|
هل حسمت القنبلة النيوترونية معارك الجيش العراقي؟
قاسم أمين الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1966 - 2007 / 7 / 4 - 10:51
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
على اثر المقال الذي نشر في العدد 1940 بتاريخ 8-6- 2007 من "الحوار المتمدن" تحت عنوان "تساؤلات حول لبنة بناء الكون" استلمت عدة رسائل يطلب فيها القراء الكرام توضيحات حول الإشعاع ومضاره وآثاره وطرق الوقاية الشخصية وخطط الطوارئ العامة عند انفلات الإشعاع إلى البيئة لسبب ما. واعدّ القراء بتلبية تلك الطلبات. وقد لا يكون ذلك متسلسلاَ كي لا يملّّ من لا يعنيه الأمر أو من ليس له الرغبة في ذلك. لكن إحدى الرسائل أثارت دهشتي واهتمامي إذ أنها حوت على سؤالٍ ملفتٍ للنظر هو"هل أن أسلحة الدمار الشامل الأمريكية هي التي أنهت الحرب على العراق؟. إذ ينطوي هذا السؤال على عدة تساؤلات عديدة منها: هل ما جرى في العراق هو حرباَ بالمفهوم العسكري للحرب ؟ لماذا على العراق؟ ولماذا على هذه المنطقة من العالم؟ وإذا كانت حرباَ هل أن" هذه الحرب الأمريكية على العراق" انتهت فعليا؟ ثم أن لم تكن منتهية هل سينهي الأمريكان "الحرب" على العراق بأسلحة دمار شامل ؟ ثم ما هو نوع السلاح الشامل الذي من الممكن أن تستعمله أمريكا لإنهاء "الحرب" ؟ وأخيرا وليس آخرا هل استعمل الأمريكان أسلحة دمار شامل أثناء سقوط النظام السابق في 2003؟ ؟ أي هل دخل الأمريكيون العراق بأسلحة دمار شامل للبحث عن أسلحة الدمار الشامل؟.......... لهذا كان هذا المقال. "هل حسمت القنبلة النيوترونية معارك الجيش العراقي؟". 1- قبيل الحرب العالمية الثانية في مقال سابق في العدد 1923 بتاريخ 22-5-2007 على هذا الموقع قلنا أن الصعوبات الاقتصادية والتضخم النقدي التي عمت دول العالم نتيجة الحرب العالمية الأولى، أدت إلى نشوء عدة نظم دكتاتورية في العالم، مثل النظام الفاشستي في إيطاليا عام 1920 والنظام النازي في ألمانيا عام 1930 . ونشبت حروب أهلية واتفاقات ثنائية وثلاثية بين هذه الدول الدكتاتورية مما زاد من حدة التوتر العالمي. وباحتلال ألمانيا لبولندا عام 1939 بدأت الحرب العالمية الثانية. وأعلنت الحليفتان فرنسا وإنكلترا الحرب على ألمانيا كما أعلنت أمريكا الحرب على اليابان عام 1941 وأعلنتا ألمانيا وايطاليا الحرب على أمريكا. أما في العراق فقد قامت إحداث سياسية مهمة في نيسان 1941 . تكللت بانقلاب عسكري تكلل باستلام السلطة في العراق من قبل نخبة من الضباط المعادين للإنكليز الذين رفعوا شعارات وطنية وقومية ضد الاحتلال. وقرر" تشر شل" قمع انتفاضة الجيش وإسقاط السلطة هذه التي كانت بقيادة رشيد عالي الكيلاني بالقوة العسكرية. غير أن بريطانيا ما كانت لديها آنذاك القوة الكافية في داخل العراق. فعملت على استقدام قواتها من الهند ومن مصر وما أن اكتمل الاستعداد العسكري حتى بدأ الهجوم على بغداد في 29 مايس "مايو" 1941. وكان ذلك على محورين الأول احتلال البصرة بالقوة القادمة من الهند والتقدم نحو بغداد والمحور الآخر عبر الأردن إلى الحبانية ثم الفلوجة ثم بغداد. وهكذا جاءت حكومة عميلة بالعراق ضمنت شركات النفط البقاء بديلة لحكومة الانقلاب العسكري الذي يقال أن بعض من قادته كانوا موالين للألمان لكن يقال أحيانا أن"عدو عدوك صديقك". فعهود الإنكليز معنا معروفة كما قال الشاعر: "العهد بين الإنكليز وبيننا = كالعهد بين الشاة والرئبال(1)".
2- مغامرة كبيرة أثناء الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في سنة 1940 كانت ألمانيا وإنكلترا وأمريكا، كل على حدّة قد قررت الحصول على القنبلة الذرية من أجل الانتصار في الحرب على الرغم من أن مثل هذا القرار انطوى، في حينه على مغامرة كبيرة، لاسيما وانه لم يكن هناك من يجزم بنجاح مشروع من هذا القبيل. لقد عرف علماء هذه الدول أن النظير المعول عليه وقوداَ نووياَ هو يورانيوم ـ 235 ، وهذه هي أكبر الصعوبات التي تواجه المشروع لندرة تواجده في الطبيعة. إذ إن نسبته الموجودة في اليورانيوم الطبيعي 0.7 في المئة وان نسبة اليورانيوم الطبيعي في خامات اليورانيوم في أغنى المناجم لا تتعدى 0.5 في المئة أي أن تواجده في الطبيعة بنسبة 35 جزء إلى مليون جزء في أفضل الخامات. وعلى الرغم من ذلك خصص" هتلر" في ألمانيا، معهد القيصر لإجراء الأبحاث الذرية فيه، وألفّ" تشر شل" في إنكلترا هيئة من العلماء لتركيز الجهود لإنتاج هذا السلاح، أما "روزفلت" في أمريكا، فأصدر قراراً ببدء العمل في مشروع "منها تن" ورصدّت له المبالغ الطائلة. وبدأت غارات إنكلترا على ألمانيا وغارات ألمانيا على إنكلترا مستهدفة كل منهما المواقع التي تجري فيها تلك الأبحاث مما شلّ تطور هذه المشاريع في هاتين الدولتين. وهذا ما حدى بتشرشل للاتفاق مع روزفلت للعمل المشترك في أمريكا، بعيداً عن ألمانيا، وهكذا رحل كثير من العلماء الإنكليز سنة 1943 إلى أمريكا، رافقهم والتحق بهم لفيف من العلماء الهاربين من ألمانيا النازية وبعض من إيطاليا الفاشية. وهناك شارك المئات من علماء العالم الآلاف من العمال لإنجاز المشروع كما أسهم الملايين من السكان في تكاليفه. ونجحت في المختبر تجارب"بوهر" ، كما نجحت القنبلة الحقيقية التجريبية الأولى في الساعة الثالثة من صباح يوم 16 تموز 1945 وسط الصحراء على بعد 120 ميلاً جنوب شرق"البوكرك" في مقاطعة" نيومكسيكو" بأميركا. إذ ظهر بريق يعمي البصر ولم تلبث أن اهتزت الأرض، أعقبها صوت رهيب مفزع وارتفعت في موقع البرج سحابة كثيفة ذات ألوان عجيبة إلى أكثر من 12 كيلومتراً في أعالي الجو، تحولت هذه الألوان بعد ثوان إلى لون رمادي قاتم، وبعد قليل بدأت الرياح تلعب بالسحابة وتنشرها في الفضاء، وهكذا لم يعد للبرج ولا لأعمدة الصلب القوية أثراً يذكر بل تبخرت كما يتبخر الماء. ووقف العلماء أنفسهم مذهولين يلاحظون تلك الظواهر العجيبة ولما أفاقوا من دهشتهم تبادلوا "التهاني" على سلامتهم أو على نجاح جهودهم. و كان أغرب تعليق لأحدهم حين قال : " أخيراً وصلنا إلى هذا النجاح الباهر وان نجاتنا وخلاص العالم من الموت والدمار سيسير بخطوات كبيرة وسريعة جداً". و ما درى أن ما جرى هو العكس.
3- وكان الجو صحواَ !!! في سماء هيروشيما كان الجو صحواً عندما اقتربت طائرة ضخمة - من إحدى ثلاثة طائرات - في الساعة التاسعة من صباح يوم 6 أيلول سنة 1945، تحمل أشخاصاً لا يعلمون أنهم في مهمة غير عادية. ثلاثة منهم فقط يعرفون أنهم سيلقون بالبرشوت قنبلة ذرية على تلك المدينة الواقعة في جزيرة "هو نشو"، التي تتوسط مجموعة جزر اليابان. كان عدد سكان هيروشيما آنذاك 345 ألف نسمة وكانت مركزاً مهماً للصناعات ولرجال أعمال، ومنها يبدأ اليابانيون رحلاتهم إلى أنحاء الدنيا. وهناك بشرٌ آمنون وأطفالٌ على سجاياهم يلعبون، وفيها كان الاختبار الأول لأول قنبلة نووية في التاريخ، جاءتها من خلف البحار، إذ ألقى الميجر جنرال" فيربي" المظلة الهوائية المحملة بالموت والدمار، وأدارَ قائد الطائرة الكولونيل" تيبتس" المحركات بأقصى سرعة مبتعداً بها عن موقع السقوط. وانفجرت القنبلة ذات القوة التي تعادل انفجاراً قدره 12.5 ألف كغم من مادة (TNT)، الشديدة الانفجار. ارتفعت سحابة سوداء متشعبة ارتفاعاً يزيد على أثنى عشر كيلومتراً في مدة دقيقتين وظهرت السحابة كأنها ماء يغلي. وطوال الساعات الأربع التي تلت الانفجار بقيت سحابة الدخان الكثيفة تغطي هيروشيما وضواحيها. هدد " ترومان "من البيت الأبيض اليابانيين أن هذه القنبلة ما هي إلا إحدى قنابل كثيرة لتدمير اليابان. وفعلاَ بعد ثلاثة أيام من إلقاء القنبلة علي هيروشيما، كررت أمريكا الجريمة وألقت قنبلة أخرى علي مدينة ناكازاكي. صرخت اليابان أن هذا الاعتداء الإجرامي لأسلحة الدمار الشامل غير المسوغ هو عمل ضد الإنسانية؛ إذ دُمّرت هيروشيما تدميراً كاملاً وقد هلك المدنيون من أهلها حرقاً وخنقاً تحت الأنقاض وأمتدّ الدمار إلى مسافات بعيدة جداً، أن مئة ألف نسمة قتلوا في الحال في هيروشيما وحدها عدا الجرحى والمصابين. وبعد أسبوع واحد استسلمت اليابان دون قيد أو شرط وخسرت الحرب امام امريكا. بعد ذلك أذاع" تشر شل" بياناً جاء فيه؛ " لقد قمنا في السنوات الماضية بالإغارة على الأماكن التي كان يستخدمها الألمان لإجراء تجاربهم على القنبلة الذرية. ففي شتاء 1942، أغرنا أكثر من مرة على النرويج لهدم المصنع الذي كان ينتج الماء الثقيل ـ وهو أحد المواد التي تستخدم في سلسة العمليات النووية ـ وكانت خسائرنا في الأرواح كبيرة ولكننا نجحنا في تدميره عن أخره. كان يحدث كل هذا عندنا بينما كان الألمان يقذفون بصواريخهم ويهرجون بأنهم على وشك إنتاج القنبلة الذرية" انتهى. أما ألمانيا فاستسلمت في ايارعام1945. وما أشبه اليوم بالبارحة وما أكثر ما جعجع حكامنا المهرجون في التاريخ القريب.
4- الرعب والدمار لقد أرّخت أميركا "باقتدار فريد" أنها أول من استخدم أسلحة الدمار الشامل وأثبتت"محاربتها للإرهاب" أينما كان لتنشر "الديمقراطية والقيم الأمير كية العظيمة" للأجيال القادمة. إذ قتلت آلاف البشر ودمرت البيوت والحقول والمعامل ورياض الأطفال والمدارس والمستشفيات ووسائل النقل وحتى دور العبادة. وفي الواقع أنه لم تصب البشرية برعب وهلع مثل الذي أصيبت به من جراء إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناكازاكي في آب الدمار الشامل عام 1945. ومازال هول التدمير الذي سببته تلكما القنبلتان يخيم بالخوف على الإنسان المعاصر ويهز ضمير الإنسانية عند كل استذكار لذلك الخراب. وعلى أثر ذلك تعالت الصيحات لإيقاف تصنيع القنابل الذرية، وتدخل رجال الدين والسياسة والعلم وأنصار السلام ونشروا بين الناس آراؤهم عن الآثار المدمرة لهذا النوع من السلاح. وما من شك في أن حجم التدمير، حالياً، في أي هجوم نووي سيفوق ما حدث في اليابان مئات المرات، إذ إن ذخيرة الولايات المتحدة وحدها أكثر من سبعة آلاف رأس نووي وبعياريات كبيرة قد تصل لأكثر من ميكا طن للقنبلة الواحدة بينما لم تكن قنبلة هيروشيما تزيد عن 12.5 كيلو طن(الميكا طن 1000 طن). ولتقريب صورة للتدمير ننقل بأمانة بعض ما قالته إحدى السيدات اليابانيات عن قنبلة هيروشيما : "كنتُ مع مجموعة من النسوة نعبر جسر"تسو رمى" إذ شاهدنا طائرة عالية في الجو وقد رمتْ شيئاً ما، فحسبنا أن شخصاً ما ينزل بالباراشوت. ولم تمضِ ثوان وإذا بالسماء يغطيها وميضٌ من البرق بعمي الأبصار مصحوبٌ برعدٍ هائل، شعرتُ بشيء يمزق جسمي وسقطتُ ملقاة على الأرض وكأن العالم يزول أمام عيني، وتحول بناظري كل شيء إلى ظلام أسود واعتقدتُ أني أنازع الموت. زحزحت نفسي قليلاً ودفعت ما فوقي من ورق وأخشاب وشممت روائح كريهة كرائحة دخان مواد كيميائية. حسبتُ أننا قصفنا بقنبلة اعتيادية كالقنابل التي تقع يومياً علينا. أردت أن أكمم فمي وانفي بمنديل قماش كان معي فوجدت أن جلد وجهي انسلخ على المنديل ... وهكذا بدأ جلد يدي وذراعي يتقفع عن جسمي ويتساقط وكأن جلد الكف قفازاً. تخلصت مما عليّ من تراب و بقايا أغصان محترقة وسحبت أشلائي ببطء وكنت أتصور أني في العالم الآخر. بدأ الضوء يرجع إلي شيئاً فشيئاً وظهر الجسر مرة أخرى فاتجهت إليه، وإذا بمئات البشر، نساءً ورجالاً أكواماً أكواماً في النهر. قسم يحتضر وآخر يصيح وقسم ملقى بلا حراك، وعلى الجهة اليمنى من نهاية الجسر نيران مرتفعة، وسيدة محترق وجهها تريد دخول أحد البيوت المحترقة وتصرخ بأسماء أبنائها ورجل يمنعها من الدخول. كانت أشبه بالمجنونة وبالقرب منها امرأة منزوعة الثديين مضرجة في بحر من الدماء. مشيتُ هائمة لا أدري إلى أين. في مدة ساعتين رأيتُ كل أنواع القبح والرعب والموت والألم والخوف والحزن وكأني في الجحيم. بعد ثلاثة أسابيع عاد لي بصري وتمكنت من رؤية ابني لكني فقدت زوجي لقد بقيتُ على قيد الحياة بمعجزة إلهية بعد أن تشوه جسمي كله، وفي فمي ورم والتحمت أصابع يدي" انتهى . وفضلاَ عن ذلك فالاختلاف بين الأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل ليس في شدة وهول تأثير الظواهر المشتركة مثل العصف والحرارة والنيران فحسب بل يكّمن فيما تحدثه الظواهر التي تنفرد بها الأسلحة النووية من أضرار أخرى. فعلى الرغم من أن عدد القتلى يعتمد على تأثيرات العصف والحرارة ومستوى الإشعاع الناتج من إلقاء القنابل فان تأثير للهجوم النووي هو في العدد الهائل من الأفراد الجرحى والمرضى وتحطيم البُنى التحتية ووسائل الإنتاج والمساكن وقطع الاتصالات والطاقة الكهربائية وشبكات المياه والطرق التي يتم بواسطتها إيصال المستلزمات الأساس عند تقديم الخدمات الصحية للسكان الذين على قيد الحياة. إن تفاعل هذه العوامل مع الظروف الاقتصادية المعقدة يجعل حجم الخسائر الفعلية المترتبة على الحرب النووية خارج نطاق التصور. فضلاً عما لأثار الظواهر من تغيرات جوية طويلة المدى تستمر عقوداً وعلى مساحات شاسعة تتعدى الحدود السياسية للدول وقد تتعدى الأقاليم الجغرافية. علماً بان كل ما لدى العالم الآن من معلومات وحسابات وبرامج لا تعدو تلك المعلومات البسيطة التي استقيت من القنبلتين الصغيرتين اللتين ألقيتا قبل أكثر من نصف قرن ومن المعلومات المستنتجة مما تحدثه الظواهر الطبيعية كالزلازل والبراكين من تدمير، هنا أو هناك. لذا لا يمكن التكهن بما سيحدث في حالة الحرب النووية الشاملة. ويمكن إيجاز مظاهر الانفجار النووي بالآتي: موجة العصف؛ الموجة الحرارية؛ الحرائق؛ الإشعاع الأولي؛ السقاطة الإشعاعية؛ النبضة الكهرومغناطيسية والتغيرات المناخية والبيئية. ويرينا الجدول أدناه عدد الضحايا والقتلى والجرحى نتيجة إلقاء قنبلتي هيروشيما وناكازاكي.
المدينة عيارية القنبلة كيلوطن عدد السكان ألف نسمة كثافة السكان ألف نسمة / كم2 القتلى آلف نسمة الجرحى آلف نسمة معدل الضحايا ألف نسمة / كم2 هيروشيما 12.5 245 14 70 70 12 ناكازاكي 22 256 25 35 35 16
5- القنابل النووية قبل الدخول في موضوع القنابل النووية ينبغي لنا توضيح بعض الأمور للقارئ المتمدن لكي نعرف فيما إذا استعملت أمريكا أو قد تضطر لاحقاَ استعمال أسلحة نووية في حربها القائمة في العراق(2). وسوف لن أثقل على القارئ الكريم بأي نوع من المعادلات أو الحسابات المعقدة ولا حتى العمق العلمي الذي فهو خارج نطاق هذا المقال. وتلك الأمور هي أولا: من الأخطاء الشائعة هو استعمال مصطلح القنابل "الذرية". إذ انه ليس هناك قنابل ذرية وقنابل نووية بل أن كافة القنابل هي قنابل نووية. لأن طاقتها وآثارها مهما اختلفت فهي ناتجة من داخل نواة الذرة وليس من الذرة وهناك فرق كبير بين الفيزياء الذرية التي تهتم بما يدور خارج نواة الذرة وبين الفيزياء النووية التي تهتم بتفاعلات ومجريات الدقائق التي هي داخل النواة (البروتون والنيوترون). الأمر الآخر: أثناء التحولات الكيميائية لمواد الطبيعة المصحوبة بتولد كمية من الطاقة تتحول بعض المواد المعقدة إلى مواد بسيطة أو بالعكس. فعند احتراق الخشب أو البترول أو البارود تتحد الجزيئات البسيطة في جزيئات أكثر تعقيداً. أما التأثير المدمر لمواد أخرى متفرقعة فتسببه الطاقة المنبعثة نتيجة لتفكك الجزيئات المعقدة إلى جزيئات ابسط . ففي التفاعل النووي تتحول نوى معينة إلى نوى أخرى مختلفة ويختفي أثناء هذا التفاعل جزءاً ملحوظاً من الكتلة ليظهر على شكل طاقة. وهذه الطاقة تكون على عدة أنواع مثل طاقة: حركية، حرارية، كهربائية، ضوئية، صوتية، وكهرومغناطيسية. وكمية الطاقة الناتجة أثناء التحول النووي أكبر من كمية الطاقة الناتجة أثناء الاحتراق الاعتيادي مليارات المرات. وهذا يعني أنه من الممكن تحرير كميات هائلة من الطاقة أثناء التفاعلات النووية التي يصاحبها نقص في كتلة المادة. ولكي يحدث النقص الكتلي نقوم أما بشطر"تقسيم" نواة عنصر ما ثقيل أو دمج نوى عناصر ما خفيفة. ألأمر الثالث: يصبح كتحصيل حاصل هو أن هناك ثلاث أنواع من القنابل النووية هي: (الانشطارية، الاندماجية، والنيوترونية)، فضلاَ عن النوع الآخر الذي لا يعدّ قنبلة بمفهوم القنابل النووية بقدر ما يعدّ تلوثاَ إشعاعيا. وان لكل نوع من هذه الأنواع وقوده الخاص وتفاعله المختلف و تأثيره المتباين كماَ ونوعاَ.
أ. القنبلة الانشطارية القنبلة الانشطارية يدل اسمها عليها والتي تسمى خطأَ بالقنبلة الذرية. وقد ذكرنا تواَ أن علماء الدول الكبرى عرفوا أن اليورانيوم هو العنصر المعولّ عليه في الحصول على هذا السلاح النووي عند بدأ التفكير في صنع القنبلة الانشطارية لعدة عوامل، لا مجال لذكرها الآن، على الرغم من عدم تواجد هذا العنصر بصورة نقية في الطبيعة وندرته. فهو يتواجد على شكل مركبات مختلفة في خامات الاوتونيت والكارينيت في مناجم بعض بقاع العالم. وتحتوي القشرة الأرضية على جزء واحد من اليورانيوم لكل مليون جزء الذي تراكم على مدى عمر الأرض. يحوي اليورانيوم المستخلص ( النقي ) على ثلاث أنواع من اليورانيوم تسمى نظائر هي يورانيوم 238- بنسبة 99.28 في المئة ويورانيوم 235- بنسبة 0.714 بالمئة ويورانيوم 234- بنسبة 0.006 . ويلاحظ أن نسبة يورانيوم 235- وهو النظير الأهم في الصناعة النووية هي نسبة واطئة ينبغي زيادتها. تدعى عملية زيادة نسبة يورانيوم 235- في اليورانيوم الطبيعي بعملية تخصيب اليورانيوم. وأهمية عملية التخصيب تأتي من أهمية استمرار احتراق الوقود النووي سواء في المفاعلات النووية أو في القنابل النووية، على أن لا تقل نسبة النظير 235- عن 35 بالمئة في كعكة اليورانيوم. عند تحطيم(انشطا ر) نواة واحدة من اليورانيوم – 235 بواسطة نيوترون يخرج نيوترونان أو ثلاث من كل نواة منشطرة. ويستطيع كل نيوترون من هذه النيوترونات الناتجة تحطيم نواة أخرى جديدة من اليورانيوم-235 وشطرها.......... وهكذا. بعد سلسلة من هذه الانقسامات لكيلو غرام واحد من اليورانيوم التي تحدث في زمن لا يزيد عن جزء من مليون جزء من الثانية يتولد عن ذلك انفجارا ذو قوة محطمة هائلة وطاقة تكافئ طاقة صادرة من انفجار 3 كيلو طن من أقوى المواد الكيمياوية المتفجرة ( تي أن تي ). وتعدّ التصاميم الهندسية هي الأهم في صنع القنبلة الانشطارية وذلك للحاجة الماسة لعزل كمية اليورانيوم قبل الانفجار (التي تكون اكبر بقليل من الكتلة الحرجة بالكيلو غرامات) بحيث يكون كل جزء اقل من الكتلة الحرجة التي تعمل الانفجار. وعند تقريب الأجزاء إلى بعضها يبدأ التفاعل المتسلسل ويحدث الانفجار. وتعدّ المفاعلات النووية الحالية هي التطبيق العملي على الارض لعمليات الانشطار النووي. إذ تجري عمليات الانشطار في المفاعلات بشكل مسيطر عليها. لذا تعطي المفاعلات الطاقة بكمية معينة وبمعدل زمني ثابت متساوي، فالمفاعل إذن ما هو إلا قنبلة انشطارية مسيطر عليها، وعند فقدان السيطرة لسبب ما يصبح قنبلة انشطارية.
ب . القنبلة الاندماجية القنبلة الاندماجية أيضاَ يدل اسمها عليها. وقد تسمى القنبلة الهيدروجينية وذلك لإمكانية الحصول عليها أو دخول نوى عنصر الهيدروجين في صنعها. إذ إنها تنتج من اندماج نوى عناصر خفيفة مع بعضها ينجم عن هذا الاندماج فرق في الكتلة تتحول إلى طاقة كما سبق ذكره. ليس هناك تطبيق عملي سلمي معروف حاليا – على الأرض – للاندماج النووي لكن ما يحدث في مركز الشمس أو النجوم الأخرى هو اندماج نوى خفيفة كالهيدروجين وتكوينها عناصر أثقل شيئا فشيئا. فالشمس هي قنبلة اندماجية مستمرة الانفجار. عند تسخين العناصر الخفيفة كالهيدروجين إلى عشرات الملايين من الدرجات تقترب نواة من نواة أخرى وتندمج معها، كذلك يمكن أن تقترب من نواة عنصر آخر كالليثيوم مثلا فتدخل إلى داخلها. والعملية تنتج نوى أثقل كالهليوم مثلاَ. إذ إن اتحاد الدقائق التي داخل النوى يعني إنضغاط تلك الدقائق مع بعضها أكثر من الوضع السابق، مما يؤدي إلى النقص الكتلي. وما يميز الانشطار عن الاندماج هو اولاَ: سهولة عملية الانشطار، وثانياَ: إمكانية استمراره عند تحرر نيوترونات فيستمر التفاعل المتسلسل"وكما يقال من صوفه كتفّه". وإن ما يعرقل الاندماج في الظروف الاعتيادية هو عملية تسخين نوى الاندماج إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية وضغط يقارب عشرات المليارات ضغط جوي لكي تندمج مع بعضها. وحتى عند حدوث الاندماج يصعب استمرار اندماج النوى الأخرى بسبب عدم إمكانية الحفاظ طويلا على تلك الدرجة الحرارية العالية. لذا فالتفاعل الاندماجي (النووي الحراري) يعتمد على التفاعل الانشطاري فالتفاعل الانشطاري هو المصدر الوحيد للحصول على هذه الحرارة العالية والضغط اللازمين لإجراء هذه الاندماج. أي إننا بحاجة إلى قنبلة انشطارية لعمل القنبلة الاندماجية. أما ما يدعو الدول الكبرى للتمسك بأبحاث الاندماج النووي فهو التدمير الهائل الذي تحدثه القنابل الاندماجية مقارنة بالتدمير الذي تحدثه القنابل الانشطارية. إن التفاعل الاندماجي ينتج طاقة حوالي 6 إلى 7مرات اكبر من الطاقة التي تتحرر عند انشطار نفس الكمية من نوى العناصر الثقيلة.
ج . القنبلة النيوترونية بدأ التفكير في إنتاج القنبلة النيوترونية سنة 1944 بمشروع مانهاتن في أميركا. و اقترح كوهين إنتاجها لغرض استعمالها كسلاح دفاعي (بادئ الأمر) سنة 1958، وهكذا بدأ بتصميمها في منتصف الستينات هناك. وتم إنتاجها وتجريبها في صحراء نيفادا قبل حلول سبعينات القرن الماضي. تمتاز القنبلة النيوترونية بأن الجزء الأكبر الناتج عنها هو إشعاع والجزء الأكبر من الإشعاع الناتج يتألف من دقائق موجودة داخل النواة تدعى النيوترونات. فقوة ظواهر الانفجار الأخرى (موجة العصف، الموجة الحرارية، الحرائق، السقاطة الإشعاعية، النبضة الكهرومغناطيسية والتغيرات المناخية والبيئية) قليلة إن لم يكن بعضها معدوم وكتلة المادة المستعملة صغيرة حجماَ ووزناَ. فلإنتاج قنبلة نيوترونية ذات شدة انفجار كيلو طن واحد لا يلزم أكثر من 5 غرامات من عنصر الديتريوم و 7 غرامات من عنصر التريشيوم. التدمير والضرر الذي يكمن في القنبلة النيوترونية ناتج عن القدرة الفائقة للنيوترونات على اختراق كتفة المواد وإحراق وتدمير الخلايا والأنسجة الحية فقط.. فهي تقضي على الأحياء بدائرة لا يتعدى نصف قطرها ثلاثة كيلو مترات، أما تأثيرها الإشعاعي فلا يدوم أكثر من يوم واحد (وكأن لا من سمع ولا من رأى ولذا سميت بالقنابل النظيفة). أما القنبلة الانشطارية فتلوث منطقة نصف قطرها 10 كم تقريباً ولزمن يقدر بالسنوات فضلاَ عن الآثار الأخرى التي سبق ذكرها. صنع القنبلة النيوترونية يعتمد على مرحلتين الأولى هي مرحلة تكوين التريشوم من النيوترونات ومرحلة انطلاق النيوترونات. وكما ذكرنا سابقاً فإن أساس القنابل الاندماجية توفر الطاقة الحرارية، لذا نحتاج أيضاً إلى مادة انشطارية كاليورانيوم لإحداث هذا التفاعل أي إلى تفجير انشطاري. مما سبق نرى أن القنبلة النيوترونية "النظيفة" تمتاز بالآتي: أولا: قوة التفجير الميكانيكي فيها ضعيفة، ولا تزيد على قوة كيلو طن واحد لذا لا تدمر المنشآت بل تقضي على الأحياء. إذ إن 90% من قوتها يحول إلى إشعاع وال 10% فقط على شكل انفجار شدته لا تؤثر سوى على بعد بضعة مئات من الأمتار. ولأن التدمير الميكانيكي فيها قليل فمن الممكن أن تكون سلاح دفاعي أكثر مما هو هجومي. فليس الهدف إنتاج موجة ضغط عالية لتخريب المنشآت. ثانيا: لا يزيد وزنها الكلي على كيلو غرام واحد لذا يسهل حملها في الدبابة أو الطائرة او كرؤؤس على صواريخ موجهة حتى عن قرب. ولا فائدة من زيادة وزنها لأنه لن يغير من ألأهداف المتوخاة من صنعها. إذ إن الغرض من صنعها هو قتل الأحياء (ليس إلاّ !!! ) ،فهي للمعالجات الموضعية المحدودة المفعول. ويمكن استخدامها في المدن أيضا كسلاح هجومي "سري فيما إذا لم تعطي الشرعية الحربية للطرف الأخر باستعمال القنابل الانفجارية". أما لماذا لم تستعمل أمريكا القنبلة النيوترونية في اليابان في أربعينات القرن الماضي؟ فلأنها لم تكن بعدُ قد صنعتها. ففي الأسبوع الأول من شهر أغسطس 1981، أعلنت الولايات المتحدة رسمياً عن امتلاكها القنبلة النيوترونية، بعد أن كانت قد جربتها مراراَ.
د. الأسلحة الإشعاعية تشمل الأسلحة الإشعاعية كافة التصاميم والمعدات والمواد التي تستعمل في انتشار المواد النشطة إشعاعياً لإحداث أضرار وأذى إشعاعي، غير تلك التي تدخل ضمن نطاق الانفجارات النووية. وقد كان استعمال هذه الأسلحة مثار جدلٍ دولي لعدة سنوات على الرغم من أنه لم تكن هناك أدلة ولا مؤشرات لاستعمالها أو لتحضيرها. وقد أثار هذا الجدل اهتماماً عالمياً سواء أكان لفعالية السلاح في الحالات الهجومية أم لعدم فعاليته في الحالات الدفاعية للدول العظمى. وكان مدخلاً سهلاً للتوقيع على حضر استعماله كخطوة أولى من أجل حضر انتشار الأسلحة النووية الأخرى. تستعمل الأسلحة الإشعاعية كسلاح دفاعي وهجومي أيضاً. ففي حالة الدفاع يمكن تلويث نهر أو سلسلة جبلية في المنطقة التي تفصل العدو المهاجم لمنعه من الاقتراب. كذلك يمكن اعتمادها كأسلحة هجومية لإرغام العدو على إخلاء المدن ومراكز الصناعة والاتصالات، وهذا ما يؤدي إلى تأثير فعال في الاقتصاد وحرب استنزاف طويل للدولة المستهدفة. لا شك في أن للأسلحة الانفجارية فعالية أكبر لقتل عدد أكبر من البشر في زمن قصير نسبياَ لكن الأسلحة الإشعاعية(أفضل) فيما لو كان الهدف احتلال منطقة العدو والإبقاء على الممتلكات والمنشآت القائمة فيها، والحفاظ عليها من التدمير. فضلاً عن أن استعمال الأسلحة الانفجارية لا يعطي الشرعية الحربية للطرف الأخر. من العوامل التي تتعلق (بمساوئ) استعمال هذه الأسلحة المعاملات الكيميائية اللازمة لفصل الشوائب عن المواد المشعة. فضلاً عن أن تصنيعها بشكل رذاذ غبار أو سوائل تكتنفه صعوبات تقنبة، إذ إن هذه فضلات المواد المشعة قد تكون غير جاهزة كأسلحة إشعاعية فورية. كذلك ما يحدد استعمال الأسلحة الإشعاعية هو وجود نظائر ذات عمر منصف طويل، وبوصفها سلاحاً دفاعياً يعني إبقاء المنطقة الفاصلة ـ الملوثة ـ خالية من السكان لسنوات وسنوات. وأخيراً قد تكون الجرع الإشعاعية غير كافية لإيقاف الهجوم إذ إن تأثيراتها على الإنسان لا تظهر مباشرة بل تأخذ فترات زمنية طويلة لكنها تنشر الرعب والخوف في المناطق الملوثة والقريبة منها. يستعمل البلوتونيوم كسلاح إشعاعي بعد تحويله على شكل هباب جزيئي يمكن نشره في الساحات المكشوفة. وليس من الممكن إرجاء انتشاره لوقت طويل، فحتى النسيم العليل كافٍ لانتشاره إلى مساحات واسعة. وتُعدّ ساعة زمنية واحدة مدة كافية لتسمم كافة الأحياء الموجودين في جو يحوي على 30 مليغرام منه في المتر المكعب من الهواء. على أية حال فإن استعمال المواد المشعة كوسيلة للحرب لن يكون مجدياً عسكرياً ما لم يجري انتخاب جيد لنظير مشع ملائم للحالة، على الرغم من أن هذه التقنية مقلقة جداً عالمياً. إذ أنه لا توجد لدينا حواس تستطيع التعرف على وجود الأسلحة الإشعاعية فلا يمكن رؤيتها أو سماع انفجارها آو الإحساس السريع بوجودها كما هو الحال في القنابل الثلاث المار ذكرها. فهي قادرة على أن تسبب الموت البطيء نتيجة الأمراض التي تسببها الإشعاعات النووية للإنسان.
6- هجرة وتهجير وتقسيم أيضاَ قلنا أن اليابان استسلمت لأمريكا بعد إلقاء القنبلتين وانتهت الحرب. وبدأت المحاكمات على الجرائم التي اقترفت بحق الشعوب والتي سميت"بجرائم ضد الإنسانية" في معظم الدول الأوربية واليابان. أدت الحرب العالمية الثانية إلى تشريد 21 مليون شخص في أوربا وحدهاْ. أما التدمير فقد شمل مديات واسعة لم تعرف سابقا وصلت حتى إنكلترا بسبب الغارات الجوية عليها. وأزيلت معالم التقدم التي أقيمت في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي وخرج العديد من الدول ينؤ بأعباء ديون الحرب. وفرض على إيطاليا وهنكاريا وبلغاريا ورومانيا وفلندا تحديد قواتها ودفع تعويضات. وتأثرت الإمبراطوريات مثل إيطاليا واليابان وإنكلترا وهولندا وفرنسا بشكل كبير وانقسم العالم إلى معسكرين هما الولايات المتحدة وروسيا. أعقب ذلك قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الأمم المتحدة سنة1947 وتوترت منطقة الشرق الأوسط. وكانت أميركا أكثر توجسا في الاعتراف بإسرائيل تحسبا لوقوع فوضى واضطرابات قد لا تحمدّ عقباها. إلا أن الطمأنة التي أسدتها لها سرا بعض الحكومات العربية، إذ وصلت تلك الطمأنة إلى حدّ مقاطعة الدول التي تقاطع أميركا. مما دفعت أميركا إلى الاعتراف الفوري بإسرائيل في مايو 1948. لقد أفشى هذا السرّ رئيس وزراء العراق آنذاك أمام مجلس النواب العراقي. علما بان الاهتمام الأميركي في إسرائيل لم يكن في ذلك الوقت يتعدى كون أن خط أنابيب النفط ومصنع التكرير كانا هدفاً قريباً لعمليات الكوماندوز الصهيوني مما يتطلب استرضاء إسرائيل. لقد شهد العقد الرابع من القرن الماضي تفوقا كبيرا للولايات المتحدة وبرزت قوة كبرى في العالم. مما عزز من قدراتها العسكرية أيضا وحصولها على شتى أنواع أسلحة الدمار الشامل. لأنها لم تكن ساحة حرب فقد حرصت أن لا تنقل الحرب إلى قارتها البعيدة عن مناطق التوتر والتهديدات الحدودية في القارة الأوربية.
7- مناقشة التساؤلات 7-1 هل ما جرى في العراق هو حرباَ بالمفهوم العسكري للحرب؟ قبل الإجابة على هذا السؤال أرجو أن يعلم القارئ الكريم أنني لست مسوقاَ لا للنظام الحالي ولا للنظام السابق ولست من "أزلام" أي من النظامين كما يطلق على من ينبس بكلمة حق أو ينقد موقف ما. و لست تكفيرياَ او مليشيّاَ ولا أصوليا لكني مستقل اطرح الأصول للوصول. والمستقلون في العراق كانوا المعارضة الحقة للنظام السابق لأنهم قاوموا الانخراط والانزلاق في مهاوي الحكم الدكتاتوري. فهم قوى صلبة ناضجة فكراً وقادرة على تسيير الأمور أكثر من الذين فروا من الصفير وتركوا الشعب يعاني ما عاناه. ثم راحوا يعلنون الجهاد "في سبيل الله" من على منابر موائد لندن وواشنطن. واليوم بات المستقلون الشرفاء من فقراء وأساتذة وطلبة وفنانون وحرفيون وأطباء يهجرون ويسجنون ويفجرون ويصفون ويقتلون كل يوم من قبل الأمريكان وقوات الحكومة ومن التكفيريين والمليشيات ومن كل من ليس له حق البقاء على هذه الأرض. أستميحكم عذراَ إن كنت غير موفقاَ في الولوج في المعلومات العسكرية فلست مختصاَ بالحروب وقوانينها. لكن من المعلوم أن الحرب نزاع يقع نتيجة خلاف على حقوق تدعيه الأطراف المتحاربة. وقد تكون حرباَ باردة أو مسلحة أو بين بين تعلن الدولتان فيها الحرب ضد الأخرى. أما أن تأتي جيوش دولة وتدخل بلد في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، فلا تسمى حرباَ "بين" بقدر ما تكون حربَا "على" أو احتلالاَ أو عدوان. وفعلاَ أقرت الأمم المتحدة وأمريكا بأنه احتلال ولكن المضحك المبكي هو عدم اعتراف إطراف واسعة من المشتركين في العملية السياسة بالعراق بأنه احتلال لحدّ الآن، وهذا ما يحير العقلاء حتى من المشتركة قياداتهم في العملية السياسية بالوطن. إذا ما تركنا "الفقه العاطفي" فإن عملية تسويق وشرعنة وتسويغ العدوان؟ لم تكن مقبولة منطقباَ ولا عقلانياَ. فليس للعدوان مسوغ إذا اتفقنا على أنه عدوانا بمفهومه اللغوي أو العسكري. ولا الاحتلال مسوغ وخاصة في العراق، إذ لنا من تاريخنا الحديث خير دليل عندما دخل القائد العسكري مود إلى بغداد وأعلن قائلاَ "نحن جئنا محررين لا فاتحين ولا محتلين" وبعدها جثمت قواته على صدورنا قرابة نصف قرن سلبت شركاتهم نفطنا وثرواتنا وذاق شعبنا ألأمرين إلى أن قامت ثورة تموز المجيدة عام 1958. وحتى لو آمنا بوجود أسلحة دمار شامل(علماَ ان وزارتي خارجيتي أمريكا وإنكلترا قد أعلنتا في 28- 6- 2007 أن العراق كان خالياَ من أسلحة الدمار الشامل وتم حلّ لجان التفتيش الخاصة) أقول حتى لو كان لدى العراق أسلحة دمار شامل، فليس هناك مبرراَ للاحتلال. لأن هذه الأسلحة متواجدة لدى معظم دول العالم، من إسرائيل إلى الصين مرورا بالباكستان والهند... ومن فرنسا إلى روسيا مروراَ بألمانيا وبولندا..... فضلاَ عن دول أخرى لسنا بصددها. وهل من عاقل يصدق أن دولة يحتل جنودها "بدباباتهم" دولة أخرى وتعلم أنها تمتلك أسلحة دمار شامل؟ أما إذا كان الهدف هو تصدير الديمقراطية فالديمقراطية لا تصدر لأنها ليست علب دخان ولا صناديق انتخاب. وليست عباءة احتماء لبرقعة الرجعية الدينية. وزدّ على ذلك أن الديمقراطية ليست هدفاَ سياسياَ بل وسيلة. إذ إنها نظام لحماية المبادئ الآتية: أولا : المساواة في الحقوق ثانيا :المساواة في الواجبات ثالثاَ: المساواة أمام القانون رابعاَ : المساواة في الفرص المتاحة وتشمل هذه المساواة كل أفراد الشعب العراقي بغض النظر عن الدين، الطائفة، القومية، العرق أو الجنس. وما الدستور والانتخابات ومجلس النواب والوزراء والأمن والجيش وكل الدولة إلا أدوات للحفاظ على تطبيق المبادئ أعلاه. وإن فشلت هذه الأدوات في تأدية واجبها فما هو الضير من تنحيها ومجيء قوة قادرة على حماية تلك المبادئ او حتى الرجوع للمربع الأول بدل استمرار الانهيار؟؟. ولنكن واقعيون، لماذا تتبرع أمريكا "برفع" الظلم عنا في الوقت الذي يملأ الجور والظلم الأرض ومن عليها وبضمنها كافة نظم الشرق الأوسط الدكتاتورية لمخ العظم؟. رحم الله فنان العراق الأكبر يوسف العاني "مستهزئاً" بحارس من حراس العهد الملكي في فلم سعيد أفندي الذي شاهدته قبل نصف قرن عندما قال للحارس "أهلا بصديقنا وعدو اللصوص" نعم "إن أمريكا صديقتنا وعدوة لصوص ثروتنا". عليه فإن ما حدث للعراق هو عدوان انكلو - أمريكي إسرائيلي نظّر له في تل أبيب وخطط له في لندن ونفذ في واشنطن بأدوات غربية عربية عراقية. فسارت بواخر السلاح عبر كل المضايق والقنوات البحرية العربية واستقرت تلك الخناجر في قواعد الأرض العربية "المعطاء". ولم ينبس احد من حكام هذه الدول ببنت شفة عدا ما نصح به الشيخ زايد بن سلطان حكام العراق بالتنازل عن الحكم لأن العراق أهم من الحكام، والنظرة الثاقبة التي أدلى بها الدكتور بشار الأسد في مؤتمر القمة عندما قال: "عندما يؤكل الحصان الأبيض سيؤكل الحصان الأسود". لقد كان لنا في العدوان الثلاثي على مصر مثلاً ومثال. ولئلا نظلم أنفسنا "لأنه أقسى أنواع الظلم"، علينا أن نعترف بخطيئتنا ونقول، إنه عدوناً عسكرياً يتسم بالاتي : أولا : غير شرعياً ولا مبرراً ومناهضاً للرأي العام ومهدداً للسلام العالمي. ثانياً : غير متكافئاً ولا إنسانياً. ثالثاً : يستهدف تركيع كل فئات الشعب. رابعاً : يستهدف الاستحواذ على الموارد الاقتصادية. خامساَ: يستهدف تقسيم العراق إلى دويلات طوائف لإضعافه. سادساَ :يستهدف محق العراق ككيان ومحق الذات العراقية بالخصوص.
7-2 لماذا العراق؟ على اثر حوادث سبتمبر مرت منطقة الشرق الأوسط بالخصوص والعالم اجمع بمنعطف خطير نتيجة لخذلان ساسة البيت الأبيض تجاه الحزب الدمقراطي في الكونغرس. ولابد من عمل شيء يتناسب مع حجم مأساة برج التجارة الشامخ. فما العمل ؟ لم يكن لديهم غير التفتيش عن كبش إسماعيل "كبش الفداء". وظل السؤال في الـ (سي. آي. أي.) والبنتاغون في أي من رؤوس مثلث الشر نبدأ فتلاقى حنق الكابوي الامريكي مع ذكريات مجد بريطانيا العجوز مع ما في بروتوكولات آل صهيون. ويمكن تلخيص ذلك بالآتي: أولا: يعدّ العراق من اكبر دول العالم في احتياطي البترول. ثانياً : كان العراق احد المستعمرات البريطانية ولمدة أربعة عقود ولابد من إعادة (الحصان الجامح إلى الحضيرة البريطانية). ثالثاً: يعدّ العراق عدواً أزليا لإسرائيل منذ السبي البابلي في عهد حمورابي إلى صواريخ عام 1991، مروراً بالقائد صلاح الدين الأيوبي ومعارك كفر قاسم وجنين عام 1948 وحربي 1937و1967. وهدف إسرائيل هو مسخ الهوية العراقية كهوية. من أنا؟ عراقي أم مسلم؟ عراقي أم سني؟ عراقي أم شيعي؟ عراقي أم كردي؟ وماذا أريد؟ وماذا أريد أن أكون؟ وسقطت الأحزاب والكتل السياسية الموجودة على الساحة في هذا الحضيض. رابعاَ:يعد العراق خطراً فكرياً فطرياً على المعسكر الغربي نتيجة تلاحم فئاته القومية والدينية و المذهببه. مما يشكل استثناءً ينبغي تفتيه لأن نتائج التضامن هو توحيد دول إقليمية وتكوين فضاءات قد تكوّن أقطاب سياسية مناهضة لسياسة القطب الواحد. خامساً: يتمتع العراق بخلفية ثقافية واسعة من الممكن أن يقوم عليها صرح علمي وتقني متطور ورصين، وقد تجر دول أخرى لتنهج ذات النهج وهذا يتعارض مع الاستراتيجية السياسية الإمبريالية المستغفلة للشعوب التي تقتضي أن تكون الشعوب العربية مرفهة بعوائد النفط ممتلئة البطون فارغة الرؤوس. سادساً: عراقة العراق فهو أول من عرف الكتابة على ألواح الطين وفيه سطرت أولى الشرائع على مسلة حمورابي التي بينت لسكان الأرض أن لهم حقوق وعليهم واجبات، وفي كروموسومات وهندسة وراثة أبناء شعبه إرثا علمياَ وفكرياَ هائلاَ قد يكون يوماَ ما نبراسا مضيئاَ لدول العالم الثالث لنظم اقتصادية معارضة. سابعاً: تدمير العراق في تلك الآونة انسب من أي وقت آخر فهو اضعف الحلقات وانه منهك منذ أكثر من عقد من الزمن نتيجة الحصار الاقتصادي العسكري........الخ ثامناً: مصر والعراق هما جناحا المنطقة العربية "دون الدخول بالتفاصيل"، وينبغي كسر الجناح الثاني أيضاَ الذي بقي ملتوياَ، وذلك عملاَ بتلبية لوصية رئيس "الرايخ الثالث" بوش الأب عندما قال سنعيد العراق إلى ما قبل الثورة الصناعية........ تاسعاَ: النظام الدكتاتوري الفردي السابق افرز عداوات مع دول الجوار بدءاَ بالاختلاف مع سوريا مروراَ بالحرب مع إيران إلى احتلال الكويت. ولقد أخاف ذلك التوجه دول الجوار الأخرى حتى التي تتظاهر بتأييد العراق إبان الحرب مع إيران، فضلاَ عن مقاطعة دول العالم كافة. عاشراَ: عمد النظام في العراق منذ ثلاثة عقود على تصفية الأحزاب الوطنية والديمقراطية التي لها فلسفة ونظام داخلي أو دليل نظري وشمل ذلك، التصفية الجسدية الجماعية والسجن والتعذيب. حادي عشر: نتيجة لدكتاتورية النظام وملاحقة وتشريد للكوادر الحزبية العريقة في المجتمع وإضعافها، أدى إلى صمت "لحد ما" الصوت العراقي الحرّ. مما حدي بالشباب العراقي للاحتماء والانخراط في أحزاب تحت عناوين وحركات دينية أسست بعضها مخابرات دول معادية، أو أنهم انخرطوا كبديل لسد الفراغ الفكري. ثاني عشر: أرادت أمريكا أن تستغل كل ما تقدم لتحسين صورة تاريخها الكالح عالميا، بحجة إسقاط نظام دكتاتوري، فانقلب السحر على الساحر.
7-3 لماذا على هذا الجزء من العالم؟ الأطماع الاقتصادية في هذه البقعة من الأرض جعلت سكانها يخوضون معارك عديدة من جبال أوراس إلى جبال كردمند الشامخة في كردستان العراق مروراَ بالجبل الأخضر، السويس، فلسطين، لبنان، حضرموت، الجولان، الرارنجية وخان ضاري. إن كل فرد يقطن هذه الأرض العربية مهما كان دينه أو كانت قوميته فهو مستهدف. فهي وما عليها ومن عليها وما فوقها مستهدف. وذلك لأنها تملك مقومات التكامل منها: أولا: ألاقتصادي نتيجة لموارد الطاقة النفطية والطاقة الشمسية. ثانياَ: الزراعي نتيجة التنوع ألمناخي، ففيه تقطف ثمرتا الموز والبلوط بآن واحد. ثالثا: الصناعي نتيجة لتعدد مصادر الموارد الطبيعية كالمياه ومناجم المعادن. رابعا: العلمي كما يحكي تاريخها الحضاري في مصر وما بين النهرين. خامسا :العسكري لتنوع التضاريس الجغرافية وسعة وامتداد الأرض في قارتين. فضلاَ عن الاجتماعي كنتيجة طبيعية للدين واللغة. إذن سكان هذه المنطقة يملكون كل شيء عدا إرادتهم فقد سلبها حكامهم منهم من زمان. وان شاءوا واستردوا الإرادة المسلوبة سيكونون منطقة واعدة وقطباَ ديمقراطيا يساهم في بناء حضارة الأرض. فليسوا أكثر اختلافا مما في الأمة الهندية وليسوا أكثر عدداَ مما في الصين الشعبية ولا اقل مالا مما في الولايات المتحدة الأفريقية المزمع التفكير بإنشائها. وإلا سيطوي التاريخ صفحته عليهم (ويكتب عليها يافطة تقول: هذه كانت ارض الهنود السمر).
7-4 هل انتهت الحرب أم انتهت المواجهة العسكرية على العراق؟ استبشرت المصادر الرسمية العراقية بأن عدد الضحايا من المدنيين العراقيين لشهر حزيران-2007 حوالي 1200 فقط ،"1200 إنسان قتلوا فقط". أما عدد القتلى من جنود الاحتلال فلا يتعدى 100 لنفس الفترة. هناك إحصائيات قد لا تكون دقيقة لكن هناك مؤشرات تثبت أن كل من الجانب الحكومي العراقي والجانب الرسمي الأمريكي يكذبان بادعاتهم عن عدد من قتل من كل من الجانبين منذ انتهاء الموجهات العسكرية بعد معركة المطار. ومهما يكن من أمر فإنه ما ذهب ضحية للعدوان لحدَ الآن في هذه الأربع سنوات من العراقيين حوالي مليون شخص ومن قتل من جنود الاحتلال حوالي 25 ألف. فهل هذا يعني أن الحرب على العراق انتهت؟. ولسنا بصدد حصر عدد الجرحى والمعتقلين والمهجرين وتدمير البنى التحتية والخدمات الصحية والاجتماعية........الخ ولا مايجري من انتهاكات يومية مخزية والتي يعرفها جيداَ القارئ الكريم. هناك اليوم أكثر من 150 ألف جندي عسكري في العراق، ليسوا برحلة اصطياف لأن ودرجة الحرارة حوالي 50 مؤية. ما أريد أن أقول أن الاحتلال "أن لم نقل عدوان" فهو مستمر وانه لم ينته بعد، وانه مكلف "على الأقل سياسيا" للغزاة.
7-5 ماذا جرى في معركة المطار؟ مما تقدم يمكن أن نخلص إلى نتائج مهمة هي: 1- تاريخ أمريكا العسكري الأخلاقي يسمح بإبادة الشعوب سواء أكانوا في فيتنام أم في السويس أم في أفغانستان وحتى لو كانوا مواطنيهم من الهنود الحمر ولا يتورعون من استعمال أي نوع من أسلحة الدمار الشامل كالتي استعملت في اليابان. 2- خرجت أمريكا من الحرب العالمية الثانية منتصرة عسكرياَ وأصبحت بعد نصف قرن القطب الأوحد في العالم وباركتها الدول الأخرى وخفت صوت الضمير العالمي خصوصاَ بعد تفتت الاتحاد السوفيتي الذي كان شوكة في عين الإخطبوط الإمبريالي. ولم يعدّ ما يمنعها من الغرور والغزو لتستحوذ على ما في الأرض من ثروات لبضعة عقود أخرى. 3- انطلاء شعارات الحرية والديمقراطية على دول العالم أو تأييدهم تلك الأكذوبة خوفاَ من البطش والحصار الذي تقوم به الأمم المتحدة المسيسة أمريكيا. 4- تمتاز القنبلة النيوترونية بأن الجزء الأكبر من الإشعاع الناجم عن تفجيرها يتألف من النيوترونات. والنيوترونات دقائق عديمة الشحنة الكهربائية لذا فهي قادرة على اختراق كافة المواد والدروع الواقية والوصول للأنسجة الحية. إذ تحدث تدميراً هائلاً في أنسجة الأحياء بعد تأين مكونات الخلايا الحية. أنها تفحم الجسم الحي تفحماَ كاملاَ دون أن تؤثر على المباني أو على الدبابة أو الدرع المتواجد فيه الجسم الحي. 5- انسحاب القوات الاحتلال إلى مواقع بعيدة عن المطار في منطقة أبو غريب يشير بدلالة جيدة على الابتعاد عن مواقع تأثير القنبلة النيوترونية لهنينة من الزمن. 6- دفع بأكثر من 35 ألف مقاتل لثلاث فرق من الحرس الجمهوري أي أن عدد الضحايا كان هائلا هز أركان دفاعات العراق. عليه فأن، معركة المطار التي زج العراق بقواته فيها اعتبرها الطرفان المعركة الفصل. 7- التصريح المريب الذي صرح به وزير الأعلام العراقي صبيحة ذلك اليوم بان معركة المطار ستكون غير تقليدية أثار خفيظة الأمريكان باحتمال استعمال سلاح كيميائي (لذا تغدو ا بنا قبل أن نتعشى بهم). 8- أظهرت وسائل الأعلام على شاشات التلفاز بان هناك سلاحا غير معروف كان قد استخدم نتيجة تفحم جثث الجنود العراقيين في معركة المطار وفي معركة شارع محمد القاسم دون التأثير على المنشآت القريبة ولا على حتى الدبابات التي بقت على ما هي عليه في تلك المنطقة. لقد أوضحت الصور التلفازية كيف كانت الهياكل العظمية لسواق الدبابات متفحمة في مقاعدها و أكفهم تقبض على مقابض قيادة الدبابات. فحتى لو شبت حرائق في جذوعهم فلا يمنع ذلك من تزحزحهم عن مواقع قيادة الدبابات. 9- قيام الأمريكان بإغلاق منطقة المطار وشارع المطار ومنطقة شارع محمد القاسم لمدة ثلاثة أسابيع بدعوى"تنظيف المنطقة" والواقع هو إخلاء الجثث المتفحمة وإزالة تلوث ما يمكن إزالته من المواد "المعدنية بالخصوص" التي تشععت أثناء رمي القنابل النووية لكي لا تفشى المعلومات عن نوعية السلاح الذي استعمل.
7-6 ما هو السلاح الذي استخدم في معركة المطار؟ تشير الدلائل في الفقرة أعلاه أن القنبلة النيوترونية هي التي استعملت في معركة المطار وفي شارع محمد القاسم. ولا نبرئ إسرائيل من مدّّ يد العون لأمريكا عندما تستنجد بها في الحالات الحرجة المستعجلة، لأن لها أكثر من تجربة مع العراق سواء التي أعلنت وعرفها العالم أم التي دفنت في صحراء البادية مع التاريخ. إذ علمتنا التجارب بأن كل ما يضر أو يسئ بسمعة العرب عالميا وأينما يحدث في العالم لا بدّ أن يحوي بصمات إسرائيل، حتى وإن كان في كلاسكو. وأنها قامت بإنشاء أحزاب دينية متطرفة مناهضة "إعلاميا" لإسرائيل بالذات لجلب انتباه واستياء العالم. كما ذكرنا أن القنبلة النبوترونبة تقضي على الأحياء "فقط" بدائرة نصف قطرها لا يتعدى بضعة كيلومترات ولمدة يوم واحد فقط وكل شيء يعود إلى مكان عليه عند رفع الجثث وينتهي تأثيرها "ولا من شاف ولا من سمع". بينما تحدث القنابل الأخرى دويا وعواصف وتشعل نيراناَ وتحطم مباني في مناطق يتعدى قطرها عشرة كيلومترات. ولذا ركزت إسرائيل على امتلاكها لعدة أسباب؛ أهمها عدم تأثير القنبلة النيوترونية عليها. وربّّ سائل يسأل لماذا لم تستعمل الأسلحة الكيمياوية أو الأسلحة البايولوجية في عمليات المواجهة في العراق. الإجابة تتركز في أن تأثيراتها هذه الأسلحة واضحة على الأحياء المعرضين وحتى على الأموات ولم تلاحظ على السكان المدنيين المجاورين لطريق المطار. ويمكن ان كشفها بحواس الانسان كحاسة الشم مثلاَ، كما انها لا تفحم الجثث. اما الأسلحة الإشعاعية التي سبق ذكرها في د- من فقرة أنواع القنابل فلم تستخدم ايضاَ لأن تأثيراتها ليست فورية وتختلف عن تأثيرات القنبلة النيوترونية كماَ ونوعاَ.
7-7 كيف نثبت ذلك؟ النيوترونات الصادرة من القنبلة النيوترونية تنشط معظم العناصر الطبيعية، لاسيما المعادن الموجودة في موقع الانفجار وتجعل من هذه العناصر نظائر مشعة "لأشعة كاما" لمدد زمنية قد يدوم إشعاعها سنين طوال. لذا من الممكن معرفة قوة وحتى عدد القنابل وخارطة التفجيرات عندما نحصل على كمية من الموفع أو من عظام مقابر الموتى في تلك الواقعة وذلك بالكشف بطريقة "تسمى التنشيط النيوتروني" البالغة الدقة. محاسن هذه الطريقة تتلخص في؛ حساسيتها العالية للتحليل وسهولة تطبيقها كونها لا تحتاج إلا إلى اخذ نموذج من المادة التي كانت قد تعرضت للنيوترونات ولتكن تربة من موقع المطار أو سياج الطريق أو الدبابة أو من البيوت القريبة ومن ثم وقياس شدة الإشعاع الذي ينبعث منها. كما انه بالامكان التقاط أشعة أكثر من عنصر واحد في النموذج في القياس الواحد. جهاز القياس المستعمل بسيط جداَ يتكون من عدد ايويدايد الصوديوم أو عداد الجرمانيوم مرتبط بجهاز الحاسب الالكتروني ذي القنوات المتعددة لأجل إيضاح طيف أشعة كاما الملتقطة على الشاشة. بعدها تعين كمية الأشعة تحت منحني الطاقة بالمقارنة. ثم تحلل النتائج ببساطة لمعرفة حتى مقاديرالنيوترونات التي أصابت النموذج ومن ثم قوة القنبلة النيوترونية التي استعملت. كما يمكن معرفة الخارطة الجغرافية للقنابل التي ألقيت. وإن غداَ لناظره قريب.
7-8 هل ستستعمل القنبلة النيوترونية لإنهاء حوادث العنف في العراق؟ مثلما أدت لعبة روزفلت غرضها المنشود على العالم العربي: من أن الدفاع عن بعض الدول العربية "أمراَ هاماَ للشرعية الدولية ومبادئ الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والديمقراطية...............الخ". فقد أدت لعبة بوش حالياَ غرضها أيضا، وحقيقة الأمر هو استمرار تدفق أنبوب النفط إلى أميركا من اجل نموها الاقتصادي ورفاهيتها و انفرادها قوة رئيسة في العالم، مهما كلف الأمر وبغض النظر عن اليافطة التي ترتسم على الأنبوب للعقود الثلاث القادمة. لكن الاحتلال مكلف كما قلنا على الأقل سياسياَ داخل الكونغرس الأمريكي. كما انه مكلف عالميا، إذ عادت سمعة أمريكا إلى سابق عهدها من قبل الشعوب. فقد تورطت أمريكا باحتلالها للعراق وأماط الزمن اللثام عن الكواسر وبانت حقبقة كثير من الأمور. ما عدا الكتل السياسية والتجمعات العاطفية النزعة التي قامت كردود فعل وهدف هذه التجمعات كان لإسقاط النظام كانتقام لما قام به النظام من مجازر وليس لبناء نظام وطني ديمقراطي للعراق. واعتقد انه لا مبرر لوجود هذه التجمعات الآن على الساحة السياسية للعراق لان أمريكا حققت لهم أهدافهم. وتكشف الأيام يوماَ بعد آخر انه أصبح من الصعب حتى على أمريكا أن تراهن على هذه التجمعات، لعدم قدرتها ولا كفاءتها على إدارة العراق. وعليه ما العمل؟. لست في خضم الدخول في توقعات وتشعبات اللعبة السياسة القادمة. لكني أود أن أجيب على السؤال. هل من الممكن أن تستعمل أمريكا القنبلة النيوترونية التي استعملتها في معركة المطار؟ و الجواب هو: ما يمنع امريكا من عدم استعمالها لهذا السلاح إذا ما ساءت الأمور؟ أو حتى إذا ما بقيت على ما هي عليه، إذا ما عاد القتال متمركزاَ في مدينة مثلما حدث في الفلوجة وفي النجف. فمن المحتمل جداَ أن تستعمل في مدينة الصدر أو في المناطق الساخنة من بعقوبة. وذلك لخواصها الدفاعية وقوتها الرادعة، لاسيما وان صبر بوش كما تقول المصطلحات بدأ ينفذ. قد تكون أربع قنابل متفرقة في أنحاء العراق قادرة على إخماد المقاومة ولكن ذلك إجراء وقتي لغرض خروج القوات المحتلة من العراق "بكرامة". أما العراق فإنه سيتعافى كما تعافت اليابان وفيتنام و ألمانيا. و لا بدّ للمحتل كما علمتنا دروس التاريخ الإنساني أن يخرج يوماَ ما. وستحفظ سجلات التاريخ بأحرف من نور تاريخ من ضحى للعراق الموحد. وسيخزي التاريخ أبناء وأحفاد أجداد من خان العراق. و ما تقترفه هذه الفئات الموالية للغزاة اليوم في العراق أكثر مما اقترفه النظام الدكتاتوري السابق. فالتصفيات والتشريد والتعذيب والسجون قائمة كانتقام بأعذار وتحت مبررات ومسميات مختلفة والجثث المجهولة الهوية. وبحور الدم التي لها أول وليس لها آخر. وهذا ما تريده أمريكا وتحلم به إسرائيل، إضعاف يعقبه إضعاف لقدرات العراق. إن ما يحتاج العراق اليوم تظافر قوى الشعب بعماله وفلاحيه ومثقفية وبكافة طبقاته لتكوين نظام مؤسساتي قوي لا حكومة قادة مليشيات دكتاتورية. فليس مشكلة الشعب الجائع المهجر المتعب من صلى سابل اليدين أم من وضعهما على البطن. وما لم تتمكن الحكومة القادمة بعد الحكومة الحالية من أن تميز وتفرز فرزاً جيدا ودقيقا بين مفهوم قوة ومهنية المؤسسة وبين دكتاتورية النظام فلن يكون هناك عراق لعقود. ---------------------------- (1) الرئبال: الذئب. (2) استعمال بعض أنواع الأسلحة النووية أفضل من استعمال أسلحة الدمار الشامل الأخرى مثل الأسلحة الكيماوية أو البايولوجية في حالات كثيرة ، كما سيأتي ذكره لاحقاَ.
8- المصادر. 1- Lenge, S., (1978) The Pacific War 1931-1945. 2- Takaki,R.,(1995) Hiroshima, Why America Dropped The Atomic Bomb. Williams, R., (2002) The Nuclear Power Decisions, Croom Helm. -3 4- Hunt, S.E. (2004) Fission, Fusion And Energy Crisis. Volume 2 .Perg. Press.
#قاسم_أمين_الهيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استنساخ لبنة بناء الأحياء
-
تساؤلات حول لبنة بناء الكون
-
النفط مستعبد الشعوب في سيرته الذاتية
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|