تعدد شخصيات الرسول صلى الله عليه وسلم
للرسول صلى الله عليه وسلم شخصيتان , الشخصية الأولى هي شخصيته كرسول ونبي , والشخصية الثانيه هي شخصيته كبشر , وشخصيته كبشر تتفرع الى أربعة أوجه :
1 - شخصيته كرئيس للسلطة التنفيذية .
2 - شخصيته كرئيس للسلطة التشريعية .
3 - شخصيته كرئيس للسلطة القضائية .
4 - شخصيته كأنسان عادي .
والتفرعات الثلاثة الأولى تحمل في داخلها تفرعات أخرى , نشأت من كون الرسول يمارس دور الرئيس بشكل أساس , كما يمارس بعض الادوار الأخرى المنخفضة في هرم السلطة , نتيجة لصغر المجتمع الأسلامي في ذلك الحين , ونتيجة لعدم ظهور الحاجة للفصل بين السلطات وتوزيع العمل بشكل منظم في الدولة الأسلامية .
ولنضرب مثالا على شخصية الرسول كرئيس للسلطة التنفيذية , وكقائد أعلى للقوات المسلحة في معركة بدر , حيث سار النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه حتى نزل بأدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة . فقال الحباب بن المنذر رضي الله عنه يا رسول الله : أرأيت هذا المنزل أهو منزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل هو الحرب والرأي والمكيدة .
فقال الحباب : فليس هذا بمنزل فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ما وراءه من الآبار , فاستحسن النبي صلى الله عليه وسلم رأي الحباب ومضى بأصحابه حتى نزل بالعدوة الدنيا مما يلي المدينة وجيش قريش بالعدوة القصوى مما يلي مكة .
إذا تمعنا في الرواية السابقة , يتضح لنا وبشكل جلي , فهم الصحابة لتعدد شخصيات الرسول , فأختيار الرسول للمكان لا يعدو أن يكون أما وحياً من الله , أو اجتهادا شخصياً منه , ولهذا قال الحباب بن المنذر : ( أرأيت هذا المنزل أهو منزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة ) .
ولن نخرج عن معركة بدر , في طرحنا للمثال الثاني عن شخصية الرسول , كرئيس للسلطة التشريعية الإسلامية , فالتحليل الموضوعي لقضية أسرى بدر , يوضح أن الرسول قد أصدر مرسوما تشريعيا بالعفو عن الأسرى , شريطة ان يقوموا بإفتداء أنفسهم , وقد قام بإصدار هذا المرسوم , بعد أن قام بمشاورة صحابته الكرام في هذا الموضوع , فكان عمر بن الخطاب ممن أشار بقتل الأسرى , وكان أبو بكر الصديق ممن أشار بالعفو المرتهن بالفداء , فمشاورة الرسول للصحابة في قرار المرسوم التشريعي , يوضح وبشكل جلي , ان الرسول لا ينتظر الوحي في كل مايفعل , ولعل باقي القصة , يوضح المقصود بشكل أكبر , فقد أتى الوحي السماوي المطهر , معاتبا الرسول صلى الله عليه وسلم , على قبوله للفداء , مبيناً إنه كان من الواجب عليه أن يعمل بالرأي الثاني الموافق لرأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
اما في طرحنا للمثال الثالث , عن شخصية الرسول, كرئيس للسلطة القضائية في الدولة الإسلامية , فسنتناوله بطرح الحديث التالي , على طاولة النقاش :
(إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضكم أن يكون ألحن بحجَّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع. فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من نار )
فالحديث على ظاهره , لا يقبل تفسيراً مخالفاً لكون الرسول بشر مثلنا , لا يعرف الغيب ولا يعلم ما بالسرائر , وإن أحكامه القضائية , لا تعدو أن تكون إجتهاداً بشرياً قابلاً للصواب والخطأ .
وأما الأمثلة عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم , كإنسان عادي, يبدي رأيه الشخصي في المسائل المطروحة , من دون أن تكون لهذه الأراء عصمة الهية , تقيها من الخطأ والزلل , , فهي أكثر من أن تجمع , ولعلنا نكتفي بذكر الحديث التالي : ( أن رسول الله مر بقوم يلقحون النخل فقال: لو لم تلقحوها لصلح، فتركوا تلقيحها فخرج شيصاً فقال الرسول: (أنتم أعلم بشؤون دنياكم).
تدوين الحديث
هناك الكثير من الروايات التي يسند بعضها بعضاً ,و التي تفيد , بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم , عن تدوين الحديث , ومثال ذلك :
قوله عليه أفضل الصلاة والسلام : ( لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب شيئاً سوى القرآن فليمحه ) .
وقوله : ( لا تكتبوا عني شيئاً، فمن كتب عني شيئاً فليمحه ) .
و ماروي عن أبي سعيد، إنه قال: ( استأذنت النبي أن أكتب الحديث، فأبى أن يأذن لي ).
وعن أبي هريرة انه قال: كنّا قعوداً نكتب ما نسمع من النبي فخرج علينا، فقال: ( ما هذا تكتبون؟) فقلنا: ما نسمع منك، فقال: ( أكتاب مع كتاب اللّه؟ ) فقلنا ما نسمع، فقال: (اكتبوا كتاب اللّه، امحضوا كتاب اللّه، أكتاب غير كتاب اللّه؟ امحضوا كتاب اللّه أو خلصوه) قال: فجمعنا ما كتبنا في صعيد واحد ثمّ أحرقناه بالنار. قلنا: أي رسول اللّه، أنتحدث عنك؟ قال: ( نعم، تحدثوا عنّي ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار ) قال: فقلنا: يا رسول اللّه أنتحدث عن بني إسرائيل؟ قال: ( نعم، تحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، فانّكم لا تحدّثون عنهم بشيء إلاّوقد كان فيهم أعجب منه )
وما أخرجه الخطيب البغدادي باسناده إلى كثير ابن زيد عن المطلب بن عبد اللّه ابن حنطب، قال: دخل زيد بن ثابت على معاوية، فسأله عن حديث، فأمر إنساناً يكتبه، فقال له زيد: إنّ رسول اللّه أمرنا أن لا نكتب شيئاً من حديثه، فمحاه .
وقد روي انّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول اللّه ، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير اللّه فيها شهراً، ثمّ أصبح يوماً وقد عزم اللّه له، فقال: إنّي كنت أردت أن أكتب السنن، وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبّوا عليها وتركوا كتاب اللّه، وإنّي واللّه لا أُلبس كتاب اللّه بشيء أبداً .
و روي ان عمر بن الخطاب بلغه أنّه قد ظهر في أيدي الناس كتب، فاستنكرها وكرهها، وقال: أيّها الناس انّه قد بلغني انّه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها إلى اللّه أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلاّأتاني به فأرى فيه رأيي.فظنوا انّه يريد ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار، ثمّ قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب .
من ما سبق نقول , أن تدوين الحديث هو بدعة في الأصل , و إن هذا التدوين لم يتم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم , ولا في عهد الخلفاء الراشدين , بل كانت بدايته , في عهد عمر بن عبدالعزيز ( الخليفة الأموي ) .
مشكلة تدوين الحديث
بدأ المسلمون , في تدوين , كل مايجدونه منسوباً للرسول صلى الله عليه وسلم , دون التفريق بين الأحاديث الواردة عنه, بصفته رسول منزل , أو بصفته بشراً على التفصيل السابق ذكره , كما إن تدوين الحديث واجه مشكلة أخرى , وهي مشكلة إختلاق الأحاديث , أو عدم ضبطها , مما يخل في معناها . وقد حاول السابقون التغلب على هذه المشكلة , عن طريق ما يسمى بعلم الحديث , والذي يهدف الى العصمة عن الخطأ , في نقل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم , وأفعاله, وتقريراته , وصفاته .
وظهرت تقسيمات الحديث المقبولة والمردودة , والتي تتكيء في تقسيمها هذا , على سند الحديث , والسند هو: رجال الحديث، أي: سلسلة الرجال الموصلة للمتن .
قال ابن المبارك: الإسناد عندي من الدين،. لولا الإسناد لذهب الدين ولقال من شاء ما شاء.
ومشكلة تدوين الأحاديث في نظرنا تتلخص في التالي :
1 - عدم التفريق بين الأحاديث التي رواها الرسول صلى الله عليه وسلم بصفته رسول مرسل , والأحاديث التي رويت عن الرسول بصفته بشر عادي . وقد إنتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لهذه المسئلة , فقال كما ورد في البداية والنهاية : أقلّوا الرواية عن رسول اللّه إلاّ فيما يعمل به .
( ومن المعلوم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه , كان متشددا في الحديث , وروى انه ضرب أبو هريرة بالدرة , وقال له : ( أكثرت يا أبا هريرة من الرواية ولتتركن الحديث عن رسول الله او لألحقنك بأرض دوس ) , وروى عن أبو هريرة إنه قال : ( إني أحدثكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر لضربني ولشج رأسي ) , كما روى عنه إنه قال : ( ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله حتى قبض عمر ) , ومن الجدير بالذكر , إن كثرة رواية أبو هريرة للحديث , كانت محل تندر بين الصحابة أنفسهم , ورد في البداية والنهاية , أن رجلا من قريش لبس جبة جديدة و اخذ يتبختر بها فمر بأبي هريرة فقال له: يا أبا هريرة! إنك تكثر الحديث عن رسول الله, فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً ؟؟ ، ومن الظريف أن أبا هريرة جاوبه فقال : سمعتُ أبا القاسم يقول: إن رجلا ممن كان قبلكم بينما كان يتبختر في حُلّته إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة فوالله ما أدري لعله كان من قومك و رهطك )
2 - التركيز على السند في رواية الحديث , و أهمال المتن , مما أدى الى ظهور أحاديث كثيرة , تتنافى مع العقل و العلم . ومثال ذلك ما ورد في صحيح البخاري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان أو الشيطان .. ) . فهذا الحديث يتعارض مع العلم بشكل صارخ , ورغم إن هذا الحديث صحيح الاسناد , إلا أن متنه يوضح وبشكل جلي لا يدخله الشك , إن هذا الحديث موضوع , وليس بالحديث الصحيح البتة . فكلنا يعلم الآن , ان الشمس لا تغيب , وان حادثة الشروق والغروب , ليست مرتبطة بالشمس التي تشرق بين قرني الشيطان , ولكنها مرتبطة بدوران الأرض حول نفسها .
3 - تشدد البعض في تعصبهم للحديث على حساب القرآن , حتى قال بعضهم , ان السنة تنسخ القرآن .
4 - إشكالية الناسخ والمنسوخ بحاجة لدراسة علمية جديدة , وبحث مؤصل , يتم عن طريقه التقنين النهائي لها .
الخلاصة
نحن بحاجة الى عصر تدوين جديد , يتكيء على عصر التدوين الأول , ويقوم بتصحيح اخطائه , وتعديل أسسه , بشكل يتوافق مع حقائق الزمان , وذلك لكي لا تكون علومنا الدينية و التاريخية, بمعزل عن النهضة العلمية المعاصرة , التي استفادت منها العلوم كافة , و حتى لا تكون علوم الثقافة الإسلامية بشكل عام , موضعاً للإستهزاء والسخرية , وحتى لا تستمر في شكلها الحالي , القائم على تقديس الأسطورة , وتصنيم القديم
سعود عبدالله الجارح
كاتب سعودي
[email protected]