|
الرواية التاريخية ورواية نخلة الغريب للقاص إبراهيم سبتي
صباح محسن كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 1967 - 2007 / 7 / 5 - 06:35
المحور:
الادب والفن
يتيح الحدث التاريخي بمعناه الواسع الشامل للعصر والبيئة والاحداث السياسية والاجتماعية عندما يصاغ بناء روائيانجاحا عميقا عندما يبرع الروائي في التعبيرعنه والاحساس بالتفاعل مع احداثه، خصوصا في سبر اغوار الحدث التاريخي . فالقدرة على التأليف بين الاشياء لتشكيل الصور وتجسيد المعاني المجردة والعلاقات بين شخوص الرواية باضفاء الطابع الحسي عليها وبث نسغ الحياة فيها من قبل منشىء النص الروائي هو من الثوابت الاساسية في الكتابة .. فعواطف الانسان المتنوعة توظف في رواية (نخلة الغريب) للقاص ابراهيم سبتي، كحب الوطن والاخلاص له،وديمومة العلائق الاجتماعية،
شخوص من قاع المجتمع، الحب، الدفاع عن القيم .هذه جسدت في فصول الرواية الشيقة لمبدع مارس الكتابة لاكثر من عقدين ترك فيها علامات من تجربته في المجالين القصصي والروائي . فقد اصدر مجموعتين قصصيتين قبل روايته، الغياب العالي وزارة الثقافة 2001 وما قالته الضواري اتحاد الكتاب العرب في دمشق 2002 . وله مخطوطات في القصة والرواية تنتظر الطبع . ان الرواية التاريخية المجردة من الخيال، لاتصنع حدثا مؤثرا .والفكرة دون خيال تبدو فاقدة الاحساس، والخيال هو الذي يدفع ببنى الاحداث نحو التماسك والتشويق . لذا جاءت رواية (نخلة الغريب) مجسدة لتلك الرؤى المتنوعة المشحونة بالعواطف والصور والمعاني والرموز والدلالات والاجواء النفسية لشخوص الرواية والتي نوه عنها الكاتب في مقدمة روايته (ان معظم اسماء الاماكن والشخوص لم تأت مصادفة في الرواية، بل انها شاركت فعلا في صياغة الحدث). فالشيخ عبد الله وهداوي وصلال وشهيب وسلمان وناهي والمرأة وغيرهم، هم شخوص الرواية المكتظة بالاحداث المسبوكة ببراعة معمارية بنائية يتفاعل معها القارىء لمعرفة مصير تلك الشخوص . فالمدينة التي تداهمها اخطار محدقة تتمثل في الفيضان والعدو الانكليزي المحتل في بداية القرن الماضي وخطر الذئاب المتربصة بالبلدة، جسدت احداثها التاريخية بحنكة ووحدة عضوية في السرد وترتيب الاحداث والتتابع المنطقي . بدأت الرواية بوصف جميل لمكان الاحداث : (عندما كان النهر يسير قانعا هادئا وديعا .. كانت النخلة الكبيرة تقف قرب ضفته اليمنى، تقابل البيوت المحاذية للنهر .. لا يعرف لها تاريخ، يقولون بانها قديمة جدا، حتى ان اباءهم ادركوها وهم صغار .. النخلة الباسقة تقف في عرض النهر الان . بعد ان زحف اليها الماء وكأن النهر سأم وقفتها بعيدا عنه فضمها اليه بحركة سريعة مباغتة بفيضان هادر قبل ثلاث سنوات اسفر عن ابتلاع الارض الواسعة التي كانت تتوسطها النخلة..) الرواية ص11 لاريب ان صهر الاحداث ينم عن حبكة روائية غاية في التفنن والاتقان والبناء الهندسي المتجانس الذي اخرج عملا فنيا جمع عناصر الابداع في نصه الروائي .. ففي ص 131 نقرأ : (القلق يدور في رأس الشيخ كل تلك الايام التي مضت فيشل تفكيره في القادم من الزمن .. القلق من شيء جديد طرأ على البلدة منذ لجم النهر من قبل واقتحام الحامية المطلة على النهر . تذكر كلام عبد الرحمن ذات مرة : المصائب لا تاتي فرادى . هو قلق منذ ايام . فالذئب الغادر ما زال طليقا) . وهنا مزية فائقة، بأن العدو الحاكم مصدرا للرعب الدائم والخلاص منه كفيل بالاطمئنان . فمن خلال التاويل للنص يستطيع المتلقي فك الشفرة والدلالات التي امررها الكاتب في روايته : (افكار تسبح في مخيلة الرجل الذي اتعبته ونالت من راحته بعد معركة الحامية الانكليزية .. لم يأته احد الى الان بخبر ذلك الغادر.. لم يحدثه احد عنه .. لم يقل له احد ماذا سيكون الامر لاحقا .. الكل يشعر بالنشوة، الشيخ قلق من الوهن والخدر الذي قد يصيب البلدة بعد ليلة حامية .. يريد ان يتخلص من الوحش الذي ما زال طليقا.. ماذا سيقول لهم. ؟ شدوا الاحزمة ثانية لمطاردته واجسادهم لم تنل راحة بعد .. ايقول لهم هيا لنطارده.؟) الرواية ص132 ان نضج التجربة الابداعية للقاص والروائي ابراهيم سبتي اهله لانتاج نصا ارشف به احداثا وطنية عصف بالبلاد اوائل القرن الماضي، مجسدا فيه افكاره ورؤاه وعواطفه باتقان وتميز. فكل شخوص الرواية تآلف معهم متعايشا مع آلامهم وانكساراتهم على مدى توج فيه الحدث وانضجه بمهارة دون ان يفاضل بين شخصية واخرى في بنائها الفني . فكلها كانت تتحرك وفق منظور الحبكة المنسابة بأسلوب ممتع .. وهذا تصوري في سر الابداع في هذه الرواية التي اضافت زخما جديدا الى معمار الرواية العراقية.. ان التحكم بمسار الرواية والقصة رغم تشعب الاحداث وعدم الوقوع في شرك الالتباس، اضافة الى التطور النوعي المستمر الذي واكب منجز كاتبنا منذ الثمانينيات، مكنه من ادارة روايته بحنكة.. مع اننا قد نجد ان اديبا ما يتوقف عند منجز معين، او يراوح في مكانه دون ان يطور ادواته الفنية او يتكأ على ما قدمه دون اضافة لمساته، فيفقد تواصله الابداعي .. اما القاص ابراهيم سبتي فما زال يتجدد في عطائه الثر في المقالة والقصة والرواية والنقد . مستلهما ثراء الحضارة الرافدينية ممازجا بين صدق الموقف برؤية حداثوية في الشكل والمضمون لينتج نصا مهما في سفر الابداع العراقي. نخلة الغريب/ رواية صدرت مؤخرا للقاص ابراهيم سبتي عن دار الشؤون العامة في وزارة الثقافة، بغداد . وسبق للقاص ان اصدر مجموعته القصصية الغياب العالي عن دار الشؤون الثقافية بغداد عام 2001 . واصدر مجموعة قصصية عنوانها ما قالته الضواري في حداد الانس عام 2002 عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق . وله مجموعتان قصصيتان صدرتا اصدارا خاصا.
#صباح_محسن_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|