أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باتر محمد علي وردم - فاجعة للثقافة العربية














المزيد.....

فاجعة للثقافة العربية


باتر محمد علي وردم

الحوار المتمدن-العدد: 604 - 2003 / 9 / 27 - 05:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كاتب أردني

غياب جسد إدوارد سعيد عن العالم يوم أول أمس يشابه غياب سنديانة باسقة في حقل الثقافة العربية القاحل، الفقير بإبداعاته، والذي يتعرض لغزو الأعشاب والنباتات الضارة من أشباه المثقفين الأصوليين والداعين إلى الجهل والتخلف وأولئك المرتبطين بالمشروع الأستعماري الأميركي أو وعاظ السلاطين من المثقفين العرب المبررين للفساد والاستبداد . رحيل أدوارد سعيد خسارة لا تعوض، لأنه كان فريدا فيما صنعه وتميز به على مستوى الثقافة العربية والعالمية.

ربما أنتج العالم العربي خلال القرن العشرين بعض المفكرين الكبار، ولكنه بالتأكيد لم ينتح مفكرا عالميا مثل إدوارد سعيد. لم يتمكن العالم العربي من أن ينتج ظاهرة مساندة لإدوارد سعيد في التجسير بين الثقافات، فالرجل الذي ولد في القدس وتوفي يف نيويورك جسد في رحلة حياته معاناة الشعب الفلسطيني، ولكنه جسد أيضا قدرة هذا الشعب الثقافية الكبيرة والتي جعلت شخصا مثل إدوارد سعيد يفرض نفسه في عمق الثقافة الأميركية وفي مواجهة أقسى وأسوأ عدو وهو التأثير الصهيوني في قلب الولايات المتحدة.

شكل إدوارد سعيد الصورة الحضارية الثقافية للشعب اللسطيني في أفضل رموزها. مثقف عالمي، منحاز للإنسانية وللحق الفلسطيني، لم يقع في فخ العنصرية وتعاون مع اليهود الرافضين للصهيونية، رفض كل الأصوليات العالمية التي تنشر الشك والعنف بين الحضارات، والأهم من ذلك أنه رفض أيضا كل أشكال الفساد والاستبداد وكان من القلة النادرة من المثقفين اللسطينيين الذين انتقدوا الإدارة السياسية والاقتصادية للقيادة الفلسطينية بناء على منطق صحيح حتى أن هذه القيادة نفسها كانت تحترم آرائه ولم تتجرأ على توجيه اتهامات باطلة.

إدوارد سعيد كان رجلا أكبر حتى من المؤسسات، فقد استطاع لوحده، وبكتاباته ومحاضراته وإبداعاته الثقافية حتى في الموسيقى من أن يوصل قضية الشعب الفلسطيني إلى أكبر عدد من الأميركيين ونجح في ذلك أكثر من أية مؤسسة من مؤسسات العرب الأميركيين. ولهذا فإن خسارة إدوارد سعيد لا يمكن تعويضها على المدى القريب.

ربما اندهش الكثيرون حتى ممن تابعوا إدوارد سعيد يوميا بأن الرجل كان يعاني من السرطان منذ العام 1992، لأن السرطان العضوي في جسد إدوارد سعيد لم يؤثر يوما على إنتاجه الثقافي وعلى خوضه لمعاركه الكبيرة ضد السرطان الصهيوني في الولايات المتحدة وضد سرطان الاستبداد والتطرف والفساد في العالم العربي ولكنها هذه الإرادة العظيمة للقتال الفكري حتى النهاية التي ميزت إدوارد سعيد.

لا أستطيع أن أتحدث بالكثير عن التفاصيل عن إرث إدوارد سعيد، فأنا لست مثقفا نقديا أملك القدرة على تحليل الإبداعات الرائعة لإدوارد سعيد، ولكنني مواطن عربي كنت دائما أبحث وراء نصوص إدوارد سعيد باللغتين العربية والإنجليزية لأنها كانت أفضل تمثيل للأولويات الثقافية للعالم العربي وهي نقد الاستبداد الأمبراطوري للولايات المتحدة، ونقد الاحتلال الإسرائيلي، ونقد الأصوليات والتطرف بمختلف أشكالها، ونقد الفساد في السلطة العربية بمختلف مظاهرها، والمساهمة في تجسير حوار الحضارات، والانحياز لقضايا شعوب الجنوب والدول النامية، وتجاوز حدود العنصرية نحو فضاءات التواصل الإنساني، وكل ذلك على قاعدة متينة من الأخلاقيات الوطنية والإنسانية التي أصبحت عملة نادرة. إن إدوارد سعيد هو أفضل مثقف عربي وطني قومي علماني إنساني ضد السياسة الاستعمارية الأميركية والصهيونية والأصولية والاستبداد معا، وهي أعدى أعداء الثقافة العربية.

ولهذا كله فقد العالم العربي مفكرا عظيما لا مثيل له، والأسوأ من ذلك إنني أشك في أن التربة الثقافية العربية قادرة حتى على إنتاج مفكر شبيه بإدوارد سعيد خلال نصف القرن القادم، وهذا ليس من قبيل المبالغة لأن خسارة أدوارد سعيد سوف تشتد خلال السنوات القادمة، إنها خسارة بأثر مستقبلي! 



#باتر_محمد_علي_وردم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم في 11 سبتمبر 2003
- كانكون: ولادة مجموعة الثلاثة وعشرين في مواجهة العولمة
- الفيتو الأميركي: واشنطن تخسر وعرفات يكسب
- توجهات الموقف الأردني من العراق ( 3 من 3): المعيار القومي
- توجهات الموقف الأردني من العراق ( 2 من 3): المعيار الوطني
- الموقف الأردني من العراق ( 1 من 3)- المعيار الأخلاقي
- لو كانت أنا ليند عربية!
- شركة القاعدة-الموساد المتحدة للعمليات الإرهابية!
- جولة بن لادن السياحية، وثقافة الكراهية!
- العالم العربي...قوة طاردة للعقول!
- العرب والعراقيين بين ذهب صدام وسيفه
- النزعة الإنعزالية للمثقفين العراقيين
- أدوية الايدز ومخرجات العولمة: أرباح الشركات أهم من حياة المل ...
- تحليل تاريخي لفكرة -حاكمية الله
- جوهر العلمانية: شرعية النص الديني يجب أن تخضع للعقل الإنساني
- لم يحكم المسلمون بما أمر الله طوال التاريخ
- مانفستو العلمانية الإنسانية
- الولايات المتحدة تدمر مصداقية التيار الديمقراطي العربي!
- بين القدس وبغداد...تفجيرات بلا معنى!
- إحبسوا أنفاسكم...هذه ليلة السوبر ستار!


المزيد.....




- انقلاب ناقلة نفط ترفع علم جزر القمر قبالة سلطنة عمان
- بعد إطلاق النار.. سفارة أمريكا في سلطنة عُمان تصدر تنبيها أم ...
- -بلومبرغ-: بعض الدول الأوروبية تدرس فتح سفارات لها في أفغانس ...
- -نائب ترامب- يتجاهل مكالمة -نائبة بايدن-
- اكتشاف يحل لغزا محيرا حول -متلازمة حرب الخليج- لدى قدامى الم ...
- العراق بين حزم -خروتشوف- وبندقية -سبع العبوسي-!
- -روستيخ-: صواريخ -إسكندر- الروسية تضرب بـ-دقة القناصة- ولا ت ...
- محاولة اغتيال ترامب.. أجهزة الأمن تتخوف من عمليات انتقامية
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف مواقع لـ-حزب الله- في جنوب لبن ...
- لافروف يصل نيويورك لترؤس اجتماعات وزارية في مجلس الأمن الدول ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باتر محمد علي وردم - فاجعة للثقافة العربية