أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق السويراوي - قصة قصيرة :(( مع خيوط الفجر ))














المزيد.....

قصة قصيرة :(( مع خيوط الفجر ))


عبد الرزاق السويراوي

الحوار المتمدن-العدد: 1992 - 2007 / 7 / 30 - 04:51
المحور: الادب والفن
    


حينما تناهى الى سمعه , صوت طرقات خفيفة على الباب الخارجي ,كان منشغلا بمطالعة كتاب بين يديه ,وقد جلس في غرفته , كالعادة , في ذات الزاوية التي تستهويه عادة حينما يرغب بالمطالعة , وقبل أن يخمّن شخص القادم إليهم, سمع صرير الباب الذي سارعت إحدى بناته بفتحه ,عندها عرف أن القادم اليهم هي جارتهم ( الحاجّة ) , تلك المرأة العجوز التي لا تنقطع عن زيارتهم بين الحين والآخر , و بعد أن شرد ذهنه قليلا عند سماعه طرقات الباب , عاد ليستأنف القراءة من جديد . أسند ظهره الى الحائط , فخيّم الهدوء على المكان. وكانت ( الحاجّة ) قد جلست في الغرفة المجاورة لغرفته , الى جانب زوجته وبناته , لكنه على ما يبدو, لم يستطع مواصلة القراءة كما هي رغبته , فقد بدأت ترن في أذنيه, بين لحظة وأخرى , ضحكات زوجته وبناته وقد إمتزجت بقهقهة ( الحاجّة ) التي شرعت تحدثهن بصوت كان يسمعه بوضوح .( إنها إمرأة غاية في اللطف ) .هكذا ينعتها أحيانا , وكان يكنّ لها ودّا ملحوظا, وهو الى جانب ذلك , كان يشعر نحوها , رغم بساطتها , بإرتياح بالغ, ولطالما تسائل عن سرّ هذا الإرتياح ,لكنه لا يعوّل كثيرا على أهمية الإجابة ,فقد كان مقتنعا في قرارة نفسه , بأنها أمرأة خبرت الحياة جيدا, وذاقت كما يقال حلوها ومرها , خاصة وأنها تنحدر من اعماق الريف وقد قضت فيه الشطر الأكبر من عمرها, من هنا فان الحكايات التي تسردها عليهم بطريقتها الخاصة والمحببة كانت تجعلهم منشدين اليها بحماس. وها هو يكرر المحاولة لمواصلة القراءة , لكنه شعربأن الكتاب سوف لا يمنح نفسه بيسر وكما ينبغي , طالما أن ( الحاجة ) مستمرة في حديثها داخل الغرفة المجاورة مع زوجته وبناته ( إذن ) ,همس مع نفسه , ( من العبث أن أستمر بالقراءة ..) . وفعلا , كان حديث ( الحاجة )لازال يتناهى الى سمعه مع ما يتخلله من الضحك , جعله يفقد التركيز على القراءة , الى حدّ بات يشعر معه بنوع من التناغم مع ذلك الحديث.
زوج ( الحاجّة ) , كان رجلا طاعنا في السن ,ويتذكر بأنها غير مرة , صرّحت بأنه كان يكبرها بأكثر من عشر سنين وربما أكثر , وفي هذه السنة , وخاصة في الأشهر الأخيرة, هدّه المرض بحيث اقعده الفراش , ووصل الأمر بأهله , وحتى جيرانه أيضا , أنهم باتوا يتوقعون وفاته في أيّة لحظة . إحدى البنات سألت الحاجة وهي تمزح معها : ( ماذا ستفعلين يا حاجة , إذا ما الحاج لا سامح الله توفي؟ ) . إستحوذ هذا السؤال على إهتمامه, بحيث جعله يطبق الكتاب ويضعه جانبا وكأنه كان يبحث عن أيما سبب يحفّزه على ان يركن الكتاب ومن ثمّ ليترك القراءة ,وقد شعر برغبة ملحة بأن لا تفوته كلمة واحدة من إجابة ( الحاجة ) على سؤال إبنته ..
( أولا الأعمار بيد الله يا أبنتي )...قالت ( الحاجّة ) ذلك, وهي ترسم إبتسامة خفيفة على شفتيها , ثم أردفت ... ( ثقوا , مهما فعلت لأجل الحاج , فلا أعتقد بأنني سأفيه حقّه , فهو رجل يشهد له معظم من عرفه بالطيبة , فضلا عن أنني لا أتذكربأنه قصّر معي في شيئ مذ عرفته ) .
كانوا يعرفون في ( الحاجّة ) أنها تختزن في ذاكرتها الشئ الكثير من الأهازيج , تقول أنها حفظتها عن أبيها ..ولِمَ لا وهي تلك المرأة التي تقول بأنها عشقت الريف , وعاشت فيه أكثر من خمسين عاما ,وكم كررت مثل هذا القول , ( فلا غرابة إنّ هي تأْسرنا بأحاديثها التي تذيقنا فيها من حلاوة ماضيها البعيد , الذي تعتزّ به كثيرا ..) .قالت وهي تمزح ( سأرثيه بأهازيج , ربما لم يقلها أحد قبلي , فالحاج يستأْهل ماء عيني ) . قلن لها ..( إذن نريد أن نسمع بعضا من الذي ستقولينه بحقّه ) , فرفعت يديها النحيفتين بوشمهما الأزرق , حتى قاربتا سمْت رأسها , وأخذت تهزج بصوت جميل ومنغّم , ثم شرعت بتحريك يديها فيما كان رأسها الملفّع بالسواد , يتمايل ببطئ نحو الجانبين , في حركات بدت متناغمة تماما مع إيقاع الأهزوجة وأيضا مع حركة يديها , وكانت أثناء ذلك , لا تنفك عن رسم إبتسامتها المعهودة على شفتيها , فأنزلت يديها بحركة شبه سريعة . ثم لمْلمتْ عباءتها على جسدها النحيف..( آه ..أنسيتموني نفسي , عليّ أن أغادر في الحال , فالوقت مضى بنا سريعا , وأخشى أنّ يكون المؤذن قد أذّن للصلاة ) .كان وقت العصر قد تلاشى فعلا , ليحل محله الغروب ناشرا عباءته على كل الموجودات , نهضت الحاجة بتثاقل وقد توكأت على عصاها , ثم توجهت ببطئ صوب الباب الخارجي .
في اليوم التالي , وإذ عاد للتو من العمل فأن الوقت تجاوز الظهيرة , وحينما إنعطف نحو الشارع باتجاه منزله , ابصر سرادقا طويلا بعض الشئ , منصوبا بموازاة واجهة منزل جارهم الحاج , همس مع نفسه ( إيه , الحمد لله على كل حال , لك الحمد يارب , لا يدوم إلاّ وجهك الكريم ) . وما إن دخل البيت , حتى همّ بسؤال زوجته: ( متى توفي الحاج, رحمه الله ؟ ) ,تباطأت زوجته عن الأجابة قليلا , بينما إنعكست على وجهها مسحة حزن بدت واضحة تماما , ثم قالت بمرارة : ( ليس الحاج , وإنما هي زوجته الحاجة..لقد وجدوها ميتة وهي على سجادة الصلاة صباحا ).



#عبد_الرزاق_السويراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( طفولة هرمة) :والتقاطع بين الذات والمحيط الخارجي
- طفولة هرمة:والتقاطع بين الذات والمحيط الخارجي
- ولادة
- هل من نهاية لمظاهر العنف في العراق؟؟
- قصة قصيرة : شريط الباراسيتول
- صحيفة الصباح في ذكرى الصدور: مزيدا من الكلمة الهادفة
- قصة قصيرة : شريط الباراسيتول
- الكتلة الصدرية تخوّل المالكي إختيار الوزراء وفقا للكفاءة وال ...
- قصة قصيرة:موكبان
- الأسلام والديمقراطية :توافق أم تقاطع؟؟
- المخبول : قصّة قصيرة
- النخب السياسية العراقية :وحرية التعبير عن الرأي
- لجنة بيكر :والملف الأمني العراقي
- الحالة العراقية : من يقود من؟ السياسة أم الأحداث ؟
- تساؤلات عن مصير لجان التحقيق الحكومية
- أمنيات ليستْ مستحيلة
- الراي العام العراقي بين الولاء للنخبة وسخونة الاحداث
- مجلة ( مدارك) في عددها الثاني
- ازمة المجتمع العربي في رؤية الدكتور برهان غليون
- قصّة قصيرة - صور جامدة


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق السويراوي - قصة قصيرة :(( مع خيوط الفجر ))