مما يمكن اعتباره ميزة مشرفة للبحرين بين شقيقاتها دول الخليج أن المرأة البحرينية كانت قريبة على الدوام من الحراك المجتمعي. كانت حاضرة ومتفاعلة بشكل يضيق أو يتسع في أهم المحطات التي مرّ بها تاريخ تحديث البحرين منذ بداية القرن الفائت. وكان هذا الحضور ملموسا في شتى المجالات الاجتماعية، الثقافية، السياسية والاقتصادية.
في مجتمع البحرين التقليدي ما قبل النفط وفي الطبقات المنتجة على وجه الخصوص، فرضت المهنة التي اعتمدت عليها الأسرة كمصدر لرزقها مشاركة فاعلة للمرأة.
ففي مهنة الغوص ولغياب الزوج في رحلته الطويلة التي تمتد عدة أشهر سنويا، تولّت المرأة البحرينية باقتدار إدارة دفة الأسرة وتدبير كافة شئونها الاقتصادية والتربوية والاجتماعية واجترحت سبلا شتى لدعم دخلها الأسري.
فقد عملت في الخياطة والتطريز المنزلي، وربّت الدجاج والمواشي وباعت منتجاتها لبيوت الحي، كما خدمت بعضهن في بيوت الأسر الموسرة وعمل عدد منهن كمعلمات لتحفيظ القرآن وأخريات في التطبيب الشعبي والتوليد.
وفي مهنة صيد الأسماك شاركت المرأة في عملية الصيد ذاتها أو في مراقبة مصائد الأسماك فيما كان يعرف في اللغة الدارجة بـ (مباراة لحظور). كما شارك عدد من النساء في بيع السمك بالسوق. وفي البيئة الزراعية بقرى البحرين مارست المرأة الريفية شتى الأعمال الزراعية جنبا إلى جنب مع الرجل إضافة لعملها المنزلي والتربوي المضني.
وإلى ما قبل بدء تعليمها لم يكن للمرأة حضور اجتماعي سوى في المحيط النسائي في الأسرة أو الحي. واقتصر دورها التنويري على تحفيظ القرآن. لكن التراث الشعبي البحريني يتوفر على ما يؤكد حضور المرأة في الابداع الأدبي المتداول شفويا وفي الفنون الشعبية . فقد تواجدت المبدعات من النساء المغمورات اللاتي يرتجلن الأشعار والأهازيج ويبدعن الأمثال الشعبية. وكانت تلك الابداعات خير معبر عن خوالج المرأة وطموحاتها ومعاناتها ونظرتها للحياة. وشاركت الفتيات من شتى الطبقات الاجتماعية في رقصة المراداة داخل البيوت في مناسبات الأعياد والزواج. كما اقترن استقبال النساء على الشواطئ للعائدين من رحلة الغوص بالغناء النسائي احتفاء بعودة الغائبين. وكان للنساء -من بعض الفئات- مشاركة في فرق الفنون الشعبية النسائية أو المشتركة.
ومنذ أن وضع المستعمر البريطاني قدمه على أرض البحرين، وجد أن مصالحه في هذه البقعة الصغيرة والهامة من العالم تقتضي ارساء أسس الدولة الحديثة. وقد التقت دوافع المستعمر في هذا الاطار مع طموحات شعب البحرين المتعشق لدخول عالم التقدم والتحضر والمتميز بالانفتاح والحيوية. وادراكا لدور المرأة المؤثر في التغيير الاجتماعي، سعت زوجات كبار المسئولين الانجليز لاقتحام عالم المرأة البحرينية بالتقرب من نساء العائلة الحاكمة ونساء العائلات الموسرة. وجنت المرأة البحرينية من وراء ذلك مزيدا من الوعي بأهمية مشاركتها في الحياة العامة وتفتحت ذهنيتها ونظرتها للحياة وتطور وعيها الصحي واقتناعها بقيمة التعليم وأثره.
كان بدء التعليم في البحرين محطة تاريخية هامة من محطات تحديث المجتمع ونهوض المرأة البحرينية التي لم تكن بعيدة عن هذا المتغير الجذري في حياة المجتمع. ففي أعقاب بدء تعليم الرجل (1919) تعالت الأصوات وطالبت الفتيات بالتعليم. وقبل انتهاء عقد من الزمن كان تعليم المرأة قد بدأ في البحرين (1928) مدشنا تعليم المرأة في بلدان الخليج.
ومع افتتاح أول مدرسة للبنات برز دور كبير لنساء الجاليات العربية الوافدة للعمل بهذه المهنة. وقد بزّ دور المعلمات العربيات الوافدات دور نساء الجالية الانجليزية حيث سهلت لهن عوامل اللغة والدين والعادات العربية المشتركة الدخول إلى نسيج المجتمع النسائي البحريني فتفاعلت المرأة البحرينية مع زميلاتها المعلمات العربيات الوافدات وتجاوبت مع ما حملنه من أسباب العلم والوعي والنهوض النسائي.
التحقت الفتاة البحرينية بأول مدرسة للبنات في البحرين (مدرسة الهداية الخليفية للبنات) وقد تأسست بجهود وتمويل أهلي وكان مقرها منزلا مستأجرا بفريق الزياينة بالمحرق. وبعد عامين ونتيجة لتعرض المشروع لصعوبات مالية وضع تحت الاشراف الرسمي. ثم انتقلت المدرسة بمن فيها إلى أول مبنى رسمي شيد كمدرسة للبنات باسم (مدرسة خديجة الكبرى) بوسط مدينة المحرق فتزايد شيئا فشيئا التحاق الفتيات بالمدرسة.
دخول الفتاة البحرينية المدرسة لم يساهم في تعليمها المواد الدراسية فحسب بل أكسبها جوانب وعي صحي واجتماعي وثقافي وسياسي وذلك بفضل الأنشطة اللاصفية المنوعة التي برعت المعلمات العربيات الوافدات في تنظيمها كالمهرجانات والمعارض والاحتفالات والرحلات والتي كانت فتاة البحرين تشارك فيها بدهشة وحماس. ومن الرائدات البحرينيات في سلك التعليم كانت المرحومتان لطيفة بنت يوسف الزياني ومريم بنت أحمد الزياني تلتهما المرحومة سكينة القحطاني. ثم تتالي التحاق الخريجات من الصف السادس الابتدائي بسلك التعليم الذي يمكن اعتباره أوسع مجال عمل رسمي بدأت المرأة بدخوله.
شكّل التحاق الفتاة البحرينية بالتعليم نقطة تحول كبرى في حياتها ومهد لدخولها مجال العمل وتوسع مشاركتها في الحياة العامة وتفاعلها الايجابي مع الحراك المجتمعي العام.
بدخول الخمسينيات اتسع تعليم المرأة البحرينية وأخذت مدارس البنات تنتشر في كافة المدن ومع دخول الستينيات ظهرت المدارس في القرى البحرينية للجنسين. كما تزايد التحاق المرأة بالعمل في مهنة التعليم. وفي العقد ذاته أرسلت أول بعثة دراسية من الفتيات للخارج وأرسلت بعض الأسر الموسرة بناتها للغرض ذاته. كان تعليم المرأة البحرينية نقطة تحول جذري في أوضاعها ومشاركتها في الحياة العامة. وقد تطرق الكاتب البحريني خالد البسام في كتبه التي روي فيها حكايا البحرين القديمة إلى العديد من مظاهر بدايات النهوض والمشاركة النسائية. فعلى المستوى الصحي تمكنت الفتاة البحرينية من اكتساب الوعي بأمور النظافة الشخصية والأسرية وسبل الوقاية من الأمراض. وانعكس ذلك على تحسن الوضع الصحي للأسرة البحرينية التي بدأت تعتاد زيارة الطبيب في العيادة أو المستشفى. كما أسهم تنامي الوعي المجتمعي في أن تطرق المرأة مجال عمل جديد هو مهنة التمريض. وبرزت في هذا المجال رائدة التمريض على مستوى الخليج البحرينية فاطمة علي الزياني التي اشتركت في أول بعثة طلابية نسائية في تاريخ البحرين في مدرسة الممرضات ببغداد أثناء الحرب العالمية الثانية. وقد عملت بعد تخرجها في مستشفيات البحرين وفتحت صيدلية باسمها "صيدلية فاطمة بنت علي الزياني". كما كانت أول بحرينية تحصل على رخصة سياقة وتقود سيارة في بداية الخمسينيات الماضية.
وعلى الصعيد الاجتماعي أخذ انفتاح المرأة على الحياة الاجتماعية يتسع شيئا فشيئا. ومنذ منتصف ثلاثينيات القرن الفائت -العهد المبكر للصحافة البحرينية- أقدمت بعض الأقلام النسائية على نشر موضوعات في الصحف موقعة بأسماء مستعارة تعبر عن مشاعر الفتاة البحرينية ومعاناتها بل وطموحاتها. وواكبت المرأة ما استجد في المجتمع من وعي ونشاط ثقافي وسياسي وتجاوبت مع الفعاليات الثقافية والاجتماعية التي نشطت الأندية في تنظيمها. وبالتدريج تقبل المجتمع البحريني تواجد المرأة في الحياة العامة. ففي بداية الأربعينيات أقدمت بعض النساء - من العائلات المتفتحة وبتشجيع من رجالاتها - على حضور العروض المسرحية التي نظمتها المدارس والأندية في مدينة المحرق. وفي الخمسينيات شاركت بعض النساء في حضور المهرجانات الاحتفالية العامة وعروض البهلوان. ومنذ دخول السينما البحرين شاركت المرأة في حضور العروض السينمائية، وكانت البداية بتخصيص ليلة إلى ليلتين في الأسبوع للنساء ثم تخصيص شرفة منفصلة يوميا للنساء، وصولا إلى حرية اختيار المرأة لمكانها في صالات العرض.
وعلى مستوى المشاركة في العمل الاجتماعي التطوعي أخذ يظهر تدريجيا دور للمرأة البحرينية. فضمن جهود المستعمر البريطاني للتواصل مع المجتمع واحتواء طاقاته التي كشفها تنامي الحراك المجتمعي وتنوعه باتجاه التحديث، سعت الليدي بلغريف زوجة المستشار البريطاني ومديرة تعليم البنات في عام 1953 إلى تأسيس نادي البحرين للسيدات الذي ضم 15 سيدة. وتركزت أنشطة النادي في الأعمال الخيرية وتعليم النساء بعض المهارات البيتية. لكن النادي الذي أغلق نتيجة رفض مجتمعي شبه عام كان خطوة ممهدة لتأسيس أول جمعية نسائية في البحرين في عام 1955 هي "جمعية نهضة فتاة البحرين" التي أسستها عائشة يتيم احدى عضوات النادي المذكور. وبتأسيس هذه الجمعية دخلت مشاركة المرأة في العمل الاجتماعي مرحلة أكثر جدية واتساعا فقد تلاها تأسيس "جمعية رعاية الطفل والأمومة" في عام 1961. وبجانب السيدة عائشة يتيم برزت من رائدات العمل النسائي التطوعي آنذاك الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة والسيدتان سلوى العمران وفائقة المؤيد وغيرهن. وهكذا ولد العمل النسائي التطوعي على يد النخبة من نساء العائلة الحاكمة ونساء العائلات الموسرة. وكان طابعه الأساس العمل الخيري والرعائي إلى جانب عدد من الأنشطة في مجال التعليم والتنوير.
ثم حلّ عقد الستينيات الماضية محملا بأحداث سياسية عربية ومحلية مؤثرة. وتزامن ذلك مع تخرج أفواج متزايدة من فتيات البحرين من التعليم المدرسي والجامعي وعودتهن للعمل في الوطن الذي تنوعت مجالاته على اثر تنامي الدخل الوطني والتطور الاقتصادي العام. كما تميز النصف الثاني من العقد بزخم كبير في نشاط الحركة الوطنية وتحقق بعض طموحات المجتمع بعودة الحياة للصحافة البحرينية واعادة ابتعاث الفتيات لاكمال دراستهن الجامعية وتأسيس بعض المؤسسات والجمعيات الأهلية. وقد شكلت تلك المتغيرات أرضية مواتية لقيام جمعيات نسائية جديدة بمضامين وأهداف معبرة عن المرحلة وطموحاتها. ففي أواخر الستينيات بذلت جهود لتأسيس جمعيات أوال النسائية والرفاع الخيرية وفتاة الريف وأثمرت الجهود باشهار كل من جمعيتي أوال والرفاع في عام 1970. أما رائدات العمل النسائي آنذاك فكان بعضهن من الشابات المسيسات اللواتي اعتبرن الجمعيات النسائية واجهات اجتماعية علنية للتنظيمات السياسية الناشطة تحت الأرض في تلك المرحلة. وكان بعضهن الآخر من الناشطات في الحركة الثقافية والخريجات الجامعيات. وأبرز أولئك الرائدات كانت ليلى فخرو(أوال النسائية)، الشيخة منيرة فارس آل خليفة(الرفاع الخيرية) ونجاة الموسوي (فتاة الريف).
يمكننا القول إنه منذ بدء تعليم المرأة البحرينية وحتى أواخر الخمسينيات اقتصرت مجالات العمل التي ارتادتها المرأة على التعليم والتمريض. وكان لذلك أسباب على رأسها عدم تقبل المجتمع بعد لعمل المرأة في مجالات خارج النطاق النسائي المغلق. فقد واجهت الممرضات ومن بعدهن -في الستينيات- العاملات في الشركات الصناعية والمضيفات الأرضيات العاملات بنظام المناوبة معارضة لعملهن وظل البعض ينظر لهن نظرة شك وريبة من المنظور الأخلاقي. كما شكلت ندرة توفر الوظائف والأعمال بشكل عام حتى منتصف الخمسينيات ومحدودية المشاريع الصناعية وتواضع قطاع الخدمات الحكومية سببا آخر في عدم افساح المجال أمام المرأة لدخول سوق العمل.
ومنذ مطلع ستينيات القرن الفائت بدأ التوسع الفعلي لدخول المرأة مجالات عمل جديدة. فقد حققت العائدات النفطية آنذاك شيئا من الانتعاش الاقتصادي الذي تمثل في تدشين مشاريع اقتصادية جديدة في القطاعات الصناعية والتجارية والانشائية وقطاع البنوك. حيث تم في عام 1961 انشاء مكتب سمي بمكتب الصناعة ملحقاً بدائرة المالية ووضعت خطة لتطوير التصنيع. وفي عام 1963 وصل عدد المؤسسات الصناعية في البحرين إلى 75 مؤسسة وقفز في عام 1970 إلى 641 مؤسسة صناعية يعمل بها 7189. كما اتسعت التجارة وتوسع النشاط التجاري. ومع تواصل تحديث المجتمع تزايدت احتياجاته ونشطت تجارة الاستيراد وتكونت شركات تجارية متعددة الأغراض. وقد استلزم التطور الصناعي والتجاري تطوير الأجهزة الادارية والقطاع الخدمي الحكومي. ومن العائد النفطي أمكن مضاعفة الانفاق على التعليم والصحة والاسكان وغيرها من مرافق.
الانتعاش الاقتصادي وتطوير الخدمات انعكس ايجابيا على التوسع في تعليم المرأة وعلى تغير انماط الحياة الأسرية باتجاه التحديث. وكان أهم مظاهر تحديث الحياة الأسرية هو التوجه نحو تحول الأسرة البحرينية من الكبيرة الممتدة إلى الأسرة النووية. كما تميزت الفترة المذكورة بتخرج دفعات من الطالبات من الدراسة الجامعية واتجاههن للعمل.
كل تلك العوامل وغيرها أوجدت الحاجة لتوسع عمل المرأة ودخولها مجالات عمل جديدة غير التعليم والتمريض. وكان ارتياد بعض تلك المجالات دليل جرأة وشجاعة نسائية آنذاك كبدء العمل في الشركات والبنوك والدوائر الحكومية، والعمل الاذاعي والصحافي والعمل بالنوبات الخ. وتزايد تدريجيا دخول المرأة سوق العمل، ففي النصف الثاني من عام 1965 كان عدد البحرينيات الملتحقات بالعمل (995) امرأة وتضاعف ليصل في عام 1971 إلى (8418) امرأة. وتلك نسب احصائية عالية بالمقاييس الاحصائية للبحرين في العقد المذكور.
خروج المرأة البحرينية للحياة العامة ومشاركتها في سوق العمل وفي العمل الاجتماعي ساهم في تطور أفقها الفكري وتفتح ذهنيتها وكان دافعا لها للمشاركة في الحياة الثقافية والفكرية في مجتمع الستينيات على وجه الخصوص. وساعد على ذلك ما حدث من تطور في العقد المذكور في الثقافة ووسائل الاتصال والاعلام. فقد بلغ الاهتمام المجتمعي بالثقافة والقراءة مبلغا كبيرا وتبوأ الكتاب مكانة مهمة لدي الشباب من الجنسين. ونشط العمل الصحافي بانشاء جريدة الأضواء الاسبوعية عام 1965 ومجلة صدى الأسبوع عام 1968. أضف لذلك الدور التنويري الكبير الذي اضطلعت به الاذاعة التي كانت الوسيلة الاعلامية الأكثر تأثيرا خلال الخمسينيات والستينيات.
تفاعلت الشابة البحرينية مع هذا الحراك الثقافي والاعلامي في عقد الستينيات خاصة من فئة المتعلمات. وأعلنت عن نفسها بعض الأصوات الأدبية النسائية وبعض الأقلام الصحافية النسائية. وحينما انشئت أسرة الأدباء والكتاب البحرينية في 1969 كانت بعض المبدعات البحرينيات ضمن مؤسسيها. كما شاركت بعض المبدعات والمثقفات البحرينيات في الفعاليات الأدبية والثقافية التي نظمتها الجمعيات الأهلية والأندية في النصف الثاني من العقد المذكور والتي شكلت الشابات جزءا من جمهورها. وبدأت تظهر بعض المواهب النسائية في فن الغناء والفنون التشكيلية.
ومع تزايد وعي المرأة المتعلمة واتساع أفقها الثقافي ومع تصاعد الحركة الوطنية وتنامي الأحداث السياسية محليا وعربيا كان للمرأة البحرينية مشاركتها في الحياة السياسية. وقد تفاوتت المشاركة النسائية في هذا المجال بناء على درجة سخونة الحراك السياسي العام في المجتمع.
تمحور الحراك السياسي في مجتمع البحرين ما قبل الاستقلال في رفض الاحتلال البريطاني وأنماط سياساته الاستعمارية في تسيير شئون الوطن وثرواته. كما تمحور في الفعل الوطني من أجل التحرر والعدالة. وقد تفاعلت المرأة البحرينية مع ذلك الحراك وتجاوبت مع أحداثه. وتفاوتت درجة تفاعل المرأة ومستواه وفقا لحجم متغيرات الحراك السياسي في كل مرحلة، ومستوى تأثيرها على فئات الشعب البحريني، ووفقا لمستوى تعليم المرأة ودرجة وعيها الاجتماعي والسياسي.
فقبل بدء تعليم المرأة كان رفض الهيمنة الاستعمارية مغروسا في وجدان النساء اتساقا مع الرفض المجتمعي العام دون أن يكون نابعا من مستوى في التعليم أو الوعي. تجاوبت المرأة مع المزاج العام للناس في رفض المستعمر، وعبرت عن ذلك في المتداول من أراجيز أبدعتها القريحة النسائية الثرية حينذاك. ونخص بالذكر هنا مشاركة النساء في الرفض المجتمعي العام لجور المستشار الانجليزي (ديلي - 1920 - 1926) وظلم حكمه، من خلال الأراجيز النسائية التي رددتها وتداولتها المرأة ( من حكم ديلي بحاله ما مشى درب العدالة..الخ).
غير أن بدء تعليم المرأة قد أرسى البدايات الأولى لتشكل وعيها السياسي والوطني. وفي هذا المجال لعبت المعلمات العربيات الوافدات - كما أسلفنا - دورا واضحا خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي في تنمية الوعي السياسي للفتاة البحرينية خاصة الوعي بالعروبة والوحدة العربية ومن ثم التعاطف مع القضية الفلسطينية. وشاركت نساء العائلة الحاكمة والعائلات الموسرة وفتيات المدارس في الأنشطة الخيرية التي نظمت دعما للقضية الفلسطينية. أما وعي المرأة ودورها في رفض الوجود الاستعماري بالوطن وضرورة مناهضته، فقد ظل محدودا، وكان دورها في الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار البريطاني خلال الثلاثينيات والأربعينيات هامشيا لا يكاد يذكر.
على أن الخمسينيات كانت حبلى بمشاركة أكثر وضوحا للمرأة. ولا يمكننا الفصل هنا بين درجة تأثير الأحداث السياسية في البلدان العربية والتأثير المباشر للحدث السياسي المحلي على مستوى وعي ودرجة مشاركة المرأة. لقد تفاعلت فئات المجتمع البحريني مع الأحداث السياسية العربية كالثورة المصرية عام 1952 وقرار تأميم قناة السويس فالعدوان الثلاثي على مصر. وكذلك الثورة الجزائرية والعراقية وقيام الوحدة بين مصر وسوريا. هذا إلى جانب بلوغ المد القومي والناصري أوج صعوده في ذلك العقد.
وعلى المستوى المحلي انخرطت فئات واسعة من شعب البحرين في الحركة السياسية عام 1955 بقيادة هيئة الاتحاد الوطني التي وحّدت الشعب تحت راية مطالب وطنية أهمها انشاء سلطة تشريعية وطنية. وتميزت الفترة ببدء قيام التنظيمات السياسية العاملة تحت الأرض. ومع تصاعد الحراك السياسي بقيادة الهيئة، تفاعلت بعض الفئات من النساء وتجاوبت مع نداءات ودعوات الهيئة للتجمع، فخرج بعضهن للمشاركة وبعضهن لمتابعة المسيرات والتجمعات، وشاركت الشابات المتعلمات والمطّلعات في الدعم المعنوي والمساهمة في حملات التبرع. ويذكر التاريخ هنا اسم بدرية خلفان واقدامها على المشاركة الخطابية في التجمعات الجماهيرية آنذاك مما حدا بالسلطة البريطانية لاحقا إلى ابعادها خارج البحرين. وبقدوم الستينيات دخلت البحرين مرحلة جديدة في الحراك السياسي والنضال الوطني. وظهر واضحا تأثير الأحداث السياسية العربية التي دشنها الانفصال بين مصر وسوريا ونجاحات الثورة الجزائرية وصولا إلى تحقيق الاستقلال من المستعمر في عدد من الدول العربية انتهاء بزلزال هزيمة حزيران. وعلى المستوى الداخلي فقد تغلغل الفكر السياسي القومي والناصري في وجدان الناس. وتزايد نشاط التنظيمات السياسية بشكل ملحوظ. وتميزت مشاركة المرأة السياسية في هذا العقد بانخراط اعداد من الخريجات والدارسات بالمدارس وحتى ربات البيوت من الشابات في التنظيمات السياسية كالحركة الناصرية وحركة القوميين العرب وحزب البعث.
ولا بد هنا من الاشارة للدور الذي لعبته المعلمات المصريات اللواتي اتسعت اعارتهن للبحرين في الستينيات، فقد أسهمن في غرس الفكر الناصري وشجعن على دعم الفتاة البحرينية له وتأييده. كما لا بد من التنويه بالدور الكبير الذي اضطلعت به بعض معلمات المرحلة الثانوية من الخريجات البحرينيات اللواتي لم يقتصر دورهن على الترويج للفكر السياسي الناصري والبعثي في أوساط الطالبات، بل أسهمن في ضم بعض الطالبات لصفوف تنظيمي القوميين العرب وحزب البعث.
كانت المرأة البحرينية بكثير من فئاتها مهيئة للمشاركة الفعلية في الأحداث السياسية اللاحقة. ففي الانتفاضة الشعبية عام 1965 لم تكن المرأة هامشية بل انغمست في قلب الحدث وشاركت في تطوره. اعتصمت الطالبات في المدرسة الثانوية وأمتنعن عن مواصلة الدراسة تضامنا مع العمال والطلاب، وخرجت الشابات المتعلمات في التجمعات والمسيرات ورددن الهتافات وألقين الكلمات الحماسية ووزعن المنشورات. وتواجدت ربات البيوت في المسيرات وأسعفن وآوين المصابين. وتداول الناس العديد من الأسماء النسائية الشابة التي تركت مشاركتها بصمة واضحة في الأحداث. وبعدها شاركت المرأة البحرينية في المسيرات الرافضة لهزيمة يونيو 1967 والرافضة لتنحي عبدالناصر. ومحصلة القول أن الدور السياسي الذي اضطلعت به المرأة البحرينية - الشابة على وجه الخصوص - في الستينيات كان واسعا، فاعلا وكبيرا.
من مجمل ما استعرضناه حول تواجد المرأة البحرينية في الحراك المجتمعي، يمكننا استنتاج ما يلي:
1- أن المرأة البحرينية لم تكن غائبة عن الحراك المجتمعي ما قبل الاستقلال في مختلف المجالات، بل ان مشاركتها كانت تتحول من محدودة إلى عامة شاملة في المنعطفات التاريخية لذلك لحراك بما تتسم به من تصاعد الحدث وسخونته واتساع المشاركة الشعبية العامة فيه.
لكن حري بنا ألا نذهب بعيدا في ذلك الاستنتاج وفي تقدير حجم تلك المشاركة، وأن نقر بأن الحضور النسائي في الحراك المجتمعي كان - في الغالب - مقتصرا على المشاركة النخبوية من المتعلمات والمثقفات ونساء العائلات البارزة والمتفتحة. لقد كانت المرأة آنذاك - في الغالب - حبيسة الأمية خاضعة للعادات والتقاليد التي لا تقر لها مشاركة حقيقية وفاعلة. ويكفينا الاستشهاد بمؤشر الأمية، فقد كشف تعداد سكان البحرين لعام 1965 أن نسبة من كن يجدن القراءة والكتابة من الاناث من 15 سنة فأكثر بلغ 12.9% فقط من مجموع السكان من الاناث.
2- ان تحديث المجتمع وبناء حياة أفضل لأفراده يتطلب مشاركة المرأة ويظل منقوصا دونها.
3- مسيرة تحديث وبناء المجتمع تفرض - في المنعطفات التاريخية - مشاركة المرأة وتفعيل دورها.
4- الحاجة إلى الاهتمام بتناول دور المرأة البحرينية ومشاركتها في الحراك المجتمعي ما قبل وما بعد الاستقلال بالدراسة البحثية والعلمية المستفيضة كجزء من التأريخ الوطني، وكمنطلق لتجذير دور المرأة.
5- ونستنتج أخيرا أن أي محاولات آنية لعرقلة مشاركة المرأة واعادتها للوراء ستعيق ما يؤصل له مشروع الاصلاح والتحديث لبحرين القرن الحادي والعشرين.