|
هل حقاً أن الشعب قد انتخب وأفتى .. ؟
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1964 - 2007 / 7 / 2 - 11:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ست سنوات والشعب السوري كان ينتظر على مضض ، الوفاء بوعد الاصلاح ، الذي ميز خطاب القسم ، في مستهل الدورة الرئاسية الأولى لبشار الأسد .. ست سنوات كان ينتظر طي ملف الاعتقال السياسي ، وحل أزماته المعاشية البائسة ، وإشاعة الحريات العامة ، وإتاحة في المجال لإحياء المجتمع المدني واحترام حقوق الإنسان ، وتداولاً سلمياً للسلطة ، ويحلم بوطن آمن ، وعيش متآخ مع جواره الشقيق ، ومد جسور الصداقة إلى كل من يبادله المصالح والمنافع . لكن انتظاره قد طال دون جدوى ، وسار كل شيء من حوله بشكل معاكس لما وعد به .. وأوحي له أن يتوقعه . وخيم على فضائه السياسي أكثر من الشك في مصداقية الوعد المجلل بالقسم
ورغم أن المحصلة العامة للدورة الرئاسية الأولى اتسمت بفشل الرئيس بتحقيق وعده بالاصلاح ، وفشل الشعب بوسيلة الانتظار ، إلزامه بتنفيذ ما وعد به ، إلاّ أنه مع دنو ا ستحقاق دورة رئاسية أخرى ، عاد بشار إلى سيرته الأولى ، واغتنمها فرصة ليشحن هذه المناسبة بأقواس مستقبلية ووعود جديدة ، هي ، في الشكل والمضمون بمثابة تكرار لوعوده السابقة ، التي لم يف بها . متناسياً أنه أنهى دورة رئاسته الأولى مخلفاً وراءه جملة من الخيبات للذين راهنوا على احتمالات التغيير بقيادته . فملف الاعتقال السياسي لم يطو وإنما توسع ، وقبضة الأجهزة الأمنية ازدادت شدة على معارضي الرأي ، ومحكمة أمن الدولة والمحاكم الجزائية والأحكام السياسية الجزائية الجائرة مازالت تمارس دورها القمعي المشؤوم ، وجرت وتجري دون توقف على مدار السنوات الست للدورة الرئاسية الأولى اعتقالات .. واعتقالات جديدة .. تحت عناوين متعددة . والقدرة الشرائية للطبقات الشعبية توسعت وتعمقت ضعفاً وبؤساً . والاقتصاد عامة ازداد تفخيخاً لمصلحة كبار اثرياء اقتصاد الفساد وشركائهم الخليجيين وغيرهم ، والفساد عم وا ستشرى وهيمن على كل مساحات الدولة . والجيو ـ سياسية السورية ، نتيجة الوهن العام في جسد الوطن ، الذي أحدثه القمع والقهر والفساد ، باتت أكثر عرضة للوقوع فريسة المطامع الصهيو ـ أميركية
وفي محاولة لنقل هذا التناسي إلى الشعب ، استخدم بشار أطول وأضخم عملية سوق جماهيري ، كلفت الدولة مئات الملايين من الليرات السورية ، آلية ، لتغطية وتبرير الفشل في أدائه السابق وفي تسويق سياساته وتوجهاته ( وعوده الجديدة ) في الدورة الرئاسية الثانية . وتجسيداً لذلك ، شهدت المدن السورية قبل الاستفتاء حشوداً بشرية تهتف لتولي بشار الأسد دورة رئاسية ثانية . وكل الحاشدين والمحشودين يعلمون ، أن بشار لايحتاج إلى دعم شعبي من تحت ، ليحتفظ بمنصبه الرئاسي فوق ، فهو قابض عليه بقوة الأجهزة الأمنية والعسكر ، ومرخص له به بمقتضى الدستور بصفته قائد " الحزب القائد " للدولة والمجتمع ، وأنه لايحتاج إلى حشود لإثبات " جدارته " بالحصول على النسبة المئوية الأعلى ليعلن فوزه الكاسح بالاستفتاء ، فنتيجة الاستفتاء ونسبة المصوتين بنعم مقررة مسبقاً واستمرت هذه الحشود بعد الاستفتاء .. تحولت إلى حراك احتفالي بفوز الرئيس القديم .. الجديد .. والكل يعلم ، الآمرون والخاضعون لهذا الحراك ، أن الإستفتاء بموجب الدستور ، لم يكن معركة انتخابية بين متنافسين ، وإنما هو مقتصر على مرشح واحد هو الرئيس المرشح فقط
على أن هناك مهاماً أخرى أكثر سوءاً لتلك الحشود ، إذ أريد لها أن تجسد أيضاً ، أن بشار مازال قادراً على التحكم بهذا الكم الكبير من المواطنين ، وأن له " قاعدة شعبية " تدعم أدائه على كل الصعد ، لاسيما في مواجهة الداخل المعارض المطالب بالتغيير الديمقراطي أو الخارج المخاصم حول اقتسام الأدوار الإقليمية ، وذلك في عملية خلط متعمدة عديمة المسؤولية بين مشروعية ووطنية مقاصد المعارضة وبين عدائية الخارج الهادف إلى إخضاع الجيو ـ سياسية السورية ضمن برنامجه الشرق أوسطي المدمر
من هنا ليس من التطرف بشيء ، القول أن فصول " الانتخابات والإستفتاء " في الأسابيع الماضية لم تأت بجديد يمكن أن يعول عليه لإحداث نقلة هامة في أداء النظام في المرحلة القادمة . فالنظام الفاقد في بنيته الداخلية للديمقراطية ، لايمكن أ ن يبسط الديمقراطية للشعب . والنظام الذ ي يجوف الداخل من قواه الوطنية الحية ويختزل الوطن بالنظام والنظام بالقائد ، لايمكن أن يبدع آليات تعزز قدرات الوطن وتحميه . والنظام الذي أنتج من خلال السيطرة على الدولة والقطاع العام أغنى شريحة من الطبقة الرأسمالية في البلاد ، واعتمد اقتصاد السوق والخصخصة للمؤسسات الانتاجية والصحة والتعليم .. ألخ .. لتحقيق المزيد من الثراء للطبقة الحاكمة على حساب الطبقات الشعبية ، لايمكن أن ينهي اختناقات أزمات البطالة والمعيشة والسكن والصحة لهذه الطبقات ولهذا ، فإن المراقب لايستغرب إذ يجد أن الشعب السوري ، رغم كل الضجيج الإعلامي المعزز بالحشود والفنانين ، غير مكترث بما يجري ، وغير متفائل بالجديد .. والتجديد .. والوعود الجديدة .. التي قد يتضمنها خطاب القسم الرئاسي الثاني . فالشعب بتجربته المريرة الطويلة مع النظام لايثق بأي وعد إلاّ بعد أن توضع بمشاركته أ سسه المادية على الأرض تحت سقف نظام وطني ديمقراطي
إن ماسمي بالانتخابات والإستفتاء في الأشهر الماضية ، يطرح السؤال ، إذا كان لامناص في كل الأحوال ، حسب الدستور العنصري السياسي ، أن يقوم حزب البعث الحاكم باحتكار قيادة الدولة والمجتمع ، فلماذا إذن كل هذا التعب على مدار الشهور السابقة ؟ .. أليس ماجرى هو بمثابة لعبة غايتها رمي المسؤولية على الشعب ، بأنه هو الذي انتخب وأفتى .. وهو الذي يتحمل مسؤولية انتخابه وفتواه باختيار مشرعيه وحكامه ؟ .. على أن هذا السؤال يستدعي سؤالاً ثانياً يحل محل الجواب على السؤال الأول ، هل يستطيع أهل النظام أن يبرهنوا علمياً وموضوعياً ، أن الشعب السوري الرازح تحت سيطرة " الحزب القائد " المحتكر للسياسة والدولة على امتداد نحو أربعين عاماً ، الذي كابد ويكابد خلالها ظروف حالة الطواريء والأحكام العرفية ، وتعرض ويتعرض مناضلوه للاعتقالات والمحاكمات التعسفية والمنافي ، وحرم ويحرم من ممارسة إرادته السياسة ومن حقوقه الإنسانية الأساسية ، يملك حقاً حق الاختيار .. وأنه حقاً قد انتخب وأفتى ؟
المستقبل القريب ، سوف يظهر " نجاعة " تغطية الفشل بالحشود المبرمجة أم لا
لكنه سيشهد .. دون شك أيضاً .. حراكاً شعبياً حقيقياً ، يضع أسلوب الانتظار والرجاءات الخائبة بالاصلاح من فوق جانباً ، ويمارس خيارات جديدة أكثر نجاعة وجدوى
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسقاط جدار العزل السياسي مهمة أولى
-
مأساة الديمقراطية في الشرق الأوسط
-
من أجل ضحايا الاعتقال السياسي .. والحرية
-
الجواب على سؤال الهزيمة
-
السلطة والثروة في الصراع السياسي
-
التجمع اليساري الماركسي ( تيم ) مابين التكامل والتمايز
-
خوفاً من ألاّ يفوز الرئيس المرشح للرئاسة
-
سوريا إلى أين في المنعطفات الإقليمية الجديدة .. ؟
-
في الأول من أيار .. عيد العمال العالمي
-
أبطال الحرية .. سلاماً مع الاعتذار
-
قمة ملتبسة لأنظمة مهزومة
-
العودة إلى الشعب
-
شعب جدير بالحرية والنصر
-
حس المسؤولية الضائع .. الانتخابات مجدداً
-
معك ياأم الكون في يومك العالمي
-
في التعذيب .. وضحايا التعذيب
-
دروب الضياع والتدمير الذاتي
-
التهريب في التهريب .. المازوت مثلاً
-
الميز السياسي والاستحقاقات الانتخابية
-
حتى يكون مجلس الشعب برلماناً .. سلطة تشريعية
المزيد.....
-
خطط ترامب في غزة: أنباء عن كون المغرب من المناطق المرشحة لنق
...
-
مخطّط ترامب في غزة: ليبيا تعلن رفض سياسات التهجير والتغيير ا
...
-
مصراتة
-
ردا على مخطّط ترامب: الجزائر ترفض بشكل قاطع تهجير وإفراغ قطا
...
-
تونس: عائلات مفقودين في عمليات هجرة غير نظامية تحتج أمام الس
...
-
تونس: اعتصام ثان لقيادات في اتحاد الشغل والأزمة تتفاقم
-
النائب الجمهوري جو ويلسون: -الرئيس التونسي قيس سعيد ديكتاتور
...
-
3 سنوات على بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا: هل بوتين مستعد لل
...
-
أحكام سجن مشدّدة في تونس: محاكمة نزيهة أم -محاكمة سياسية ظال
...
-
صورة متداولة لشبان جذابون ووسيمون: هل هؤلاء هم أعضاء فريق شر
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|