د. أحمد سعد
يصادف اليوم الـ-21 من ايلول (سبتمبر) يوم السلام العالمي الذي اقرته هيئة الشرعية الدولية، الامم المتحدة. وفي مثل هذه المناسبة تجري فعاليات مختلفة وعلى مختلف الصعد الرسمية والشعبية، خاصة من قوى انصار السلام العادل في مختلف البلدان والقارات، والتي يصب جميعها في اطلاق صرخة النضال لاخماد بؤر التوتر والصراع التي تهدد الامن والسلام الدوليين وانقاذ البشرية من المخاطر التي تهدد مصير الحضارة الانسانية وخاصة مخاطر تيرسانة اسلحة الدمار الشامل المتكدسة والمخاطر البيئية ومخاطر انتشار المجاعة التي تهدد حياة ومصير شعوب بأكملها.
وتأتي مناسبة يوم السلام العالمي في ظروف اهم ما يميزها من سمات غياب الاستقرار العالمي وانفجار بؤر التوتر والصراع في العديد من الاماكن وتهديد امن واستقرار وسلامة العديد من البلدان والشعوب. فالى ما قبل مطلع التسعينيات من القرن الماضي كان توازن قوى الصراع الطبقي الايديولوجي والسياسي والعسكري، او ما اصطلح على تسميته "بتوازن الرعب" بين المنظومة الاشتراكية والنظام الرأسمالي العالمي بزعامة الانظمة الامبريالية، بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الامريكية العامل الاساسي في صيانة السلام العالمي نسبيًا والكابح الاساسي في لجم وحوش الاستغلال الرأسمالي من تفجير حروب استعمارية لصوصية. ففي ظل وجود سند الشعوب والسلام، الاتحاد السوفييتي، كان لحركة السلام العالمي دورها السياسي والجماهيري الفاعل والمؤثر في المعركة من اجل السلام ومواجهة مخاطر الانفجار والحروب في العديد من البلدان والمناطق. من ينسى دور "مجلس السلام العالمي" ودوره في الذود عن السلام عالميًا وفي مختلف المناطق، والذي كان يجمع في اطاره الممثلين عن حركات سلام تنظم الملايين من انصار السلام في مختلف انحاء العالم، ومنها بلادنا حيث كان القائد الشيوعي العريق، توفيق طوبي عضو هيئة رئاسة مجلس السلام العالمي لسنوات طويلة.
بانهيار الاتحاد السوفييتي والانظمة الاشتراكية في اوروبا الشرقية وما حصل اثر ذلك من خلل في ميزان الصراع العالمي عكس اثره السلبي على ساحة المعركة الكفاحية لضمان السلام والامن والاستقرار للبشرية في مختلف بلدان ومناطق سكناها وتطورها. وقد وفر عاملان أساسيان للرأسمالية الامبريالية وعززا من سياستها العدوانية للهيمنة كونيًا: الاول: التطور الهائل الذي صاحب الثورة العلمية التكنولوجية والمعلوماتية الجديدة في البلدان الرأسمالية الصناعية المتطورة قد أضفى طابعًا جديدًا في اطار التقسيم العالمي الرأسمالي للعمل، كان مدلوله الاساسي تعميق هوة التقاطب الصارخ بين "الشمال" المتطور و"الجنوب" المتخلف عن ركب الثورة التكنولوجية والمعلوماتية مما اوقع بلدانه فريسة لاستغلال وحشي في ظل العولمة الامبريالية وجسورها المتمثلة بالاحتكارات عابرة القارات ومتعددة الجنسيات.
والثاني: انتهاء عهد ثنائية القطبية زاد من شهية القطب الأوحد الامريكي بجبروته العسكري والاقتصادي لبلورة والشروع بتنفيذ استراتيجية عولمة جديدة، اقامة نظام عالمي جديد بزعامة الولايات المتحدة الامريكية ويخدم مصالحها ومصالح احتكاراتها استراتيجيًا واقتصاديًا. استراتيجية تعتمد على منطق استعمال القوة والبلطجة العسكرية العربيدة كوسيلة اساسية لفرض الاملاءات الامريكية وضمان الهيمنة الامريكية في مختلف انحاء العالم. ومنذ احداث تفجيرات سبتمبر (2001) في واشنطن ونيويورك تتخذ الامبريالية الامريكية من خلال ادارتها اليمينية المغامرة في "البيت الابيض" من "محاربة الارهاب" الوسيلة التكتيكية لعولمة ارهاب الدولة المنظم خدمة لاستراتيجية الهيمنة كونيًا، خاصة في المناطق الاستراتيجية عالميًا والغنية بالثروة النفطية وغيرها.
ولهذا، فانه في الظروف الجديدة الناشئة، خاصة في ظل عولمة الارهاب الامريكي المنظم والطابع الشرس للعولمة الاقتصادية الامريكية، فإن النضال من اجل السلام العادل وضمان الامن والاستقرار في عالمنا ارتبط عضويًا بالنضال ضد الطابع المأساوي للعولمة الامبريالية التي تطحن تحت عجلاتها حياة بلدان وشعوب بأكملها، اضافة الى اوساط واسعة ومتزايدة سنويًا في داخل بلدانها. ومن جهة اخرى فإن النضال ضد طابع العولمة الاقتصادية الحاصلة يمتزج عضويًا وجدليًا على ساحة المعركة الكفاحية ضد مختلف اشكال العدوان العسكري الامبريالي على حرية وسيادة الشعوب والبلدان الاخرى، ومناصرة للشعوب المناضلة من اجل حريتها وسيادتها واستقلالها الوطني. وقد كنا شهود عيان للاصطفاف الجبار وللامتزاج العضوي بين حركات الاحتجاج الاجتماعي والبيئي المناهضة للعولمة مع حركات اليسار وانصار السلام في اوروبا وكندا وامريكا واليابان وغيرها ضد الحرب الاستراتيجية العدوانية الانجلو امريكية على العراق. فالنضال من اجل الحرية والعدالة والمساواة والسلام يلتقي في نهاية المطاف مع النضال ضد التمييز والفقر والمجاعة ان كان على النطاق المحلي الوطني في داخل كل دولة او على النطاق الاقليمي والكوني. كما اننا شهود عيان لوحدة موقف القوى والحركات الجماهيرية لمناهضة للعولمة وقوى انصار السلام العادل عالميًا في المعركة السياسية - الجماهيرية ضد جرائم الاحتلال والاستيطان والمجازر التي يرتكبها في المناطق المحتلة، ومن اجل نصرة الحق الفلسطيني المشروع بزوال الاحتلال الغاشم الجاثم على صدره وانجاز حقه الوطني بالاستقلال واقامة دولته المستقلة السيادية. وقوى السلام ومناهضو العولمة الامبريالية يدركون جيدًا انه بدون انجاز الاستقلال الوطني للشعب الفلسطيني وزوال الاحتلال الاستيطاني فستبقى النيران المخضبة بالدماء تنطلق من بؤرة التوتر والصراع في هذه المنطقة مهددة بانتشار اللهيب وتهديد السلام والامن العالميين.
وللاسف الشديد، فان اصوات السلام العادل في بلادنا لا تزال ضعيفة نسبيًا. ويعود ضعفها الى ثلاثة عوامل اساسية. الاول، العامل الايديولوجي - السياسي الصهيوني، فالعديد من قوى السلام الصهيونية لا تزال تتأتئ في قضية الحقوق القومية الشرعية للشعب العربي الفلسطيني، وهي غير مستعدة بعد لدفع كل الاستحقاقات المطلوبة للسلام العادل، غير مستعدة بعد لدفع الثمن المطلوب، فاذا استثنينا الشيوعيين فان "ميرتس" وحركة "سلام الآن" وغيرهما غير مستعدين بعد الاقرار والاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية. بعض هذه القوى يناضل من اجل سلام مع الشعب الفلسطيني ينتقص حقه في القدس الشرقية المحتلة، عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، وقسم يرفق السلام بالاحتفاظ ببعض اراضي السيادة الفلسطينية المحتلة.
والثاني، ان العديد من حركات الاحتجاج الاجتماعي والبيئي في اسرائيل، والتي تدرك جيدًا ان الاحتلال الاستيطاني بتكاليفه الباهظة المصدر الاساسي لتدهور الاوضاع الاجتماعية والبيئية، ولكنها لم تصل بعد الى درجة ومستوى الربط العضوي بين السياسي والاقتصادي - الاجتماعي. وفي رأينا ان "القضية الامنية" لا تزال العامل الديماغوغي في لخبطة الموقف السياسي الصحيح من قضية التسوية العادلة للقضية الفلسطينية والتي تستغلها الاوساط الحاكمة في عملية غسل الدماغ والتضليل بين الجماهير اليهودية.
والثالث: ان فتات "المائدة الامريكية" تصل الى بطون الكثيرين من القوى المعدودة على قوى السلام الصهيونية، وان هذه القوى منسجمة تقريبًا مع السياسة الامريكية كونيًا وفي المنطقة ومع الموقف الامريكي من قضايا الشعب الفلسطيني الوطنية.
ان ما نود تأكيده بمناسبة يوم السلام العالمي، ان القضية الاساسية الملقاة على انصار السلام العادل في بلادنا، وكمساهمة منها من اجل سيادة السلام عالميًا، تستدعي النضال لانجاز ثلاث مهام رئيسية مترابطة عضويًا:
- المهمة الاولى والرئيسية - النضال لانجاز السلام العادل، الذي لا يمكن بناء قواعده الراسخة دون زوال الاحتلال والاستيطان واقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.
- المهمة الثانية: النضال لتجريد اسرائيل من اسلحة الدمار الشامل كجزء عضوي من تنظيف كل منطقة الشرق الاوسط وجعلها خالية من هذه الاسلحة الفتاكة.
- المهمة الثالثة: انسحاب اسرائيل من اطار التحالف الاستراتيجي العدواني مع الامبريالية الامريكية وانتهاج سياسة حياد وجيرة حسنة مع البلدان العربية المجاورة.
وكما انه لا امن ولا استقرار ولا سلام في ظل الاحتلال ومواصلة وتصعيد العدوان الاسرائيلي، فانه لا سلام عالمي في ظل سياسة عولمة الارهاب المنظم الامريكي وهيمنة القطب الواحد، فلا سلام ان لم يكن مبنيًا على قواعد العدل والمساواة وضمان حرية وسيادة جميع البلدان والشعوب.
فالنضال ضد استراتيجية الهيمنة الامريكية ومواجهة سياستها العدوانية يعتبران نقطة الانطلاق في المعركة المصيرية لضمان سيادة السلم العالمي وتطور الحضارة الانسانية لجميع الشعوب بشكل خلاق.
نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/