ما يتحول الى قنبلة موقوتة، ديمغرافية.
وفضلا عن ذلك، فلو كان السبب امنيا حقا، فكيف يمكن تفسير تجميد اجراءات التجنس للفلسطينيين الموجودين لفترات طويلة في اسرائيل، بعد اجتيازهم الفحص الامني وحصولهم على الاقامة المؤقتة؟ المشكلة ان الدولة تعتبر كل طفل، عربي اسرائيلي او فلسطيني، خطرا على الطابع اليهودي للدولة. مصير الاطفال الذين ولدوا لعائلات مختلطة اصبح غير معروف، ومن المحتمل ان يفقدوا اي مكانة لهم في اسرائيل. بالتحديد سيتضرر عشرات آلاف الاطفال المقدسيين، والاطفال الذين يعيشون في المناطق المحتلة بشكل مؤقت.
عنصري، ولو مبطن
صيغة التعديل غامضة، وهدفها التغطية على طابعه العنصري. فلا يتم استخدام كلمات مثل العرب في اسرائيل، الفلسطينيين من المناطق المحتلة، او المستوطنين اليهود (الذين لا يسري عليهم القانون). ولكن رغم النصوص الغامضة، فقد اثار التعديل احتجاجات نواب الكنيست من المعارضة، كما وصل احتجاج رسمي من الاتحاد الاوروبي ومن "لجنة الامم المتحدة لالغاء العنصرية". حتى الامريكان طلبوا من اسرائيل اعادة النظر في التعديل. مع هذا اقرت الكنيست التعديل باغلبية 53 مؤيد، و25 معارض، وممتنع واحد. ويذكر ان مقدم الاقتراح هو افراهام بوراز، وزير الداخلية من حزب شينوي الذي يعتبر منتخبوه انفسهم ديموقراطيين ليبراليين.
يأتي القانون بعد قرار اتخذه وزير الداخلية السابق ايلي يشاي، بتجميد اجراءات تجنس الفلسطينيين المتزوجين من مواطنين اسرائيليين منذ ايار 2002. الالتماس السابق الذي قدمته جمعية حقوق المواطن ضد قرار يشاي لم يثمر عن نتيجة. وما يزيد احتمالات فشل الالتماس الثاني الخبر الذي اوردته صحيفة هآرتس (28 ايار)، عن قيام المستشار القانوني للحكومة بادخال تعديلات جديدة على القانون، تشمل بندا يحرم الطفل الذي ولد لاب او ام من فلسطينيي المناطق المحتلة من الحصول على التجنس الاسرائيلية بشكل اوتوماتيكي.
لا شك ان تفاقم الصراع الاسرائيلي الفلسطيني على الصعيدين الامني والسياسي ينعكس ايضا على الصعيد القانوني، الامر الذي يشرك المواطنين العرب ايضا في الدوامة، عندما يجدون انفسهم امام قوانين تقول لهم: من حقكم الزواج باي انسان من اي مكان في العالم، ولكن اياكم الزواج بفلسطينيين. وإن تجاهلتم هذه التوصية، فارحلوا!.
قصص من الحياة
معاناة العائلات المختلطة من المواطنين العرب وفلسطينيي المناطق المحتلة، بلغت اوجها. تدق بلا هوادة ابواب الوزارات، تتعذب في الحواجز وتعيش عدم استقرار سنوات طويلة دون امل بقرب الفرج. الخوف من انتقام السلطات يلازم هذه العائلات كظلّها، ما جعل الشباب الذين التقيناهم، يطلبون عدم نشر اسمائهم.
اهانات في باب الخليل
"خ" من مواليد بيت لحم، تزوج عام 1990 بامرأة مقدسية وانتقل للعيش في القدس الشرقية. يشار الى ان اهالي القدس الشرقية حاصلون على بطاقة هوية زرقاء، ويعتبرون مقيمين دائمين لا مواطنين. اما مواطن الضفة فيحمل بطاقة هوية خاصة كانت برتقالية اللون واصبحت خضراء في عهد السلطة. بدأ "خ" اجراءات لم الشمل للحصول على الاقامة منذ عام 94 ولكنه لم يحصل عليها حتى اليوم. المطلوب منه ان يثبت ان القدس هي المكان الرئيسي الذي يمارس فيه حياته. الادلة المطلوبة لذلك، والتي قدمها "خ" بالكامل، هي: فواتير دفع رسوم البلدية (الارنونا) والمياه والهاتف وعقد ايجار البيت وشهادات من مدارس الاولاد.
في عام 97 حصل على تصريح عمل يتم تجديده كل شهرين، وفي عام 2000 حصل على الاقامة الاولى التي يجب تجديدها كل سنة. بعد خمس سنوات في تشرين ثان (نوفمبر) 2002 قدم "خ" طلبا لاقامة دائمة، ولكن طلبه جُمّد بموجب قرار الوزير يشاي تجميد اجراءات التجنس.
يقول "خ": "حدث ان انزلني جنود من الباص بسبب عدم حيازتي الاقامة، واجبروني ان ارفع يدي عند باب الخليل، تحت الشمس الحارقة لمدة ساعتين. اعيش وضعا من القلق، واخشى اذا سافرت لبيت لحم لزيارة اهلي، ان احتجز هناك وامنع من العودة للقدس الا بالطرق الالتفافية واحرم من رؤية زوجتي واولادي الاربعة".
حاجز الموت
"م" هو من مواطني القدس وزوجته من الخليل. تسكن العائلة في عناتا التي يقع قسم منها في منطقة نفوذ القدس والقسم الآخر في الضفة. ويعني هذا التقسيم وجود حاجز دائم في القرية يعيق حركة السكان. منذ عام 1996 قدم "م" طلب لم شمل، وحصلت زوجته على الاقامة المؤقتة في نهاية عام 1999، ويتم تجديدها سنويا. منذ عام 2002 لم يجدد تجديد الطلب واضطرت للعيش مع زوجها بلا اوراق رسمية. فقط في عام 2003 حصلت على بطاقة هوية مؤقتة - زرقاء من الخارج وبرتقالية من الداخل.
وراء هذه الالوان المتفائلة تنطوي معاناة ومآس. يروي "م" بكل الم الحادث الاخير الذي وقع في في كانون ثان (يناير) الماضي: "عند الحاجز في عناتا اوقف الجنود زوجتي الحامل، ومنعوها من الدخول للقدس بسبب عدم تجديدها الاقامة (بسبب الاجراءات الطويلة والمماطلة). فاضطرت للسير على قدميها مسافة طويلة في طريق التفافي. بعد الحادث بايام اجهضت. الفحص الطبي اثبت ان تاريخ وفاة الجنين هو نفس تاريخ توقيفها عند الحاجز".
انسان مؤقت
"ص" من سكان الضفة متزوج في المثلث حيث يقيم منذ عام 97. في عام 98 حصل على اقامة لمدة سنة، دون تصريح للعمل في اسرائيل، فاضطر للمخاطرة والعمل بشكل غير رسمي. في عام 99 حصل على هوية مؤقتة تسمح له بالمكوث والعمل ايضا، وقد جددها اربع مرات حتى عام 2001 الذي تم فيه تجميد جميع الاجراءات، وحرم بذلك من امكانية الحصول على الاقامة الدائمة.
يقول "ص": "عند الحاجز، في طريقي لزيارة اهلي، يعتبرني الجنود مواطنا اسرائيليا ويمنعوني من الدخول بسبب الطوق. فاضطر للدخول بالطرق الالتفافية. وفي اسرائيل يعتبروني فلسطينيا بلا هوية، ووجودي فيها غير آمن وغير مضمون. لا راحة في كلتا الحالتين. اصبحت ‘انسانا مؤقتا‘، مصيري غير واضح – فهل يتركوني اعيش مع زوجتي واولادي الثلاثة، ام يطردونني الى الضفة ويحرموني منهم للابد؟".
34 فحصا امنيا
"غ" فلسطيني ولد في القدس، وبسبب زيارته للاردن عام 1976 فقد اقامته الدائمة. تزوج "غ" عام 95 من امرأة مقدسية وانجب منها سبعة اولاد. في عام 96 حين قدمت زوجته طلبا للم الشمل سحبوا بطاقة هويتها، واحتاج الامر لاعادتها اربع سنوات كاملة. اما "غ" فبجهد جهيد حصل عام 2000 على اقامة مؤقتة لمدة سنة. وفي عام 2002 بعد الاجراءات الامنية وعد بالحصول على بطاقة الهوية خلال شهر. ولكن مع هذا قررت وزارة الداخلية رفض الطلب، لاسباب امنية.
يقول غ: "عمري 51 عاما، واعمل محاسبا، اجريت 34 فحصا امنيا خلال ثماني سنوات، ومعي مكتوب من وزارة الامن يقر باني لا اشكل خطرا امنيا. ماذا يريدون مني بعد. اجريت لي عملية قلب مفتوح، واحتاج للعلاج، ولكن اخاف الخروج من البيت. بعد تسع سنوات من الوعود اصبحت مقيما غير قانوني".
الصبار