محمود جلبوط
الحوار المتمدن-العدد: 1966 - 2007 / 7 / 4 - 11:56
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
إنها عقوبة جماعية , هذا ما خلصت إليه صحفية أوربية تعمل في لبنان .
فقد نشر موقع أصدقاء فلسطين تحقيقا للصحفية Sophie McNeill , وهي تعمل مراسلة لبرنامج البث المباشر للبرنامج العالمي للتلفيزيون الاسترالي العام (SBS.TV) باللغة الألمانية منقولا من الانكليزية عن موقع الانتفاضة الالكتروني تحت فقرة Electronic Libanon بتاريخ 22.7.2007 تحت عنوان: Kollektive Bestrafung palästinensischer Zivilisten im Libanon , ومعناه بالعربية : عقوبة جماعية بحق المدنيين الفلسطينيين في لبنان , والذي قمنا بدورنا بنقله إلى العربية , ولمن يرغب الاستزادة أكثر ماعليه إلا العودة إلى النص الأصلي بااللغة الانكليزية ونصه باللغة الألمانية من خلال زيارة الموقعين الالكترونيين التاليين :
http://electronicintifada.net وموقع أصدقاء فلسطين الالكتروني http://www.freunde-palaestinas.de/
عقوبة جماعية بحق المدنيين الفلسطينيين في لبنان
كان محمد يمر بالقرب من نقطة تفتيش للجيش اللبناني المتمركزة بالقرب من مخيم النهر البارد للاجئين الفلسطينيين , عندما أوقفه الجنود وساقوه بعيدا عن زوجته وأولاده , بعد أن استطاع مع عائلته التي حوصرت بين المنازل المهدمة في المخيم الخروج وبسبب القصف , إثر اندلاع القتال بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الإسلام .
عندما اندلعت الاشتباكات كان الجيش قد وعد الفلسطينيين الفزعين العالقين بين النيران برحيل آمن من مواقع الاشتباك , ولكن بدلا من ذلك بدأت بالنسبة لمحمد رحلة الخوف المريرة .
كنت أصغي إلى مايسرد الصبية الفلسطينيون الذين كانوا برفقة أهلهم في مخيم البداوي حيث تواجد 18 ألف مهجر قدموا من مخيم النهر البارد بعد تركهم لمنازلهم في مخيم النهر البارد إثر الاشتباكات , عن تجاربهم السيئة وفزعهم بسبب القتال هناك وبسبب ماعانوه على أيدي عناصر الجيش اللبناني . لقد أوقفوا من قبل قوات الجيش وعناصره الأمنية مرارا , و أسيأت معاملتهم وتم تعريضهم لإيذاء جسدي . كان الخوف عليهم مسطر عليهم لدرجة كبيرة حتى كانوا في بداية اللقاء معهم غير راغبين بالسرد لي عما حصل لهم . ولكن في يوم السبت صباحا تقدم مني صبيا منهم وسألني إن كان بالإمكان مرافقته للحديث مع والده الذي كان قد أخلي سبيله في ليلة سابقة من قبل العناصر الأمنية في الجيش اللبناني .
اصطحبني الصبي خلال شوارع خربة , وعندما وصلنا بناءا طابقيا شاهقا صعدنا إلى الطابق السادس منه حيث تواجد والد الطفل محمد بوجه شاحب وسط أفراد عائلته . وبعد الانتهاء من تبادل أحاديث الترحاب خلع محمد قميصه ليريني آثار ضرب سياط (كرابيج ) على ظهره والقسم العلوي من ذراعيه , وشرع بسرد ما قد حصل له هناك بين أيدي عناصر الجيش اللبناني .
قال: „ما أن استطعت مع زوجتي وأطفالي والعمة الهرب من الاشتباكات الحاصلة ومغادرة مخيم النهر البارد حتى فرق جنود الجيش اللبناني شمل العائلة بعد أن سمحوا لزوجتي والأولاد بمتابعة طريقهم باتجاه مخيم البداوي واحتجزوني والرجال الآخرون .“صمت محمد قليلا ثم تابع : „طمشونا (وضعوا عصابة على أعيننا) ثم حملونا في سيارة عسكرية مطأطئي الرؤوس لا يسمح لنا برفعها بل طلب منا أن نحملق على أقدامنا , وعندما كان يحاول أحد منا رفع رأسه يصيح به أحد الجنود : راسك لتحت يا كلب , ثم يضربوننا على رؤوسنا ويهددوننا ويشتمونا بكلمات بذيئة (سنفعل بكم كذا وكذا...وبنسائكم وأمهاتكم , مع الصغير قبل الكبير...إلخ) . أنزلونا في ثكنة عسكرية للجيش في منطقة الكبة بالقرب من مدينة طرابلس , وبعد 24 ساعة من التحقيق المتواصل فكوا قيودي وأبقوني معصوب العينين (مطمش) , ثم أخبرني أحد الجنود بنية نقلي إلى وزارة الدفاع بالقرب من بيروت حيث تم التبديل بأماكن متعددة خلال أربعة أيام من رحلتنا هذه“ .
كنت قد أوقفت من قبل عناصر الجيش بالقرب من مخيم النهر البارد وذلك قبل توقيف محمد هذا , وذلك بسبب تصويري فلما , فأحضروني إلى قاعدة عسكرية , وهناك كنت أسأل من قبل عناصر أمنية متنقلة بين غرف متعددة حيث كانت مزدحمة بصبية فلسطينيين يفترشون الأرض والجنود الحرس يقفون على أجسادهم . طبعا كان التعامل مع صحفية أوربية شيئا مختلفا , بقهوة الاكسبرس الايطالية مع القشطة .
وما أثار انتباهي أثناء الجلوس في غرفة الضابط اللبناني هو رؤيتي لشهادة قد علقت على الحائط تشير إلى أن صاحبها قد أنهى دورة في المركز الأمريكي لبرنامج الضباط , في التحقيق والتحقيق العنيف كما بان من التطبيقات الأخيرة .
ويتابع محمد سرده لي فقال: „عند الوصول إلى الموضوع , كما يدعونها الجنود نكاية عن مبنى وزارة الدفاع , أجبرنا الجنود على الركوع على الأرض طوال اليوم , وعندما كان يحاول الواحد منا مد ساقيه ليريحها من الركوع الدائم يضرب من قبل الجنود بشدة , ولما نحتج بقولنا يا الله كيف يمكننا البقاء هكذا , حتى أن مد ساقينا ممنوع هنا , يا الله , كانوا يعلقون على استنجادنا بالله : ماهذا الله ؟ هنا لا يوجد الله“ .
بعد يومين أحضر ضابط التحقيق محمد إلى إحدى غرف التحقيق وشرع بضربه : „كان يستخدم سوطا ( كرباج) ترك تلك الآثار التي شاهدتيها على ظهري , كان عبارة عن كابل كهربائي غليظ داخله من المعدن ملبس بالبلاستيك , ثم جاء رجالا آخرون ليركلوني ويضربوني على رأسي ومعدتي وعندما كنت أصرخ شاكيا من الألم في موقع ما من جسمي كانوا يهزؤون بي ويسألوني أين الوجع ثم يتابعون بضربي على مكان الوجع , بعد ذلك رموني إلى جدار الممر الفاصل يتابعون أسئلتهم لي عن كيفية حمايتي للإسلاميين وأنا أصر على الرفض والإنكار بأني لم أقدم أي مساعدة لأحد منهم لكنهم كانوا يصرخون بي ويصرون بأني بقيت كل هذه الفترة لأساعدهم“.
في الواقع يتهم الكثير من اللبنانيين الفلسطينيون بأنهم أمنوا لعناصر فتح الإسلام المأوى في مخيمهم النهر البارد , وكانت الحكومة اللبنانية قد زعمت هذا منذ مطلع آذار الماضي من السنة الجارية .
ويتابع محمد: „سألني الضابط اللبناني : طيب إذا لم يكن لديك أي علاقة مع عناصر فتح الإسلام لماذا لم تطردوهم هكذا بكل بساطة؟ لماذا لم تتصدى لهم منظماتكم في منظمة التحرير الفلسطينية ؟ سنذبحكم كما ذبحتم جنودنا . حاولت الدفاع عن أنفسنا أمامه وقلت له : لا يوجد ما يجمعنا معهم , نحن مجرد مدنيون , ونحن ضد هؤلاء القتلة“ .
كان على محمد الوقوف على قدميه لعدة ساعات , وعندما كانت عينيه تغفو غصبا عنه يضربه أحد الجنود مهددا بأنه سيعرضه للصعقات الكهربائية ليبقى مستيقظا , لكن أسوأ اللحظات كانت بالنسبة له عندما ضربه أحد الجنود ببندقيته على رأسه قائلا : „يمكنني الآن أن أرديك قتيلا كالكلب دون اكتراث“ .
أكره محمد أن ينام في إحدى القاعات المليئة بالبراز والبول البشري , وعندما استعطفهم أن ينظفها على الأقل من أجل صلاته لم يسمحوا له .
إن أصعب ما أساء إلى محمد من معاملة هؤلاء الجنود كما سرد لي , وكان أصعب لديه من الضرب هو , وكما قال : „عندما كانوا يشتمونا بأقذع الشتائم وزوجاتنا وأمهاتنا , وبأننا شعب قذر , وكلاب , وكانت هذه الشتائم لنا بالنسبة إليهم شيئا عاديا“ .
بعد خمسة أيام من التحقيق , شحن محمد ثانية على ظهر شاحنة عسكرية , أشبعوه ضربا بالهراوات طوال طريق العودة إلى الثكنة العسكرية , وهناك وبعد أن استدعاه أحد الضباط في الجيش اللبناني ليشتمه : „أنت كلب وابن كلب , هيا انصرف من هنا“ , أطلق سراحه .
الجدير بالذكر أن لدى السيد نديم حوري , وهو من مكتب بيروت لمنظمة حقوق الإنسان (HRW ) الكثير من الحالات الموثقة والشبيهة في مخيم البداوي , وعن بعض المحاولات الطبية مع بعض الذين أوقفوا , وبعد ضربهم لمدة 4_5 أيام دون أي رعاية , وقال السيد حوري : „أن الكثير من الصبية الفلسطينيين يعترضهم الجيش اللبناني على نقاط التفتيش في كل مكان في لبنان ويتم اعتقالهم وضربهم بشدة دون وجه حق فقط لأنهم فلسطينيون“ . وقال السيد حوري بأن منظمته قد تحققت من أن الجيش اللبناني مفوض بأن يحقق مع كل الفلسطينيين الذين غادروا مخيم النهر البارد حول إن كان لهم أي صلة مع جماعة فتح الإسلام أم لا, وأنه مصرح له استخدام كل الوسائل الغير مشروعة لإنجاز ذلك .
وأضاف السيد حوري أنه من الصعوبة بمكان رؤية الخوف والفزع يتملك ليس فقط الفلسطينيون اللذين غادروا النهر البارد بل وقاطني مخيم البداوي , وأوضح أيضا أنه إن كان للجيش تأكيدا بأن لهؤلاء علاقة بفتح الإسلام فلماذا يطلق سراحهم إذا؟ وإن فعل فهذا يؤكد أن ليس لهم أي علاقة بفتح الإسلام , والأهم من هذا كله بالنسبة إليه , هو أنه في حال لم يكن لدى الجيش ما يؤكد أن لهؤلاء علاقة مع جماعة فتح الإسلام فلماذا هذه المعاملة السيئة التي يتعرضون لها من قبل الجيش؟.
تقع أي شكوى في لبنان تدعي المعاملة السيئة والتعذيب على أيدي الجيش اللبناني كالعادة دائما على آذان صماء لا تسمع .
إن محاولة الربط بإمكانية أن يكون الفلسطينيون كفلسطينيون ضالعون في قتل 70 جنديا من الجيش اللبناني يهيء مزاجا عاما مؤيدا للتدابير العسكرية ويعيدنا بالذاكرة لأجواء الحرب الأهلية .
بالنسبة للحكومة اللبنانية فإن هذا الصراع يعني أن الجيش يقوم من خلال إجرائاته في المخيم بالدفاع عن أرض لبنان , ومن خلال ما يقوم به على الأرض ربما يتهيأ بعد ذلك لتجريد حزب الله من سلاحه , وليس فقط حكومة الموالاة (كما تدعى حركة 14 آذار) التي وعدت بمساندة كل ما يقوم به الجيش اللبناني في مخيم النهر البارد بل أيضا الغالبية العظمى من اللبنانيين .
إن المواقع , التي دعا الجيش فيها لتبني حلوله , أدارت التضامن مع إجراءات الجيش , وهي التي أوجدت على الأغلب هذه الإعلانات المعلقة على طول الطريق المؤدية إلى ثكناته كل 300 متر تزينها الألوان العسكرية والتي كتب عليها : „ الأمر لك“ .
لم تورد الصحافة المحلية وحتى المتعودة منها على نقد الحكومة أي نقد لهذا التأييد المطلق لإجرائات الجيش اللبناني , لقد كان شيئا لا يصدق هذا الارتهان لشعار „الأمر لك“ دون انتقاد وأن يتلقى الحماية كلها . لقد منع الجيش اللبناني المراسلين من أي متابعة أو تصوير لأي شيء بالقرب من المخيم وحوله , وشمل هذا الأمر كل المراسلين الأجانب واللبنانيين .
قدمت ما كنت قد حصلته من موضوع مقابلتي مع محمد مشفوعة بالصور لآثار التعذيب في جسمه كمستند للقنوات التلفيزيونية اللبنانية مجانا , ولكن لم تجرؤ أي مؤسسة على نشرها , وقد شرح لي مدير محطة تلفيزيون NEW TV , والمعروف ببرامجه المنتقدة للحكومة : „أن للجيش الحق بأن يفعل كل ما يراه مناسبا وضروريا ضد جماعة فتح الإسلام , وأن يؤمن البلاد من الهجمات الإرهابية“.
ولكن رد مراسلي محطة المنار التابعة لحزب الله أكثر لطافة عندما قال لي : „انظري , من المستحسن ألا يكتم هذا الذي جرى , ولكن بالنسبة لنا لا يمكننا الآن وفي هذه الظروف قول أي شيء يتناول الجيش بالنقد لأن الوضع صعب“.
وعلى أساس هذه السياسة السائدة قال لي متحدث باسم الجيش اللبناني بكل صراحة : „إن الفلسطينيين كاذبون , لم نؤذي أحد ولم نعذب أي شخص منهم , وخاصة المدنيين منهم“.
أنكر محدثي بشدة أن يكون الجيش قد أوقف الفلسطينيين بشكل متواتر , ونفى أن يكونوا قد استجوبوا بعد رحيلهم من مخيم النهر البارد.
لقد ذكر الصحفيون كل الذي حصل في تقاريرهم الإخبارية , وقد رأيناه بأم أعيننا , ولكن بدون صور لأن الجيش لم يسمح لنا بأخذ أي صور.
لقد تركت هذه التجربة محمد الفلسطيني يعاني الخوف في حياته , قال لي : „إننا ندرك أن إسرائيل هي عدونا عندما تقوم بهذه الأعمال ضدنا , ولكن هؤلاء عرب...“ثم خذله صوته عن المتابعة .
يعتقد محمد „أنه من الصعوبة بمكان على الفلسطينيين أن ينسوا ما تعرضوا له على أيدي الجيش اللبناني , وأن ما قام به يعبر بشكل واضح عن حقده ضد الفلسطينيين , وأن هذا سيشجع الناس على تشكيل حركات تمرد وعصيان , إنها مسألة وقت فقط , لقد سمعت بأذني نية الناس على هذا الهدف , معاملة ظالمة ومهينة كهذه لن تنسى أبدا , إن بعض الفلسطينيين يكرهون الآن بعض اللبنانييين فقط لأنهم لبنانيون , ولكني أنبه أن ليس كل اللبنانيون مسؤولون عما جرى بل الجيش اللبناني هو الذي يحاول زرع الحقد والكره بسلوكه هذا بين اللبنانيين والفلسطينيين“.
إن الأسماء الواردة في هذا التقرير الصحفي قد غيرت لحماية الأشخاص .
#محمود_جلبوط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟