أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - الرؤيةُ فيما يَرى الرَغيف...














المزيد.....

الرؤيةُ فيما يَرى الرَغيف...


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1987 - 2007 / 7 / 25 - 10:30
المحور: الادب والفن
    



(( السعادة تعيش في دواخلنا ، طوع إرادتنا ،وبالتالي فهي لا تعطى و لا تهدى ، ولا تشترى بأموال الدنيا ...))
منى الشافعي

لا يُمكن الجمعَ بين قرصِ الرغيف وقرص القمر ، رغم إن كليهما مدوران ويشبهان الدمعة إلا في اللمعان ، ففي لمعان القمر تنام قصائد العشق وأمنيات رواد الفضاء وأحلام الليل كلها ، فيما لمعان الدمعة يتراوح فقط بين مشاعر حزن أو فرح أو تلك التي تسقط حارة على خشب نعش عزيز نودعه . أما دوران الرغيف فليس فيه سوى هاجس الجوع ، وأمنيات أخرى لاتتجاوز حلم الفقير بصباح دون صداع .
أضع هذه المقدمة وأنا أتهيئ لكشف آخر حول كروية رغيف الخبز بعد أن مللننا من البحث في كروية الأرض ، فماجلان لن يعنيني بقدر ما يعنيني تذكر وجه أبي وهو يتحيل مثل آلهة يونانية شكل صورة الفرح يوم يستطيع أن يصنع من عرق الجبين رغيف خبز ، عنها تنمو في أعماقنا السعادة ونذهب بأساطيل الغيوم إلى جغرافيات التخيل الطافحة ببهجة السينما والدمى وتقبيل خد أميرات من لؤلؤ جيء بهن من بلاد الصين إلى سومر ، فقط ليتعلمن من أمهاتنا طريقة رتق الثوب. فبعد أن يتوفر الرغيف للعائلة . من الصعوبة أن يتوفر شيئاً غيره...
تشدني مفردة ( طوع أرادتنا ) ، أتخيلها قوتنا الذاتية للوصول ، أنها الممكن الذي نتوارثه بفطرة ولادتنا الإنسانية ، لحظها تصل سعادة الفقير إلى ذروة التخيل من خلال ( طوع الإرادة ) ربما لان الفقير يحب فقره أكثر مما يحب الغني غناه ..وهذا كفيل بصناعة ( اللحظة البنفسجية)
فليس مسرة الحب وحدها من تجعلنا نطير بأجنحة النورس .مسيرة الرغيف تجعل من طيران البشر ..طيران النسور ..فلتحليق بخيال بطن ليست جائعة يستطيع أن يخلق من معجزات الكشف ومثلما قال متصوف : شبعت من الثريد وأريد أن أشبع منك!
إذن حين يتملكك طوع الإرادة يتملكك ذهن متقد تستطيع فيه أن تقود قطيع الكلمات إلى صحارى الكتب الجميلة ، وفي الكتب تستطيع أن توفر لذاتك حكمتها ، وبالتالي يكون الشعور بالجوع أمراً نسبيا ، غير إن الخبز في كل أحوال هكذا هاجس يصبح من بديهيات العيش الفكري والجسدي وحتى على مستوى العشق....
من التفت أول مرةٍ إلى أهمية الرغيف ؟
حتما هو الشاعر ..لأنه القادر على كشف انفعالات البشر بشتى مستوياتها ..والجوع كما تؤكد عليه الدراسات النفسية أعلى مستويات الشعور البشري ..فحين نجوع ندرك فائدة أن يكون معك القرش ..ولكن حين يكون معنا القرش ننسى حزن المحتاج ..وعندما نتذكره تطمئن فينا الروح ، وذلك ما تطلق عليه الأديان بر الغني لأخيه الفقير....
يقول إيريك فروم وهو يبحث عن شكل مفترض للسعادة ) إنها إحساس مصنوع بلحظات حياتية متراكمة ).
أعتقد أن هذه التراكم آت من اليوم الحياتي ، فإذا كان اليوم جيدا وفيه رزق أو هاجس محبة أو نجاح بعمل أو فوز انتخابي ..أو ..أو ..أو ....تولد السعادة ولكن وفق نسب مختلفة تتعلق بالوضع الاجتماعي ( للسعيد ) بثقافته ، بحالته النفسية ، بانعكاس هذه السعادة ونتائجها ، رغم ذلك فأن إدراك بديهية : كل هاجس إنساني مؤقت يجعل من هذه السعادة منقادة إلى اللحظة والفاصلة الزمنية والمؤثر البيئي والاجتماعي ..
أعود إلى مقالة السيدة ( منى الشافعي ) والمنشورة في مجلة البوابة ، وأقارنها بتدوين غاستون باشلار وهو يصور في كتابه ( جماليات المكان ) مقتربات السعادة الإنسانية مع البيئة المعاشة ، فأكتشف إن هذه الرؤية تلتقي تماما برؤاي التي إكتسبتها من قراءاتي الدائمة للذائقة الجمالية لدى البشر ، ولأني أريد أن اكشف هاجس الرغيف مع السعادة ، أعطتني المقالة خيوط أن نشعر بقيمة إحساسنا اتجاه بهجة تهب علينا لتجعلنا نبتسم أو نرتاح ..ولكني في اغلب الأحيان لا اربط الابتسامة بالرغيف بقدر ربطها بالعشق مثلا أو بالنجاح في المدرسة أو بعودة آبائنا سالمين من جبهات الحرب .
تكتب السيدة الشافعي في مقالتها مانصهُ : ((ليس من السهل علينا قياس السعادة أو تحديد مفهومها أو إيجاد مصدرها فليس لها مفاتيح تتدلى بسهولة من أيدينا لنفتح فيها كل يوم بابا مغلقا ، يسعدنا ما خلفه من مفاجآت حلوة نتمناها ونرغبها و نسعى خلفها !))
أقارن هذا النص بكلام غاستون باشلار : البهجة الزمنية وليدة اليوم المتفائل الذي يصغي جيدا لغناء العنادل.
يكون النصان غير خاضعين للمشابه لكنهما ربما خاضعين لوحدة الإحساس أو الرغبة أو السعي ..وهذا يعني إن بمقدور البشر في بعض الأحيان صناعة سعادتهم .ولكنها قد تكون مؤقتة ، مثلما الرغيف حين تلوكه الأمعاء ، فتشعر معه ذاكرة الجائع بأن زمن الشبع ولى وعلينا أن نفكر من جديد بكيفية الحصول على رغيف آخر..
بين السعادة والرغيف تولد أمنية ..وبين المنفى والوطن تولد حسرة ..وبين رمش العين والحاجب يولد ضوء الشمس.....
كل تلك الولادات تحتاج إلى قناعة ما ترتبط بقدرية كتبت علينا في أجل له صيرورة تضعها السماء ..غير إن صيرورة الجوع تبقى ماسكة أزليتها الأولى ، فهي صناعة الأساطير والقصائد والشرائع وملاحم الحروب وكل رغبة ولدت في الرأس وحققتها أحلام ما ..
وقديما قالوا : الجوع يصنع الأمم ..
والسعادة ماذا تصنع ..بعضهم يقول تصنع التيجان ...؟
فيكون الرد : كثير من التيجان قطعت رؤوسها بالسيوف ...
فماذا تصنع أذن ؟
شعور مؤقت براحة الذاكرة والجسد ، وإلا لاخلود لسعادة ..لأنها لو خلدت لما اكتشفنا ذائقة الجمال الذي يصنعه الحزن ولما ولدت الحرية ..وعرفنا طعم عطر الوردة والرغيف وأمان الأوطان...

دمشق 19 تموز 2007



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصائد ، للناس ، وخبز العباس . وخضر الياس
- عاشوراء.. القضية بين الرؤية وسرفة الدبابة
- رؤى عن الجمال وعطر البياض
- عكاز قاسم حداد
- الحسين ع - العراقي الأصيل الأصيل أبداً
- النبي الأب ..والعمُ النفري
- قصيدةٌ عن عُطاس الخبز
- دمعة على مدرج ملعب كرة قدم
- أنا أحب العراق ..إذن انا حزين
- المستنصرية الشهيدة
- بابل ...وجنائن من لغز ورموش التوراة
- من طور سيناء ..الى طور الشطراوي
- شروال بحجم غيمة ، وكاكا دعابتهُ القمر الآري
- إغنية ( لصدى صرخة وردة ، في آنية حلم )
- العراق ..الشمس أجمل في بلادي من سواها
- العراقي الحالم ..والعراقي المسالم ..بين الوطن والمهجر
- العراقي ..من تعرق بعرق العرق الطيب
- الفضاء - مساحة اليقين لرؤية العين ..
- نصٌ مشتعل ، بنارِ الثلجِ ..وعيونِ ملاكٍ من الجنة
- الكتابة على الشفاه .. بحبر الآه


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - الرؤيةُ فيما يَرى الرَغيف...