أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منهل السراج - حبيبة أورهان باموق















المزيد.....

حبيبة أورهان باموق


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 1986 - 2007 / 7 / 24 - 09:10
المحور: الادب والفن
    



كانت معظم الأخبار التي استطعت الحصول عليها عن حياة أورهان باموق الخاصة، أيام نيله جائزة نوبل، عبارة عن كلمات قليلة وجمل مبتسرة: مُطلّق، وله ابنة، طويل القامة، عصبي المزاج.

تخيلت أن هذا الكاتب الذي يكاد يردد في كل رواية، الجملة نفسها أو معناها: "عش حياة أخرى، تكن نفسك"، انصرف عن إحساسه بفشل الواقع إلى صناعة واقع آخر.
خلصت إلى أنه حين ألح عليه سؤال: ماشأني؟، توجه إلى الكتابة. أو حين تفاقمت عقدة إصلاح ما هو حوله والذي ربما كان عكس مايحب، لجأ إلى الكتابة. توقعت هذا، وأكملت قصة حياته في خيالي مع حكاياته التي رواها لي عبر كتبه.
ولأني بفعل القراءة أمارس فعل الكتابة، أتخلص من واقع ضيق ومضجر، قليل الحلم، قليل الحب، أو لأنني عطشة لقصة ساطعة وصادقة، غير مريضة ولامبالغة، ولامدعية، تنافس قصص الحب الراسخة في الذاكرة، والتي تحولت بالنسبة لي إلى تيرمومتر أقيس به، من دون أن أعي ذلك، قصص الحب التي أقرأ أو أشهد، أتمنى أن تكون العلاقات خالدة من دون أن تكون مسخاً مكرراً لحب عنترة أو قيس أو روميو مثلاً. أقول من أجل كل هذا، انصرفت إلى الكتب، ورحت أفتش في تجارب الروائيين والشعراء، مضيت إلى تلك المنطقة الغامضة، التي يتحرر الفنان فيها من خجله ويعترف بحبه وخيباته وفرحه أمام قارئه، وإن لم يفعل صراحة، فالقارئ الماكر يستقرئ اعتراف كاتبه.
كنت أجد نفسي حين أمسك رواية خصوصاً لكاتب رجل، أنوي التفتيش في السرد وبين السطور عن الحبيبة التي خصصت لها تلك الرواية. وعادة يكون اهتمامي أكبر حين تكون ثقافة الكاتب مثل ثقافتنا، أو تربى تربية بلادنا. أبحث عن حبيبة البطل أو حبيبة الروائي نفسه، اسمها، بيتها، أهلها، حارتها وذوقها، شكلها.. لكن لم يحدث، من خلال تجربتي، أن عشت أثناء القراءة قصة حب تغني فقر الحياة. لم أكن أرى تلك الحبيبة، ولاأصدق قصة الحب المروية، لكأن الحبيبات هن المرأة، كأنها كلام مجرد، أو معنى متعارف عليه وموحد ومتوافر بكثرة، وأخلص أحياناً إلى أن الحبيبة رمز متكرر عند الكاتب الرجل، يمكن أن تكونه كل امرأة. أغلق الرواية ولايعلق في رأسي إلا كلام الحب الجميل. وأبقى أنا القارئة، أحلم بعمل روائي فيه رجل يحب حبيبته، ولايحب كل النساء، صرت أرفض كلام الشعراء حين يذكرون كلمة، المرأة، كأنها موضوع أو أسطورة أو آلهة وليست إنساناً أو ذاتاً تتنوع.

أما في كتابات بعض النساء، أيضاً ومن خلال تجربتي، كنت أشعر أن الأمر يختلف، لهفة الكاتبة إلى حبيبها، تتضح من الصفحات الأولى، ويمكن طبعاً أن تكون قصة الكاتبة الشخصية والذاتية، ليس هذا هو المهم، المهم أني استطعت أن أعرف حكاية هذا الرجل وهذه الفتاة الذي أحبته، رجل اسمه فلان يفضل من الطعام كذا، ومن اللباس كذا، عاداته كذا وكذا.. كنت أحس، أنه حبيبها الخاص بها، فارسها، رجل واضح المعالم، أو صعلوك خادم في بلاط. أتعاطف معها وأعيش قصتها وأفهم لهفتها، كأنها رفيقة المدرسة التي تحكي عن حبها للشاب الذي نراه يقف عند الزاوية ينتظر بقلب يخفق.
أما الكتاب الرجال، فحين أسمعهم يتحدثون عن قدسية المرأة وجمالها، عن احترامهم لشخصها، عن حبهم لها. كنت أنفر من هذا التعميم، من هي هذه المرأة؟ لم أكن أستطيع أن أتخيلها، أو أراها. فهم يصفون المرأة بالعام، ولايصفون الحبيبة. وأستنتج متعجلة: ربما حين يكتبون ويتخيلون، يشتهون تقاسيم جسد، وليس طبيعة إنسانية للحبيبة، ربما يشتهون لكن لايخلقون. يحبون المرأة، لغتهم.
وخلصت إلى أن المرأة تحب حبيبها، والرجل يحب المرأة. ولبستني هذه الفكرة وصارت كرؤية مسبقة أدخل بها كل عمل أدبي، ألحس سبابتي وإبهامي وأفتش عما يثبت الفكرة.
إلى أن قرأت حب بطل أورهان باموق للحبيبة. وجدت أنني منذ الصفحات الأولى للرواية أنسى جنس الكاتب وأنسى لؤم الفكرة وأنغمس مع الحكاية.
في الكتاب الأسود، وتحت عنوان "تفاصيل" يأتي إحساس غالب بالفقد هائلاً، جارحاً له ولقارئه/شاهده، تكاد تستنشق معه رائحة مبيد الصراصير الذي رشته رؤيا قبل خروجها، الجريدة مجعلكة، وقد فكرت بالكلمات المتقاطعة وحاولت أن تحلها، دخنت سيجارتين في غرفة النوم وأربع في الصالون. وفرشاة الشعر ذات المرآة وشحاط.. ارتدت معطفها الذي بلون شعرها، أغلقت الأدراج، وربما رفست أبواب الخزائن، بحث في الزبالة إن كانت قد كتبت مسودة لرسالتها ام أنها اعتمدتها فور كتابتها، 19 كلمة.
"كانت ذقن رؤيا مدفونة في مخدة من ريش الطير"
"الخوف من الأشياء الرائعة التي تجري في رأسها"
"هذا ما تلبسه رؤيا وتفكر به"..
ارتدت رؤيا معطفا وخرجا معا، وقطعا الشارع.. . ويصف كيف وضع ذراعه في ذراعها كالقروي.
يتذكر بحسرة كما تفعل النساء، حبيبته دائماً بعيدة أو مع غيره، وهو يحاول استعادتها صابراً، كأن الأمر من حقها. لهفته إليها لاتشبه شهوة الذكور، فجة ورعناء.
قصة الحب عادية، لم يحمّلها عبء حرب بين طبقات اجتماعية، فحبيبته ليست من طبقة أعلى أو أدنى، ليست قديسة ولاعاهرة، ليست صحفية ممتازة ولا كاتبة ذكية، ليست أميرة ولاخادمة مقهورة. الحبيبة هي حبيبة البطل وكفى، والحكاية حكايته وليست فكرة أو قضية تحمل أسلحة وتنوي قتال الدين أو الأعراف أوالسياسة.
صرت في كل قراءة أعرف المرأة أكثر، شكورة وجانان ورؤيا.. امرأة حاضرة بقوة. اسمها فلانة ابنة فلانة وخالتها فلانة. أغلق الكتاب، ولاأنسى قصة الحب شديدة الصدق شديدة البساطة.
ربما لأن بطله يعشق كما تعشق النساء، يرجو، ويحلم كثيراً. ويبتهل!
حب أكابري، على حد قول أمي. أو لأن الكاتب نجح في خلق حياة أخرى، كما يسعى دائماً، واقع آخر يجعل حتى القارئ قليل البراءة يتحول إلى طفلة تصدق الحكاية، وتنتظر قبل النوم الجنية التي ستزينها وتأخذها لحفل الأمير.
جعلني هذا الكاتب أهرع إلى مواقع الانترنيت كي أبحث عن صورته وأسأل عن أخباره الشخصية، وأستفسر مثل معجبة بنجم، إن كانت حبيبته المفترضة تعيش معه كل الوقت وتنعم بهذا الحب، تذكرت أختى التي كانت معجبة بفرانكو كاسباري، وتخجل في هذا، فكانت تخفي مجلة "الموعد" بين طيات مجلة "العربي" عن عيني أبيها الذي كان، يجلب لنا كتباً جادة جداً على أعمارنا في ذلك الحين. كانت تفعل هذا وتذوب..
وربما يصل اهتمامك أنت القارئة المستلبة بإرادتك، النهمة لحكاية الحب، أن تصدقي خيال الكاتب أثناء اندماجك بالقراءة وتحسين بالغيرة والرغبة بسرقة ذلك الحبيب الذي يتباهى بحبيبته لأنها حبيبته، تبحثين عن ميزات هذه الحبيبة، اللعنة، ماذا بها رؤيا حتى يحبها غالب كل هذا الحب؟ يجيبك الكاتب: "رؤيا تحب العلكة، والروايات البوليسية، وتهز قدمها بعصبية حين ترفض أمراً ما.."
بم يتباهى إذن؟ يتباهى بأنه يحب.
ويتباهى بأنه يضع معطفها عليها ويمسكها من يدها كي يقطعان الشارع ذاهبين إلى السينما.
ربما لأن أورهان باموق، يتحدث عن الحب، كما تفعل المرأة، أو كما تحلم وتأمل، يخبرنا خبريات صغيرة، أقرب إلى النميمة، حلوة ومسلية، كأن جارتي المقربة، قرعت باب بيتي ودخلت لتشرب قهوة، أستقبلها بثوب البيت، وبلا تسريحة. هكذا قرأت كاتب "الحياة الجديدة". و"اسمي أحمر" و"الكتاب الأسود". قرأته بلا تهيئة ولا تركيز ولاتقطيب، ولا وجع جبين. في البداية قلت، ربما سبب إحساسي بقربه، هو أن بيتهم يشبه بيتنا، أو أن دينه من ديننا، لكن حين نال نوبل، عرفت أنه كان قريباً من الجميع، وأن مدينته كانت تشبه كل المدن. وحياته مثل حياة كل من قرأه: انكسارات وأحلام، أحزان وأفراح، وجدان إنساني حقيقي.
حب بطله عشق، استسلام لحالة التساؤل والتردد، كأنه يحسن الإصغاء لقارئه، ربما إصغاؤه هذا ماجعله يفوز بقلب قارئه.
أو أن أورهان باموق نجح في خلق حالة حب حقيقية، قناعته أن العشق:
"تقاسم علكة، والعشق استسلام، العشق نظر روح محطمة في المرآة، العشق هو القلب النبيل، العشق عدم معرفة، العشق موضوع في الأغاني، العشق نافع للبشرة. العشق هو عدم قول: أنا نادم في أي زمن"



#منهل_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حجاب المهاجر
- الأمن تاج على رؤوس الآمنين
- اللجوء إلى السويد
- علاقات ساخنة علاقات باردة
- نساء الشان العام
- مجموعات ومواقع سقط عتب
- حجاب أم عقيدة أم إنه عادة
- ألفريدة يلينك قلم كاره وممتعض
- من أجل الغزال
- فصل من رواية بعنوان -كما ينبغي لنهر-
- ولو بدمعة.. حماة
- بين أعياد العالم وأعياد سورية
- زوجة الشاعر
- خصوصاً النساء
- كاتب مغترب ترك الشقا على من بقى
- ما يطلبه الجمهور
- بين ثياب البعثية وثياب التهريب
- عمنا نجيب.. نحبك كثيراً
- شيطنات اللغة
- بحصات في الحلق


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منهل السراج - حبيبة أورهان باموق