أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد السلام أديب - تناقضات العولمة الليبرالية















المزيد.....

تناقضات العولمة الليبرالية


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 600 - 2003 / 9 / 23 - 04:06
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الرباط في 09 أكتوبر 2000


يوحي خطاب دعاة العولمة الليبرالية بأن هذه الأخيرة ستحول العالم الى سوق عالمية واحدة، يجد كل واحد مكانه فيها، شريطة الانصياع اللامشروط لقوانين التنافس، مما سيجلب معه الخير لجميع المشاركين فيه. لكن رغم ما يحمله هذا الخطاب من وعود معسولة نجده ينطوي على عدة تناقضات يمكن ابراز أهمها فيما يلي:
 *   إقبار مبادئ الديموقراطية: ففي سبيل تعظيم ارباحها تتجاهل الشركات متعددة الجنسية والأقليات المالية القوية ، المسيطرة فعليا على دينامية العولمة الليبرالية، ما تحدثه من تفاقم في حجم  البطالة، ومن الغاء لمكتسبات العمال والموظفين والطبقة الوسطى والشعوب، ومن تنكر لمصالح الأغلبية متوسطة ومحدودة الدخل، دون أن يكون لهؤلاء الخاسرين آليات فاعلة تسمح لهم بالدفاع عن مصالحهم.
ويبدو أن سيطرة الأقلية أصبح قاعدة سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي، حيث أن خمس سكان العالم  فقط هم من يستطيعون العمل والانتاج والاستهلاك، أما الأغلبية الباقية التي تشكل80 % من سكان العالم فيعتبرون زائدين عن الحاجة، وأن  مصيرهم هو  التهميش والإهمال التام.
وتعمل الأقلية المهيمنة عالميا على  اخضاع مجمل  العملية السياسية الى آليات السوق مما يؤدي الى سيادة الفساد السياسي والارتشاء بين قادة الدول و الى تراجع الديموقراطية، كما لا يصل الى البرلمانات سوى ممثلي القوى الرأسمالية المهيمنة المحلية والدولية. فتعمل من موقعها ذلك على  اخضاع الطبقات والشرائح الاجتماعية الى سياساتها اللاشعبية.
وفي ظل ضعف تمثيلية القوى الشعبية الكادحة في المؤسسات الديموقراطية وغلبة التوجهات الانتهازية،  تتغلب المصالح الرأسمالية على مصالح  العمال كما يتم ترجيح التراكم الرأسمالي على مبدأ اعادة توزيع الدخل. وفي هذا الاطار تسود ديكتاتورية السوق دون أن تكون هناك مؤسسات ديموقراطية قوية موازنة.
*  إقبار الدور الايجابي للدولة: فالعولمة الليبرالية تتناقض مع الدولة، حيث تعمل الأولى دائبة على تفكيك الثانية دون أن توفر اطارا عالميا بديلا، من شأنه القيام بما كانت تقوم به الدولة في تسيير وضبط الرأسمالية. ولا يخفى على أحد أهمية الدور الذي كانت تقوم به الدولة في هذا المجال، فبالاضافة الى الدور  المحوري الذي لعبته في نشأة وحماية النظام الرأسمالي في مراحله الأولى، فإنها كانت تلعب دورا هاما في علاج الأزمات التي تعترض النظام الرأسمالي عبر مراحله المختلفة. لكن الدولة تتعرض حاليا  من جانب الرأسمالية المعولمة، لعمليات اضعاف شديدة ومتعمدة، مما سيؤدي الى صعوبات شديدة للرأسمالية في المستقبل.
فقد كانت الدولة في البلدان الصناعية الرأسمالية في عالم ما بعد الحرب تعمل على تنشيط الاقتصاد الوطني، وزيادة فرص تشغيل اليد العاملة المحلية من خلال جرعة منشطة من الانفاق العمومي أو بضخ كمية اضافية من رؤوس الأموال في السوق المحلي، وهو ما كان يؤدي الى ارتفاع حجم الطلب الكلي وزيادة العمالة وتشغيل الطاقات العاطلة. أما الآن وفي ظل العولمة التي أصبحت تعني الحرية المطلقة لحركة انتقال السلع ورؤوس الأموال عبر الحدود الوطنية دونما عوائق، فإن ضخ النقود في السوق المحلي يمكن أن يؤدي، ببساطة، الى تسربها الى دول أخرى لاستيراد السلع الرخيصة المنافسة للسلع المحلية أو للاستثمار في الخارج. كما أنه في ظل ما يسمى بعمليات تحرير القطاع المالي وقطاع التجارة الخارجية حدثت فوضى هائلة في السوق المالي، تمثلت في استفحال المضاربات وانهيار البورصات المالية، وتدهور العملات والتقلبات الشديدة في أسعار الصرف، وتفاقم علاقات العجز والفائض بين الدول، واستفحال أزمة المديونية الخارجية ... الخ. فكيف يمكن التوفيق بين استمرار العولمة بما تحمله من امكانات هائلة لنمو حجم الانتاج العالمي، وبين تلك البيئة المضطربة للاقتصاد العالمي، وهي البيئة التي ترفع يوما بعد الآخر من درجات المخاطرة واللايقين في المعاملات الدولية.
*  تشديد الاستغلال على الصعيد العالمي: مع اتساع حرية حركة رؤوس الأموال عبر الحدود دون أية عوائق، عمدت كثير من الشركات المتعددة الجنسية الى نقل مصانعها من بلادها الأصلية -حيث ترتفع أجور العمال وينخفض متوسط معدل الربح- الى البلاد النامية والدول التي كانت اشتراكية حيث تنخفض الأجور وتتوفر المزايا المتعددة التي تزيد من معدل الربح. وكان لذلك لا شك، علاقة واضحة بزيادة بطالة عمال هذه المصانع. كما أن الثورة التكنولوجية الهائلة المرافقة للعولمة أدت الى خلق اتجاه، لا رجعة فيه، للاستغناء المتواصل عن اليد العاملة، والغاء كثير من المهن والوظائف بعد احلال الآلة مكان الانسان، وتطبيق ما سمي بعمليات اعادة هندسة الوظائف في كثير من مواقع التوظيف. فما يميز النمو الهائل الذي حدث في الانتاجية في عصر العولمة جراء الثورة التكنولوجية المعاصرة هو استئثار فئة قليلة جدا من الأفراد به. وينحصر هؤلاء في رجال الادارة العليا وحملة الأسهم وخبراء المعرفة. وهو الأمر الذي أدى الى تعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة الوطنية.
فعلى الرغم من زيادة انتاجية عنصر العمل، الا أن دخل العمل تزايد انخفاضه. فكيف يمكن التوفيق بين اعتبارات التقدم التكنولوجي الذي يعتبر الآن أحد القوى المحركة لتطور البشرية، وبين تهميش ملايين الناس وابعادهم قسرا عن الحياة الاقتصادية؟
*  إهمال البعد الإجتماعي: مع استفحال التناقض بين رأس المال المعولم، الذي تمثله الشركات متعددة الجنسية، وبين مصالح العمال والطبقة الوسطى ومختلف الفئات والشرائح الاجتماعية ذات الدخل المنخفض والمحدود. الى جانب تراجع المبادئ التدخلية ودولة الرفاه، بات من الواضح تماما أن اهمال البعد الاجتماعي أصبح سمة جوهرية من سمات العولمة.
ففي الوقت الذي تتصاعد فيه الأرباح الهائلة لهذه الشركات والفئات المرتبطة بها، تتدهور الأحوال المعيشية للعمال وللطبقة الوسطى بشكل صارخ بعد الغاء الدعم وزيادة الضرائب غير المباشرة، وخفض النفقات العمومية ذات الطابع الاجتماعي (على التعليم والرعاية الصحية ومشروعات الضمان الاجتماعي ...) وخوصصة الكثير من المقاولات والمرافق العمومية. فقد أصبح ينظر حاليا الى مشاركة العمال والموظفين في ثمار التقدم التكنولوجي ونمو الانتاجية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وابان دولة الرفاه ونظم الاشتراكية الديموقراطية وأثناء الحرب الباردة على أنه كان تنازلا من جانب رأس المال لم يعد له الآن ما يبرره بعد الانتصار المطلق للرأسمالية، وأن مراعاة البعد الاجتماعي واحتياجات الفقراء أصبحت أعباء لا تطاق يجب انهائها.
ويبدو واضحا بأن العولمة الليبرالية قد تزامنت مع عمليات اثراء لم تشهد لها الرأسمالية مثيلا من قبل وكذلك عمليات افقار شديدة للعمال وللطبقة الوسطى تذكرنا بالمراحل الأولى لنشأة الرأسمالية. ويبدو أن هذا التناقض الذي يستفحل سنة بعد الأخرى سوف يخلق احتمالات قوية لاحياء كثير من أشكال الصراع الطبقي، واعادة تكوين قوى اليسار والديموقراطية المناهضة لهذا الوجه اللا إنساني للرأسمالية المعولمة.

 



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقطة نظام الانقلاب التكنولوجي
- التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب ( ...
- التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب ( ...
- أزمة المالية العامة في المغرب
- خوصصة المرافق العمومية أداة تنمية أم أداة نهب للمواطنين
- التجارة الخارجية في زمن العولمة الليبرالية
- البعد المالي في إتفاقية الشراكة المبرمة بين المغرب والاتحاد ...
- مــــأزق البطالــــــة
- التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب - ...
- الاستعمار الأمريكي واستراتيجية المقاومة
- خلفيات الحرب الإمبريالية الأمريكية على العراق
- الاستثمارات الأجنبية الخاصة عامل تنمية أم استعمار جديد؟
- الشراكة الأورومتوسطية بين واقع الهيمنة وأحلام التنمية
- المديونية الخارجية والعولمة
- مقاومة العولمة الليبرالية
- فخ المؤسسات المالية الدولية
- أبعاد التنمية المستدامة


المزيد.....




- مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل ...
- متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م ...
- السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
- مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
- فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي ...
- الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار ...
- لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك- ...
- -الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
- بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد السلام أديب - تناقضات العولمة الليبرالية