|
هل مات اديب ابو نوار
محمد الأحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1976 - 2007 / 7 / 14 - 05:16
المحور:
الادب والفن
تبقى الكلمة عاجزة أمام هذه المحنة، وباطلة أمام هذا الذي يحدث والذي لم يعد يهم أحدا، أبدا، إذ مات الصحافي البعقوبي الشاب (أديب أبو نوار1956-2007م)، فالكل صار اليوم مشغولا بالخلاص من هذا الدمار العظيم، الدمار الذي يجري في مدينة بعقوبة كالسيل العرم، ويجرف معه كل المحتويات الحضارية، ولا يترك منها حتى رمادها، وإذ مات فلان أو فلان، فما عاد في الأمر من أهمية قياسا للذي يجري، وخاصة من كان معنى بالكتابة والإبداع، فالرجل قد مات في سرير الإنعاش، وهو يكتب حساسية الألم، وتورم الدماغ، مات بين أحضان أهله، بعد أن أجريت له سبع محاولات إنقاذ لم تفلح، وما من كلمة تبقت من كلماته دون نشر، وبقيت معانيه معلقة ما بين البستان ودفتر كان يرافقه مدونا فيه مراثيه الواقعية، ورحلاته في المدن النائية، وأيضا قصائد لم تكتمل لأنها احتشدت بالشعر، وخانتها الكلمات.. أي الكلمات التي تبقت عالقة في الذهن، وكانت تأمل أن تخرج بحبه، ويتلوها لأصدقائه غاية في إعجابهم، وليس غاية في نشرها.. كتب المقال، وابدي مهارة، وأبدى شجاعة، وقد عَرَّفَتْ الزمان الغراء قرائها بأغلب ما قال، وما أشار، وما أراد كشفه.. مات وكأنه يقول: - بهرزُ الأسى لن يعود، والعمر لم يعد طويلا، فعلام صبحك يأخذني من فراشي مستباحا بوردك، وشايك؛ لعمري الأمنيات الهائلة لم تكد تلوح في الأفق كما كانت تلوح، والزهر المفترش جانبي طرقاتك كلها، لم يعد إلا متاريس بنادق، رب قفر من الدموع يجري إلى الهاوية.. لكنه لم يقل لي لأنني تركته يذهب إلى مشفاه وحيدا، وبقيت مذنبا تتناوبني الهواجس العاصفة، وحقا كنت أراه للمرة الأخيرة. كان الرجل يتخطى المدينة كل يوم دون خوف برغم الخوف، ويتخطى بآماله الكبار، لأجل يشاركني الشاي وحب الموسيقى، وحب الكلمة، ويشاركني بعض الكتب، التي تطبع أصابعنا المتعرقة بصماتنا على صفحاتها، كنت اقرأ وأنسى، او كان يقرا وينسى او كنت اقرأ ولا انسى، او هو يقرأ ولا ينسى، يذكرني بزهر الرمان البهيج، ومجّ السيجارة على مساحة بحيرة البجع، كان يشاركني حب (فيروز)، ولعنة انقطاع التيار الكهربي، كان يشاركني المدى، وخوف الورقة الفارغة.. كأني كنت أقول له: كيف لي أن أرضى بكل هذا البعد، وحيث لا بعد عنك، يا عمراً كيف انضوت عني ثيابك، يوم كبرنا، وتركتنا نحلم بانجاز كلمات تمنينا قولها، ولم نقلها، هل مضيت بي وحيدا دون أن ادري.. إلى أين؟ أحبتي رحلوا تباعا فرادى وجماعات، يا نوارُ أريكتي وصباح قهوة طريفة بالمشي من المحطة إلى شربتُ الزبيب، الأصدقاء من حولي ينفضون وأنت أولهم، كأني ككل يوم اشتري جريدتي وأمرُّ على الأصدقاء، وأولهم الشعراء، بلحظة كهذه تكدس حزنها وبقيتُ محتقنا بالبكاء، والبكاء لا يأتي، أرى دمعتي في وجه (ابو نوار)، أراها ما بين المكتبة والإشراق، أو بين طوله الفارع ورغبته بان يقطف لي برتقال معلقة ما بين النهر، والنهد النافر في كورنيش (ديالى).. الذي أضحى هو الآخر، فرغا من الماء، كأني كنت أقول للنهر دعني اقرأ وجهك، اقرأ أمانيك، فقد عرفتك كما عرفت نفسي، ويوم رايتك، نظرت في مرآتي.. كان أيضا يحب أن يقرا عن المكان، فكتب بذاكرة سردية كل مكان زاره، منحازا إلى الشعر، ومنحازا الى بقايا الأطلال وبقايا المجد.. لك مني أن أنال رضاك الرضا يا بهرز، يا سلافه اسقيها نعمة النسيان، وإصابتي في الهوى منك نعود رمحا على نار ما بين القلب والقلب مساحة من التوهان وزهر الآس.. كأني أواصل القول: مقامي فيك قمر على هدب يسحُّ بالقداح، ونهر من الأشجان يذيبني بغنائه العذب.. وود حييّا ان يقول: - كيف لي أن أنسى يا بعقوب النسوة الآتيات من فضاء البساتين، محملات بالأقفاص المليئة بالحاصل، و كيف لي ان احترق بالأشواق إليك، رب قصر أو بستان غافل، عن الهوى، فملوك الزمان صاروا بالمسدس، وليس بالمحبة: حين جاءوا كالنعاج، و رحلوا من زمان ليس له بدُّ. فأردت ان أقول، ولم اقل: بعقوبُ الزمان عابث بك اليوم، ام بعقوبُ الهوى عاصف بي اليوم، أبعقوب؟؛ سحرك حبري، ودمعك بستاني، فما حيلتي إن تكدس الماء آسناً في الأنهار، ولاستطعت أن أقول بان الأولاد الذين كانوا صغارا غرر بهم الجهاد لأجل يوم الحساب، وقوافل الأيام تنهب الزمان.. بأحقاد الأولين، وتستنزف الأحلام بالدم بدلا عن الياسمين.. وان أقول: صورنا تحركها حرارة الذنوب التي لم نرتكبها.. لكن الرعد: قلبي ببعقوب معلق، أو ببغداد مربوط، وما بينهما جسر من الموت.. فهذا يقتل لحساب مؤجل، وذلك يقطع الطريق الأمين؛ لم أصبح كل من نعرفهم يتركوننا لوحدنا، نقاس الوحدة، والوحدة تجعنا نموت بأكثر من الموت، وعلام افتح الجريدة يوميا ولم أكن قد صادفت الخبر.. بالامس وجدت نفسي افكر في ما آل اليه المرض، وهو لم يترك حبيبته (بهرز) مسقط راسه على الرغم من خرابها، ووجدته يقول بنفسه لي بان خبر موت (أديب أبو نوار) تناقلته الفضائيات اثر مرض عضال: بصوته الأجش الذي تحشرج بدخان السجائر المتواترة بالقلق الكثيف، بينما كنت أقول لنفسي غير مصدق: هل مات الشاعر الرجل الشفيف؟ كم كنت قريبا منه.. وأنا آخر من يعلم ولا املك قولا في حق ذلك الخبر. الثلاثاء، 10 تموز، 2007
#محمد_الأحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرماد الى المجد الزائف
-
جثةٌ قد تأجل موتها
-
جثة قد تأجل موتها
-
الوعي الشعري ومسار حركة المجتمعات
-
الطائفيةُ البغيضةُ سلاحٌ في المعركة البغيضة
-
هدية حسين في زجاج الوقت
-
حسن حميد في البحث عنها
-
منهجية ماكس فيبر القويمة
-
حيويةُ (برتراند رسل) المتواصلة
-
جمالية (هيغل) الخالدة
-
هكذا تكلم نصر حامد ابو زيد بلسان ابن عربي
-
سبت ياثلاثاء
-
مسارات الابداع
-
ذهنيةُ (مارتن هيدغر) المتوقدة أبداً
-
نصفُ إغماضه من اجل احتمال ضجيج العالم
-
لزوميات خمسميل
-
قراءة في رواية (عباس عبد جاسم) الموسومة ب - مربع المواجهة
-
مطر (كاظم حسوني) وظمأهُ القديم
-
حلمٌ عراقي قد يتحقق
-
مساحةُ الثقافة والنشر في الصحف العراقية
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|