أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - صُدَاعٌ نِصْفِي!















المزيد.....



صُدَاعٌ نِصْفِي!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1976 - 2007 / 7 / 14 - 12:29
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رزنامة الأسبوع 3-9 يوليو 2007
الثلاثاء:
الحمد لله أن جون أوكويج ، سفير السودان بواشنطن ، نفى ، بعظمة لسانه ، ما كان أشيع عن تعرضه للضرب من أبناء دارفور بفيلاديلفيا أثناء حديثه في ندوة مركز ليوونق سولفان بتاريخ 9/6/07 عن دور المجتمع الدولي في إنهاء أزمة الاقليم. فقد أفاد سعادته بأن الأمر لم يخرج عن كون تحميله الحركات الرافضة لاتفاق أبوجا مسئوليَّة تأخير التوصل لاتفاق شامل قوبل بعدم استحسان من الجالية الدارفوريَّة ، وأن بعضهم دخل معه في مُلاسنة حادَّة أفضت بمنظمي الندوة لإنهائها (الرأي العام ، 10/6/07).
لم تكن تلك الندوة ، في ما يبدو ، هي المناسبة الوحيدة التي (فوَّر) فيها سعادته (دم) أبناء دارفور ، فقد سبقتها محاولته غير الموفقة ، أواخر مايو الماضي ، للرَّد ، في (النادي الوطني للصحافة) بواشنطون ، علي العقوبات الاقتصادية الأمريكيَّة ضدَّ السودان ، مِمَّا وفر للواشنطون بوست ذريعة كافية للسخرية منه في عددها الصادر بتاريخ 31/5/07 ، فلقبته بـ (كارل الخرطوم) ، تيمُّناً بـ (حنا هانوي) و(روس طوكيو) و(بوب بغداد) ، إيماءً إلى (الصَّحَّاف) ، بجامع المراهنة ، لديهم أجمعهم ، على الوهم المحض ، والتعامي عن الحقيقة الساطعة (!) وقدَّمت وصفاً كاريكاتورياً لسعادته يتصبَّب عرقاً ، وساعته المُذهَّبة تتلاصف علي معصمه ، بينما قبضتاه تسدِّدان اللكمات إلى الهواء ، وهو يصرخ بـ "وحشيَّة" ، نافياً ، نفياً مطلقاً ، أن يكون ثمَّة أحد يموت في دارفور ، أو أن ثمَّة 2,000,000 نازح ، أو أن حكومته تدعم الجنجويد:
ـ "هذا غير ممكن .. هذا مستبعد"!
لكن كلَّ ذلك كوم ، وحكايته مع (الكوكا كولا) كوم آخر! فقد بلغت الكاريكاتوريَّة ذروتها حين رفع زجاجة الكوكا الموضوعة أمامه ، وصاح بأعلى صوته:
ـ "السودان .. بسبيله لإقامة أفضل ديموقراطيَّة في العالم (!) والقيادة السودانية طيِّبة ومحبة للسلام (!) لكننا مستعدون لمعاملة أمريكا بالمثل .. فالصمغ العربي الذي يدخل في صناعة المشروبات الغازيَّة يتم استيراد 80% منه من بلادنا ، وبإمكاننا إيقاف شحناته وحرمان العالم من الكوكا كولا"!
ولم ينتبه سعادته لانزلاقه ، في غمرة حماسته تلك ، إلى أقاصي وضعيَّة المسخرة ، حتى بعد أن سأله الصحفيُّون عمَّا إذا كان السودان ينوي ، فعلاً ، تركيع الغرب بإيقاف تصدير الصمغ العربي للتأثير على صناعة الكوكا كولا ، فسارع إلى الهدير:
ـ "بإمكاني إيقافه .. عندئذ سنحرم جميعاً من هذا"!
وأشار بإصبعه إلى الزجاجة ، ثمَّ أردف:
ـ "لكني لا أريد الذهاب في هذا الاتجاه"!
وطبعاً لم تفوِّت الصحيفة الفرصة التي واتتها لتأويل ذلك بأنه ، في الحقيقة ، يريد أن يقول: "اذا حاولتم إيقاف القتل في دارفور ، فسنحرمكم من الكوكا كولا"! وأضافت أن سعادته ، وعلى حين يقاسي الدارفوريون الأمرَّين من الجوع ، لا يرى في العقوبات غير أنها "ستتسبب في ندرة السكر الذي يحبونه كثيراً"!
ثمَّ تمضي الصحيفة موغلة في سخريَّتها من كونه صار ، كلما حاصرته الأسئلة ، يلجأ إلى (القتل في العراق) يبرِّر به (القتل في دارفور) ، ناسياً أنه نفاه قبل قليل:
ـ "الأمريكيون يبرِّرون قتل المدنيين في العراق بأنه مجرَّد أثر جانبي للحرب هناك ، فلماذا لا ينطبق نفس التبرير على عمليات الجيش في دارفور"؟!
وهكذا ، كما تلاحظ الصحيفة ، راح منطق سعادته يتآكل ، وضيقه بأسئلة الصحفيين يتفاقم ، حتى فاجأهم بتلخيصه لمجمل الأزمة ، قائلاً:
ـ "ثمَّة دارفوريين يقتلون بعضهم بعضاً ، تماماً كما تتقاتل أنت وابن عمك فيقتل أحدكما الآخر"!
وفي تشبيه لا يخلو من الطرافة ، مضى الرجل يضاهي الوضع في دارفور بالاحداث التاريخيَّة التي وقعت في الغرب الامريكي منذ نحو من قرنين:
ـ "رعاة أغاروا على مزارعين ، مثلما حدث هنا حوالي عام 1800م ، عندما قاتل رعاة البقر المزارعين على الأرض"!
أخيراً ، تستنتج الصحيفة أن أصدق ما قال سعادته هو ما كشف عن أزمته (الشخصيَّة) ، حين خاطب الأمريكيين منفعلاً:
ـ "إنكم تدفعونني للفشل .. لقد أرسلني الشعب السوداني إليكم لعلمه بما بيني وبينكم من أواصر طيبة ، لكن ها أنتم تواجهونني بالعقوبات فتجعلون مهمَّتي الأصعب في العالم"!
بتاريخ 3/6/07 ، بعد بضعة أيام من تصريحات أوكويج ، أصدرت حركة تحرير السودان (عبد الواحد) ، الرافضة لاتفاق أبوجا ، بياناً وصفت فيه تلك التصريحات بأنها "جوفاء ، ومجافية للواقع ، والكثير منها يتضمن إساءات صريحة .. لشعب دارفور ، ولضحايا .. الطيران الحكومي وغارات .. الجنجويد الآثمة". لكن الأخطر أن البيان اعتبر حديث السفير مُعبِّراً عن موقف الحركة الشعبيَّة ، وخلص ، بعد التذكير بما وصفه بأنه "دور عدائي للحركة الشعبيَّة في .. مفاوضات أبوجا" ، و"محاولات مستمرة من جانبها لإهدار الحقوق العادلة لشعب دارفور" ، إلى إدانة تلك التصريحات ، والتشكيك في مصداقية الحركة الشعبية نفسها ، وفي إمكانيَّة إسهامها في حل المشكلة ، معلناً تعليق الاتصالات معها ، ومطالباً إياها بالكفِّ عن "الوصاية على شعب دارفور وحقوقه المشروعة" ، والابتعاد عن "خدمة أجندة المؤتمر الوطني الإقصائيَّة" ، وعن أيَّة محاولة "لتبني مؤتمرات صوريَّة ، أو استخدام علاقاتها بقادة بعض الفصائل .. لتمرير أيِّ مشروع لم يتم الإتفاق عليه مع الآخرين". كما طالبها بإعلان موقف صريح ، ليس فقط من تصريحات أوكويج ، بل ومن الكثير من "تصريحات قادتها" التي وصفها بأنها "معادية لشعب دارفور"!
من جانبها ، وكما لو كانت تستبق تصريحات منسوبها أوكويج ، أطلقت الحركة الشعبيَّة ، عبر خطاب أمينها العام باقان أموم في الاحتفال بالذكرى الرابعة والعشرين لتأسيسها ، باستاد المريخ بأم درمان أمسية 30/5/07 ، تحذيرات قويَّة لشريكها المؤتمر الوطني "من اللعب باتفاقيَّة نيفاشا كما لعب بالآخرين" (!) معلنة حرصها على "تنفيذ اتفاق السلام وإنهاء أزمة دارفور والتهميش" ، ومعتبرة دارفور بمثابة "الأولويَّة لكلِّ القوى السياسيَّة". بدوره ، وكما لو كان يرُدُّ على تهمة استتباعهم من قِبَل المؤتمر الوطني ، نفى أمين قطاع الشمال بالحركة ، مالك عقار ، أن يكون السودان مستهدفاً من الخارج! وبرغم ما في هذا (الاطلاق!) من قولين ، إلا أن استدراكه عليه يقع صائباً تماماً ، حيث أضاف: ".. ولكن نحن نعلق مشاكلنا على الآخرين .. مشكلتنا .. التهميش ، وهو ما يتيح للخارج التدخل في شئوننا". ثم ما لبث أن أردف ، في إشارة لا تخفى إلى المؤتمر الوطني: "نعم الحرب وقفت .. لكننا لن نقبل الأونطة!" (الأيام ، 31/5/07).
مع ذلك ، ما يزال أمام الحركة الشعبيَّة الكثير لتفعله ، كي تتمكن من ترميم الشروخات العميقة التي نشبت ، في برزخ انتقالها المرتبك من (الثورة) إلى (الدولة) ، على صعيد (الثقة) الآخذة في التآكل الآن ، في ما يبدو ، بينها وبين أقوى حراكات (الهامش) .. دارفور!

الأربعاء:
ضمن تعقيبه الفوري ، عبر قناة الجزيرة ، على الخطاب الذي كان ألقاه ، للتو ، رئيس الوزراء الفلسطيني المُقال إسماعيل هنيَّة ، أمام نواب ووزراء حركة حماس بالقطاع مساء الأحد 24/6/07 ، لم يجد أحمد عبد الرحمن ، الناطق باسم الرئاسة ، ما يتباهى به سوى رسوخ القدم (الفتحاويَّة) في ساحة النضال التحرُّري الفلسطيني قبل أربعين سنة ، وهذا حقه على أيَّة حال! سوى أنه أردف قائلاً:
ـ "لعلَّ هنيَّة كان وقتها تلميذاً في المدرسة"!
لحظتها سطع في ذهني بعض ما سجَّل محمود درويش في دفتر يوميَّاته ، تعليقاً على ما جرى ويجري ، قائلاً:
ـ "أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين .. إن لم نجد مَنْ يهزمنا ثانية ، هزمنا أنفسنا بأيدينا .. لئلا ننسى"!
واستطراداً ، فقد مضي درويش يتداعى ، موزعاً إداناته على الجميع ، لا يوفر طرفاً ، ولا يلوي على شئ:
ـ "هل كان علينا أن نسقط من عُلوٍّ شاهق ، ونرى دمنا على أيدينا ، لندرك أننا لسنا ملائكة كما كنا نظن"؟!
ـ "أن تصدِّق نفسك أسوأ من أن تكذب على غيرك! أن نكون ودودين مع مَنْ يكرهوننا ، وقساة مع مَنْ يحبُّوننا .. تلك هي دُونيَّة المُتعالي ، وغطرسة الوضيع"!
ـ "أيها الماضي: لا تغيِّرنا كلما ابتعدنا عنك! أيها المستقبل: لا تسألنا: مَنْ أنتم وماذا تريدون مني ، فنحن أيضاً لا نعرف! أَيها الحاضر: تحمَّلنا قليلاً ، فلسنا سوى عابري سبيل ثقلاء الظل"!
ـ "لولا الحياء والظلام لزرتُ غزة دون أن أعرف الطريق إلى بيت أبي سفيان الجديد ، ولا اسم النبيِّ الجديد! ولولا أن محمداً هو خاتم الأنبياء ، لصار لكلِّ عصابةٍ نبيٌّ ، ولكلِّ صحابيٍّ ميليشيا"!
ـ "مهما نظرتَ في عينيَّ فلن تجد نظرتي هناك .. خطفتها فضيحة! أنا والغريب على ابن عمِّي ، وأنا وابن عمِّي على أخي ، وأنا وشيخي عليَّ .. هذا هو الدرس الأول في التربية الوطنيَّة الجديدة ، وبعض الفقهاء يقول: رُبَّ عَدُوٍّ لك ولدته أمُّك"!
ـ "لا يغيظني الأصوليُّون ، فهم مؤمنون على طريقتهم الخاصة ، ولكن يغيظني أنصارهم العلمانيون ، وأَنصارهم الملحدون الذين لا يؤمنون إلا بدين وحيد: صورهم في التلفزيون"!
ـ "سألني: هل يدافع حارس جائع عن دار سافر صاحبها لقضاء إجازته الصيفية في الريفيرا الفرنسيَّة أو الايطاليَّة .. لا فرق؟! قلتُ: لا يدافع! وسألني: هل أنا + أنا = اثنين؟! قلت: أنت وأنت أقلُّ من واحد"!
ـ "لا أخجلُ من هُويَّتي ، فهي ما زالت قيد التأليف ، لكني أخجل من بعض ما جاء في مقدمة ابن خلدون"!
..............................
..............................
كثير هو الأسى الذي ينشع ، عادة ، في شعر درويش ونثره. لكنني ، هذه المرَّة ، منقبض ، بوجه خاص ، لهذا الأسى الكثيف يفيض ، حتى ليكاد يتدفق ، من يوميَّاته الأخيرة هذه! وأذكر أنني سألته ذات مساء ، وسط لفيف من الأصدقاء في بيتي ، لدى زيارته للسودان أوائل العام الماضي 2006م: "أين تعيش الآن"؟ قال بسرعة: "في قلبي"! ثمَّ سرعان ما أردف: "في رام الله". قلت: "لا فرق إذن" ، وضحكنا. تذكرت ذلك وأنا أقرأ ، دون أن تكون لديَّ الجرأة على الضحك ، ما سجَّل أيضاً ، ضمن يومياته ، قائلاً:
ـ "قلبي ليس لي ، ولا لأحد ، لقد استقلَّ عني .. دون أن يصبح حجراً"!

الخميس:
أسعدني كثيراً أن تلقيت نسخة من العدد الثاني من إصدارة (الوسيلة) غير الدوريَّة التي تعنى بقضايا العمل الابداعي ، ويصدرها التشكيليون الديموقراطيون كمنبر ديموقراطي للحوار الثقافي. سبب سعادتي واضح بلا شك ، فمجلة (الثقافة السودانيَّة) التي أسَّسها المرحومان عبد الحي وأبو ذكرى ، وتولى رئاسة تحريرها محمد عوض عبوش ، قد ماتت وشبعت موتاً ، ومجلة (الخرطوم) التي ترأس تحريرها المرحوم قيلي أحمد عمر ، ثمَّ عيسى الحلو ، أعلن ، مؤخراً ، عن استئناف صدورها بعد غياب طويل ، تحت رئاسة مجذوب عيدروس ، لكنها لم تصدر بعد. ولا تسل ، بطبيعة الحال ، عن (الوجود) التي كان يصدرها المرحوم بشير الطيِّب ، أو (القصة) التي كان يصدرها المرحوم عثمان علي نور ، أو (القلم) التي كان يصدرها المرحوم حسن نجيلة ، أو غيرها من الاصدارات المعتبرة التي آلت جميعها إلى متحف العاديات! وتكاد (الآداب) التي تصدر عن كليَّة الآداب بجامعة الخرطوم ، تحت إشراف ابراهيم الحردلو وفدوى عبد الرحمن علي طه ، تكون الوحيدة ، تقريباً ، التي ما تزال تصدر ، كفاحاً ، وإن بشكل غير منتظم. أما العدد الأوَّل من مجلة اتحاد الكتاب السودانيين غير الدوريَّة (كرامة) ، برئاسة يوسف فضل وإدارة محمد عوض عبوش ، فما يزال في الطريق ، وقد اكتملت إجراءات إصداره ، بعد أن استنفد توفير تكلفته من الزمن وشق الأنفس والتقطيع من اللحم الحيِّ أكثر بكثير مِمَّا استنفد جمع مادَّته وإعدادها وتحريرها!
الساحة ، إذن ، خالية تماماً من أيَّة إصدارة ثقافيَّة تستحق أن يؤبَّه لها ، بل ومن أيِّ مُعين على ذلك ، أصلاً ، بعد أن حجبت الدولة مواردها إلا عن المؤسَّسات والتنظيمات الداجنة! ولهذا فانتظام صدور عددين ، حتى الآن ، من (الوسيلة) ، في هذا المناخ غير المواتي ، لمِمَّا يجلب السعادة حقاً ، فبخ بخ .. ويا مرحى!
أسهم في هذا العدد كلٌّ من حسن موسى بمقالته: (محجوب شريف بين العمل العام وعمايل اللئام) ، وصلاح حسن عبد الله بمقالتيه: (خريف الحركة التشكيليَّة) ، و(علاقة المثقف بالحزب السياسي) ، ومجدي الجزولي بمقالته: (فالتر بنجامين: يسار الفلسفة أثناء الفن) ، وأروى كمال الدين بمقالتها (العمارة والتشكيل) ، وكمال عووضة بمقطع شعري ، ومحمود عمر بقصيدة. واشتمل العدد كذلك على ملامح من السِّيرة التشكيليَّة السيَّاسيِّة الغيريَّة للمرحوم عبد الوهاب زين العابدين ، وعلى تعريف بموقع (غاليرى السودان للفنون ـ http://www.sudartists.org) على الشبكة ، والذي أسَّسته وتديره التشكيليَّة المقيمة بأمريكا إيمان شقاق ، ومنبر الحوار الديموقراطي (سودان فوراول ـ http://www.sudan_forall.org) الذي أسَّسه بولا وحسن موسى ونجاة محمد علي المقيمون بفرنسا ، وقد خصَّصته (الجمعيَّة السودانيَّة للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الانسانيَّة) كجزء أساسي من موقعها على الشبكة. كما حمل العدد بعض الأعمال التشكيليَّة ، بالأبيض والأسود ، لعبد الوهاب زين العابدين وحسن موسى وعلاء الدين الجزولي وساري احمد عوض وموسى الخليفة وحسين جمعان وصلاح حسن عبد الله وتاج السِّر خليفة.
يقع العدد في 64 صفحة من القطع المتوسِّط ، بغلاف ملوَّن حملت واجهته صورة محجوب شريف بكاميرا عصام عبد الحفيظ ومؤثرات رقميَّة لأحمد المرضي ، كما حملت خلفيَّته لوحة زيتيَّة من اعمال عبد الوهاب زين العابدين.

الجمعة:
إنتقال النيابة ، في سياق استهدافها للحريَّات الصحفيَّة ، من التمترس خلف نصِّ المادة/130 من قانون الاجراءات الجنائيَّة لسنة 1991م ، بعد أن انفضح أمرها ونفض وزير العدل النائب العام نفسه كلتا يديه عنها ، إلى التذرُّع بالمادة/115 من القانون الجنائي لسنة 1991م ، في تغوُّل صارخ على سلطة القضاء ، حيث تطبيق القانون الجنائي من اختصاص القضاء ، لا النيابة ، كلُّ ذلك يكشف ، وبجلاء ، عن نيَّة مسبقة ومُبيَّتة ، مع سبق الاصرار والترصُّد ، لدى الجهاز التنفيذي ، والنيابة جزء منه ، لتقويض حريَّة التعبير والحقِّ في تلقي المعلومة ونشرها ، بأيَّة وسيلة وتحت أيَّة حُجَّة ، حتى إذا لم يعُد ذلك ممكناً بالمادة/130 العجيبة ، فليكن بالمادة/115 الاعجب منها! وهكذا لا مناص ، في ما يبدو ، من أن يواصل القانونيُّون والكتاب الوطنيُّون الديموقراطيُّون معركة (اللتِّ والعجن) في هذه السِّيرة الماسخة ، فمثل هذه (النوايا) لا تنهزم بمحض تجاهلها ، والصمت عنها ، وإدارة الظهر لها!
لكن دعونا نفترض ، ابتداءً ، إن (خطأ طباعيٌّاً!) ، حتى لا نقول (عملاً متعمَّداً!) ، هو المسئول عن إسقاط (التاء المربوطة) من آخر كلمة (السلامة) الواردة في صلب المادة/130 من قانون الاجراءات الجنائيَّة لسنة 1991م ، فطوَّح بدلالتها من خانة (الصحَّة العامَّة) إلى خانة (أمن الدولة!) ، وشاع ، بالتالي ، استخدامها في (إيقاف الصحف!) عن الصدور ، سواءً بسواءٍ مع إزالة (مكبَّات الفضلات!) ، أو (خلاطات الخرصانة) ، أو (شوَّايات الشاورمة!) من الطريق العام! ومع ذلك ، وتطبيقاً لقاعدة حسن النيَّة اللازمة لدى التأويل السليم للنصوص القانونيَّة ، فلا مناص من مضاهاة النصِّ المستحدث بالنصوص السابقة التي تقابله ، وهي إحدى الآليات المعتمدة للتحقق ، إذا لزم الأمر ، من غرض المشرِّع ، وفقاً لفلسفته العامَّة.
قد لا نحتاج للنبش في القوانين القديمة ، بل يكفي النظر فقط في قوانين سبتمبر 1983م ، بجامع (صِلة الرَّحِم!) ، كي نلاحظ أن المادة/130 المذكورة تقابل المادة/107/1 من قانون الاجراءات الجنائيَّة لسنة 1983م ، ضمن الفصل التاسع ، والتي كان عنوانها (الأمر المشروط لإزالة الازعاج العام) ، وكانت تجيز للقاضي ، إذا غلب احتمال وقوع إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد/224 أو 225 أو 227 أو 229 أو 230 من قانون العقوبات لسنة 1983م ، أن يأمر الجاني ، في ميعاد محدَّد ، بإيقاف ارتكابها ، أو إصلاح أو إزالة مسبِّباتها ..الخ. هذه الجرائم مشمولة بالفصل التاسع عشر من قانون العقوبات المذكور ، تحت عنوان (الجرائم المتعلقة بالصحَّة العامَّة و"السلامة" والراحة .. الخ) ، وهي (تلويث مياه بئر عام أو خزان عام ـ إفساد الهواء ـ تعطيل المرور في طريق عام أو خط ملاحي ـ الاهمال المسبِّب خطراً على الناس أو الأموال ـ الاهمال بشأن الحيوان). وقد عرَّف المشرِّع (الازعاج العام) ، في المادة/216 ، بأنه كلُّ فعل أو امتناع مخالف للقانون مِمِّا يسبِّب ضرراً عاماً أو خطراً أو مضايقة للجمهور أو لمن يسكنون أو يشغلون مكاناً مجاوراً .. الخ.
وهكذا فإن غرض المشرِّع من ذلك النصِّ القديم قد انصرف ، لا لحماية (أمن الدولة) من جرائم النشر مثلاً ، وإنما لحماية (الجمهور) من الجرائم التي قد تتهدَّد (السلامة) ، أو تسبِّب له ضرراً أو مضايقة أو ازعاجاً.
ألغى المشرِّع قانون الاجراءات الجنائيَّة لسنة 1983م ، وأصدر ، بدلاً عنه ، قانون الاجراءات الجنائيَّة لسنة 1991م ، حيث أفرد الفصل الخامس منه لإجراءات (الوقاية) من الجرائم بثلاثة فروع: الأوَّل لمنع جرائم الأمن والنظام العام و(السلام) العام .. الخ (م/117 ، 118). والثاني لمنع جرائم الطمأنينة العامَّة (المواد/124 ـ 129 شاملة). أما الثالث فلمنع جرائم (السلامة) والصحَّة العامة ، تحت (المادة/130) المثيرة للجدل. غير أن سقوط (التاء المربوطة) ، كما قلنا ، من آخر كلمة (السلامة) في هذا النصِّ ، جعل دلالتها تنصرف إلى (السلام) ، وهي دلالة نابية عن السياق بكلِّ معايير الفهم القانوني السليم ، وذلك لأربعة أسباب جوهريَّة:
أوَّلها: أنه لا رابط يجمع بين (السلام) و(الصحَّة العامَّة) في نصٍّ واحد.
وثانيها: أن المشرِّع قد فرغ ، قبل ذلك ، كما قد رأينا ، من تشريع النصَّ المانع للجرائم المتعلقة بـ (السلام) العام ضمن الفرع الأوَّل من هذه (الاجراءات الوقائيَّة) ، فلا يُعقل أن يعود ليضمِّنه أيضاً في هذا الفرع الثالث ، وإلا اعتبر ذلك عيباً في التشريع.
وثالثها: أن المقصود من نصوص هذا الفصل (الوقاية) ، كما هو واضح من عنوانه ، فكيف يكون إيقاف الصحيفة (وقاية) بعد أن تكون قد نشرت الخبر المعيَّن و .. خلصت؟! ورابعها: ولعله أهمها ، أن من يتمسكون بتأويل المادة/130 باعتبارها مانعة (للجرائم) المتعلقة بـ (السلام) والصحة العامَّة لن يستطيعوا ، مهما فتشوا ، أن يدلونا على الموضع الواردة فيه هذه (الجرائم) ، بينما نستطيع نحن أن ندلهم ، وبكلِّ يُسر ، على الموضع الواردة فيه ، حصريَّاً ، (الجرائم) المتعلقة بـ (السلامة) والصحَّة العامَّة ، أي المواد/70 ـ 76 شاملة من القانون الجنائي لسنة 1991م ، ضمن الفصل الأوَّل من الباب التاسع ، وهي (تلويث موارد المياه ـ تلويث البيئة ـ تعريض طرق ووسائل المواصلات للخطر ـ التوقف عن الخدمة الذي يسبِّب خطراً على الحياة أو ضرراً للجمهور ـ الاهمال الذي يسبِّب خطراً على الناس أو الأموال ـ الامتناع عن المساعدة الضروريَّة ـ الاخلال بالالتزام القانوني تجاه شخص عاجز). وليس من الصعب ، بطبيعة الحال ، ملاحظة التطابق ، في المنحى العام ، بين أغلب هذه الجرائم وبين نفس الجرائم الواردة ضمن الفصل التاسع عشر من قانون العقوبات لسنة 1983م ، تحت عنوان (الجرائم المتعلقة بالصحَّة العامَّة و"السلامة" والراحة .. الخ)!
إذن ، فإن أيَّ فهم مُبرَّأ من (الغرض!) الذي هو (مرض!) لنصِّ المادة/130 من قانون الاجراءات الجنائيَّة لسنة 1991م لا بُدَّ أن ينحو بها صوب تحقيق (السلامة) لا (السلام) ، بإثبات (التاء المربوطة) لا بإسقاطها ، بحكم تطابق مُراد المشرِّع من هذا النصِّ مع مراده من نصِّ المادة/107/1 في قانون 1983م.
وحسناً فعل النائب العام حين أقرَّ ، مؤخراً جداً ، بخطأ ذلك الفهم للقانون ، وتبرَّأ منه! وليته يكمل فضله بالاقرار ، أيضاً ، بأن الأوامر التي درجت النيابة على إصدارها للصحف بعدم نشر مواد أو اخبار معيَّنة حول مسائل قيد التحرِّي ، بدعوى (عدم التأثير على سير العدالة) ، هي أيضاً من سِنخ الممارسة التي لا يسندها أيُّ قانون! وآخر مبتدعات النيابة في ذلك إسناد أوامرها إلى نصِّ المادة/115 من القانون الجنائي لسنة 1991م ، رغم أن الجهة المنوط بها تطبيق هذا القانون ، كما سلفت الاشارة ، هي المحاكم ، لا النيابة!
مع ذلك فإن مجرَّد هذه الاقرارات الصحفيَّة الشفهيَّة لن تفي ، للأسف ، بالمطلوب! ولو ان الظرف غير الظرف ، لاقترحنا وضع مشروع على مائدة البرلمان لتعديل العيب البادي في المادة/130 إجراءات ، والناجم عن احتكار أبكار مشرِّعي الانقاذ ، وعلى رأسهم د. حسن الترابي ، بالطبع ، للتشريع في الغرف المغلقة (!) ولاقترحنا أيضاً استصدار منشور من النائب العام ينهى فيه وكلاءه عن التهجُّم على اختصاصات القضاء بذريعة المادة/115 من القانون الجنائي! ولكن .. ما جدوى مثل هذه الاقتراحات ، الآن ، بإزاء ما يربو على الستين تشريعاً تتعارض ، صراحة ، مع الدستور الانتقالي ، بعد أكثر من سنتين من صدوره ، وفيها ما هو أخطر من المادتين/130 و115 ، كقوانين (الصحافة) و(النقابات) و(الأمن والمخابرات) .. الخ؟!
لذا ، ورغم تقديري لاقتراح صديقي فاروق أبو عيسى بأن يتقدَّم البرلمان بشكوى لرئيس الجمهوريَّة ضد وزارة العدل لتقاعسها عن إعداد مشروعات المواءمة بين هذه القوانين وبين الدستور الانتقالي ، حيث أن "أي حديث عن تحوُّل ديموقراطي دون مواءمة القوانين ذرٌّ للرماد في العيون" ، على حدِّ تعبيره الصائب تماماً (الأيام ، 13/6/07) ، إلا أنني أجدني أكثر ميلاً لما ذهب إليه صديقي الآخر يوهانس أكول من تحميل البرلمان نفسه ذات المسئوليَّة عن عدم إنجاز المواءمة المطلوبة ، مطالباً بالكفِّ عن "مناشدة الجهاز التنفيذي .. والاسراع في أن تكون الدورة تشريعيَّة بأكملها ، حتى يطمئن المواطن ، ويدخل السلام فى (قفته) ، فهو ، حتى الآن ، لم يدخل سوى في .. جيوبنا إحنا" ، أو كما قال! ذلك أن للبرلمان الحق ، أسوة بوزارة العدل ، في المبادرة بمشروعات القوانين ، واتخاذ القرارات الحاسمة في مواجهة الجهاز التنفيذي ، خاصة وأن الأخير ، على قول يوهانس ، "لا يمكن أن يلغي القوانين التي تمنحه القوَّة!" (المصدر).
على أنه ، وبالنظر إلى ميزان القوَّة داخل تركيبة الحكم ، الأمر الذي كشفت ، وما تزال تكشف ، عنه شواهد جمَّة ، ليست آخرتها ، بالقطع ، المساجلة التي دارت ، ردحاً من الزمن ، قبل أن (تخفت!) ، أو (تموصها!) مياه السيول والفيضانات ، حول واقعة (المساومة!) إيَّاها بين رئيس البرلمان احمد ابراهيم الطاهر ونائب الحركة الشعبيَّة أحمد عيسى ، وفحواها أن (واحدة بواحدة tit for tat) ، فإنني أخشى أن تكون قد فاتت على يوهانس مسألة (النسب المئويَّة) و(الأغلبيَّة الميكانيكيَّة) داخل البرلمان .. أخخخ؟!

السبت:
حتى عهد قريب كان لفظا (زنجي ـ nigger) و(أسود ـ black) يكتسيان ، في الانجليزيَّة ، ظلالاً أيديولوجيَّة عنصريَّة بغيضة ، خصوصاً في مستوى الوعي العام الأمريكي ، إذ كان يجري استخدامهما فقط بدلالة (التحقير) للانسان ذي البشرة السوداء. مع الوقت ، ومن خلال التفاعل بين مفردات هذا المجتمع ، والتعقيد الشديد في تكوينه ، وجدليَّات علاقاته الباطنيَّة ، والتطوُّر التاريخي لحركة الحقوق المدنيَّة ، بمشاركة عشرات الآلاف من روَّاد الاستنارة الاصلاحيَّة ، مفكرين وكتاب وفنانين وصحفيين وسياسيين ومتطوِّعين ناشطين في مختلف المنظمات المستقلة ، بيضاً وسوداً على السَّواء ، وبالاخص تلك الحركة المتحدِّية التي لطالما ألهمت ، خلال ستينات وسبعينات القرن المنصرم ، ملايين الشباب والطلاب ، السود بالذات ، والتي تصدَّر قيادتها المناضل ستوكلي كارل مايكل وزوجته الفنانة مريم ماكيبا ، تحت شعار (الأسود جميل black is beautiful) ، تحوَّرت دلالتا اللفظين شيئاً ، فلم يعودا مقصورين على معنى (التحقير) الأيديولوجيِّ ، فحسب ، كما في الاستخدام العنصريِّ البغيض ، بل اكتسيا ، أيضاً ، معنى معرفيَّاً بحتاً ، بدلالة (التحديد) الموضوعي لهذا الجنس المعيَّن ضمن مكوِّنات المجتمع الأمريكي. بعبارة أخرى أضحى المحكُّ الأساسي لدلالة اللفظين يبتعد ، رويداً رويداً ، عن اللفظين بمجرَّدهما ، ليتركز في ظلال استخداماتهما.
وبما أنني أعدُّ نفسي أحد المناضلين ، ولو بجهد المُقِلِّ ، في سبيل قضيَّة الحقوق في دارفور ، فقد أزعجني كثيراً ما نقل لي صديقي الكاتب اليوغندي محمود ممداني ، منزعجاً أيضاً ، عن ذهاب حركة التحالف الدولي من أجل دارفور ، ولأوَّل مرة على حدِّ علمي ، إلى استخدام اللفظين ، أو أحدهما على الأقل ، بذات تلك الدلالة القديمة أحاديَّة البُعد ، في الاشارة إلى الضحايا في الاقليم ، وذلك من خلال مهرجان التضامن الذي أقامته ، مؤخراً ، بجوهانسبيرج ، والذي حملت لافتته الرئيسة عبارة: (لا أرغب في وجود أيِّ زنجيٍّ في أفريقيا ـ التوقيع: الجنجويد)!
قد لا يصعب أن نلمح رغبة المنظمة في تخصيص هذا الخطاب لكسب تعاطف الجمهور الجنوبأفريقي ، (الأسود) في غالبه ، مع القضيَّة ، على خلفيَّة ما ظلَّ يعانى من تواريخ الفصل العنصري! على أن الفكرة التي لا تتأسَّس على حقائق الواقع على الأرض تبقى ، في التقويم النهائي ، ساذجة في مجملها ، إن لم تكن مُضِرَّة بالمرَّة! فمن جهة ، ثمَّة في جحافل (الجنجويد) من هم أكثر (زنوجة) من (ضحاياهم) ، وليُراجَع في هذا تقرير لجنة التحقيق الدوليَّة برئاسة القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيسي! أما من الجهة الأخرى ، فخليق بالتحالف الدولي أن يقدِّم ، من خلال تضامنه مع أهل دارفور ، معرفة أوثق بقضيَّة الاقليم التي لم تتأسَّس ، أصلاً ، على أيِّ صراع بين (بيض) و(سود)!

الأحد:
عندما يصف ، مثلاً ، مساعد رئيس الجمهوريَّة ، ونائب رئيس الحزب الحاكم ، د. نافع على نافع ، المعارضين السياسيين بألفاظ جارحة ، ومفارقة للمتداول من لغة الصراع السياسي ، أو عندما يصف وزير الطاقة ، د. عوض الجاز ، كلَّ الذين يبدون معارضتهم لاتفاق أبوجا بأنهم .. "أبناء وبنات حرام!" (الشرق الأوسط ، 11/5/2006م) ، فإن ذلك كله لا يُعدُّ ، في شرعة المؤتمر الوطني ، (انفلاتاً) يستوجب الاستقالة أو الاقالة!
أما حين يعبِّر وزير الدولة بالعمل د. محمد يوسف ، ولو باسم الحركة الشعبيَّة ، وليس الحكومة ، عن رؤية حركته لضرورة حل اتحاد العمال الحالي ، وإلغاء قانون النقابات الساري ، باتجاه إصدار بديل يتواءم مع الدستور الانتقالي ، فإن أساطين الحزب الحاكم يسارعون لاتهامه بـ (الانفلات) ، ولاستهدافه بقاموس من الشتائم الشخصيَّة المقذعة ، ليس أقلها (الزعم) المجَّانيُّ بأنه (غير مؤهَّل!) ، وأن (غفلة الزمان!) هي التي جاءت به إلى كرسي الوزارة ، فلكأنهم ، بالمقابل ، قد جاءت بهم إلى ذات هذه الكراسي عبقريَّاتهم الاستثنائيَّة ، دَعْ مؤهِّلات محمد يوسف المشهودة! وإلى ذلك يقيمون الدنيا ولا يقعدونها ، مطالبين بإقالته ، بل ويستخدمون نفوذهم لاستصدار (بيان = مكيدة) ، من وراء ظهره ، تتبرَّأ فيه وزارته ، دون ذرَّة حياء ، وبالمخالفة لكلِّ الأعراف ، ليس مِمَّا أدلي به ، فحسب ، بل ومِمَّا (سوف) يدلي به ، مستقبلاً ، من تصريحات!
تناقضات الانقاذيين ، وارتباكات أحكامهم ومقايساتهم ، واضطرابات كيلهم بألف مكيال ، كانت ، في السابق ، مِمَّا قد يحتاج للنبش والتحليل. أما الآن ، وهم يحتفلون بالذكرى الثامنة عشر لانقلابهم ، فقد بلغ تفاقم هذه التناقضات والارتباكات والاضطرابات حدَّاً من المواتاة لا يمكن أن تنتطح فيه عنزان!
خذ عندك ، مثلاً ، وبعيداً عن الأزمة المفتعلة مع وزير الدولة للعمل ، ما أعلنه د. نافع ، لدى مخاطبته احتفال تخريج حفظة القرآن بقرية الشيخ حسن ود حسونة ، قائلاً: "دايرين الاحزاب تبقى حزبين ، والكيمان تبقى كومين ، كوم مع الحق وكوم مع الباطل!" (الرأي العام ، 22/6/07). فبأيِّ وجه يمكن للحركة الاسلاميَّة ، إن لم تكن (تضعضعت) بحسب تأكيدات أمينها العام ، أن تواصل احتجاجها على منهج المحافظين الجدد في أمريكا ، والقائم على تقسيم العالم بأسره إلى محورين فقط: محور الخير ومحور الشر؟!
وحاول أيضاً أن تتأمَّل موقفهم من مبادرة هيئة جمع الصف الوطني لحلِّ أزمة دارفور وتحقيق الوفاق ، في البند المتعلق بمراجعة نسب الشراكة في السلطة ، فقد نشرت الصحف أن نائب رئيس المؤتمر الوطني أبلغ الهيئة ، شفاهة ، بتحفظهم على هذا المقترح ، كونه يتجاوز ، على حدِّ تعبيره ، ".. الخطوط الحمراء في اتفاقيَّات السلام والدستور الانتقالي التي منحتهم نسبة 52%!" (الصحافة ، 22/6/07). ولئن كان اللواء عثمان عبد الله ، وليس الحزب نفسه ، قد نفى ذلك لاحقاً ، وبشكل غير مقنع ، فإن الشواهد التي تؤكد هذا التوجُّه كسياسة معتمدة لدى الانقاذ جدُّ كثيرة! لكنك ، إن عُدت بذاكرتك إلى الوراء أربعة أيام فقط ، فسترى كيف أن المؤتمر الوطني ذاته ، لمَّا وجد نفسه ملزماً بإنفاذ اتفاقه مع جبهة الشرق ، وافق على التنازل لها عن عشرة من مقاعده (الصحافة ، 18/6/07). وليس مهمَّاً ، بالطبع ، ما إن كان فعل ذلك مختاراً أم مضطراً! المهم أنه فعله متجاهلاً ما درج على اعتباره (خطوطاً حمراء) في الدستور! لكنني أنصحك ، عند هذا الحدِّ ، ألا تحاول أن تسأل هؤلاء القوم عن الكيفيَّة التي تتحوَّل بها الخطوط الدستوريَّة (الحمراء) إلى (خضراء) ، بسلاسة مقتضى الحالة (الحزبيَّة) ، لأنك ، مهما ألحفت في السؤال ، فلن تجني غير صداع نصفيٍّ مزمن ، دون أن تحصل على إجابة واحدة مستقيمة ، لسبب في غاية البساطة ، هو أن هذه الاجابة .. غير موجودة أصلاً!

الإثنين:
لم تكد تمضي أيام قلائل على إشارتنا ، في رزنامة 29/5/07 ، للاعلان الوضيع عن (كريم البشرة) الذي ما تزال الشركة إياها تصرُّ على نصبه في بعض المواقع البارزة بالعاصمة تحت عنوان: (برنامج تأهيل الفتاة الجامعيَّة للحياة المهنيَّة: وشِّك منوِّر .. مستقبلك منوِّر!) ، متجاهلة تساؤلنا المشروع عن (نوع المهنة!) الذي تعِدُ هذه الشركة بـ (تأهيل!) هؤلاء الفتيات لها ، حتى بادرت الأمانة العامة لهيئة علماء السودان بإصدار بيان طالبت فيه الجهات المختصة بالتدخل الفوري لحسم الاستغلال المعيب للمرأة في الاعلانات التجاريَّة (الوطن ، 3/6/07).
هذه البادرة من الهيئة تستوجب ، بالقطع ، الحمد والثناء غير المجحودين ، بقدر ما تغري بالاستزادة في باب هذه اللمَّع ، بل وبالنهوض بمشروع متكامل بهذا الاتجاه ، حتى لا تبدو الهيئة كأنما تكبل النساء بذهنيَّة التحريم ، لدى خروجهنَّ لأداء أدوار مجتمعيَّة منشودة ، بينما تغضُّ الطرف عندما يجري استغلال أنوثتهن لمراكمة الأرباح الرأسماليَّة ، وحتى تسهم في أداء واجبين جليلين: الأوَّل لجم انفلاتات السوق التي ليس نادراً ما تهبط بصورة المرأة إلى مثل هذا الحضيض من الاسفاف والابتذال ، والآخر الاسهام في تنقية العقل والوجدان المسلمَين الجمعيَّين في السودان من هذه الشرور التي غالباً ما تستهدفهما بذريعة أن الله قد أحلَّ البيع .. وحرَّم الربا!

***





#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كَجْبَارْ: إِرْكُونِي جَنَّةْ لِنَا! - سيناريو وثائقي إلى رو ...
- عَوْدَةُ الجِّدَّةِ وَرْدَةْ!
- الحُرُّ مُمْتَحَنٌ!(صَفْحَةٌ مِن مَخْطُوطَةِ ما بَعْدَ السِّ ...
- طَاقِيَّتي .. التشَاديَّةْ؟!
- كانْ حاجَةْ بُونْ!
- إنتَهَت اللَّعْبَة!
- سَفِيرُ جَهَنَّمْ!
- برُوفيسورَاتُ تُوتِي!
- العَقْرَبَةُ!
- لَكَ أَنْ تَرمِيَ النَّرْد!
- شَمسٌ كَرَأسِ الدَّبُّوس!
- قصَّةُ بَقرَتَيْن!
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ - الأخيرة
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (6) (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ ال ...
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (5) (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ ال ...
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ - 4
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ الاعتِ ...
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ -3
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ ..بَينَ خَريفٍ وخريفْ: مائ ...
- طَرَفٌ مِن حَديثِ تَحَدِّياتِ البِنَاءِ الوَطَنى (الأخيرة) - ...


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - صُدَاعٌ نِصْفِي!