|
حماس تختزل المشروع الوطني في إمارة غزة
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 1968 - 2007 / 7 / 6 - 04:01
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ أن تم توقيع اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس ، قرأ معظم المتابعين والمحللين أن توقيع ذلك الاتفاق قد جاء في سياق الضرورة المؤقتة التي أجبرت الطرفين على اللقاء ، بعد أن أنهكا معا دون أن يتمكن أيا منهما من حسم الموقف العسكري لصالحة ، وبعد أن تعالت أصوات القوى السياسية الفلسطينية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني وكذلك الشارع الفلسطيني داخل الوطن وخارجه ، الذي حمّل الطرفين المتصارعين مسؤولية ما يجري في القطاع ، على قاعدة أن هذا الصراع العبثي المتعمد يدمر مصالح الشعب الفلسطيني ، ويجعل من قضيته الوطنية محل سؤال . مجرد استراحة ومن ثم فقد جاء تجدد الصراع بين الطرفين في سياقه الطبيعي ، كون اتفاق مكة كان مجرد استراحة فرضها شرط عدم القدرة على الاستمرار في حسم الصراع بين الطرفين عسكريا في حينه ، وبذلك فهو لا يعدو أن يكون " مُسَكِّنْا " ، فيما جرى ترحيل التناقض السياسي والفكري والاجتماعي ، والمصلحي إلى جولة جديدة من الصراع ، بعد أن يتم تهيئة الظروف المناسبة لذلك .
وعلى ذلك الأساس شهدت غزة خلال الفترة التي أعقبت اتفاق مكة عدة جولات من الصراع ، سقط خلالها العشرات من الضحايا من المدنيين بين جريح وقتيل ، وطوال تلك الفترة لم تستطع بعض تلك الأطراف التخلص من أجنداتها الخاصة سواء كانت داخلية أو خارجية ، ومن الطبيعي والحال تلك أن يستمر ذلك البعض في إعداد العدة لبدء جولة جديدة من القتال ، كان يقدر أن بإمكانه خلال تلك الجولة الجديدة حسم الصراع لصالحة إذا ما تم تغير قواعد اللعبة في حل التناقضات الداخلية.
فكان أن شهدت الفترة التي أعقبت تشكيل ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية حملة تعبئة محمومة ، استخدمت فيها بيوت الله والفضائيات الحزبية التي تقدم نفسها للمشاهد بلافتة دينية في استغلال مصلحي يسيء للدين ، و في سباق مقيت ومشبوه عنوانه ممارسة " التعمية الذهنية " لبسطاء الناس من كافة الأعمار من الجنسين ، بإثارة أحط الغرائز التي تشرّع الكراهية والاستئصال ونفي الآخر في الوطن الواحد ، حتى لو كان ابنا أو شقيقا أو من ذوي صلة الرحم ، بالاتكاء على ما يدعيه هذا البعض من الحق الشرعي ، الذي يخوله له الإفتاء بالتحريم والتحليل والتكفير والتخوين .
وعندما اعتقدت حماس أن الظروف قد نضجت لإنفاذ مشروعها ، بعد أن استكملت الاستعدادات اللازمة لذلك وأطلقت فضائيتها الخاصة التي تروج لمشروعها الأصولي ، أقدمت على استباحة غزة ، بأن قررت أن تقيم إمارتها في القطاع انتصارا للخط الأيديولوجي الأكثر أصولية في تنظيم حركة الأخوان المسلمين فرع فلسطين ، بعد أن عجز اتفاق مكة عن أن يحقق لها وفقا للمحاصصة التي تمت بينها وبين حركة فتح ، ما كانت تريد ، مما تعتبره حقها الشرعي ، إن كان بسب من صعوبة إحداث ذلك التغيير الجذري على الواقع السياسي الذي استقر طوال عشرات السنيين والذي له مرتكزاته والمستفيدين منه وشرعيته في الجانب الآخر من معادلة الصراع ، أو لجهة أن فريقا أكثر راديكالية في حماس كان يرى انطلاقا من ذلك الأساس الأيديولوجي أنهم يمثلون إرادة الله حسب تصريحاتهم ، الأمر الذي لا يجيز لهم القبول بأقل مما يعتبرونه الحصة الشرعية كاملة في كل مناحي الشأن الفلسطيني بكل مفرداته ، وذلك يعني إسقاط النص الديني على المعطى السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، على قاعدة أنها ؛ أي حركة الإخوان المسلمين الفرع الفلسطيني تملك أغلبية المجلس التشريعي في السلطة الوطنية في المناطق المحتلة . نموذج للتصدير ولا نعتقد أننا نجافي الواقع عندما نقول أن حماس بخطوتها تلك ، لا تسعى لإقامة نموذج فلسطيني فحسب ، بل إنها تؤسس لنموذج إسلامي أممي ، قياسا على نموذج دولة طالبان لكنه نموذج عصري هذه المرة يرتدي ربطة العنق ، إلا أن ربطة العنق تلك لا يمكن لها أن تغير جوهر ذلك النموذج الذي لا يقبل أو يحتمل المشاركة من قبل أي فريق آخر لأنه نقيض للديمقراطية في العمق ، وهو بذلك نموذج نقي خالص تقيمه حماس وعلى الجميع أن يخضع له ، وأن يكيّف نفسه فكريا وسياسيا واجتماعيا معه .
ولعل ما جرى من تعد على كنيسة وسكن الراهبات في غزة ، وتدمير كل شيء فيها بما فيها رموز العبادة المسيحية ، ثم تدمير وإزالة نصب الجندي المجهول ، و استباحة الأماكن العامة والخاصة والتعدي على الأفراد ومقاهي شبكة المعلومات العالمية وأماكن الترفيه والمكتبات والنساء اللواتي لا يرتدين ما يعتبره هؤلاء اللباس الشرعي ، إلا تجليا ، لهذا الفكر الظلامي وتلك الثقافة ونمط العلاقات المجتمعية الداخلية التي جرى التمهيد لها منذ فترة ليست قصيرة والتي تنفي الآخر ، قبل استباحة غزة بذلك الشكل الدموي ، مما جعل منظمة هيومن رايت تقرر أن ما قامت به حماس في غزة يندرج في إطار جرائم الحرب .
ومع ذلك إذا كان من حق البعض أن يتهم بعض فتح أو الأجهزة الأمنية بالفساد وهو صحيح وأنهم جزء من الفوضى الأمنية التي كانت قائمة في غزة وهو أيضا صحيح ، إلا إنه من الصحيح أيضا ، أن من الأسباب الجوهرية لتلك الفوضى ، هو إصرار حماس على تشكيل قوة عسكرية حزبية تابعة لها تحت مسمى القوة التنفيذية تعلو كل الشرعيات تساهم في خلق تلك الفوضى ، يضاف إلى ذلك إرهاب حماس العنفي والفكري الذي انطلق من أماكن العبادة والإذاعات المسموعة و المرئية والفضائيات الحزبية حول التكفير و التخوين بالجملة ، مما هيأ مساحة واسعة للقوى الأكثر ظلامية وفاشية لتكون لها اليد الطولى في التعبئة والتحريض من خلال مواقعهم في الهرم الدعاوي في تنظيم الإخوان المسلمين فرع فلسطين في الداخل المحتل أو الخارج ، عبر مخاطبة غرائز البسطاء من الناس الذين هم مسلمون بفطرتهم ، بممارسة غسل دماغ فج ودموي يتكئ على الدين لكسب الأنصار والاستعداء الأيديولوجي والسياسي على الآخرين ، ليتحول هذا الضخ الدعاوي إلى سلوك فاشي لا يفرق بين الأخ و أخيه ، بل إنه يستمرئ هذا السلوك الدموي ، لأن هناك من زرع في ذهنه أن ذلك السلوك السادي هو بطاقة العبور إلى الجنة .
وفي حالة من تغييب العقل وحضور الغرائز العمياء تصبح كل الأفعال غير الإنسانية التي يقوم بها هؤلاء الفاشيون ، شرعية بالمعنى الديني ، ولا باس عندئذ أن يصفى الأطفال أو تجز رؤوس الضحايا أو يلقى بهم من علٍ ، لا لشئ إلا لأن خيالهم اليقيني صوّر لهم أن ذلك يخدم مصالحهم التي تنطلق من النص الديني كما يحلو لهم أن يدعوا ، وعلى الآخرين أن يسلموا بهذا اليقين ليمارسوا من خلال ذلك الوعي الدموي دور القاضي والجلاد في آن. ذهنية التطهير ولا بأس في سبيل تحقيق ذلك من استنساخ ما جرى ويجري في العراق من مشاهد دموية ، تندرج في إطار ذهنية التطهير النابعة من تلك العقلية التي تختزل كل شيء في الأنا التي تضخمت بشكل متوحش ، حتى باتت لا ترى الواقع الموضوعي ، إلا من خلال رغباتها ، ولذلك لا يمكن قبول أي تبرير لتلك الفاشية الدموية سياسيا أو أخلاقيا أو فكريا ، وهذا السلوك الفاشي لا يمكن حصره في مَنْ مارس القتل بدم بارد ومتوحش فقط ، بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك ، ليشمل حكما كل من حرّض أو برر ذلك الفعل الإجرامي ، لأن تبرير أفعال المجرم أو التهيئة الدعاوية لها أو العلم بها إنما تندرج في نطاق الإجرام ذاته .
وفي المقابل لا يجوز أخلاقيا وسياسيا أو قانونيا أن يُمارس رد الفعل من أي جهة كانت على مؤسسات ومراكز أو أعضاء حماس في الضفة ، لأن ذلك يعني مصادرة دور القانون والقضاء ويستنسخ ذلك السلوك الهمجي الغريب عن ثقافة وعادات الشعب الفلسطيني ، وهو من ثم يفتح المجال فيما بعد للتسويات بين الطرفين على حساب حقوق الضحايا ، في حين أنه يجب أن يقدم كل من مارس القتل أو التعدي على الآخرين إلى القضاء الفلسطيني أو الدولي في حالة عجز القيام بذلك في فلسطين ، من خلال الادعاء على كل أولئك الذين شاركوا في تلك الجرائم سواء بالتحريض أو تسهيل قيام المجرمين بأفعالهم أو أولئك الذين مارسوا دمويتهم على الضحايا على مرأى ومسمع من الناس .
وحكما فإن ذلك يضع قيادة حماس كلها في موضع الاتهام بارتكاب جرائم الحرب ، خاصة وأن استباحة غزة قد تم بترتيب مسبق ؛ أي مع سبق الإصرار والترصد بنية ارتكاب تلك المجازر ، دل على ذلك حديث رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وأيضا إسماعيل هنية رئيس وزراء حماس المقال ، الذين اختفوا عن شاشات الفضائيات خلال تلك الأيام السوداء ليخرجوا بعد ذلك للقول أنهم اضطروا إلى ذلك بدعوى إزالة عقبة الأجهزة الأمنية التي تقف حائلا أمام اتفاق المحاصصة مع حركة فتح حسب اتفاق مكة ، فأي ضرورة تلك التي تبيح محظورا إذا كان ذلك المحظور هو الدم الفلسطيني ومشروعه الوطني برمته ؟ إنه دون شك العذر الأقبح من ذنب .
ويبلغ سوء القصد والنية وعقلية الإلغاء ليس لفتح وحسب ، بل لكل القوى السياسية حد الابتذال ،عندما يتمنى هنية الذي يفترض أنه السلطة التنفيذية الأعلى في القطاع على كتائب القسام العفو عن منتسبي الأجهزة الأمنية وكوادر وقادة فتح في القطاع ، إنها نكتة سوداء سمجة ، أن ينصب هنية متحزبي حماس قضاة يملكون العفو ، كما يملكون توقيع القصاص وممارسة ساديتهم على أبناء جلدتهم لا لشيء إلا كونهم من فصيل آخر ، أي إهانة للعقل والضمير والأعراف والقانون تطل بها علينا حركة الإخوان المسلمين فرع فلسطين بذلك ، وهي تمارس ذلك التضليل وتشويه ولوي عنق الحقائق ، لأن كلام رئيس الوزراء المقال يعني ، تشريع الاستباحة وإعطاء القتلة حق الحكم على الآخرين، فيما كان يجب أن يكون أولئك بتصرف القضاء ليقول كلمته في كل ما ارتكبوه من جرائم .
ويصل تدني القيم السياسية والأخلاقية حد الابتذال عندما تسلب وتنهب مقرات السلطة ومنازل قادة وكوادر الأجهزة الأمنية وفتح تحت لافتة الغنائم الشرعية التي يفتي بشرعيتها دراويش حماس ، ثم ترفع رايات حماس الخضراء ، بديلا عن علم فلسطين ، وهي إشارة ذات دلالة إديولوجية وسياسية ، تدشن عصر إمارة حماس ، على غرار إمارات العراق الإسلامية أو إمارة ( طالبان ـ القاعدة ) في أفغانستان التي لا مكان فيها إلا للون السياسي الواحد ، ولذلك كان الاحتفاء بما اعتبرته حماس النصر ، بتسيير مسيرات التأييد وتوزيع الحلوى وتبادل التهاني ، فيما لا يتورع قادة حماس عن القول بأن حركة حماس قد أنجزت التحرير الثاني للقطاع ، ويبدو أن حماس قد اختلقت تلك الكذبة وصدقتها ، وتريد من الآخرين أن يصدقوها ، التحرير؛ هل من خداع وتضليل وكذب صريح أكثر من ذلك ؟ التحرير ؛ ومن مَنْ حررت حماس القطاع ؟! مقلوب حزب الله وعلى وقع هذه الدعاية الأيديولوجية يجري استباحة غزة والذي يعني بلغة السياسة وضع اليد على القطاع بقوة السلاح بعيدا عن أي مشروعية وطنية أو سياسية أو قانونية ، بما يحمله ذلك من سيادة لنمط من العلاقات الداخلية بين القوى من شأنه أن يجعل من كل القوى السياسية توابع ملحقة بحركة الإخوان المسلمين فرع فلسطين جناح غزة ، وذلك بالطبع يعني أن يكون فكر حماس هو السقف الذي يجب أن تتحرك في إطاره تلك القوى ، بما يعنيه ذلك من مصادرة أو بالحد الأدنى وضع ضوابط وقوانيـن " شرعية " لحرية التعبير والرأي والمعتقد ، تحمل في الجوهر معني إلغاء الرأي الآخر ، و إلا سيطال أي قوة تحاول تجاوز تلك الأوامر والنواهي ، ما طال فتح وإدارات السلطة في القطاع ، ولن تجد حماس صعوبة في خلق الذرائع الشرعية لتبرير ذلك وسط هذا الكم من مشعوذي الفضائيات .
ليصبح على ضوء ذلك مجموع القوى السياسة في القطاع كما مجموع السكان ، أسرى ذهنية مشوهة أحادية الجانب ، لا تتورع عن ممارسة القتل كما تمارس التضليل والإكراه ، ثم يتحدث عدد من كبار قادة حركة الإخوان المسلمين في القطاع عن النصر والتحرير الثاني ، ليكون السؤال المشروع أين التحرير الأول حتى يتم الحديث عن التحرير الثاني ؟ ، فالعدو الصهيوني لم يفعل أكثر من إعادة انتشار قواته عندما أخلى القطاع من قطعان مستوطنيه ، وكان ذلك بجهد كل القوى المقاتلة من جميع الأذرع العسكرية للفصائل وصمود ونضال كل الجماهير الفلسطينية ، إلا أن العدو أحكم الطوق على القطاع وحوله إلى سجن كبير يتحكم في كل مصائره ، برا وجوا وبحرا ، ومن ثم فإنه حديث يفتقد إلى النزاهة الفكرية والأخلاقية الاستمرار في ممارسة هذا التضليل والخداع بهذا الشكل من الفجاجة .
تلك الفجاجة وسوء التقدير الذي دفع حماس إلى استباحة غزة وممارسة كل ذلك الكم من الجرائم ، من أجل فرض أمر واقع بالقوة المسلحة ، على اعتبار أن الوقائع الجديدة في غزة ستتيح لحماس وضع القطاع رهينة بيدها من اجل فرض شروطها وفهمها للشراكة على حركة فتح والحركة الوطنية الفلسطينية ، بدفعهم إلى الإذعان لما تعتقده حقها الرباني حسب ما يقوله معظم قياداتها من خلال الاستحواذ على أكبر كم من الوظائف لمحازبيها في مختلف مواقع ومستويات الوظيفة لعامة ، ومواقع المسؤولية الأولى في السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية ، وكون الوحدة الوطنية تمثل خطا أحمر كما تقول بذلك كل القوى السياسية الفلسطينية ، فإن الجميع عندها سيعمل على إرضاء حماس بمنحها كل ما تريد .
وهي من بعد فرض الأمر الواقع فإنها تهدف إلى وضع نموذجها الخاص الذي يقوم عليه ميثاقها ، بإقامة إمارة حماس في غزة كمحطة أولى ، بتدشين مشروعها الأصولي ، أي" المثال " لكل قوى الإسلام السياسي في العالم ، ليشكل هذا " المثال " قاعدة متقدمة يجب على كل المسلمين دعمها في مواجهة الآخر " أي الفلسطيني " الذي لا يتوافق مع فكر وسياسة حماس أيا كان ، وضد أي حصار سياسي يستهدفها ، متمثلة نموذج حزب الله في لبنان ، مستغلة في ذلك ما يسمى بالدعاة الذين يملأون الفضائيات للتبشير والدعوة والدعاية لإمارتها في غزة ، دون أن تعي أنها قد مثلت بما قامت به في غزة " مقلوب حزب الله " ، مختزلة بذلك المشروع الوطني الذي يؤكد على الوحدة الترابية للمناطق الفلسطينية في الضفة والقطاع والقدس على الأقل ، والذي يشكل إجماعا وطنيا عاما في الداخل والخارج ، في إمارة حماس الغِزّية ، وفي الوقت نفسه تقديم خدمة مجانية للعدو الصهيوني ، بما يحمله ذلك من إضرار بقضية الشعب الفلسطيني ونضاله الذي طالما عمل على فصل الضفة عن القطاع . المأزق ذلك بالطبع ما جرى في القطاع خلال تلك الأيام السوداء الدامية والتي وضعت القضية والشعب الفلسطيني على مفترق طرق ، وهو الفعل الذي نتج عنه " الفك " الدموي للشراكة السياسية بين فتح وحماس في حكومة الوحدة الوطنية ، ولذلك كان الرد على تصفية وجود السلطة في غزة ، إقدام قيادة منظمة التحرير و رئيس السلطة الوطنية واللجنة المركزية لحركة فتح على إعلان حالة الطوارئ ، وإقالة حكومة الشراكة التي ترأسها حماس وتشكيل حكومة طوارئ ، سلطتها الموضوعية تقف عند حدود الضفة تحظى باعتراف عربي ودولي ، في وقت لا زالت فيه حماس تصر على أنها الشرعية !!، وهي الشرعية التي لا تتجاوز اعتراف حماس بنفسها ، ليشكل إقدام عباس على إعلان الطوارئ وتشكيله حكومة جديدة من كفاءات غير حزبية إلى سحب حركة فتح من خلال هذه الخطوة الغطاء الشرعي عن حركة حماس .
وبذلك يكون كل طرف قد ذهب حتى نهاية الشوط ، ليصبح معه الحديث عن مجرد اللقاء في الوقت الراهن بعيدا عن الواقعية ، ومن الطبيعي والحال تلك أن يحاول كل طرف خلال الفترة القادمة الاستفادة من الوقت ، وحشد أوراق القوة في يده ، والتي على ضوئها سيتم رسم ملامح المشهد السياسي الفلسطيني الذي يشهد بعد استباحة غزة من قبل حماس مأزقا لم يسبق له أن عاشه ، بعد أن جرى قسمة ما تبقى من الوطن بين فتح وحماس .
وحتى يقرر الطرفان اللقاء ، حتى لا يجري تبديد كل المكتسبات التي حققها الشعب الفلسطيني ، تبقى الهوة واسعة بين الطرفين ، وإمكانية اللقاء مستبعدة في المدى المنظور بعد أن قررت حماس هدم المعبد على رؤوس من فيه ، بعد أن أدخلت عن وعي ، الساحة الفلسطينية في هذا المأزق ، الذي يبدو أن أطراف عديدة إقليمية ودولية وحتى فلسطينية ستعمل على إطالته من أجل توظيف ما جرى في خدمة أجنداتها ومصالحها .
وأمام هذا الواقع الجديد بدت حماس سعيدة ومنتشية بما قامت به ، على الأقل أثناء وبُعيد لحظة حسم الموقف لصالحها ، بعد أن حققت ما تعتبره الانتصار على مؤسسة السلطة وحركة فتح التي كانت تشكل المظهر العام من تلك السلطة ، لترث حماس بذلك القطاع وتبدأ بإقامة مشروعها الأيديولوجي ، فيما تستقر فتح في الضفة وتعيد إنتاج المشهد السياسي داخليا وخارجيا إلى ما كان عليه الحال قبل فوز حركة الإخوان المسلمين فرع فلسطين في الانتخابات السابقة ، والاستفادة من الخطأ الاستراتيجي الذي أقدمت عليه حماس ، بما يمكن السلطة في رام الله من الإمساك بورقة انقلاب حماس من أجل تسويق الذعر من قوى الإسلام السياسي إقليميا ودوليا وداخليا ، والقول ارتباطا بما جرى في الواقع ، أن قوى الإسلام السياسي تبطن غير ما تعلن ، وهي من ثم تتحين الفرصة المناسبة لتكشف عن مشروعها الدموي الذي لا يؤمن في الجوهر بأي قيمة ديمقراطية .
وعلى ضوء ذلك فإن الأفق السياسي سيبقى مسدودا على الأقل في المدى المنظور بعد أن تسلقت حماس الشجرة ، وبانتظار أن تقرر حماس أن تُنزل نفسها عن الشجرة سيبقى حل المأزق وإعادة الأمور إلى نصابها وتقديم كل من أجرم إلى القضاء معلقا ، فيما يبقى القطاع رهينة في يد حركة الإخوان المسلمين فرع فلسطين لتوظيفه بشكل يفتقد إلى النزاهة لخدمة مصالحها ، دون أن تدرك حجم المأساة التي جرت الشعب الفلسطيني في القطاع ومعه كل الشعب الفلسطيني أينما تواجد إليها ، فيما يستمر العدو الصهيوني على وقع ما جرى في استهداف الأرض والإنسان وهو يمسك بيده مفتاح الضفة و القطاع معا ، ليكون الخاسر الوحيد في كل ذلك هو الشعب الفلسطيني .
وليصفع السؤال الحارق ؛ هل من نهاية لهذا المأزق الذي أنتجه انقلاب حركة الإخوان المسلمين فرع فلسطين على المشروع الوطني كل من ساهم في تلك الجريمة ؟ وليطال بالضرورة رد فعل السلطة على ذلك ، لأن الفعل ورد الفعل سيساهمان معا في تعقيد مضاعف في العلاقات الداخلية الفلسطينية من الصعب إن لم يكن من المستحيل جسره في المدى الزمني القريب على ضوء جرائم غزة ، دون أن يعني ذلك بأي حال مقارنة الفعل الدموي برد الفعل السياسي والقانوني ، الأمر الذي سيفتح الباب واسعا للتدخلات الأجنبية التي لم تكن في أي يوم من الأيام تعمل لصالح الشعب الفلسطيني ؟ وتلك دون ريب هي المسالة ..
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حماس: إنتاج التضليل
-
يسار امريكااللاتينية : نافذة للحلم والأمل
-
سوريا : صلابة القلعة من الداخل هي كلمة السر
-
العرّاب خدام : تغيير المواقع
-
الفوضى والفلتان : فتح تعاقب فتح
-
فتح وحماس : - الذات - بين الخوف والتضخيم
-
فتح وحماس : -الذات - بين الخوف والتضخيم
-
حماس : بين مصداقية الفعل والقول
-
دموع شارون والقطعان : وحملة العلاقات العامة
-
الخروج من الجغرافيا : على طريق الخروج من التاريخ
-
الإرهاب الصهيوني : يوحد المشهد الفلسطيني
-
ما أروعكم ياأطفال وطني
-
خطاب الجماعات الإسلامية : بين الواقع والمتخيل
-
الانكفاء من غزة : والفرح المؤجل ..
-
القوى الديمقراطية : ودور يبحث عمن يقوم به
-
حماس : والكلمة الأعلى
-
قضايا الحل النهائي : والسير معصوبي الأعين
-
حذار: من النفخ في شرارة الفتنة
-
حق العودة : وتصويب المفاهيم
-
فتح ـ حماس : وفخ ثنائية الاستقطاب
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|