نسبتاً إلى تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية في قضايا التجنيس في البحرين، فإن من المهم للسلطة التنفيذية وكافة المعنيين وفعاليات المجتمع أخذ المسؤولية المناطة بهذه اللجنة على محمل الجد، تبعاً لأهمية القضية التي نحن بصد التحقيق فيها. خاصة وان هذه القضية تتصل مباشرة بالعديد من الملفات الساخنة ذات الأبعاد السياسية في البحرين. ومن بينها ازدياد البطالة وتفاقم أعبائها وقضية التمييز بكل ما تمثله من ثقل اجتماعي ضاغط يجب النظر فيه بشكل سريع نتيجة الضيق الشعبي من بروز هذه المسألة التي نتج عنها المزيد من الفرقة والتشظي والتي لا نريدها في هذا الوطن. كذلك فإن العديد من التداعيات الاجتماعية ومنها قضايا الإسكان وتراكم طلبات المراجعين وزيادة عددها ترتبط مباشرة بقضية التجنيس وتزيد بدورها من معاناة الكثير من الأسر البحرينية نتيجة تراكم الطلبات سواء بالنسبة للقسائم أو للشقق أو المنازل، خاصة مع بروز ظاهرة منافسة المجنسين في الحصول على الخدمات وتوفر العديد من الشواهد الدامغة لدى المواطنين أنهم – المجنسين - مفضلين عليهم في الخدمات لأنهم يعملون في مواقع أمنية معينة كالجيش والشرطة والحرس الوطني فيما لا يحظى المواطنون بهذا الشرف ويحرمون منه.
ومن هنا فإن مهمة لجنة التحقيق التي أقرها مجلس النواب في دور الانعقاد الأول يجب أن ينظر لها المعنيين بكل الجدية. وهي مناسبة لدعوة زملائنا في اللجنة إلى تحمل كامل المسؤولية في طرق وفتح جميع الملفات سواء بالنسبة للفترة من ديسمبر 2002 حتى الآن أو حتى كامل الفترة الماضية منذ عام 1995 والتي تم فيها التجنيس على نطاق واسع. فنحن لن نتمكن من بحث مسألة التجنيس ونساعد على ضبط المشكلة بدون معرفة وفهم جذورها من الناحية الموضوعية، والمسببات والأعداد التي تم تجنيسها والغرض الذي تتم فيه ومن أجله على هذا النطاق الواسع في البحرين بالذات حيث تتجاوز نسبة الكثافة السكانية 1200 فرد في الكيلومتر مربع الواحد وهي من أعلى الدول في العالم في هذا المجال بعد قطاع غزة وعلى النقيض من كل الدعوات التي يطلقها باستمرار المسؤولين الحكوميين والباحثين الأكاديميين والكتاب والصحفيين – بدون وجه حق – التي يدعون فيها الأسر البحرينية للتوقف عن الإنجاب تحت ذريعة الحيلولة دون إضافة أعباء جديدة على التنمية الاقتصادية واستنزاف الموارد الوطنية في حين أن الحكومة تتوسع في عمليات التجنيس بالآلاف.
كما أنه من الضروري بحث المخاطر المحدقة بهوية الوطن والمواطن وسبل رزقة ومستقبل أجياله، ومن المهم في البحرين الاستفادة من تجارب الدول التي استمرأت تجنيس الأجانب، ومثال ذلك ما جرى في العراق في سبعينات القرن الماضي، ولبنان في الثمانينات وكلا البلدين الشقيقين تم فيهما التجنيس لاسباب سياسية إضافة بعض الدول الأخرى التي انتهجت ذات الأسلوب، وهي خير شاهد على ما يحدثه التغيير الديموغرافي القسري والسياسي من مآسي في الأوطان مما يحدونا إلى عدم التعويل على أنماط من التفكير الحالم الذي يُفضي بنا إلى طرق مسدودة وخطرة، وعليه فلا يمكننا أن نشرع قوانين لفسيفساء مصطنعة بقوة الذراع والأهواء، فالناس والمجتمعات ليست معادن فلزية أو مواد كيميائية أو ألوان طبيعية يمكن صهرها وإذابة عناصرها وقلب حابلها على نابلها، بل إن ذلك قد يُفسد الجزء والكل الذي سيؤدي لا محالة إلى حالة من الانشطار والتشطير المجتمعي والقِيَمي والعرفي لا يهدأ أواره أبداً، لأن البشر لهم ما يميزهم عن الأشياء الأخرى من روح وأحاسيس وانتماءات ترابية متجذره واعتزاز سحيق بتراثه الروحي الوطني الحي، كما أنه يعيش مناخ يتفهم معتقدة وملامح كثيرة في شخصيتة وخصوصياته المتفرده، لذا فإنه لن يستطيع أن يتقبل أوزاناً زائدة عن حاجته الاقتصادية والطبيعية بل قد يعتبر من يتطفل عليه بتقمص مواطنيته بأنه كالمومياء التاريخية تقيم حواجز اجتماعية بين فئات الأمة أو أمماً بين أمة.
وفي أتون ذلك المعترك من التناقضات والإشكاليات فإن على السلطة التنفيذية وعلى الخصوص إدارة الهجرة والجوازات المعنية بهذا الموضوع أن تبدي استجابة وتعاوناً شفافاً في التعامل مع هذا الملف الحساس والمصيري وأن لا تضع أمام لجنة التحقيق البرلمانية العراقيل القانونية ولا الإدارية، فنحن جميعاً هدفنا الأسمى هو مصلحة الوطن قبل كل شيء. منطلقين في ذلك من مخاوف مرتبطة بمستقبل وحاضر هذا الوطن المعطاء، ويجب أن لا يشكل عمل لجنة التحقيق في التجنيس مخاوف لدى السلطة التنفيذية أو حتى بعض النواب. بل يتعين النظر إليها بمفهوم التعاون الإيجابي الملموس الذي يقضي إلى حلحلة الملفات العالقة. لأن بقاء هذه الملفات مفتوحة باستمرار ليس في مصلحة الوطن ولا المواطن.
ويبدوا واضحاً الآن بعد مرور سنوات أن عملية التجنيس التي تمت في الأعوام السابقة لعلاج آثار سياسية وإعادة ترتيب الوضع الديموغرافي ليست هي الحل. بل إن انعكاساتها بدأت تظهر بوضوح ويعاني منها الجميع في هذا الوطن أينما كانوا أو قطنو. وكان ذلك الإخفاق في التوصيف لحجم ونوعية المشاكل والهموم من قبل أطراف في الحكومة قد خلط الأوراق مرة أخرى، وأصاب سلم الأولويات في رشده وجزء المجزئ، وبات الاحتكام إلى آراء ذوي الحجا خيانة، ونصح الغيورين لصانعي القرار تطفلاً، كما أن من الضروري أن لا نجعل من الجنسية البحرينية موضعاً للمساومة الرخيصة بحيث تمنح لمعالجة إشكالات سياسية داخلية دونما دراسة للآثار السلبية والتداعيات المترتبة عليها. لأن ذلك التجنيس تسبب في خلق مجتمع متمايز وغير مترابط تتغير فيه سمات الهوية الوطنية لأبناء البلد. وأبلغ دليل على ذلك ما حدث في بعض مناطق البحرين التي يقطن فيها المجنسين من توتر بلغ حد الصدام فيما بينهم تم تناوله في وسائل الإعلام.
وفي الحقيقة إن استمرار الاعتماد على توظيف العسكريين الأجانب في السلك العسكري على الخصوص "الداخلية، الدفاع، الحرس الوطني" أصبح ظاهرة ترصدها حتى المنظمات الدولية من حيث كونها مظهراً من مظاهر التمييز لكون المواطن لا يمنح هذا الحق الذي يملكه الأجانب ويحرم منه إبن الوطن، علاوة على ما يثيره من تساؤل عن تطبيق الحق الدستوري في المادة (30) من دستور مملكة البحرين التي تنص على أن الدفاع عن الوطن واجب مقدس على كل مواطن. فأين هذا الواجب؟ ولماذا لا يتاح لكل المواطنين؟ إن الوحدة الوطنية تبقي هي المطلب والغاية الرفيعة والسامية لأبناء المملكة جميعاً فهي الضامن الوحيد لتقدم وتطور وطننا العزيز.
ولذلك فعلينا صيانة وحدتنا ووطننا. فإن رقعة وطننا الصغير والنسبة الكبيرة التي يشغلها المواطنين والقاطنين قياساً بمساحته والتي تبلغ أكثر من 1200 فرد في الكيلو متر المربع قد جعلت البحرين من بين أكثر الدول اكتظاظاً بالسكان في جميع أنحاء أنحاء العالم. مما يضعنا في تناقض بين ما يدعوا له بعض المسؤولين من ضرورة ضبط الأسرة والنسل بدواعي إتاحة فرصة أكبر للنمو الاقتصادي والحفاظ على مستوى الدخل وجودة الخدمات ومن جهة مقابلة التوسع في استقدام وتجنيس الأجانب بدواعي سياسية وديموغرافية مما يزيد أعباء التنمية ويضعف من مستوى وجودة الخدمات، خاصة وأنهم – المجنسين - لا يمثلون حاجة اجتماعية أو علمية ملحة، بل يشكلون عبئ على المجتمع لأنهم يستفيدون من جميع المزايا والخدمات ولا يضيفون له شيئاً ذو قيمة، لعدم امتلاك معظمهم المؤهلات العلمية والخبرات التي تجعل منهم منتجين ويسهمون في تقدم وبناء هذه المملكة.
إن شعب البحرين أصيل لا ينكر من أسهم في خدمة هذا الوطن بما يملك من شعور إنساني فياض وبما يملك من خصال الكرم العربي الأصيل. لذلك فإن التجنيس ضمن القانون لن يثير الريبة. فالعربي خاصة المؤهل والذي يملك الكفاءة وتنطبق عليه شروط التجنيس التي أقرها القانون له الحق في الجنسية إذا عاش في البحرين 15 عاماً وللأجانب إذا مكثوا 25 عاماً وذلك لا ينطبق على السواد الأعظم منهم، لفقدانهم واحد من أهم الشروط القانونية الأساسية وهو ضرورة إجادتهم للغة الوطن وهي العربية بكل تأكيد. لكننا ضد التجنيس لاعتبارات سياسية أو ديموغرافية من شأنها الإخلال بالوحدة الوطنية والإسهام في تقليل فرص وحقوق المواطن الاقتصادية وإقلاق أمنه السياسي والاجتماعي.
إن الرغبة التي تقدمنا بها لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في التجنيس ستضعنا جميعاً أمام مسؤولياتنا الوطنية للتأكيد على جديتنا في كيفية التعامل مع هذا الملف الذي يرتبط بالحفاظ على الهوية الوطنية، ومن هذا المنطلق أدعو السلطة التنفيذية لإبداء كل التعاون مع اللجنة للوصول إلى حقيقة هذا الملف الذي كان سبباً مباشراً في زيادة أرقام البطالة وارتفاع معدلات الجرائم واكتظاظ المدارس وتهديد أمن المجتمع، على أن حل هذه المعضلة يبقى مسؤولية الجميع وليس النواب لوحدهم، أو لجنة التجنيس لوحدها، وإنما يتطلب تضافر جهود كافة المؤسسات – وفي طليعتهم السلطة التنفيذية - المعنية والمختصة إضافة إلى المجتمع المدني والفاعليات السياسية لكي تؤطر جهودها في بوتقة واحدة يكون هدفها الأول والأخير المصلحة الوطنية العليا.
عــبدالـــهادي مـــرهــــون
النائب الأول لرئيس مجلس النواب
Mhadi1122@ hotmail.com