عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1976 - 2007 / 7 / 14 - 12:24
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
سوف نتطرق هنا إلى الموارد المالية الخاصة بالنبي " محمد "ومن أين تأتي وما هي الأحجام والأعداد من بهائم وأموال وممتلكات ومن أين تأتي 0
(00الموارد المالية العامة:
هي قسمان , خاصة به وعامة لجميع المسلمين 0 فأما العامة فأربعة وهي : الزكاة والغنائم الحربية , والجزية والفيء ؛ والفرق بين الغنيمة والفيء هو : أن الغنيمة ما أخذ من العدو قهراً بعد حرب وقتال , والفيء هو ما لم يوجف المسلمين عليه خيلاً ولا ركاباً , أي ما أخذ من العدو صلحاً بلا حرب ولا قتال , وقد يطلق الفيء أحياناً ويراد به الغنيمة , وللفيء حكم خاص سنذكره 0
الموارد المالية الخاصة بالنبي :
وأما موارده المالية الخاصة به فأربعة أيضاً كموارد المال العامة 0 قال الحلبي في سيرته نقلاً عن السهيلي قال : كانت أموال النبي من ثلاثة أوجه , من الصفى والهدية وخمس الخمس , هذا كلامه , قال : ولا يخفى أنه يزاد على ذلك الفيء (2) 0 والحق مع الحلبي في قوله هذا , لأن النبي كان له حق في الفيء كما هو صريح في آية الفيء , وقد تقدم بيان ذلك 0 /504/
وقد ذكرنا لك فيما سبق أن الصفى هو ما كان يصطفيه لنفسه من الغنيمة قبل القسمة 0 إذن , فموارد المال الخاصة بمحمد أربعة كموارد المال العامة , وهي الصفى والهدية وخمس والخمس من الغنيمة وحصة من الفيء 0 فالفيء أصبح مذكوراً في الموضعين في موارد المال العامة وفي موارده الخاصة , لأنه كما قلنا سابقاً , باعتبار كونه يستحقه من ذكر في آية الفيء من المسلمين يكون من الموارد العامة , وباعتبار أن محمداً له فيه حق أيضاً يكون من الموارد الخاصة , إلا أن الفرق بين حصته من الفيء وحصته من الغنيمة هو أن حصته من الغنيمة معينة وهي خمس الخمس , بخلاف حصته من الفيء فإنها غير معينة, وكذلك حصة غيره من المسلمين غير معينة أيضاً , وإنما الأمر فيه له كما قلنا , يضعه حيث شاء ويعطي منه من شاء ما شاء 0
أما الصفى فقد قلنا : إنه كان لأمير الجيش في الجاهلية ربع الغنيمة , ومن ثم قيل له المرباع 0 أما محمد فلم يجرِ على هذه العادة الجاهلية , ولم يأخذ ربع الغنيمة, بل جعل له خمس الخمس من شيء يختاره لنفسه من الغنيمة قبل أن تقسم , فكان يصطفي لنفسه سيفاً أو عبداً أو جارية أو نحو ذلك , كما اصطفى لنفسه يوم بدر جملاً مهرياً كان لأبي جهل , وكما اصطفى لنفسه يوم خيبر صفية وهي بنت حيي بن أخطب من سبط هارون 0
ولا يخفى أن الأموال التي كانت تحصل لمحمد من هذه الموارد الأربعة ليست بالشيء القليل بل كانت تدر عليه أموالاً كثيرة بحيث يصح أن نقول إنه كان من أغنياء زمانه 0 إلا أنه كان لا يكترث للمال ولا يهتم به , وكان الذي بيده من المال ليس له , ولم يكن محمد في شيء من حياته طالباً للمال ولا طامعاً فيه , بل لو كانت الدنيا كلها ملكاً له لما تردد لحظة في بذلها كلها دفعة واحدة في سبيل غايته 0 فمن هذا الوجه يصح أن نعده في الفقراء 0 ولا مراء في أن نفسه كانت غنية كل الغنى وهو الذي يقول إنما الغنى /505/ غنى النفس لا بكثرة المال والعرض 0
ونذكر لك ما كان له في حياته من المال مما ذكروه في كتبهم لتعلم منه أنه لم يكن فقيراً 0 أما قبل الهجرة وقبل النبوة فمعلوم أنه كان في صغره يتيماً لأن أباه مات وأمه حامل به , ولم يترك له أبوه عبد الله سوى خمسة أجمال وقطعة من غنم وجارية حبشية اسمها بركة وتكنى بأم أيمن 0 هذا كل ما ورثه من أبيه 0 وقيل : ورث من أبيه عبداً آخر اسمه شقران وكان حبشياً أيضاً فأعتقه بعد بدر , وقيل : لم يرثه من أبيه بل اشتراه من عبد الرحمن بن عوف , وقيل : بل وهبه عبد الرحمن بن عوف له (1) 0
وأم أيمن هذه تكنى بابنها أيمن , وهو ابنها من زوجها الأول عبيد بن زيد الحبشي 0 وبعد وفاة زوجها عبيد زوجها النبي مولاه زيد بن حارثة وذلك بعد النبوة فجاءت منه بأسامة , فكان يقال له الحب بن الحب لأن النبي كان يحبهما (2) 0 وكانت أم أيمن حاضنة محمد بعد أمه لأن أمه توفيت وهو صغير فكان يقول لها أنت أمي بعد أمي , وكانت سوداء , ولهذا خرج أبنها أسامة في السواد وكان أبوه أبيض ومن ثم كان المنافقون يطعنون في نسب أسامة ويقولون : هذا ليس هو ابن زيد , وكان رسول الله يتشوش من ذلك حتى أنه لما سمع قول أحد القافة وقد رأى قدمي زيد وأسامة هذه الأقدام بعضها من بعض سر سروراً عظيماً بقوله 0 فقد روى الشيخان عن عائشة قال ك دخل عليّ النبي مسروراً فقال : ألم تري أن مجزرا المدلجي قد دخل عليّ فرأى أسامة وزيداً عليهما قطيفة قد غطيا رؤسهما وقد بدت أقدامهما فقال :إن هذه الأقدام بعضها من بعض (1) 0 وعن عائشة أيضاً قالت : شرب رسول الله يوماً وأم أيمن عنده , فقالت : /506 / يا رسول الله اسقني , فقلت : ألرسول الله تقولين هذا ؟ فقالت : ما خدمته أكثر , فقال النبي : صدقت فسقاها 0 قال الواقدي : كانت أم أيمن عسرة اللسان فكانت إذا دخلت على قوم قالت سلام لا عليكم ,أي بدل سلام الله عليكم , فرخص لها النبي أن تقول سلام عليكم (2)0
إن هذا الذي انتقل إليه من أبيه ليس بشيء 0 فكان وهو بمكة فقيراً , ولذا كان يرعى الغنم لأهل مكة كل شاة بقيراط 0 فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : مابعث الله نبياً إلا رعى الغنم , فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله ؟ قال : وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط 0 وفي رواية للبخاري كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة (3) 0 والقراريط هي أجزاء من الدراهم والدنانير يشتري بها الحوائج الحقيرة , وليست القواريط اسم موضع بمكة كما توهم بعضهم , وفي الحديث : عليكم بالأسود من ثمر الآراك فإنه أطيبه , فإني كنت أجتنيه إذ كنت أرعى الغنم , قلنا : وكنت ترعى الغنم يا رسول الله ؟ قال : نعم , وما من نبي إلا وقد رعاها (4) 0 وقد تقدم أن محمداً كان يتجر قبل النبوة وقبل أن يتجر لخديجة , ثم أنه لما أتصل بخديجة وتزوجها فحسنت حاله , لأن خديجة كانت من أغنياء مكة , حتى أنه أخذ علياً من أبي طالب وجعله عنده يعوله في بيته وينفق عليه لأن أبا طالب كان قليل المال كثير العيال 0
وأما حالته المالية بعد الهجرة فإنها أخذت بالتحسن شيئاً فشيئاً بعدما بقي في المدينة ضيفاً يعيش هو وأصحابه المهاجرون بمنائح الأنصار وفي بيوتهم كما تقدم ذكره 0 ولم يحصل على شيء من المال إلا بعد ما أخذ يشن الغارات ويبعث البعوث ويقود الجيوش ويغتنم الغنائم , ولذا قال: جعل الله رزقي تحت ظل رمحي (5) , إلى أن كان بحيث صحّ أن يعد في المدينة من الأغنياء , إلا أن ماله ليس له كما قلنا لأنه كان في حياته يطمح إلى الشرف الخالد ولا يلتفت إلى العرض الزائل 0 وها نحن نذكر لك ما تتضح به /507 / لك حالته المالية وهو بالمدينة مما هو مذكور في كتبهم ومنه تعلم حقيقة ما نقول (1) 000) يتبع 0
(1) أنظر مثله في السيرة الحلبية , 3/43 0
(2) السيرة الحلبية , 3/300 0
(1) السيرة الحلبية , 3/ 326 0
(2) المصدر نفسه 0
(1) صحيح البخاري , كتاب المناقب , الحديث : 3452 ؛ صحيح مسلم , كتاب الرضاع : 2648 0
(2) السيرة الحلبية , 1/ 86 0
(3) صحيح البخاري , كتاب الإجارة , الحديث : 2102 0
(4) مسند أحمد , الحديث : 13973 0
(5) صحيح البخاري , كتاب الجهاد والسير , باب ما قيل في الرماح , الحديث رقم : 4868 ؛ مسند أحمد , الحديث : 4869 0
(1) أنظر السيرة الحلبية , 3/ 296 – 300 0
* من كتاب الشخصية المحمدية – للكاتب والشاعر العراقي – معروف الرصافي 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟