|
الزمان العجائبي في سرديات الطبري
مهدي النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1990 - 2007 / 7 / 28 - 02:10
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
علينا نحن الذين نعيش في المجتمعات الاسلامية ان لانصغي دون توجس او ريبة نقدية الى نداءات الماضي القوية وهي تجرجرنا الى فضاءتها القروسطية وبالتالي تنسينا حالنا الراهن ومشاكلنا المعاصرة، بل ينبغي التاكيد مرة تلو الاخرى ان تصورات اسلافنا وعلومهم ومعارفهم عن الحياة والكون والعلاقات الاجتماعية...كانت خاضعة لظروفهم واحوالهم وتقتيات عصرعم البدائية وهي بالطبع ليست مشابهة باي حال لظروفنا الراهنة وتقنيات عصرنا الهائلة ولهذا السبب بالذات من المعيب الاستهانة يتصوراتهم او النيل من قدر امكانياتهم المعرفية ولكن من جانب اخر (وهذه نقطة اساسية على الباحثين والمشتغلين بالثقافة التوقف عندها طويلا) نحن غير ملزمين بتلك الاراء الفطرية والتصورات البدائية التي قالها اسلافنا وعلينا المبادرة بشجاعة بصنع قطيعة معرفية مع كل ماهو خاطئ وبدائي والشروع بوضع اقدامنا مع اقدام العالم والاندراج بمشاريع الحداثة ومسارات التقدم، فعلى سبيل المثال كانت العين المجردة لدى الانسان في القرون الوسطى هي الة الرصد الوحيدة المتاحة لذا كانت حدود الكون في تصوره هي بضعة الاف من النجوم لا غيرها، معنى ذلك ان النجوم المرئية تحت احسن ظروف الرصد لا تزيد على ثلاثة الاف نجم في القبة الفلكية في حين تضاعفت هذه الارقام في المراقب (التلسكوب) الحديثة حتى قدر الفلكيون عدد النجوم حسب قدرات التكبير المعاصرة بحوالي مئة الف مليون نجم وان المسافة بين نجم واخر تقدر كحد متوسط باربع سنين ضوئية(السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة وتساوي حوالي عشرة ملايين ملايين كم) وشمسنا هذه التي نراها هي واحدة من تلك المئة الف مليون نجم من سكان مجرتنا التي تسمى مجرة "درب التبانة" واي واحد من اولئك الاسلاف الاجلاء، مهما كبرت عبقريته وعظمت معارفه سيتوصل الى حقيقة ان الليل والنهار ناتجة عن حركة الارض حول محورها خلال 24 ساعة وبسرعة الف كم/ساعة وان الفصول الاربعة ناتجة عن دورانها حول الشمس بدورة تستغرق 360 يوما نسميها سنة واحدة وسرعتها خلال ذلك 107 الف كم/ساعة،فهاهو الشيخ الطبري بتحدث عن الليل والنهار بلغة اسطورية رشيقة غير آبه بالعقل واستفهاماته :" تغرب الشمس في السماء ثم ترتفع من سماء الى سماء حتى ترفع الى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكلون بها ثم تقول يا رب من اين تامرني ان اطلع امن مغربي ام من مطلعي فذلك قوله عز وجل، والشمس تجري لمستقر لها حيث تحبس تحت العرش ذلك تقدير العزيز العليم ، قال يعني ذلك صنع الرب العزيز في ملكه العليم بخلقه، فياتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف او قصره في الشتاء او ما بين ذلك في الخريف والربيع فتلبس تلك الحلة كما يلبس احدكم ثيابه ثم ينطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها ... والقمر كذلك لكن جبرئيل ياتيه بالحلة من نور الكرسي لذلك يختلف ضوء القمر عن ضوء الشمس" وهل يستوعبون انذاك ارقاماهائلة مثل قطر الشمس الذي يبلغ 1.4 مليون كم، وبحجمها الكبير تستطيع ابتلاع حوالي مليون وربع المليون كرة ارضية ؟!!. الا ان هذا الكلام لا يفهمه اصحاب الثقافات التقليدية اللذين لم ينخرطوا بعد في ثقافات العصر فهم يسبحون هنيئا مريئا في الازمنة العجائبية والامكنة الخيالية والحوادث والقصص الاسطورية كانها حقائق وعلى اساسها يرومون في مشاريعهم الاصلاحية تاسيس البناءات الثقافية والسياسية وحتى الاقتصادية والاجتماعية ويدعون الناس جميعا للركوب في عربتهم السائرة الى الخلف بعكس اتجاه حركة التاريخ. ان النموذج الذي نقدمه لتصورات الطبري [ ابو جعفر محمد ابن جرير 838-923 ] عن الزمان فيه دليل واضح على مدى القطيعة الحاصلة بين تصورات القرون الوسطى وتصورات الازمنة الراهنة، وهذا ينطبق ليس فقط على مثال الزمان انما ينسحب الى قائمة طويلة جدا من الامثلة تندرج جميعها في قائمة التصورات الخاطئة والوهمية، ولابد من الاشارة بان المنظومة الطبرية (تاريخ الامم والملوك) تشكل مرجعية اساسية من مرجعيات الثقافة التقليدية، عليها يستند خطابها الراهن ومن مروياتها وحوادثها يستشرف شواهده واشاراته. *** تختزل المنظومة الطبرية الزمان في معدل يندرج من ابتداء الخلق لاخره. ابتداء الخلق= ابتداء الزمان. الزمانُ:اسمٌ لساعات الليل والنهار. الساعاتُ: هي مقاديرُ جَري الشمس والقمر. الزمانُ مُحدٌُث والليل والنهار مُحدثان وان مُحدث ذلك عزَّ وجَل. (تاريخ الامم والملوك ص5/ج1). يتلخص هذا الزمان الكلي بحقب متمايزة:
من مهبط ادم الى الطوفان 1156سنة من الطوفان الى مولد ابراهيم 1079سنة من مولد ابراهيم الى خروج موسى ببني اسرائيل 565سنة من خروج موسى الى بناء بيت المقدس 636سنة من بناء بيت المقدس الى ملك اسكندر 717 سنة من ملك اسكندر الى مبعث النبي محمد 551سنة من مبعث النبي محمد الى هجرته من مكة الى المدينة 13سنة المجموع 5086 ----------- ياتي معدل المجموع من خلال قراءة ازمنة اربع بُنى دينية: اولا:البنية الاسلامية: - مضى 6000سنة ولياتين عليها بضعة مئات من السنين. - خلا من الدنيا 5600سنة والباقي 400سنة خلافا لهذه الارقام الاسطورية المفضوحة، المنسوبة الى رواةٍ مسلمين، فان القول /او التقويل النبوي ، كما هو مسند الى تسعة عَشر مَسندٍ روائي (تاريخ الامم والملوك ص8/ج1)لا يتحدث بلغة رقمية واضحة تضع نفسها في موضع حرج وانما تتحدث باشارات عقلانية تكبح اسئلة لجوجةوعقيمة. - الا انما اجلكم من خلا من الامم كما بين صلاة العصر الى المغرب. - ما بقي لامتي من الدنيا الا كمقدار الشمس اذا صليت العصر. - بُعثت انا والساعة كهاتين واشار بالسبابة والوسطى. ثانياً: البنية اليهودية: - من لدن خلق الله ادم الى وقت الهجرة يساوي 4642سنة. ثالثاً:البنية النصرانية(اليونانية): - من لدن خلق الله ادم الى وقت الهجرة على سياق ما عندهم في التوراة التي في ابديهم يساوي 5992 سنة. رابعاً: البنية المجوسية(الفارسية): - ان قدر مدة الزمان من لدن ملك جيومرت(=ادم ابو البشر) الى وقت الهجرة يساوي3139. معدل هذه الازمنةيساوي4694سنة ولكن الشيخ الطبري يستنتج خلاصة مفادها: ان زمان الخلق من ادم الى وقت فناء الدنيا جميعاً هو سبعة الاف سنة تزيد قليلا او تنقص قليلا بمعنى حسب ارقام الطبري ان الحياة قد انتهت منذ خمسة قرون تقريباً وها نحن نعيش بالزمن الضائع. اننا سنشفق كثيراً على الارقام والمعلومات التي يوردها استاذنا الطبري في منظومته الضخمة (تاريخ الامم والملوك) اذا ما فتحنا صفحات المعلومات والارقام المعاصرة فقد ارجعت قياسات الطبقات حاملة الاحافير عمر الحياة الى ما قبل خمسمائة وسبعين (570) مليون سنة وان ظهور الانسان العاقل حدث قبل زهاء خمسين الف سنة وتقدر الدراسات المعاصرة عمر الارض بحوالي 2-3 مليار سنة وان الشمس تمر الان في دور الشباب أي انها متزنة بين النجوم ويبلغ عمرها (وكذلك المجموعة الشمسية) حوالي 4.5-5 مليار سنة!! ولكن لا نلومه على ذلك لانه ما كان بمقدوره الا ان يتحرك ضمن امكانات زمنه وفضاءاته المعرفية، بل نلوم اولئك العائشين في الالفية الثالثة ومازالوا يجترون عصر الطبري ومعلوماته البدائية.
#مهدي_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشروطية والمستبدة
-
الفعل الحضاري
-
محنة العقل:العفيف الاخضر نموذجا
-
محنة العقل :العفيف الاخضر نموذجا
-
تصحيح التصورات حول المراة
-
الانهيار الحزين
-
الورقة الرابعة:المثقف الاشكالي بين نارين
-
الورقة الثالثة/اسرار الكتب المسروقة
-
الورقة الثانية:مدارات العتمة
-
اوراق مستحيلة في زمن الخراب
-
ابن رشد...ضياع الفرصة التاريخية
-
الشورى والديمقراطية في الخطاب الاسلامي
-
الثقافة العراقية وعنق الزجاجة
-
الكيانات السياسية والمسالة الدينية
-
الكتابات البرية
-
العقل وخطأ السكين
-
المازق الطائفي في العراق
-
شاهد من ازمنة التزوير الثقافي
-
الطبري :الاسطورة والتاريخ
-
/ كتاب شهر اذار/ كيف يمكن ان نعيش سويا ومختلفين
المزيد.....
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|