|
و هكذا الإحتلال أيضا يا ناظر العزبة
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 1990 - 2007 / 7 / 28 - 02:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
العزبة بالطبع هي مصر، كما أصبحت في عهد آل مبارك، الذين أخذوها بوضع اليد قدرة و إقتدارا، و ناظر العزبة هو أحمد نظيف، الذي يديرها لحساب أسياده، و الأجرية بالطبع هم نحن، كما ينظرون إلينا. أما عنوان المقال فهو تعليق على ما صرح به مؤخراً، هذا الإسبوع، ناظر العزبة في الإحتفال بإفتتاح كوبري قليوب، حيث صرح سيادته رداً على الإحتقان الشعبي من عملية بيع مصر المستثمر لن يستقطع جزءاً من أرضها و يهرب. هكذا التلاعب بالعقول، أو لنقل الإستهزاء بها، لأن تصريح كهذا لا يقنع أحد، فالإحتلال أيضاً لا يستقطع قطعة أرض من البلد الذي يحتله و يهرب بها ليضمها لأرضه، إنما يقبض على عنق الدولة، و يلوي إرادتها، و هذا عين ما يحدث اليوم في مصر، حيث يزداد كل يوم الأجانب - أكانوا متحدثين بالعربية أو غير ذلك من اللغات و الرطنات – تمكناً من إقتصاد مصر، و بالتالي إرادتها، فالإقتصاد هو عصب الإرادة، فكلما تحرر الوطن و الفرد إقتصادياً، كلما تحررت إرادته، و مصر اليوم، أصبحت و منذ قرر مبارك ترويض الشعب بعصى الفقر و الحاجة، و الإعتماد المطلق على المعونات الأمريكية و الأوروبية و اليابانية و السعودية و الخليجية و غيرها من المنح، مربوطة بوثاق شديد حول عنقها يقيد إرادتها الحرة. هل هناك فارق بين ما يحدث اليوم و بين نظام الإمتيازات الأجنبية، و تغلغل الأجانب في عصر سعيد باشا، و من بعده في عصري ابن اخيه الخديو إسماعيل، و الخائن توفيق بن إسماعيل؟ لقد فتح مبارك الباب على مصرعيه - كالحكام الثلاثة المذكورين أعلاه - للأجانب ليتغلغل نفوذهم في مصر، و دون أي فائدة عادت على مصر، و تكفي نظرة - سريعة أو متمعنة - للأمور لنلحظ هذا التغلغل الإقتصادي الأجنبي، و الذي للأسف لا يقابله نمو إقتصادي مصري حقيقي تلحظه أغلبية الشعب، كما أن ما يحدث حالياً هو حرب على رجال الأعمال المصريين الشرفاء، و لا أعني هنا مجموعة الصوص الأعمال المتحلقين حول الولدين. لقد قام آل مبارك بمحاربة كل رجل مال أو أعمال مصري وطني شريف، فهناك من تم الإستيلاء على ممتلكاته، و هناك من تم إحراق مصنعه، و منهم من في غياهب المعتقل، إما بتهم ملفقه أو بدون تهم فقانون الطوارئ يكفي، و حتى دون قانون من أساسه، و منهم من ينتظر دوره في محاكمة تفتقر لكل معايير العدالة. فقط اللصوص من المصريين هم من لهم مكان على مائدة إلتهام مصر، التي لا يجلس عليها إلا اللئام، و عدا هؤلاء فلا مكان للمصريين، فالأسرة الغير مباركة، تستعر من كل ما هو مصري، و لا تجد نفسها إلا بصحبة الأجانب. أنا شخصيا، لست ضد القطاع الخاص، بل و لست ضد الإستثمار الأجنبي، و لكن الأمر ليس سبهللة أو سرقة، فالقطاع الخاص أو الإستثمار الأجنبي يجب أن يكون لهما معايير تحكمهما. نعم للقطاع الخاص و إنطلاق الأفراد في العمل، فهذا هو الأصل في الإقتصاد، إنه الفرد العادي صاحب المبادرة و المخاطرة، و لكن يجب أن يحكم ذلك معايير تكافؤ الفرص، و الشفافية، و النظافة، فلا إحتكار، و لا رشاوي، و لا إبتزاز، و لا مشاركة بالغصب، كتلك التي تحدث اليوم على يد أسرة الفساد و الإستبداد الحاكمة مع أصحاب المشاريع الكبيرة، أو على يد المحليات و أفراد هيئة الشرطة في المشاريع المتوسطة و الصغيرة. أوروبا لم تدخل العصر الحديث، و المبادرة الفردية، دون أن يضمحل النظام الإقطاعي لديها في أواخر العصور الوسطى، بما سمح ببدأ العصر الحديث بها، بالمثل فلكي يكون لدينا قطاع خاص مصري صحيح قوي، قادر على منافسة النفوذ الأجنبي، علينا أن نقضي على الإقطاع الحالي في مصر، المتمثل في نفوذ أسرة الفساد و الإستبداد الحالية، فالتأثير الإقطاعي على الإقتصاد – في تعريف قصير مبسط – يقوم، في بعض نواحيه، على سيطرة الحاكم على خيوط العملية الإقتصادية، و بالتالي فإن النجاح الإقتصادي للفرد يكون مرتبط بمدى القرب من الحاكم، و مدى رضاء الحاكم على ذلك المحظوظ، الذي يزداد حظه إرتفاعاً بإرتفاع رضاء الحاكم عليه، و هذا ما أصبح الحال عليه في مصر، حيث الأمور الإقتصادية كلها مركزة في يد مبارك و ولديه و السيدة حرمه، و بمدى رضاء أحد أعضاء الأسرة على المحظوظ من رجال المال و الأعمال يكون نجاحه، إننا في مصر عدنا من جديد إلى عصر الإقطاع، فقد أعادنا مبارك إليه، فكيف سنقف في وجه النفوذ الأجنبي المتزايد؟؟؟ هذا عن القطاع الخاص، الذي يجب أن يتحرر من نفوذ السياسة عليه لكي ينجح في مواجهة المنافسة الأجنبية، كما حدث من قبل مع بنك مصر و شركاته، التي ساهمت في الحد من النفوذ الأجنبي على مصر، و بالتأكيد لو كان الأمر ترك دون إعتراض لربما كانت مصر اليوم في وضع إقتصادي لا يقل عن وضع أسبانيا أو ايطاليا. أما عن الإستثمار الأجنبي، فإنني لا أنكر أهميته، و لكن ما يحدث في مصر ليس إستثمار، إنه بيع لمصر، و تمكين للأجانب - أياً كان إسمهم، خليجيين أو أوروبيين أو أمريكان ... ألخ - من عنقنا، فمثلاً هل بإمكان السعوديين أن يدخلوا أي تكنولوجيا حديثة يملكون أسرارها؟؟؟ إنهم – أي السعوديين و الامارتيين – يقومون فقط بوضع فائض أموالهم في شراء الأصول المصرية، كما كانوا يفعلون فيما مضى بشراء الأراضي العقارية المصرية، هذا كل ما يقوم به السعوديين و الاماراتيين، و في أفضل الأحوال يقومون بإنشاء بعض المتاجر الكبيرة، - هايبر ماركت – و التي أيضاً لا تمثل إضافة إقتصادية حقيقية لمصر، و نحن في غنى عنها، و المصريين قادرين على فعل مثلها دون حاجة لمسثمر سعودي أو اماراتي. بالمثل ما إستفادة مصر من سيطرة الخليجيين - سعوديين و امارتيين على وجه الخصوص – على الصناعات البتروكيماوية المصرية، التي تعد المصدر الأساسي للكثير من الصناعات الأخرى، التي تعتمد على المشتقات المستخرجة من الصناعات البتروكيماوية، إذا أصبح السعوديين و الإمارتيين مسيطريين اليوم ليس فقط على قطاع الصناعات البترولية، بل و أيضاً على كافة الصناعات المحلية المعتمدة على المستخرجات البتروكيماوية. كذلك ليس من الإستثمار الأجنبي أن يتم تركيز الصناعات الملوثة للبيئة مثل مصانع الأسمنت و الكيماويات في مصر، ثم نقول هذا إستثمار، فقد إشترت بعض الشركات الأوروبية مصانع الأسمنت لكي تصدر الإنتاج لأوروبا، أي إنها وضعت يدها على الصناعات الملوثة للبيئة، و للأسف فإن الإتجاه هو في إنشاء مزيد من مصانع الأسمنت، و لكنها للأسف لن تكون لخدمة السوق المصري، حيث اُعلن مؤخراً، عن مزاد لبيع رخص إنشاء مصانع أسمنت جديدة، بما سينعكس علينا بمزيد من تلويث البيئة المصرية، و مزيد من الأمراض - و كأنه لا يكفينا ما أبتلينا به على يد أسرة مبارك الفاسدة - و للأسف فإن الإنتاج للتصدير أولاً لأوروبا النظيفة، التي تستغل شركاتها قرب مصر من أوروبا، و سهولة و رخص عملية النقل، فهل في توفير بعض وظائف ما يقابل تلويث البيئة المصرية، و مزيد من أمراض الجهاز التنفسي، و منها مرض تحجر الرئة الذي ينتج عن ترسب غبار الأسمنت المنطلق من المصانع في رئة المواطنين المستنشقين له؟؟؟؟ إن ما ستنفقه مصر على علاج ضحايا التوسع في مصانع الأسمنت المملوكة لأوروبيين و بعض رجال الفساد من أعضاء لجنة السياسات الشهيرة، يفوق بمراحل أي فائدة تعود من رواتب من سيعملون في تلك المصانع الملوثة للبيئة. و يحضرني في مسألة الصناعات الملوثة للبيئة و التي تنتج في مصر من أجل التصدير مثال، فمنذ بضع سنوات أرادت شركة مصرية أن تصدر إنتاجها للسوق الأوروبي الشرقي، و كان أهم منتج لدى الشركة المصرية، و الذي كانت تعتبره ورقتها الرابحة للدخول للسوق الأوربي، هو مادة كيماوية خام تستخدم في صناعة أحد الأدوية، و مرجع ذلك، ليس لأننا نملك تكنولوجيا تصنيع غير متوافرة في أوروبا تنتج تلك المادة، لقد كان الأمر ببساطة أن تصنيع هذه المادة مقيد في أوروبا، لأن تصنيعها ملوث للبيئة، بالمعيار الأوروبي بالطبع، و ليس المصري. الإستثمار الأجنبي يجب أن يكون تحت معايير، أهمها أولاً أن تكون الإستثمارات الأجنبية في إنشاء مشاريع جديدة، و ليس شراء لمشاريع قائمة بالفعل. ثانياً أن يكون الإستثمار الأجنبي مركزاً في ميدان التصنيع، و ليس فقط في مجالات التجارة و الخدمات. ثالثاً ألا يؤدي الإستثمار الأجنبي إلى إحتكار، فلا يتم تركيز بعض الصناعات في يد جنسيات بعينها، كما يجب ألا تؤدي الإستثمارات الأجنبية، على مختلف جنسياتها، إلى تناقص الرقعة التي يحتلها المستثمرين المصريين، فلا تصبح مصر فريسة لإرادة أجنبية. رابعاً أن يشترط تخصيص حصة من الإنتاج للسوق المحلي المصري، قابلة للزيادة في المستقبل مع زيادة الحاجة لهذا المنتج في مصر، فلا يصح أن يُصدر من مصر ما يحتاجه الشعب المصري، كما يحدث اليوم مع بعض المنتجات اللازمة للبناء. خامساً رفض إنشاء صناعات جديدة ملوثة للبيئة، لا يحتاجها السوق المصري، فلا تتحول مصر إلى المكان القذر، الذي يتم تصنيع فيه المنتجات القذرة للغير، حفاظاً على صحة الأخرين و بيئتهم، مع تدمير صحتنا و بيئتنا. سادساً الإشتراط على المستثمر الذي يريد إنشاء أي مصنع إدخال تكنولوجيات جديدة، و تصنيع فعلي، و ليس الإعتماد على تقنيات قديمة متهالكة، أو القيام بعمليات تجميع فقط، لا تضيف أي خبرة حقيقة لمصر، وتجعل مصر بحاجة للأخرين بإستمرار. سابعاً مراجعة كافة الإتفاقات المبرمة بالفعل بخصوص الإستثمار الأجنبي في مصر، و وضع ضوابط للإتفاقيات القادمة، حتى تكون جميعها في صالح مصر أولاً. هذه بعض الضوابط - و ليس كل - التي يجب أن نطبقها حتى يكون الإستثمار الأجنبي، إسثتماراً بالفعل، و إضافة للإقتصاد المصري، و ليس شراء لمصر، و ليكون أيضاً تراكماً للعلوم و التقنيات و الخبرات الحديثة التي نحن أحوج ما نكون إليها، و إبعاداً له عن أن يكون أداة للسيطرة على الإرادة المصرية، و تحويل شعبها إلى مجرد شعب عامل لدى الغير. و بما إنه من المستحيل تطبيق ذلك في عهد أسرة الفساد الحاكمة الحالية، فإنه من الأفضل أن يتم تجميد الخصخصة، بالضغط الشعبي المتواصل، حتى يتم أولاً تأسيس مجتمع العدالة و الحرية، القادم لا محالة، فالأمور تسير - و لو حثيثاً - نحو الثورة، كما سارت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فالظروف متشابهة سواء في سلوك الحكام أو في الغضب الشعبي من مسلكهم، و سوف تكون أحد صيحات الثورة القادمة مصر للمصريين، تماماً كما كانت صيحة ثورة أحمد عرابي في ثمانينات القرن التاسع عشر.
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فوز حزب العدالة التركي مسمار في نعش آل مبارك علينا إستثماره
-
لقد كان نضال وطني و ليس مجرد خلاف فقهي
-
إقتحموا الحدود، فالبشر قبل الحدود
-
مستثمر رئيسي أم لص شريك؟؟؟
-
رسالة إلى حماس، نريد القصاص من هؤلاء المجرمين
-
مشروع الهيئة المصرية الأهلية للعدالة
-
يوم و نصب المعتقل المصري المجهول
-
يوم و نصب المعتقل المجهول
-
إضرابات بدون هدف و تنظيم، لا شيء
-
مصر ليست أحادية الإنتماء
-
الإنقلاب العسكري المصري القادم، أسبابه و مبرراته
-
حمر عيناك، تأخذ حقوقك
-
حد السرقة في الفقه السعودي
-
السيد أحمد فؤاد و السيد سيمون
-
ضجة رضاع الكبير فرصة لإحياء الإسلام
-
مواطنون لا غزاة
-
معالم النهاية تتضح
-
الإنتظار لن يأتي بخير
-
للأجنة الحق في أن تحيا أيضاً
-
إتحاد المتوسط، حلم يكمن أن نبدأ فيه
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|