محمود شادي
الحوار المتمدن-العدد: 1979 - 2007 / 7 / 17 - 04:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الواقع ما يحدث في العصر ما هي ألا لعبة سياسية من الدرجة الأولى متخذة من الدين أدارة لتمرير تلك اللعبة المكشوفة على جميع العقلاء عفواً الأغبياء , فالسياسة لعبة خطيرة لا يجيدها إلا من يتقن فنونها وحروفها , ولعل ما يلفت انتباهنا هو أن كل السياسيين يحددون ( الدين ) في كل مناسبة فهذا ينادي باسم المهدي وهذا باسم المسيح وهذا باسم الجهاد وهذا باسم الرب وهذا باسم زيد من الناس ...الخ
لكن الحقيقة هي بأننا نستاء كثيراً من ذلك لأنها لا تمثل الدين ولا تمثل الأخلاق الدينية فمنذ العصور الوسطى إلى يومك هذا الحروب قائمة وليست هناك بوادر أمل بما يخمد نارها أو حتى ما يخفف من شدة وتيرتها , فنحن نعلم بأن الحروب التي حصلت وعلى رأسها الحرب العالمية الثانية فأنا أخص بالذكر هنا الحرب العالمية الثانية لأنها قريبة من أذهاننا فالكل يعلم بأنها أقيمت على أسس دينية وكان مغذيها الأول هم الطوائف الدينية حول العالم كما ذكر لنا التاريخ الذي وقع فيها الألمان على رأسها أو النازيون ضحية المؤامرة الدينية التي كان ينوي من خلالها النازيون إخماد ثورة اليهود التي كانت في صدد حكم العالم بطريقة غير مباشرة , لكن المفاجئة هي أن النازيون لم يدركوا اللعبة ألا مؤخراً فقام التحالف الكبير الذي أطاح بتلك الأنظمة وكانت الحجج طبعاً دينية ولكن النتائج وهي معروفة سياسية استطاعت الدول الكبرى بسط نفوذها الكبيرة على جميع سكان الأرض , ثم تلى من بعدها أقامة دولة اليهود الكبرى وهي إسرائيل فطبعاً يقال بأن المسألة مسألة دينية وهي الحفاظ على وطنهم الأصلي واستعادة هيكل سليمان ...الخ , لكن الحقائق تقول عكس ذلك , فأولاً الصهيوني مبدأ فكري لا ديني أولاً , ثم أن الحجة الواهية التي خدعت بها إسرائيل العالم كون القدس الأرض المقدسة ماهية إلا جزء من اللعبة السياسة , فأقيمت دول إسرائيل بعد انسحاب تدريجي للاحتلال البريطاني مما يشير بأن الانسحاب كان سياسي وتلاه احتلال إسرائيل سياسي بالدرجة الأولى كون انسحاب الاحتلال البريطاني جاء ضمن خطأ أتفق عليها مسبقاً مع الكيان الصهيوني , فكان الداعم الأول والكبير لتلك الحركة هي الولايات المتحدة الأمريكية التي استطاعت أن تعطي كل ما لديها لخلق هذا المخلوق الغريب بين الدول العربية ألا وهي إسرائيل , فنعم بدعمها ألا محدود لتلك الدولة وبدون مقابل هي مجرد فكرة سياسية الغرض منها بسط النفوذ السياسية والسيطرة الكاملة على النفط العربي وجعل الدول العربية في حالة صراع دائم مع هذا الكيان الغريب الذي زرع شكل استثنائي في وسطهم .
وأيضاَ ما نرى خلال هذه الأيام من توتر العلاقات الإسلامية والغير الإسلامية , في الحقيقة بأن هذه العلاقات أصبحت في مهب الريح بسبب السياسات المتعجرفة والغير دقيقة وكل فئة تنام على الجنب الذي يريحها , فالإسلام يريد أن يستخدم الدين ليحقق مكسب سياسي عظيم طال انتظاره وهي بسط النفوذ الإسلامية على جميع مناطق الأرض , طبعاً هنا الخطة مكشوفة لا تحتاج إلى توضيح لأن الإسلاميون يريدون استعادة الحكم لا أكثر فهنا نقول بأن اللعبة سياسية وليست دينية , رغم أن العلاقة بين الدين والسياسة علاقة كبيرة في الدين الإسلامي لكن الأفعال تأتي مخالفة تماماً لشواهد التي تنص عليها العقيدة الإسلامية , كقتل العمد ونهش العظم ..الخ , ولعل بعض المعارك التي حدثت أبان العصر صدر الإسلام مثل المعارك التي دارت بين الصحابة علي أبن أبي طالب رضي الله عنه وغريمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه رغم أن كلاهما مسلمان ومتفقين على مذهب موحد إلا أن السياسة دائما تكون محض اهتمام كل متدين مما يدفعه إلى سدة الحكم أو بمعنى كرسي الحكم كما الحال بين هذين الصحابيين الجليلين , وأيضاً حتى تكون الدلالات واضحة على أقوالي ما حصل بين الدول الإسلامية الكبرى كالصراعات التي أقيمت بين الدولة الأموية والعباسية ثم تلتها العثمانية وحتى بين الملوك الطوائف المسلمين في بلاد الأندلس , ثم الحروب التي نشبت في العصور الماضية بين المسيحيين أنفسهم مثل الاسكتلنديين والانجليز وغيرهم الكثير رغم أن دياناتهم كانت موحدة حتى وأن جاء المذهب مختلف لديهم كل هذه الحروب تعطي إشارات واضحة على أن الحروب التي أقيمت هي سياسية لا شأن لها بالدين رغم مزاعم الجميع بأنها دينية , وما يسير اشمئزازي هو ربط الحروب بالأديان السماوية كالذي يحدث في العراق الآن فما زلنا نسمع بان المسحيين هاجموا ديار المسلمين وهؤلاء جاءوا لاحتلال فلسطين ..الخ , رغم أن مطامع الغز واضحة جداً ولا تحتاج إلى تعقيد فالحجة دينية رغم أن الدلالات على أرض الواقع تشير عكس ذلك فلوا رأينا الاحتلال يبني كنائس ويهدم المساجد ويكفر المسلمين ...الخ لكنا صدقنا ما يروج له إعلاميا وقلنا حقاً أنها السيطرة من أجل الدين , لكن الحقيقة بأن الوقائع تقول بأنها سيطرة سياسية من جميع النواحي شاملة السيطرة الاقتصادية كالاستيلاء على النفط بالدرجة الأولى والتسابق على الربح عقوده بنصيب الأسد , وحتى مروراً بالربح بالعقود المتفق عليها دولياً حول مؤتمر العراق وعلى رأسها عقود أعادة أعمار العراق التي سبق وكشف الحاجب عن الفساد التي كان تكتسح بها تلك العقود الملوثة والملفقة .
في الختام ما أريد القول بأن لا نسمح لأنفسنا أن نزج بكلمة ( الدين ) في كل صغيرة وكبيرة أو بمعنى كل حرب سواء كانت تخص الأديان أو لا تخص فمن المؤسف جداً أن نقول أنه الدين السبب في كل خطوة وكل معركة , لدرجة أن حتى المشاغبين عندما يتعاركون في الشارع يقال بأنهم غير ملتزمين دينياً فيا عجبي العجب , وأيضاً من المؤسف أن نخلط بين كلمة إرهابي وإسلامي , لأن الإسلام عقيدة والإرهاب مبدأ , والإرهاب تغذيه السياسة أي سياسة بعض الدول كما هو واضح ولكن نستطيع بأن نقول بأنه ينمي بعض أفكاره من الدين وهذا واضح جداً في كل حالة من الحالات التي نشاهدها في كل عمل أجرامي أو إرهابي , لكن ما يؤسفني هو ربط الإرهاب بالدين وبالأحرى الإسلام , رغم أن هناك جماعات إرهابية في كل العالم من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها , لكن زج الإرهاب بالإسلام أصبحت الفكرة المنشودة لجميع العالم لتشويه صورة الدين رغم أن الدين برئ من تلك الأفعال , فالسياسة تعني شيء والدين يعني شيء أخر , صحيح بأن الدين جزء من السياسة وكلً منها يدعم الآخر والسياسة في المفهوم الإسلامي تستنبط مع المفاهيم من القرآن والسنة النبوية إلا أنها لا تتعلق في معظمها كمحاربة المسلم المسلم أو محاربة المسلم للكافر فقط من أجل أنه مخالف لعقيدته وهذا ما نريد أن نقوله .
#محمود_شادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟