أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إدريس ولد القابلة - يوميات سجين- لولا الحلم لانتهيت 2















المزيد.....

يوميات سجين- لولا الحلم لانتهيت 2


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 602 - 2003 / 9 / 25 - 03:01
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


 

19 يونيو :
 رفيقي الإسباني في السرير العلوي لاحظ اليوم أنني مهموم أكثر من السابق فقال لي هناك حكمة إنسانية هي التي تقول ما معناه أن أحلك اللحظات هي التي تكون قبل بزوغ الشمس بقليل..لا تحزن سيطلع النور عما قريب لا محالة لأنه ساد الظلام بما فيه الكفاية وزيادة.

 

 20 يونيو:
 ما يجعلني أتحمل قسوة ظروف ما وراء القضبان أنني كنت دائما أحاول احتلال موقع الإنسان محب الخير للغير وعدم السماح لنفسي بالإساءة للقريب أو البعيد على السواء، رغم أن جل الذين عرفتهم أساؤوا إلى أكثر مما أحسنوا.

 21 يونيو:
 خلف الأسوار وراء القضبان أيقنت أن الإنسان عليه أن يبني لا أن يهدم، مهما كانت الأحوال والظروف، لأن الموت ليس نهاية، إنه ولادة جديدة تمكن المرء أن يمر من العالم الرديء إلى عالم منير إلى الأبد، لا وجد فيه للظلام.

 22 يونيو:
 إذا هبت العاصفة يمكن التوقف عن السير، أو تغيير المسار، لكن سوف لن يجدي غض الطرف أو إغماض العينين فالرياح لن تتوقف عن الهبوب لأن الإنسان اختار أن يكون أعمى.


 23 يونيو:
في بهو الزيارة ضجيج، وروائح مختلفة غريبة لأنها دخيلة، جاءت من خارج الأسوار العالية... نظرات حزن وحسرة وأسى على كل الوجوه بدون استثناء..عيون تنبعث منها نظرات تصطدم بنظراتي كصدمة الصخر بالصخر...تبلج شرارة حادة آتية من الأعماق..تتلوها شرارات وشرارات..في لحمة بصر أرى صورتي تسبح وتطفو على سطح بحر من شرارات ثم تختفي..اشعر بفراغ لم أحس به من قبل وينتهي الحلم...


إنه مجرد سراب، لكن الوجوه حقيقة وأعرفها حق المعرفة..ابحث في قاع ذاكرتي..أين ومتى عرفتها؟ لكن دون جدوى ..

 دوي الصفارة يعلن عن نهاية فترة الزيارة..أطأطئ رأسي وأعود إلى الزنزانة، لإقبار آلامي في انتظار موعد الزيارة القادمة إذا تيسر ذلك.

24 يونيو:
 أعود إلى فناء الفسحة أجد زميلي في السرير العلوي لا يزال قابعا في فراشه المهترئ دون حركة...نظراته الغريبة والحادة أيقظت حيطتي...تملكني ما تيسر من الخوف برهة من الزمن...والإحساس بالخوف فقدته منذ أجبرت جبرا، ورغما عني على مغادرة العالم الخارجي حيث لم يعد لدي ما أخشى على ضياعه حاولت تفادي نظراته الغريبة والحادة لكنني لم أتوقف فشعرت بخجل الطفل المحرج...

أهم بالكلام فبادر قائلا: رفض طلبي للعفو.

25 يونيو:
هذه الليلة حلمت..أنني على يقين من ذلك، لكن لا أتذكر إلا " طشاش" بعض الصور القليلة..جماعات من البشر، مجموعة من الوجود..أناس متماسكون الأيدي والدموع بادية على خدودهم..لا أدري السبب...ولا المكان...ولا الزمان..صور سهلة معقدة تتوالد لتتوغل بعيدا في أعماق الماضي.
لقد استعصت علي عملية إعادة تركيب الحلم.


     هل انحصار الأفق داخل السجن يساعد على التعمق في جوهر الأشياء وماهيتها.
داخل السجن لا يمكن التمييز بين العدل والظلم والخطأ والصواب والخير والشر.

26 يونيو:
في هذا الزمن الرديء عوض معاقبة المجرمين نضحي بالمشتبه فيهم رغم أن الأفعال واضحة والمسؤولين عنها معروفين لأن الثروة والجاه والمحسوبية أقوى من القانون والعدل في هذا الزمن المقيت.

27 يونيو:
 رغم الآلام ورغم المعاناة ورغم شراسة الآخرين لم أنس شيئا..رداءة العالم ورداءة الزمن فقداني التوق إلى طعم الحرية ومذاقها. إن آليات وميكانيزمات هذا الزمان الرديء سائرة في دورانها، ومع كل لغة تسحق البشر جماعات جماعات وتشوه الصفة الإنسانية في عالم لا يتعرف عمن لا يحترم حقوق الإنسان حسب الأقوال والخطابات..أليس الأمر من الغرابة بمكان؟ فلولا قدرتي على التعالي على الواقع المر المرير لما استطعت الصمود.

28 يونيو:
 الوحدة قاتلة رغم تراكم أكوام البشر خلف الأسوار العالية وراء القضبان..وجها لوجه مع ذكرياتي، رأسا لراس مع ذاتي..الوحدة واليأس..إنه سفر مظلم برفقة آلام الأيام الفارطة.

من فاتح يوليوز إلى أخره : حاصرته اليأس إلى حد عدم القدرة على مسك القلم. فاتح غشت: يقال إنه في عهد الإغريق كان " إله" يزور المساجين ويعطيهم هدايا وطرودا، لكن هل كان فعلا " سجن" عند اليونان آنذاك؟ كان الأمر أبسط وربما أهون مما هو عليه الآن...كانوا يضعون المحكوم عليه في حفرة وينسونه.

2 غشت:
كاتبت اليوم ابنتي وكلفتهما بأن تنظرا إلى الأشجار والزهور والورود مكاني وعوضي وأن تسلما على الشمس في كل غروب عوضي، وأن تمسيا الطيور، وتبليغ تحياتي لكل فجر جديد كما كنت أفعل وأن تمدا يديهما لكل من يحتاج لمساعدة في انتظار خلاصي.

 

3 غشت:
هناك أيام أشعر فيها كأنني ميت، وأيام أخرى أشعر فيها أن الحسرة تكاد تختفي، ولا أقوى على الاستمرار في العيش إلا عبر الحلم بالجهة الخضراء، بفردوس البراءة، بالصوت الجوهري، بجو المناجاة وسرمدية الدعاء. كلما تأزمت حالتي ألم جراحي وأستسلم لأسواط هذا الزمن الرديء في انتظار بزوغ فجر جديد.

4 غشت: هذا الأمس أشعر بوحدة قاسية رغم الجماعة التي " اقطن" معها بالزنزانة رقم 5، غيرت السرير من العلوي إلى السفلي، صاحبه الذي أفرج عنه ترك بعض الأشياء البسيطة، صور مجلات، كتاب، وردة بلاستيكية دون أن يعرف من سيخلفه في السرير، أشياء يعتقد المرء أنها تافهة، إلا أنه خلف الأسوار العالية وراء القضبان الحديدية السميكة، تكاد أن تساوي أي شيء وكل شيء. رتبت ملابسي وكتبي وتبتت على الحائط لوحة بيكاسو الشهيرة كيرنيكا" كنت عثرت عليها بجريدة هولندية قذف بها بالقمامة وفعلت ذلك لإنقاذ بيكاسو من القمامة، لأنه لا يستحق ذلك، بل يكفيه ما عاناه في حياته، فلماذا إهانته بعد موته؟

في السرير السفلي كنت محروما من قسط السماء الذي كان يؤنسني في الليالي، وحاولت تعويض هذا الحرمان بالإنصات إلى بعض الشذرات من موسيقى "موزار " الدافئة.

5 غشت:
من قبل كنت ألتهم الكتب والجرائد والمجلات التهاما، أما الآن فأقرأ دون أن أعي ما أطالعه طالت مدة القراءة أم قصرت، وعندما يتعبني النظر إلى الحروف والكلمات والسطور والصفحات أتكوم على نفسي في ركن السرير السفلي في لحظات وأيام اليأس والحسرة، في انتظار فجر ينير أفقي المظلم.

 

 



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات سجين - لولا الحلم لانتهيت 1
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 12 الأخيرة - ملف قضية السرف ...
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 11 - الإضرابات عن الطعام
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 9- 10 - التعرف على الشيخ عب ...
- علامات استفهام
- قضايا استثنائية أمام محكمة استثنائية !
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 8 - الحصة الأولى من التعذيب
- العالم المتحضر يحترم حقوق الإنسان من ولادته إلى وفاته
- مذكرات الاعتقال السياسي -الحلقة 6/7 - عبد اللطيف زروال يلفظ ...
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 4/ 5 - لحظات في أركان درب م ...
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 3 - الليلة الأولى بمخفر الش ...
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة الثانية - من الخميسات إلى ا ...
- نقش على جدران الزنازين مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة الأو ...
- - مجرد إطلالة على فكر الدكتور -المهدي المنجرة
- وقفات على أرض الواقع المغربي
- الفقر وما أدراك ما الفقر ببلادي !
- رأي في الحركات الإسلامية بالمغرب
- المواطنة و الديموقراطية
- المحاكمة العادلة المعايير المتعارف عليها دوليا
- الـصحـافـة وتـطـورهـا - لـمـحـة خـاطـفـة


المزيد.....




- الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
- عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي ...
- غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب ...
- أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
- جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
- مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري ...
- جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة ...
- الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إدريس ولد القابلة - يوميات سجين- لولا الحلم لانتهيت 2