أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق السويراوي - طفولة هرمة:والتقاطع بين الذات والمحيط الخارجي















المزيد.....

طفولة هرمة:والتقاطع بين الذات والمحيط الخارجي


عبد الرزاق السويراوي

الحوار المتمدن-العدد: 1981 - 2007 / 7 / 19 - 05:43
المحور: الادب والفن
    


( طفولة هرمة : هو عنوان المجموعة القصصية الثانية للقاص عبد الكريم حسن مراد .ولا تخلو صياغة العنوان وهو لإحدى قصص المجموعة , من قصدية يبتغي القاص من ورائها , تحفيز وإثارة تساؤلات المتلقي ومشاعره بما يشبه الدعوة للوقوف على بعض الخصائص لواقع إجتماعي معين , يسْتمْكن الطفولة ببعديها , الرمزي والحقيقي ,فيهرمها قبل أوانها . ويتجسد ذلك بالفعل خلال الابحار في مضامين قصص هذه المجموعة , حيث نلمس بوضوح ملامح لنوع من التنافر والتقاطع الحاد , بين التركيبة السايكولوجية العامة للوضع النفسي للعديد من شخصيات هذه المجموعة من جهة , وبين واقع خارجي يتسم بالصرامة والقسوة ويحكم قبضته على هذه الشرائح الإجتماعية التي يعاني بعضها من عقد نفسية عديدة وهي وليدة لعوامل كثيرة لعلّ أبرزها هي تلك الحروب المدمرة التي تسببت في إحداث عاهات جسدية مستديمة . إن كريم حسن مراد رغم تنوع مضامين قصصه في هذه المجموعة فانه يركز على بعض المفردات بإعطائها مدلولات رمزية ليبعد إشتغالاته عن التقريرية والمباشرة خالقا فضاءات تتسم بإيحاءات ينجح في جعلها متناغمة ومنسجمة مع التوجهات العامة للحالة النفسية لبعض ابطاله , وهذه المفردات التي يتعامل معها كريم حسن مراد , وإنْ لم يجمع بينها رابط الترادف اللغوي , إلاّ أنّ قواسم مشتركة من جهة دلالاتها الرمزية كانت تجمع بينها . ومن هذه المفردات : النافذة .. المقهى .. الظل .. الحلم .. والحب الذي لاوجود له احيانا إلاّ في مخيلة البطل . ان حالة التهميش والاقصاء والعزلة والاغتراب وغيرها تكاد تلتصق بابطال كريم حسن مراد , وفي اعتقادي ان ذلك لم يأت إعتباطا أو مصادفة , لأنّ شخصية القاص كريم حسن مراد نفسها عانت وعاشت الكثير من قساوة ومرارة الواقع , لذا فليس عسيرا على القاريء أن يجد بصمات شخصية كريم حسن مراد , تستبطنها بعض الشخصيات على مساحة المجموعة . ومن ناحية اخرى فما يمكن ملاحظته ايضا على قصص المجموعة , أنّ نهايات الكثير من قصصها , تأتي مفتوحة فضلا عن ان القاص لم يعر إهتماما كبيرا , للسياقات السردية التقليدية في بناءه القصصي كإعتماده على الحدث أو العقدة التي تدور حولها القصة , وإنما لجأ كما قلت , الى توظيف بعض الاستعارات الرمزية لبعض المفردات. فالحلم مثلا يأخذ مناحي متعددة كتعبير عن عن بعض الرغبات المكبوتة التي تختزنها ذهنية البطل ومخيلته, حتى يصل الامر احيانا بالبطل انّ يصنع لنفسه إمرأة من شمع , ولا ندري على وجه الدقة , إنّ كان فعله هذا على الوجه الحقيقي نتيجة للإرباك الذهني الذي يعانيه البطل أمْ هو مجرد تصورات لرغبات دفينة , فيبدأ البطل بمحاكاة هذا الجسد الشمعي , وفي النهاية تصل به أوهامه أو قل احلامه فيعتقد بأنّ " الحياة قد دبّتْ فيها وذلك حينما انتهى من وضع اللمسات الأخيرة لآخر جزء من جسد حبيبته الشمعية ".
اما النافذة , فهي الاخرى يوظفها كريم حسن مراد وبأشكال متعددة مانحا إيّاها أكثر من مدلول رمزي فضلا عن وظيفتها ضمن معناها الحقيقي بحيث تتحول النافذة الى أداة لكسر طوق العزلة المهيمن على تفكير البطل , لكي يطل من خلالها الى العالم الخارجي بغية الإندماج أو التفاعل مع تياره هربا من غربة لا تطاق . وفي أحيان أخرى فأن كريم حسن مراد , يوظف أكثر من مفردة من المفردات التي أشرت اليها , في قصة واحدة . ففي قصة ( هواجس لبقايا الرغبة ) نجد مفردتين , هما النافذة والحلم , إرتكز القاص اليهما في البناء الفني للقصة . رجل بعكاز وقدم واحدة , يسعى للهرب من عزلته , فيأنس الى صوت مكنسة جارته الذي يأتيه عبر النافذة. وعلى ما يبدو , أنه حتى هذه الرغبات البسيطة تصطدم بما يحمله البطل من تداعيات لأحداث الحروب التي شارك بها فبترت إحدى ساقيه فيها , إذْ تبدأ ذاكرة البطل بإستعادة أصوات الإنفجارات , وبذلك تتشظى ذهنيته بين متعة الإنس لسماع صوت مكنسة جارته , وبين دوي الإنفجارات . أما في قصة ( فئران راقصة) فبطل هذه القصة , يطلّ أيضا عبر النافذة وقد إستحوذت عليه المشاعر السوداوية , جعلته يتعذر عليه حتى معرفة نوع الطائر الذي ينظر إليه من خلال زجاج النافذة" فأجنحته كالخفاش ولونه كالغراب وعيناه كالبوم " ولكي تكتمل السوداوية التي يبدو انها شبه متجذرة في نفسية البطل فانّ القاص يضيف اليها عناصر أخرى : تتخاطف " الفئران من تحت سريره " ..." والعنكبوت نسج خيوطا جديدة " والصورة التي تجمع الخفاش والغراب والبوم والفئران ونسيج العنكبوت , أعتقد بأنها كافية للتعبير عمّا يعتمل في دواخل هذه الشخصية .
ويتّخذ الحلم أشكالا أخرى , تعبر في مجملها عن مدى حجم وعمق حالة الإستلاب , بحيث يصل الامر بالحلم ذاته أنه يغفو ثم يحلم وعندما يفيق يجد نفسه منـتحرا, وفي قصة قصيرة جدا يحاول الحلم السفر , لكنهم يصادرون جواز سفره !!. وكما نرى , مرة يجد الحلم نفسه منتحرا وأخرى يكتشف انّ جواز سفره قد صودر , فماذا يتبقى للإنسان ؟ أفلا يعني ذلك أنّ آخر ورقة لحريته قد صودرت حتى وإنْ كانت على مستوى الحلم ؟؟ .
أما بقية المفردات مثل الظل أو المقهى , فلها حيّزها ايضا في اهتمامات الكاتب . ففي قصة ( أحزان العازف الأبرش ) , البطل فيها جالس في المقهى " بين عوالم المومياءات المتحركة ..... يحمل أشياءه داخل نفسه تعبا , قرب النافذة التي كانت خارجها تمور بغليان الاجساد " , وهو إذْ يواصل جلوسه في المقهى , فأنّه يبحث عن أيّ إنسان لأن " ثورة الصمت بدأت تمزق الخيوط حول نفسها " ونتيجة لتنامي هذا الإحساس بالعزلة والصمت لديه وهو في المقهى , يجد نفسه منساقا للبحث عن " أيّ وجه حتى يشاركه ولو للحظات" ثم يجلس الى جانبه رجل فيناوله سيجارة لكن الرجل يرفضها بصمت فهو اذاً كبقية المومياءات الموجودة داخل المقهى , وأثتاء ذلك يهتدي لوسيلة علّها توفر له حالة من التوحد مع المكان لكسر الصمت , وذلك خلال سماعه عزفا على ناي يصله من مكان قريب فيشعر " بالراحة لأنه وجد منفذا له في شخصية العازف , ولكي تكتمل عناصر توحد ذات البطل مع الأشياء , يزجّ كريم حسن مراد بعنصر ثالث , هو صورة معلقة على جدار المقهى وهي لطائر الكركي الذي " يبدأ هو الآخر بالتلاحم معه ( أيْ مع شخصية البطل) فيهشم زجاج الصورة ويتوجه للجلوس معه معلنا هو الآخر عن رفضه لعزلته" وأحسب أنّ ثالوث التوحد هذا , أيْ عزلة البطل وعزف الناي وتمرد طائر الكركي , هي لعبة فنية أجاد فيها القاص , حيث جسّد للمتلقي بطريقة رائعة , حالة العزلة المهيمنة على البطل , والتي ختمها بثمرة هذا التوحد أنّ البطل " شعر بتدفق هواء بارد على وجهه تلذّذ به بنشوة" .
ختاما اقول إنّ ما ألاحظه في كتابات كريم حسن مراد القصصية , إعتماده على الجملة القصيرة التي تنأى به عن السرد التقليدي الطويل فيكثّف صياغاته السردية بجمل تقترب في بعضها من القطعة الشعرية مما يضفي على لغته واسلوبه ثوبا جماليا يلامس الوتر الحساس لدى ذائقة المتلقي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( طفولة هرمة ) مجموعة قصصية للقاص عبد الكريم حسن مراد وهي من إصدارات دار الشؤون الثقافية لعام 2007/ العراق



#عبد_الرزاق_السويراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولادة
- هل من نهاية لمظاهر العنف في العراق؟؟
- قصة قصيرة : شريط الباراسيتول
- صحيفة الصباح في ذكرى الصدور: مزيدا من الكلمة الهادفة
- قصة قصيرة : شريط الباراسيتول
- الكتلة الصدرية تخوّل المالكي إختيار الوزراء وفقا للكفاءة وال ...
- قصة قصيرة:موكبان
- الأسلام والديمقراطية :توافق أم تقاطع؟؟
- المخبول : قصّة قصيرة
- النخب السياسية العراقية :وحرية التعبير عن الرأي
- لجنة بيكر :والملف الأمني العراقي
- الحالة العراقية : من يقود من؟ السياسة أم الأحداث ؟
- تساؤلات عن مصير لجان التحقيق الحكومية
- أمنيات ليستْ مستحيلة
- الراي العام العراقي بين الولاء للنخبة وسخونة الاحداث
- مجلة ( مدارك) في عددها الثاني
- ازمة المجتمع العربي في رؤية الدكتور برهان غليون
- قصّة قصيرة - صور جامدة
- (مقاربة فكرية بين( د. سميرأمين ) و( د. برهان غليون
- قراءة في مفهوم الأرهاب


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق السويراوي - طفولة هرمة:والتقاطع بين الذات والمحيط الخارجي