|
بدم بارد
حكمت الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 1967 - 2007 / 7 / 5 - 13:52
المحور:
الادب والفن
أول فيلم تونسي رقمي ثلاثي الأبعاد ___________________________ تقوم تطبيقات الواقع الافتراضي على خلق بيئات ثلاثية الأبعاد باستخدام الرسومات الكمبيوترية وأجهزة المحاكاة simulation بحيث تهيّئ للفرد القدرة على استشعارها بحواسه المختلفة والتفاعل معها وتغيير معطياتها،فيتعزز الإحساس بالاندماج في تلك البيئة. غير أن جيرون لانير، وهو واضع مصطلح "الواقع الافتراضي" في أوائل الثمانينات، لا يرى للمصطلح معنى إن لم يكن متعلّقاً بالتفاعل مع المتغيرات. ويهتم لانير بالعامل الإنساني في التطبيقات التي يشارك في تطويرها، حيث يعمل الآن على تطوير نوع من الواقع الافتراضي يُسمَّى "الانغماس عن بعد" Tele-Immersion، وفيه يجلس الناس في بيئات ثلاثية الأبعاد ويستطيعون الاجتماع عن بعد من أماكن مختلفة من العالم فيبدو أحدهم للآخر بحجمه الطبيعي. يعلّق لانير على أهمية ذلك بالقول: "هناك مشاكل كثيرة تتعلق بخلق جو من الثقة بين الناس حين يتصلوا ببعضهم البعض عبر المسافات، لكن في عالمنا هذا الذي كثيراً ما يتطلب أن نتعاون على بعد آلاف الأميال ينبغي أن نتعلم كيف نطور الشعور بالثقة والارتياح مع من ليسوا معنا في نفس الغرفة". أسوق هذه المقدمة لأتحدث عن فيلم الفنان الشاب شوقي الأجنف المعنون "بدم بارد" وهو فيلم روائي قصير بالألوان يقع طوله في ثمانية دقائق وقد نفذ عبر تطبيقات الواقع الافتراضي وعلى برنامج 3Dmax المتخصص بصنع صور ثلاثية الأبعاد. يترك رجل هاتفه النقال مربوطا الى مجهز التيار الكهربائي ويغادر منزله لقضاء حاجة ما. وما ان يصفق الباب وراءه حتى يسقط من على أحد رفوف المكتبة رجل آلي على شكل لعبة الى الأرض. لكننا نفاجأ بأن هذا الروبوت ينزع عن الهاتف سلك التيار الكهربائي ليوصله الى نفسه بحثا عن التزود بالطاقة اللازمة لكي يبدأ رحلة جنونه حيث ينهض بعدها كائنا حيا بل قل ماردا جبارا مفعما بالقوة مستعرضا إياها أمامنا بكل عنفوان. ولكن عم يبحث هذا الجبار العتي؟ بالتأكيد انه يبحث عن عدو يناظره في القوة ويعاكسه في النوايا. ويجد ذلك في بعوضة لا أحد يدري من أين جاءت وكيف دخلت المكان لتحوم فيه بأزيزها الذي سرعان ما يثير حفيظة الرجل الآلي-اللعبة.. وعلى الفور تبدأ المعركة. يأخذنا هذا الفيلم المدهش الجريء في فكرته والمتقن في صنعته والذي أبدا لا يعوزه الخيال، الى رؤية واقعنا المعاصر الآن وهنا، بمنظار شديد القدم في التاريخ البشري على مر العصور، ألا وهو الصراع بين القوة والحق في البقاء، لنشاهد حكاية سريعة إنما شاملة لحروب الإنسان فنرى كيف ان الروبوت والبعوضة لا يتوانى أحدهما عن استعمال كل ما يتيسر من وسائل الفتك والدمار من اجل تحقيق النصر على الآخر. وليس من الصعب على المشاهد أن يربط بين مشاهد هذا الفيلم الذكي وبين ما يحدث على ارض الواقع من أزمات وحروب وسفك دماء وانتهاكات لحقوق الإنسان في اكثر من مكان في عالمنا الفسيح، لعل على رأسها فلسطين والعراق. وإذا كان من مهمة الفن المعاصر ان يقوم بتذكيرنا على الدوام بأهم منعطفات خيالنا الإنساني العظيم، فان فيلم شوقي الأجنف يذكرنا ولا شك برواية الكاتب الأمريكي الكبير "ترومان كابوت" الشهيرة بعنوان "بدم بارد" والتي ان لم تخني الذاكرة كانت تحولت الى فيلم سينمائي حمل الاسم نفسه، حيث نستطيع ان نتبين بجلاء كيف يتحول البرئ الى جلاد وكيف يلبس القاتل ثوب الضحية. ولكن قيمة فيلم شوقي الأجنف الحقيقية لا تتأتى من هذه المعايير فحسب، بل هي أولا وأخيرا متأتية من ان هذا الإنتاج الفني التقني بأكمله إنما تم صنعه خياليا باستعمال التطبيقات الافتراضية. ما يمكن أن يحصل باستخدام الواقع الافتراضي لا يحدّه إلا خيالنا، وما من مجال من مجالات الحياة إلا ويمكن أن يُحاكَى. ويرى لانير الذي هو إضافة إلى كونه عالماً فإنه أيضا موسيقار مبدع وفنان وكاتب أن المستقبل سيشهد تخزين الثقافة والأدب والفن والفكر في الكمبيوترات. ويقول: "آمل أن يكون للواقع الافتراضي دور، ليس فقط في التعليم وتسهيل سبل الحياة بل كذلك في إبداع أنماط جديدة من الفنون وخلق وسائل جديدة للتعبير الثقافي واكتشاف أنساق جديدة للجمال وإيجاد طرائق جديدة للتقارب بين الناس". وشوقي الأجنف فنان تونسي شاب من مواليد 1979 تخرج في المعهد العالي لفنون الملتيميديا اختصاص مونتاج فيديو، وهو يعمل حاليا في قناة الجزيرة الفضائية في قطر، وكان سبق له العمل في شركة SPECTRUM للإنتاج السمعي البصري. وله عدد من الأعمال الفنية نذكر منها: جينيريك أي الإعلان المميز لدورة ألعاب البحر المتوسط تونس 2001 جينيريك بطولة العالم لكرة اليد 2005 مجموعة من الومضات الأشهارية في التلفزة التونسية مونتاج لثلاثة أفلام قصيرة شاركت في مهرجان قليبية لسينما الهواة شارك بفيلمه "بدم بارد" في مهرجان سوسة الدولي لفيلم الشباب والطفولة 2004.
#حكمت_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنصاف
-
مائة وهم حول الشرق الاوسط أم مائة اكذوبة؟
-
كاسيت لأغاني سليمة مراد
-
مقاربة وسائطية ميديالوجية للتراث
-
خنجر أكادير
-
عمارة يعقوبيان بين الفيلم والرواية وحياة الواقع
-
السينما باختصار هي 24 صورة في الثانية
-
عن السياب ولحظته التاريخية
-
حوار مع الباحث اليمني د. عبد الباقي شمسان- العرب يجهلون فنون
...
-
مائة عام من السينما التونسية: مسيرة ونجاحات
-
-الطريق الثالث-: اليسار الجديد والتنظير للدفاع عن سياسات الغ
...
-
حاطب ليل ضجر
-
حوار مع الروائي المصري وحيد الطويلة
-
تَذكارٌ لبحرٍ غيرِ أبيضٍ
-
شكسبير
-
موت كلمة تكلم
-
لا يمكن تطوير المجتمعات وتحديثها بامثلة تسلطية تقصي الانسان
...
-
إِفْرِضْ مَثَلاً
-
تأملات في الديمقراطية وحقوق الإنسان
-
القسم الثاني والأخير من الصلة بين الشعر والسحر 2-2
المزيد.....
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|