أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - النمرة














المزيد.....

النمرة


ايناس البدران

الحوار المتمدن-العدد: 1972 - 2007 / 7 / 10 - 08:23
المحور: الادب والفن
    


في القفار المنسية خلف استار الزمان ، الشوك يفترش الخطى والصمت يغشاه احتراق ، ربضت النمرة بأنتظار المجهول عيناها تتابعان بحذر نسرا سابحا في الفراغ فارشا جناحين رماديتين كنذير شؤم .
المكان يضج بلامعنى كخلية نحل زائفة .. هي كانت خارج اللعبة ، لعبة الاعداد لحفل الاستقبال وتتابع مايجري بنظرة غائمة ظاهرها الحياد وباطنها التوجس .
من نافذتها لمحته يترجل يقفز درجات السلم بحيوية لا تتفق وسنه .. هاهو النسر يحوم ثانية وعلى محياه مشروع ابتسامه تحمل معنى الظفر ممزوجا بالاستخفاف .. اصداء صرخاته تجلجل في الاجواء تثير شهية نسور اخرى صارت تقترب بلزوجة من غزال نافق .. انه الجفاف الذي عاشر الارض سنين وجمع الجوارح حول الجسد المثخن برائحة الدم لترسم بمخالبها الرشيقه خارطة الموت الازلية .
النمرة تلمح كل هذا من طرف خفي ولاتعيره التفاتا رغم ان يد الجوع تعتصر امعاءها وذهنها شارد بين وجبة لا تأتي واشبال تشاغلت عن الجوع باللعب .
في حمأة الاحتفال اطلت احداهن برأسها لتسأل بفضول :
- الن تسلمي على السيد المدير؟ اجابت بأقتضاب محاولة اخفاء ضيقها :
- لا .
ولكن ياللمفاجأة ها هو يدخل مكتبها ويمد لها يدا دافئة ليتناهى صوته من بين الهمهمات كأنه قادم من عوالم بعيدة :
- كيف الحال ؟
الكل يتبادل النظرات همت بالنهوض اجلسها باشارة من يده ، امتلأ المكان بعطر التصنع .. شعرت بالحرج .
ضاقت عليها الارض بما رحبت .. في الايام الخوالي كان كل شيء في مكانه ، والبحيرات الرائقة تضطجع بتراخ كعيون عاشقة في وجه جميل ، كان ذلك قبيل أن تنزوي وتنسحب مياهها رويدا مخلفة اغوارا غرينيه عمت عن رد ظمأ الحيوانات وتساؤلاتها الحيرى .
ها هي عند مفترق الطرق ثانية مخيرة ما بين السقوط في الاخدود القديم أو اجتراح قدرها بمفردها ككل مرة .
همت أن تهمس له يوما – لمن دعته الحبيب- انه افضل شيء حصل لها .. لحسن الحظ انها لم تفعل والا لكان في ذلك مجافاة صارخة للحقيقة ، ذلك انه حرص طوال الوقت وعبر جميع افعاله أن يشكل خيبة امل اضافيه في حياتها .
مازالت ترى الدنيا بعيني طفلة ترنو الى الحلوى من وراء عارضة الزجاج .. والنظر لايغني ولا يسمن من جوع ، انه يخنقه ليعود فيؤججه بأقوى من ذي قبل محفزا كل عصارات الدمع .
في مكان كهذا يتجلى الصراع في اقسى صوره .. الصراع من أجل البقاء .. والبقاء دائما من حصة الاقوى وقيل الاصلح ، والنمور لاتبطش للمتعة ابدا ، انما لتظل على قيد الحياة فهي تدرك بفطرتها النقية ان العبث بالحياة معناه الموت لها قبل غيرها .
في اللعبة الكبرى بكل ما فيها من مد وجزر نبض وحركة واصطراع يحتاج المرء لكافة ادواته ولأقصى درجات الانتباه لأن اية زلة يمكن ان تكلفه غاليا ، وأي اخفاق قد يعني النهاية .
وهي حين فقدت وظيفتها تلك ، تجرعت علقم الحاجة قطرة قطرة ، وحين عرضت عليها هذه تلقفتها كما يتلقف الجائع رغيف الخبز الساخن .
غمزتها احداهن بخبث قائلة :
- استصدر المدير امرا بتعيينك سكرتيرة لمكتبه ، ثم كأنها لم تكن تنتظر منها ردا اكملت بخفة :
- اه .. كم احب هذا التكييف انه يرد الي روحي في مثل هذا الحر اللاهب .
اما هي فلا تكره شيء قدر كرهها للصناديق الكونكريتية المبطنة بالموكيت الملوث والموبوءة بالهواء الاصطناعي ، انها في هكذا اجواء تستشعر اختناقا وغربة .. لكنها مع كل اطلالة صباح ترجو الا تضطر للبحث عن وظيفة جديدة ، فوظيفتها تلك تركتها بسبب .. رجل صبي .. وبعض الصبيان حين يغضبون من الثمار التي تنآى عنهم يعمدون الى رجمها بالحجارة بخبث جهنمي .
هذا ماعلمته اياها الحياة مثلما علمتها الكف عن اسئلة بلهاء كتلك التي تبدأ باداة استفهام مثل لماذا ؟ فكل الاجوبة كاذبة او في اقل تقدير مبهمة .. ومثلما هي الحياة بارعة في تحطيمنا احيانا فأنها تعلمنا في ذات الوقت كيف نعيد تشكيل انفسنا وفق ما نهوى .. ونحن وأن كنا نولد فيها مرة ، الا اننا نعيد ولادة انفسنا بعدها مرات .
هذا ما ثبت لها بالتجربة ، وهي في الاصل كانت فراشة تهشم جناحاها فكان قدرها التحول .. ولقد كانت مسألة اعادة تشكيلها من اصعب الامور ، اذ لم يكن بمقدورها أن تحلق فراشة كما كانت، مثلما كرهت أن تدب على الارض كدودة .. وفي النتيجة شحب وجهها وتنمرت عيناها .
تبقى النمرة التي ولدت من رحم الجراح متوسدة الصبر ، غير عابئة بالخطر ، وخيارها الوحيد البقاء حتى النهاية .
أما النسر فلا يبدو انه سيكف عن لعبته ذلك واضح في عينيه رغم محاولته اخفاءه خلف نظارته الذهبية ، لكن كل محاولاته نحرت على مذبح الخيبة .. هي لم تكن فريسة يوما ولن تكون ، لقد اصبحت نمرة على الارض اما روحها فمحلقة في صدر طائر حر .



#ايناس_البدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الابرة والتشظي
- في الردهة
- عواء ذئب
- - النمرة - قصة قصيرة
- حوار مع القاصة ايناس البدران
- أشارات ضوئية
- - على حافة الرحيل - قصة قصيرة -
- جدائل الشمس - قصة قصيرة
- الجدار - قصة قصيرة
- وجه السماء - قصة قصيرة
- -الاكتواء بثلوج كلمنجارو - قصة قصيرة
- -صورة من زيت وماء - قصة قصيرة
- - حين اكلنا التفاحة - قصيدة نثرية
- مقابلة صحفية مع القاصة ايناس البدران
- قصة - هذيان محموم-
- قصة قصيرة بعنوان - الحلزون -
- قصة قصيرة
- كلمة رئيسة منتدى نازك الملائكة الادبي في الاتحاد العام لادبا ...
- الاليات الداعمة لحركة المرأة المبدعة
- قصص قصيرة جدا


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - النمرة