أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - قطع الحوار انتحار ولكن















المزيد.....

قطع الحوار انتحار ولكن


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 1967 - 2007 / 7 / 5 - 04:35
المحور: القضية الفلسطينية
    


بفعلِ اقتتال داخلي غير مسبوق منذ عقود، بلغ ذروته بخطوة الحسم العسكري وما وَلَد، وما سيلد، وهو الاعظم، دخل الفلسطينيون طورا نوعياً مِن اطوار أزمتهم الداخلية، ومرحلة جديدة، وحالة مريضة بكل المعاني، تختلط فيها الأمور، و"تضيع الطاسة"، وتنحرف البوصلة، ما يجعل الإمساك بالشعرة الدقيقة الفاصلة بين الجائز وغير الجائز وطنياً وديموقراطياً، أمراً عسيراً.
الأمر عظيم، والصدمة كبيرة، والتشوش شامل. كيف لا؟!!! وقد سطى الحزب على الشعب، وتضخمت الأيدولوجيا درجة تقزيم الوطن، وهيمنت الذات على الموضوع وحولت الأدوات إلى أهداف.
بهذا ليس غريباً تراجع تفاؤل الإرادة لحساب تشاؤم العقل، ما يجعل منطق ردات الفعل مكنوناً سائداً، وهذا لعمري هو مدخل مؤكد لانهيار المشروع الوطني وتصفية القضية الوطنية وتدمير المجتمع وتبديد التضحيات وهدم المكتسبات والانجازات.
"مجنون يرمي حجراً في بئر، يعجز مئة عاقل عن انتشاله". هذا باختصار حال ما جرى ويجري في فلسطين، ولكن، ولأن الإشكالية الأكبر في هذه الأزمة، لا تمس النخب القيادية التي قادت الأمور إلى هذا الوضع، بل تمس قبل ذلك الشعب والوطن ومصيرهما، فإنه لا مناص مِن سرعة التصدي لاستحقاقات سؤال: ما العمل؟!!! وماذا بعد؟!!!
على مدار عام ونصف العام، وبعد كل جولة اقتتال داخلي، كان الجميع، سياسيين وصحافيين ومثقفين ومفكرين وكتاب ونشطاء مجتمعيين، ومِن كل المشارب الفكرية والسياسية، يعيدون تكرار الدعوة إلى الحوار كمدخل لا مناص منه لتجاوز الحالة، ولكن هذا المدخل الصحيح والديموقراطي في آن، جرى أيضاً "تذويته" وتوظيفه واستخدامه، إلى درجة تحويله إلى هدف بحد ذاته، فيما هو وسيلة ديموقراطية لبلوغ الاتفاق أو التوافق بديلا للغة البنادق في معالجة التناقضات الداخلية، التي لن يصحو أحد يوماً، ليجد أنها انتهت أو ذابت.
لذلك، ولأن حدث غزة افضى إلى "قسمة" الوطن، ولأن تداعياته ونتائجه ليس كنتائج وتداعيات ما سبقه، وما قاد إليه مِن جولات الاقتتال الداخلي، وحتى لا تكون الدعوة للحوار شكلا مِن أشكال التعويم والهروب مِن تحديد المسؤوليات والمواقف الملموسة والمحددة، فإن الواجب الوطني يفرض بدء التغميس في الصحن والكف عن الدوران حوله.
لكن، وكي لا يبدو أنني أدعو لعدم تجديد الحوار، أو القول إن هناك سبيلا آخر للتوصل إلى التوافق الوطني كشرط لا غنى عنه للتوصل إلى حلول وطنية ديموقراطية ناجعة للأزمة الداخلية التي تنذر بالانهيار الشامل، تجدر الإشارة إلى أن حوار "بوس اللحى" و"الطبطبة" هو واحد مِن العوامل المسؤولة عن التوصل إلى "تفاهمات" و"توافقات" و"وثائق" و"نصوص" حمالة أوجه تقبل القسمة على أكثر مِن رقم، كانت في كل مرة تنفجر قبل جفاف حبرها، وهذا ما حَوَّلَ الحوار إلى آلية مِن آليات تعميق الأزمة، بدل أن يكون سبيلا للتوافق والاتفاق الذي ينهي الأزمة ويقتلع مفاعيلها مِن الجذور.
عليه، مِن نافلة القول تأكيد ما ردده أكثر مِن مفكر وسياسي عربي وفلسطيني مسؤول وحريص على الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية بالقول: إن عدم الحوار يساوي الانتحار أو يعادل الانهيار، لكن، حتى لا يغدو الحوار مرة أخرى طريقاً لتعميق الأزمة، وكي لا يكون عاملاً مِن عوامل اطالة أمدها، ما يفتح الطريق واسعاً أمام الاستثمار الإسرائيلي الأمريكي لها، فإن محددات أساسية ثلاث يجب أن تحكم الحوار الوطني الشامل وتوجهه، وهي:
أولا: التناقض الرئيسي كان وما زال ويجب أن يبقى مع المحتلين، وهذا شيء آخر تماما عن مواصلة خطاب "التخوين" الوطني، فالخائن لا حوار معه، أي إما أن يكون الطرف المقابل، طرفاً وطنيا وحل التعارض معه لا يجوز أن يكون إلا بالحوار، وليس بأيِّ وسيلة أخرى، وإما أن يكون خائناً، وبالتالي ما الداعي للحوار معه؟!!!
ثانياً: المصلحة العليا للشعب والوطن فوق كل إعتبار، وهذا شيء آخر تماما عن مواصلة خطاب أن: الحزب أكبر مِن الشعب، والأيدولوجيا قبل الوطن، والذات فوق الموضوع، ما يقود إلى: ما أنا إلا مِن غزية....
ثالثاً: للنضال الفلسطيني التحرري وجهان متلازمان وطني وديموقراطي، وهذا شيء آخر تماما عن مواصلة خطاب "تقديس" الذات و"أبلسة" الآخر، ما يفضي، شئنا ذلك أم أبينا، إلى تعالي صرح عقلية الإقصاء وممارساتها في انكار حق التنوع والاختلاف والتعدد في السياسة والفكر والاجتماع، الوصفة الأكيدة لنفي ممكنات بناء المؤسسات الوطنية الائتلافية الجامعة بالقواسم المشتركة لكل الوان الطيف الفلسطيني، التي مِن البدهي الاقرار أنها لا تقتصر على الفصائل والأحزاب السياسية، كما يجري اختزالها أحياناً.
عليه، ولأن الخيار الديموقراطي شرط لازب لازم مِن شروط تمتين الجبهة الوطنية الداخلية وصلابتها في مواجهة الاحتلال ومقاومته والنضال ضده، ولأنه شرط لا مندوحة عنه لسلامة المجتمع وتطوره وعافيته وابداعه وتقدمه، ولأنه لا يمكن تقزيمه في عقد الانتخابات التي لا يمكن اختزالها في النتائج الرقمية، ولأن الأزمة الوطنية الداخلية بلغت طورا نوعيا غير مسبوق، ينذر بعواقب كارثية بالمعنيين المجتمعي الداخلي والوطني الخارجي، على ما بينهما مِن ترابط؛ أقول بسبب ما تقدم، وحتى لا تبقى الدعوات لتجديد الحوار مجرد اجترار للكلمات لا طائل منها، أو طحن للماء الذي لا ينتج زبدة، وحتى لا يبقى الموقف مِن الدعوة للحوار بين حدَّين: إما أن يكون الحوار مِن أجل الحوار أو أن يكون قطع الحوار انتحار، فإن المطلوب، مِن دون لويٍ لزوايا الكلمات، أو مجاملات لا تفضي إلا إلى تعميق الأزمة وإطالة أمدها، وتسهيل طرق استثمارها الخارجي، والجلوس في موقع المتفرج عليه، ليقع الجميع في المصير المحتوم، الذي لن يكون غير مصير حكماء بيزنطة الذين غرقوا في جدلهم العبثي: "كم مِن الملائكة أو الشياطين تستطيع الوقوف على رأس الدبوس"، فيما كان أعداؤهم يقتحمون حصونهم، فإن المطلوب:
ضرورة تراجع قيادة "حماس" خطوة للخلف، عبر التراجع عن نتائج الحسم العسكري، باعتبار أنها مَن نقل وتيرة الاقتتال الداخلي الانتحاري إلى مستوى أن البنادق هي وسيلة مشروعة لتثبيت الحق في السلطة التي فازت فيها عبر انتخابات حرة ونزيهة، هذا التراجع ضروري، ولا يضر بـ"حماس"، بل هو في صالحها كما أنه في صالح الشعب وقضيته الوطنية. فهذا التراجع في حال حصوله، وبفضله، يغدو المناخ الوطني أكثر راحة، وأقل تشنجاً وتوتراً، ويكون معه، بمقدور كل وطني حريص، وديموقراطي منسجم، ومسؤول حصيف، أن يؤكد على ما ليس بحاجة لتأكيد:
التوافق الوطني الشامل هو شرط للتوصل إلى حلول وطنية ديموقراطية ناجعة للأزمة، ولا مناص منه لتجاوز تداعياتها ومنع الاستثمار الخارجي لها. وبدهي القول إن الحوار هو السبيل الوحيد للتوصل إلى التوافق.
لكن هذا يفقد معناه، إن لم يرتبط بالكف عن التمسك بالنتائج التي أفرزها منطق حوار البنادق، لأن الحوار في هذه الحالة، يصبح ستاراً لتكريس الأمر الواقع بالقوة. وهذا ما لا يجوز تقبله، أو الموافقة على تثبيته كخطاب فكري وسياسي، كما لا يجوز الاقرار به كعامل ضغط لكيفية صياغة وتطوير النظام السياسي الفلسطيني.
تلك هي حقيقة الأزمة الفلسطينية الداخلية، وتلك هي مخاطر طورها النوعي الأخير في غزة. وبالتالي الحوار ضرورة وطنية وقطعه انتحار، ولكن الدعوة للحوار تغدو بلا معنى، ولن تفضي إلى نتائج ذات شأن لجهة معالجة جذر الأزمة، إن هي لم تحدد المدخل الملموس للمعالجة ونقطة البداية في طريقها الشائك والمعقد.



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع على السلطة أم قلبٌ لمعناها؟!!!
- حلقة الخلاص الوطني المركزية
- ًكي يبقى النهر لمجراه أمينا
- العبرة في النتائج
- خطوة إضطرارية أم إنتحارية؟!!!
- موانع إجتياح غزة سياسية
- 5 حزيران تطرف النصر والإنهزام
- تجليات الفوضى الخلاقة
- تجاوز لكل الخطوط
- لماذا يستباح الدم الفلسطيني؟!!!
- دعوة لإستعادة الوعي
- الحكم أم الوطن؟
- رهان النسيان والذاكرة الجمعية
- الطغيان الأمريكي....مصاعب وإنتكاسات
- أين فينوغراد العرب؟!!!
- إتجاه الإنفجار المرتقب
- القصف العسكري والسياسي الإسرائيلي عن بُعد
- تقتحم القلعة من داخلها
- حتى لو لم أكن فلسطينيا
- الاتفعيل بالتعديل


المزيد.....




- سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص ...
- السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
- النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا ...
- لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت ...
- فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
- -حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م ...
- -الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في ...
- -حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد ...
- اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا ...
- روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - قطع الحوار انتحار ولكن