عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1987 - 2007 / 7 / 25 - 11:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الكل يعرف أن العصر العباسي هو العصر الذهبي , ليس في توسع وامتداد الدولة العباسية إلى أن أصبحت تطال أقاصي الشرق والغرب , بل أيضاً عمّ الرخاء والحياة المدنية التي كانت مضرباً للمثل في جميع أمصار الدنيا , وصار رغد العيش في المدن والولايات سائداً , وأضحى الحكام الذين يتبعون , أو يدينون للإمبراطورية العباسية لا تستطيع أن تحدهم الشمس 0 والخراج صار يصبّ أنهاراً في جميع الأمصار , فبدأ العيش الرغيد , يتنعم به الولاة في كل مكان , وصارت بغداد عاصمة للدنيا , ومهداً وينبوعاً للحضارة العربية الإسلامية , فتجوهر الأدب والطرب , والموسيقى والغناء والجواري اللواتي كن يتوافدن من كل حدبٍ وصوب ٍ , وهكذا أخذ الفكر والفلسفة والترجمات من كل ثقافات العالم , تتمركز في بغداد وجميع الأمصار التي تتبع لها , ومن هنا بدأت حركة المجتمع تفعل فعلها , وكلما كبرت الدولة وازدادت عظمة , كلما احتدت الصراعات الداخلية , واحتدم الصراع ليس على الاقتصاد فقط بل أيضاً على المفاهيم وتداخلاتها القريبة والبعيدة , فمن هنا ظهرت الصراعات والتناقضات بين الملل والنحل , وكثر الدعاة في هذا العصر , لأسباب كثيرة منها اجتماعية , ومنها ثقافية , وأخرى إقليمية , حيث بدأت تتصارع المفاهيم والقيم , وذلك بسبب الحضارات المختلفة والمفاهيم والأديان الغارقة في القدم , والمتجذرة لدى الشعوب التي استولى عليها الإسلام في العصر العباسي وما قبله الأموي , وكذلك بسبب النظرة المختلفة عند الكثيرين إلى الدين والمفهوم الديني , وكيف يمكن تطبيقه لذا فإننا هنا سوف نقف ولو جزئياً عند الكتاب القيم – عمل الدعاة الإسلاميين في العصر العباسي – للكاتب – خير الله سعيد – هذا الكتاب القيم والهام والذي قال عنه – الدكتور " طيب تيزيني" – في تقديمه للكتاب -1- لقد انطلق الباحث " خير الله رشك سعيد " باتجاه البحث عن إشكالية عمل الدعاة الإسلاميين ضمن المعارضة السياسية فكان في ذلك مقتحماً لواحد من أهم المعاقل الفكرية التي ظلت عموماً في أيدي خصوم تلك المعارضة في حينه وراهناً وقد رصد المؤلف من أجل ذلك جمعاً غفيراً من المصادر والمراجع , وإن ظل استخدامه لبعض منها يحتاج إلى مزيد من التدقيق والتعميق 0 إضافة إلى ذلك قد يلاحظ أن همه السياسي الإيديولوجي الخاص عمل على تغييب السياق الاجتماعي والتاريخي لبعض الأحداث التي عالجها فبدت وكأنها مسُقطةٌ على راهننا) , فمن هنا يظهر لنا كم هو الكتاب مهم وشيق وإشكالي , بل ربما يكون مختزل لأحداث عميقة ومعقدة – سياسية واجتماعية , وذات مفهوم ديني 0 زمن كل شيء فيه كان لاهباً – الثورات والقيم والمفاهيم وكذلك حركة التاريخ , كيف لا وديانات قديمة وعريقة مثل الديانة الفارسية أو اليهودية , وبعض من ديانات أخرى كالبوذية والمسيحية , محيت أو كادت أن تمحى في كل أماكن التي استولى عليها الإسلام , فمن هنا كثر الدعاة , وتناقضوا , وادعوا وأكثروا الفكر والفلسفة والجدل 0 فمن هو الداعي ومن هم الدعاة تعريفاً : -2- الداعي لغة ً : جاء في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً " – والدعاة : قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة واحدهم داع , إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أودين , أدخلت الهاء فيها للمبالغة- ونرى في الكتاب مفهوم الكاتب عن الداعية وكيف يتم إعداده مثل الكادر الحزبي في الحركات السياسية في هذا الزمن , وكيف أن الكادر الحزبي ( الداعية الديني ) يعد إعداداً جيداً لينفذ المهام المناطة به وكيف يتم ذلك من خلال التنظيم السري أو العلني المركز وهذا معلوم في جميع الحركات السياسية , ويأخذ مثالاً على ذلك المدرسة الإسماعيلية ( نظرية الإمامة ) -3- وكيف أن المعاير الأخلاقية للحركات هي التي تكون بمثابة النظام الداخلي الذي ينظم العلاقات العامة والخاصة للأفراد بالحركة حيث أن المدرسة الإسماعيلية استطاعت أن توحد مفاهيم تنظيمية على الصعيد العملي السياسي حيث البعد التكتيكي والاستراتيجي كما يقول الكاتب على الصعيدين العملي والنظري – حيث الإعداد الحزبي للذي يبلغ /15/ سنة والمرتبة الثانية بين 30 – 40 سنة وهي مرتبة الرؤساء , أما المرتبة الثالثة ويسمونها مرتبة الملوك ذوي السلطان والأمر والنهي والنصر وهي في عمر 40 – 50 سنة أما المرتبة الرابعة والتي يتخطى فيها عمر الداعي 50 سنة وهي ( التسليم وقبول التأييد ومشاهدة الحق عياناً وهي القوة الملكية الواردة بعد خمسين سنة من مولد الجسد وهي الممهدة للمعاد والمفارقة للهيولى وعليها تنزل قوة المعراج / أي مرحلة النبوة / وبها تصعد إلى ملكوت السماء -4- ونستمر مع الكاتب في توضيح كيفية الإعداد التنظيمي والإيدولوجي للداعي ( حيث عدد الرسائل لأخوان الصفا "52 " رسالة وهي منهاج عمل متكامل للحركة 0 وأبيات ابن سينا التالية هي مثال ذلك 0
ثلاث هن ّ من شرب الحمام 000وداعية الصحيح إلى السقام
كأس مدامة وإفراط وطــــي 000 وإدخال الطعام على الطعام
ثم يتطرق الكاتب إلى محاولة قتل صلاح الدين الأيوبي عام 571 ه فيفشل القتل ويحاول صلاح الدين القضاء على الإسماعيلية , ويؤكد الكاتب على القوة التنظيمية التي وصل إليها زعيم الإسماعيلية ( سنان ) حيث يروي الحادثة التالية ( أرسل سنان رسولاً إلى صلاح الدين , وأمره أن لايؤدي رسالته إلا في خلوة , ففتشه فلم يجد معه ما يخافه , فأخلى له المجلس ولم يبق إلا نفر يسير , وطلب منه أداء الرسالة , فقال : أمرني مخدومي أن لا تؤدى رسالته إلا في خلوة , فأخلى المجلس ولم يبق سوى مملوكين فقال : قل رسالتك , فقال : أمرت أن لا أقولها إلا في خلوة 0 فقال : هؤلاء ما يخرجون من عندي , فأن أردت أن تذكر رسالتك وإلا أرجع فقال : لم لا تخرج هؤلاء كما أخرجت غيرهم ؟ قال ( صلاح الدين ) : لأن هؤلاء عندي مثل أولادي وأنا وهم شيء واحد , فالتفت الرسول إليهما وقال لهما : إذا أمرتكما عن مخدومي بقتل هذا السلطان تقتلاه ؟ قالا : نعم – وجذبا سيفيهما وقالا , مرنا , بما شئت فبهت السلطان صلاح الدين , وخرج الرسول , وأخذهما معه , فعند ذلك جنح صلاح الدين إلى صلحه والدخول في مراضيه , فالسرية والكتمان في المدرسة الإسماعيلية كانت تفوق سرية الخلافة العباسية حيث الدعوة رتبت على الشكل التالي : -5-
1ً- الناطق : وله رتبة التنزيل 0
2ً- الأساس : وله رتبة التأويل 0
3ً- الإمام : وله رتبة الأمر 0
4ً- الباب : وله رتبة فصل الخطاب 0
5ً الحجة : وله رتبة الحكم فيما كان حقاً أو باطلاً 0
6ً – داعي البلاغ : وله رتبة الاحتجاج وتعريف المعاد 0
7ً- الداعي المطلق : وله رتبة تعريف الحدود العلوية والعبادة الباطنية 0
8ً- الداعي المحدود : وله رتبة تعريف الحدود السفلية والعبادة الظاهرة 0
9ً- المأذون المطلق : وله رتبة أخذ العهد والميثاق 0
10 ً – المأذون المحدود : والذي هو المكاسر وله رتبة جذب الأنفس المستجيبة وهذا يؤكد لنا أن النظام كان تماماً مثل نظام حزب سياسي كما يؤكد الكاتب ذلك , والسرية في العمل كانت شرطاً قانونياً – حيث كان يستخدم الرمز في العمل السري 0
وهكذا نتابع مع الكاتب في عمله الذي تم التركيز فيه على الدعاة الإسلاميين وما هي مواصفاتهم والأعمال التي يقومون بها , وكيف يتم ذلك , فنعرج على أشهر الدعاة الإسلاميين في هذا الكتاب الممتع , الذي يحمل المعلومة الهامة بعد الجهد الكبير الذي قام به الكاتب – خير الله سعيد – فمن هم أشهر الدعاة الإسلاميين :
ا- المدرسة القرمطية : (5) – حمدان قرمط – اسمه الكامل " حمدان بن الأشعث " ولقب بقرمط لقصر كان في متنه وساقه – ظهر في الكوفة عام 278 هجرية وكاتبه عبدالله بن ميمون عام 261 هجرية عن طريق ولده وهذا يؤكد علاقة القرامطة بالإسماعيلية ثم نرى العلاقة بين القرامطة والزنج وامتداد الدعوة إلى البحرين واليمن ومنطقة القطيف الخ ( توفي حمدان قرمط عام 293 هجرية / 906 / م ) بعد أن ترك إرثاً سياسياً خالداً تلقفه بعده , دعاته الأفذاذ , وبنو دولة لهم في البحرين (6) 0
ويتطرق الكاتب إلى حسين الأهوازي – وعلاقته مع الإمام المستودع – أحمد بن عبدا لله بن ميمون القداح 0 ثم ظهور عبدان القرمطي – في العراق , وبعد ذلك تقسيم الدعاة إلى مناطق مختلفة من العالم الإسلامي 0
وهم في التسلسل على الشكل التالي : 1- حمدان قرمط 2- حسين الأهوازي 3- عبدان 4- زكرويه بن مهرويه 5- أبو سعيد الجنابي 6- أبو طاهر الجنابي 0
وكانت خصائص المدرسة القرمطية على الشكل التالي (7) :
1. أوجدوا نظام الإلفة في المجتمعات 0
2. التبني الجماهيري للحركة 0
3. العدالة الاجتماعية – مجتمع خال من الاضطهاد 0
4. أهمية أهل البيت في الكسب لأخذ من التشيع ما يهم الحركة ( الانتشار الواسع في الكوفة ) 0
5. تميز أسلوب الدعاة بالاختيار الدقيق 0
6. أخذ العهد بالوازع الديني 0
7. حضور العمل المتميز عند جميع الدعاة 0
8. تقسيم العمل التنظيمي للدعوة 0
9. وجود ( مفكرون ) مثل عبدان 0
10. بروز خلافاة مع الدعوة الأم – الإسماعيلية – ( عرفت باسم حركة القرامطة )
11. انتقال الحركة من الكوفة إلى البحرين 0
12. أوجدوا نظاماً ديمقراطياً في سدة الحكم 0
13. تحرشوا بالأراضي التابعة للخلافة العباسية ( كالبصرة – الكوفة – ومكة – وغيرها )
14. كان زعماء الدعوة – يقومون بالعمليات العسكرية بأنفسهم 0
15. الحالة العسكرية لمواجهة الخلافة العباسية 0 شكلت خطاً واضحاً لدولة القرامطة في البحرين حيث اعتمدوا عليها في تأمين الحالة الاقتصادية لوجودهم , كدولة مجتمع 0
16. أدت حروبهم مع الخلافة العباسية إلى فرض ضرائب على رعايا الدولة عرفت بالخراج حيث كانوا يأخذون ديناراً على كل حاج يفد مكة 0
17. ابتكروا العمل الجماعي , حيث كان لهم حقول وبساتين وأدوات ومنتجون يديرونها 0 وتفردوا بهذه التجربة دون سواهم من الحركات الإسلامية المعارضة 0
* دعاة المدرسة الإسماعيلية على النحو التالي (8) 0
1. مدرسة إخوان الصفا 0
2. المدرسة الفاطمية في المغرب 0
3. المدرسة الصّباحية في بلاد فارس 0
4. المدرسة الإسماعيلية في اليمن 0
* أما مدرسة إخوان الصفا (9) : ( هي مدرسة لمجموعة من الدعاة الفلاسفة, ظهروا في منتصف القرن الثالث الهجري وواكبوا تطور وظهور الحركة الإسماعيلية التي نشأت كحركة دينية في بداياتها الأولى سنة 128 هجرية في العراق وبلاد فارس ومهما قيل عن ظهور هؤلاء الدعاة , فإن وضعهم السري زاد الأمر غموضاً , فالتبْس على الكثيرين أمرهم , فليس من المعقول أن تفصح حركة سياسية عن وجودها الشرعي في ظل حكم تكشفت وجهته السياسية في سنوات حكمه الأول ) 0
ثم يتحدث الكتاب عن المدرسة الفاطمية في المغرب , ويذكر دعاتها وخصائصهم والأعمال التي قاموا بها ثم عن المدرسة اليمانية بدءاً من ابن حوشب مؤسس المدرسة اليمانية الأول ثم علي الصليحي ومن ثمّ لمك الهمذاني ومحمد بن محمد القرشي , وماذا عمل كل من هؤلاء وكيف وُزعت مفاهيمه وأفكاره وأدواره , وفي الفصل الثالث عشر من الكتاب يتحدث الكاتب عن المدرسة الصّباحية في فارس , والدعاة مثل أحمد بن عبد الملك (10) بن عطاش , ويفرد الكتاب عما يسمى بالداعية النموذج – الحسن بن الصباح – ويؤكد أنه هو المؤسس الحقيقي لهذه المدرسة المتميزة من الدعاة وهو مؤسس الخط النزاري – الإسماعيلي في عموم الحركة الإسماعيلية والقطب الأول والرئيسي الذي فرض الانشقاق عن الدعوة الفاطمية وهو المجدد والمطور لعمل الحركة الإسماعيلية في الشرق , وواضع أسس العمل الفدائي في نطاق دعوته في بلاد فارس وبلاد الشام , ثم يؤرشف الكاتب وثائق مصورة مكتوبة بخط اليد – عن المدرسة الصّباحية – ثم نتابع الرحلة الممتعة والشيقة والغنية مع الكاتب بعد موت الحسن بن الصّباح ويتقصى الكاتب تطورات المدرسة الصّباحية بعد وفاة قائدها ومؤسسها وكيف استلم الداعية 0 كيا بزرك أميد – والذي هو هندي من عائلة إسماعيلية ومن ثم الحروب مع السلاجقة , وكيف تم قتل الخليفة المسترشد بالله , والتمثيل به وأصحابه , وكذلك نتابع علاقة سنان مع صلاح الدين الأيوبي بعد استيلاء الأخير على مصر ويختتم الكاتب في الفصل الواحد والعشرين – فصل الاغتيال في منهج المدرسة الصّباحية , وذيل الكتاب بمئات الهوامش , وعشرات الاستدلالات مما يؤكد الجهد الكبير الذي قام به 0
• كتاب – عمل الدعاة الإسلاميين في العصر العباسي – لمؤلفه – خير الله سعيد- كاتب وباحث عراقي 0
• صدر عن دار الحصاد للنشر والتوزيع بدمشق عام 1993 م 0
* جميع الاستشهادات مأخوذة من الكتاب ذاته كشكل من أشكال التعريف به ولأهميته 0 من الرقم ( 1- حتى الرقم 10 ) يمكن العودة إلى الكتاب المذكور للصديق – خير الله سعيد - 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟