أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إدريس ولد القابلة - يوميات سجين لولا الحلم لانتهيت 3















المزيد.....

يوميات سجين لولا الحلم لانتهيت 3


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 604 - 2003 / 9 / 27 - 03:42
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


 

6 غشت:
 أطالع اليوم غسان كنفاني ومحمود درويش أشعر حتى النخاع بحقيقة كلماتها وخلجاتها، لم أكن أشهر بهذا من قبل رغم أنني التهمت التهاما أغلب كتبهما...إن وجودي خلف الأسوار الرمادية العالية وراء القضبان الحديدية السميكة، مكنني من رؤية جوانب من الحقيقة كانت خفية علي من قبل.
 هل انحصار الأفق يساعد على التعمق في جوهر الأشياء وماهيتها؟
 هل الإحساس بعمق الأشياء وكنهها قرين بفقدانها؟
 هل على الإنسان فقدان الشيء للتمتع بحقيقته؟

 7 غشت:
 متى سينتهي هذا الكابوس لم أعد أثق في أي أحد...أصمت لأن الكلام لم يعد له نفع ما عدا إحداث الألم لمن يسمعه.

أصبحت عاجزا على التعرف على نفسي، لكثرة معايشة حثالة المجتمع، صحبة القرآن الكريم، لم أعد أعرف أين أنا من هذا وذاك. إنني محاط بأناس اغتالوا حياتهم. عن قصد أو دون عمد، من أجل المال الذي لا قيمة ذاتية له إلا في العوالم الرديئة، فحتى خلف الأسوار الرمادية العالية، و راء القضبان الحديدية الفولاذية، على الدوام موصدة، ينشر أخطبوطه للتلاعب بالصفة الإنسانية والاتجار فيها.


8 غشت:
 كان يقال لي أن الحقيقة تنمو في ظل غياهب السجون..لم أكن أعير أي اهتمام لهذه المقولة. وعندما زج بي في عالم النسيان وفضاء الموت البطيء، ضيفا عند أكل بني الشر، أيقنت أن كل السجناء لا يستحقون الحبس ومصادرة حريتهم، وأن كل الأحرار خارج السجن، لا يستحقون الحرية، وأن المحرومين منها، كثير منهم محرومون منها ظلما، فاستعصى علي التمييز بين العدل والظلم، والخطأ والصواب والخير والشر...وهذا هو حال العالم الرديء.

9 غشت:
هنا وراء القضبان خلف الأبواب الفولاذية السميكة الموصدة، أجدني محاطا بأناس حطموا حياتهم من أجل المال والمتاهات، رغم أن المال لا قيمة له مقارنة بالقيم الحقيقية، إلا أنه في هذا الزمن الرديء يعتبر المال القيمة الأولى بامتياز.

10 غشت
 هنا خلف الأسوار العالية أكل وأنام وكل الشروط متوفرة لتجعل المرء يشعر بالدونية، كل الفرص متاحة لتحسيسه بفقدان الصفة الآدمية.


11 غشت:
 كلما ولجت الزنزانة وقفلت علي الأبواب الفولاذية السميكة، أحسست بحرية غريبة وبسعادة متميزة، إنها سعادة الاستمرار في الحياة رغم الآلام التي لا تحتمل هنا خلف القضبان كل امرئ حر في التعامل مع مآسيه، إما تحملها أو الانبطاح أمامها.

 

12 غشت:
خارج الأسوار الرمادية العالية أغلب الناس هم سجناء الروتينية في فضاء الحرية، إما ضيوف آكل البشر، نزلاء السجن، فإنهم سجناء حريتهم مسلوبة منهم. فالأولون أحرار لكنهم سجناء رغما عنهم لأنهم ليسوا أحرارا..

لا وجود للسجان إلا بوجود سجين سلبت حريته وصودرت إرادته فالسجين هو مركز عالم ما وراء القضبان خلف السوار الرمادية العالية.


13 غشت:
 كلمني اليوم أحد السجناء عن مآسيه وهمومه..أشركني فيما هو خاص به، أدخلني إلى عالمه...فأحسست أن اقتسام الهموم والأحزان والآلام يجعلنا نعايش الواقع الفعلي الذي يهم الجميع، لأنه في هذا الزمن الرديء ساد الظلام وخيم اليأس وعم الحزن وانتشرت الآلام، فكل واحد منا، في هذا العالم الرديء أصبح على يقين تام أنه لا محالة سيلاقي المحن والأحزان إما آجلا أو عاجلا، لأن استمرارية نغنغة البعض تتأسس على استمرارية حرمان الأكثرية...وهذا البعض لا يكاد يبين لقلة عدد أفراده...هكذا أصبح الحزن والتهميش والإحباط القاعدة وأصبح السلم والأمان الاستثناء، إذا لم يكن من المستحيل.


14 غشت:
 أصبح من المتعذر التلفظ بكلمة " الغد " كلما اضطررت لاستعمالها أقولها بحزن عميق وبتقزز.
 غريب هذا الأمر، الكل يعيش من أجل الغد، لكن ضيوف " آكل البشر " في هذا الزمن الرديء بثر غذهم ورهن حاضرهم ولم يتبق لهم إلا الحسرة على ما فاتهم.

15 غشت:
 منذ حضوري ضيفا عند " آكل الشر" رغما عني أحسست بثقب عميق بداخلي وفراغ مروع، من العسير إعادة ملئه.
16 غشت: مطر غزير هذا اليوم رغم فصل الصيف..رغبت في استمرار هطوله دون توقف، حتى يتمكن ماء السماء من تطهير هذا العالم الرديء، ومحو آثار الذل وانتهاك الكرامة الإنسانية، وتنقيته من الإهانات المتراكمة منذ عرف الإنسان المال واتخذه إلها.

17 غشت:
 أشعر أنني لم أعد بشرا حيا يرزق، وإنما مجرد رقم من الأرقام، أصبحت أحيا كقط يدور ويدور محاولا مسك ذيله.

هناك..وراء القضبان. لا ألقاب ولا أسماء، وإنما مجرد أرقام، رقم تلو رقم في سلسلة الأرقام..لا إسم لنزلاء آكل البشر " إنهم يعرفون بالأرقام أحيانا تسقط بعض الأرقام وتغيب بعض الأرقام لكنها تعوض بأرقام جديدة في سلسلة الأرقام..يذهب رقم وتأتي أرقام..ومع توالي الأيام تزداد الأرقام..قلة نحن أو كثرة فنحن مجرد أرقام..لا فرق ولا تمييز بين الأرقام مهما صغرت أو كبرت فهي مجرد أرقام..ولا روح ولا إحساس للأرقام.

18 غشت:
 قال لي قائل: سيأتي يوم وتقول نجوت من العذاب..عذاب اغتيال الكرامة..الذليل،يش..الذليل ، عيشة الأرقام سيعود لك اسم وتتخلص من الرقم وآنذاك عليك الاحتراس ، لأن العالم رديء والزمن أدرأ. إلا أنه لم يقل لي قائل كيف سأنجو من أذى العالم في هذا الزمن الرديء إذن فالخطر قائم في كل لحظة وحين.

15 شتنبر
الذات، ميدان حرب، فضاء صراع بين اليقظة والسبات، بين الخطأ والصواب، بين الحرية والاستعباد، بين النور والظلمات، بين الحق والباطل، بين الظاهر والباطن، بين الزائل والباقي، بين الحقيقي والزائف. ووراء القضبان يحتد هذا الصراع نظرا لتوفر الوقت الكافي ليتأمل المرء في ذاته.

16 شتنبر:
الرغبة في السعادة حق طبيعي وشرعي ومشروع، فالمرء عليه أن يكون سعيدا أو أن لا يكون..هذا هو السؤال، لكن..في هذا العالم الرديء ماذا تعني السعادة ؟ وماذا يعني أن يكون الإنسان سعيدا، وكيف الحصول عليها ؟

 

17 شتنبر:
 إن التعليم يجبر المرء أن يعرف جملة من المعلومات والحقائق عن العالم الخارجي دون أن تهمه مباشرة، والقليل مما يتعلمه يقوده إلى معرفة ذاته ليستعد لتقبل الأمور كما هي عوض تشييد تصورات والارتكاز والاعتماد على منطلقات ومراجع لخلق عالم غير العالم والتصرف على أساس ذلك...وهنا تمكن دوره مأساة الإنسان في هذا العالم الرديء.

18 شتنبر:
 لقد علمت ما كان علي فعله وحصلت على ما كان علي أن أحصل عليه، وأعطيت أكثر مما كان علي أن أعطيه وهنا تكمن خسارتي. رغبت في استرجاع ما سلمت فيه اعتقادا مني أنني اسعد به الغير، لكن المجتمع واجهني بقسوة واعتبرني عاقا لأنني رغبت استرجاع حق من حقوقي.. لذلك أيقنت أن المرء لا يحصد دائما ما زرع.

إدريس ولد القابلة




#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات سجين- لولا الحلم لانتهيت 2
- يوميات سجين - لولا الحلم لانتهيت 1
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 12 الأخيرة - ملف قضية السرف ...
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 11 - الإضرابات عن الطعام
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 9- 10 - التعرف على الشيخ عب ...
- علامات استفهام
- قضايا استثنائية أمام محكمة استثنائية !
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 8 - الحصة الأولى من التعذيب
- العالم المتحضر يحترم حقوق الإنسان من ولادته إلى وفاته
- مذكرات الاعتقال السياسي -الحلقة 6/7 - عبد اللطيف زروال يلفظ ...
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 4/ 5 - لحظات في أركان درب م ...
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 3 - الليلة الأولى بمخفر الش ...
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة الثانية - من الخميسات إلى ا ...
- نقش على جدران الزنازين مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة الأو ...
- - مجرد إطلالة على فكر الدكتور -المهدي المنجرة
- وقفات على أرض الواقع المغربي
- الفقر وما أدراك ما الفقر ببلادي !
- رأي في الحركات الإسلامية بالمغرب
- المواطنة و الديموقراطية
- المحاكمة العادلة المعايير المتعارف عليها دوليا


المزيد.....




- الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
- عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي ...
- غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب ...
- أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
- جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
- مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري ...
- جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة ...
- الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إدريس ولد القابلة - يوميات سجين لولا الحلم لانتهيت 3