|
إنَّها سياسة -المكابرة- و-الانتظار-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1987 - 2007 / 7 / 25 - 11:09
المحور:
القضية الفلسطينية
إذا كانت "المكابرة"، التي تحرسها مصالح شخصية وفئوية ضيِّقة، "سياسة" فإنَّ قيادة "حماس" ما عادت تملك، بعد (وبسبب) ما أسْمته "التحرير الثاني" لقطاع غزة، من "سياسة" سوى "المكابرة"، فالواقع الجديد، غير الجيِّد، بحسب كل المقاييس الموضوعية للجودة، تحدَّاها، ويتحدَّاها، أن تُبْدي من الجرأة السياسية ـ التاريخية ما قد يسمح لها بأن تَسْتَمِدَّ لسياستها شرعية ممَّا هو أهم كثيرا من "صندوق الاقتراع"، الذي صداقته لها مستمرة في النفاد، وهو "الواقع"، الذي لا نغالي إذا قُلْنا إنَّه وهي في عداء متزايد.
"الانتظار" ليس دائما بالسياسة الجيِّدة، أي السياسة التي تُجيب إجابة صحيحة عن الأسئلة والتساؤلات التي تثيرها حاجات ومصالح الناس الحقيقية والواقعية والجوهرية، فـ "الانتظار" في وَضْع كوَضْع الفلسطينيين في قطاع غزة الآن إنَّما يُبلِّط الطريق إلى جهنَّم، ويَمْدُّ عُمْر الكارثة، ويزيد ضحاياها؛ و"الانتظار" يتحوَّل هو إلى كارثة إذا ما كان الشيء الذي يَنْتَظِرون أقرب إلى المجهول منه إلى المعلوم، فماذا يَنْتَظِرون؟!
الذكي إنَّما هو الذي يتعلَّم من تجارب غيره، فمن يكون هذا الذي لا يستطيع التعلُّم حتى من تجاربه؟! وما هي أهميَّة التجربة إذا لم نَخْرُج منها ولو بشيء من الدروس والعِبَر؟!
لقد جاءتهم التجربة، تجربة "التحرير الثاني"، بما يؤكِّد لهم، ولكل مَنْ لا يؤمِن بأنَّ النار تَحْرِق إلا بعد أن يَضَع يده فيها، أنَّ عبقريتهم في الجَمْع بين "المقاومة" و"السلطة" قد أنْتَجَت، أوَّلا، المهزلة، ثمَّ حوَّلتها إلى مأساة، فهذا "الجَمْع" انتهى إلى انفصالهم هُمْ عن "المقاومة" وعن "السلطة"، بوصفها إدارة فعلية وحقيقية لشؤون الناس العامَّة.
عن ظَهْر قلب حَفِظْنا أنَّ "الاحتلال يُوَلِّد المقاوَمة"؛ وقد حان لقيادة "حماس" أن تُقِرَّ وتَعْتَرِف بأنَّ تجربتها في "المقاومة" كانت تجربة لـ "المقاومة التي تُوَلِّد الاحتلال"، فالمقاومة التي نَعْرِف، والتي يعترف التاريخ بجدواها وأهميتها وضرورتها، إنَّما هي المقاومة التي تنهي الاحتلال؛ أمَّا "المقاومة" التي تَسْتَجْلِب الاحتلال، وتصارعه في طرائق وأساليب تُقوِّيه وتُضْعِفها فليست بمقاومة ولو ظلَّ الدم يسيل منها.
كان على قيادة "حماس" أن تتعلَّم أصول "المقاومة" من "حزب الله" اللبناني، وأن تَفْهَم جيِّدا ما الذي عناه قائده حسن نصر الله إذ قال بعدما وَضَعَت "حرب تموز ـ آب" أوزارها: "لو كنتُ أتوقَّع أنْ يَحلَّ بلبنان ما حلَّ به من دمار وموت لَمَا أمَرْتُ بالقيام بذاك العمل العسكري الذي أدَّى إلى أسْر جنديين إسرائيليين".
الفلسطينيون يريدون "التحرير"، و"التحرُّر"، ويعلمون أن لا تحرير ولا تحرُّر بلا ثمن هو تضحيتهم بالغالي والنفيس؛ ولكنَّهم لا يريدون أن يُضحُّوا بالغالي والنفيس بلا جدوى، وبما يُبعِّدهم عن هدف الاستقلال القومي ولا يُقرِّبهم منه؛ وهنا يَكْمُن الفَرْق الجوهري بين مقاومة تنهي، أو في مقدورها أن تنهي، الاحتلال، وبين مقاومة تبقي عليه، وتَسْتَجْلِبه، وتُمكِّنه من أن يَضْرِب جذوره عميقا حتى في لُقْمة العيش وحبَّة الدواء ومياه الشرب.. وفي اقتتال الساعين إلى التحرُّر منه.
من قبل، أي من قبل أن تنشأ لهم مصلحة ذاتية في الجَمْع بين المقاومة والسلطة، كانوا يفهمون المقاومة، بقاءً واستمراراً وتطوُّراً، على أنَّها الطريق إلى التحرير؛ أمَّا بعدما فَتَنَتهم السلطة، وبعدما أخذوها كاملة، على تفاهتها، ففهموا المقاومة على أنَّها الشيء الذي إذا تخلُّوا عنه احتفظوا بسلطة تضر وتنفع.. تضر الشعب، وتنفع فحسب الذين اجترحوا السيئات، الظاهرة والكامنة في "التحرير الثاني".
معبر رفح على بُعْد أشبار من حكومة تَنْظُر إلى نفسها على أنَّها الحكومة الشرعية، وتَفْهَم الشرعية على أنَّها الشرعية المستمدَّة (فحسب) من صندوق الاقتراع الذي لو نطق الآن لاعترف بذنبه، فَلِمَ لا تَسْتَكْمِل "التحرير الثاني" بتحريره، أي بفتحه عنوة؟! ما الذي تخشاه أو يُعْجِزها عن ذلك؟! هل تخشى فَقْدَ ما تحظى به من شرعية دولية (وعربية)؟! هل تخشى أن تُتَّهم بأنَّها ما عادت تحترم الاتفاقيات الموقَّعة من قبل؟!
إنَّ قطاع غزة يتحوَّل إلى ما يشبه مخيَّما أقيم على عجل لإيواء وإغاثة وإطعام ضحايا زلزال أو إعصار، نزلاؤه لا يعملون، يَنْتَظِرون مساعدات غذائية (طحين وسُكَّر وأرز.. ) وطبية دولية عاجلة، تأتيهم من "برنامج الأغذية العالمي"، ومن "الأونروا"، و"الهلال الأحمر المصري"، عبر معبر كرم أبو سالم الذي يخضع لسيطر إسرائيلية كاملة. وفي داخل هذا المخيم، تنتشر وتعمل شرطة "حماس"؛ أمَّا في خارجه، ومن حوله، فإنَّ الجيش الإسرائيلي هو الذي يحكم ويتحكَّم، ويمضي في نشر الموت والدمار، مُغْرِقاً أهل غزة باستثناء رؤوسهم في بحر غزة.
وليس من سياسة تتبعها "حماس" الآن سوى السياسة التي تسمح بالاحتفاظ بالسلطة التي لا يرغب في الاحتفاظ بها إلا المُتَعطِّش إليها، والمتشبِّث بكرسيها ولو كان، أو أصبح، خازوقا.. وبوصول المساعدات الغذائية والطبية الدولية العاجلة. لقد تمخَّض "جَبَل المقاومة" فولد فأراً!
لو كانوا يملكون من "الروح القيادية" ما يَحْملهم على ترجيح كفَّة المصلحة الفلسطينية العامة على مصالحهم الشخصية والفئوية الضيِّقة لقرَّروا إذ أنجزوا مهمة "التحرير الثاني" دعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى العودة إلى حُكم قطاع غزة، وتَرْك الحكومة، والعودة إلى حيث يصبح في مقدورهم التأسيس لمقاومة سرِّية جيِّدة مُجْدية، تتوافق ولا تتعارض مع حق السلطة في أن تُظْهِر وتؤكِّد سيادتها الأمنية (في الداخل) ومع حق الفلسطينيين في تجنيبهم شرور المغامرات العسكرية، وفي تسليحهم بمزيد من الحقوق والحرِّيات الديمقراطية، التي بها فحسب يصبح ممكنا خوض صراع شعبي ضد كل مَنْ زعمت "حماس" أنَّها قامت بما قامت به توصُّلا إلى درء مخاطرهم عن الشعب الفلسطيني.
كان ينبغي لها أن تكون تلميذا ذكيا لـ "حزب الله" اللبناني، يتعلَّم من تجربته، ويأخذ بطرائقه وأساليبه في خوض وإدارة الصراع، فالشعب الفلسطيني إنَّما يحتاج ليس إلى مزيد من المشاركين في الحكومة والسلطة وإنَّما إلى معارَضة قوية منظَّمة، تَعْرِف كيف تعارِض بما يعود بالنفع والفائدة عليه، وعلى مصالحه وحقوقه وقضيته القومية، وتَعْرِف كيف تمد الجسور بين الشرعية المستمدَّة من صندوق الاقتراع والشرعية الدولية، فليس بإحداها فحسب يحيى الشعب الفلسطيني وقضيته القومية. ومأساة قطاع غزة، أي مأساة الشعب الفلسطيني بأسره، إنَّما هي في بعضٍ من أهم أسبابها ثمرة سياسة أخفق أصحابها في مدِّ الجسور بين الشرعيتين، متوهمين أنَّ الشرعية الدولية ستتغيَّر، لا محالة، بما يُوافِق، سياسيا، الشرعية الانتخابية، فحصدوا ومعهم الشعب الفلسطيني ما يحصده دائما زارعو الأوهام.
لقد حان لهم أن يكفُّوا عن الانتظار، الذي هو انتظار لمزيد من الكوارث، وأن يعودوا إلى غرس السياسة في تربة المصالح العامة للشعب الفلسطيني وليس في تربة مصالحهم الشخصية والفئوية الضيِّقة.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا -التتريك- المفيد لنا!
-
من أجل -مَغْسَلة فكرية وثقافية كبرى-!
-
مرجعية السلام في خطاب بوش
-
-سلام- نكهته حرب!
-
طريقان تفضيان إلى مزيد من الكوارث!
-
أعداء العقل!
-
عشية -الانفجار الكبير-!
-
كيف يُفَكِّرون؟!
-
بعضٌ من المآخِذ على نظرية -الانفجار العظيم- Big Bang
-
ما ينبغي لنا أن نراه في مأساتهم!
-
ما وراء أكمة -الإسلام هو الحل-!
-
البتراء.. شرعية منزَّهة عن -الانتخاب-!
-
هذا الفقر القيادي المدقع!
-
-روابط القرى-.. هل تعود بحلَّة جديدة؟!
-
خيارٌ وُلِد من موت الخيارين!
-
-الأسوأ- الذي لم يَقَع بعد!
-
وَقْفَة فلسطينية مع الذات!
-
هذا -الكنز الاستراتيجي- الإسرائيلي!
-
-رغبة بوش- و-فرصة اولمرت-!
-
تحدِّي -الضفة- وتحدِّي -القطاع-!
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|