أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نايف حواتمة - قراءة نقدية في قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير















المزيد.....


قراءة نقدية في قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير


نايف حواتمة

الحوار المتمدن-العدد: 1963 - 2007 / 7 / 1 - 10:08
المحور: القضية الفلسطينية
    


خطوة مهمة إلى الأمام... لكن العبرة بالتنفيذ
(دروس تجارب الاحتكار والمحاصصة والصوملة)
* هل كانت الحالة الفلسطينية بحاجة إلى كل هذه التجارب المرة وإلى كل هذا الهدر المجاني للزمن والدم والتضحيات، واستيلاء حماس على مؤسسات السلطة في قطاع غزة، حتى تتم الاستجابة إلى ضرورات الإصلاح السياسي والتنظيمي والمؤسساتي للنظام الفلسطيني؟

* قرارات المجلس المركزي سلاح جديد بيد القوى الديمقراطية والقوى الحريصة على المصلحة الوطنية، لاستكمال النضال لأجل إصلاح النظام السياسي الفلسطيني وصون المسيرة الكفاحية للشعب الفلسطيني.


■ بدعوة من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية انعقد في رام الله في 20/6/2007 اجتماع للمجلس المركزي للمنظمة، وكان من الطبيعي أن تكون على جدول أعماله قضية رئيسية هي تطورات الوضع في غزة، وخطوة الحسم العسكري لحركة حماس ضد المؤسسات والأجهزة الأمنية للسلطة وضد حركة فتح، والتي شكلت خطوة >. كذلك ناقش المجلس تداعيات هذه الخطوة على الصعيد الوطني والعربي والدولي، واستمع بداية إلى كلمة مطولة من رئيس السلطة محمود عباس وإلى كلمات المشاركين من ممثلي قوى وغيرهم ومن ضمنهم ـ بالطبع ـ كلمة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وقد صدر عن المجلس بيان ختامي، حمل موقف منظمة التحرير من الحدث، ومجموعة من القرارات جرت الموافقة عليها بإجماع الحضور.
أين الأهمية في انعقاد المجلس؟
من المعلوم أن دور م.ت.ف. وهيئاتها تراجع إلى الخلف كثيراً لصالح دور السلطة الفلسطينية. ومن الواضح أن عملية تهميش منظمة الحرير لم تأتِ مصادفة بل هي نتاج لسياسة تهدف إلى إضعاف دور المؤسسات لصالح دور الفرد، بما يمرر سياسات اوسلو وتنازلاته دون مساءلة من الجهات المعنية في المنظمة، وحتى لا تشكل هذه الهيئات قيداً على حرية الحركة السياسية للفريق الفلسطيني المفاوض. لذلك أصيبت مؤسسات المنظمة بالتفكك والتهميش المبرمج، وتعطل دورها، وفقدت قدرتها على تسيير السياسة الفلسطينية ورسم اتجاهاتها الصحيحة وبما يستجيب لمتطلبات إنجاز البرنامج الوطني، برنامج العودة وتقرير المصير والاستقلال.
غير أن استحداث منصب رئيس الحكومة في السلطة الفلسطينية منفصلاً عن منصب رئيس السلطة، وما تلا ذلك من خلافات في الرأي ونزاع على النفوذ بين ياسر عرفات ورئيس حكومته محمود عباس، دفع بعرفات إلى إعادة إحياء اللجنة التنفيذية للمنظمة تحت سقف سياسي منخفض جداً، وبدور تكتيكي محدود جداً، هو الاستقواء على الحكومة باللجنة التنفيذية، دون أن يحمل ذلك في طياته اتجاهاً لإحياء دور منظمة التحرير عبر إدخال إصلاحات ديمقراطية إئتلافية جوهرية على مؤسساتها بما في ذلك تشكيل مجلس وطني جديد، بانتخابات شاملة، في الداخل والخارج، ووفقاً لقانون عصري، يقوم على مبدأ التمثيل النسبي الكامل كما دعت وناضلت الجبهة الديمقراطية وقوى وطنية اخرى طيلة سنوات وخاصة بعد اتفاقات أوسلو وتداعياتها المدمّرة.
وقد تكرر الأمر نفسه في مواجهة اثنين من رؤساء الحكومة. أحمد قريع، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الذي ساءت العلاقة بينه وبين عباس في نزاع على الصلاحيات والنفوذ. وإسماعيل هنية، عضو القيادة السياسية لحركة حماس، بعد أن شهدت العلاقة بين مؤسسة الرئاسة، ورئاسة الحكومة نزاعات على النفوذ تحولت إلى جولات دورية من الاقتتال الدموي بين حركتي فتح (تناصرها الأجهزة الأمنية الموالية لها) وحماس (تناصرها القوة التنفيذية التي شكلها وزير الداخلية في حكومة هنية سعيد صيام خلافاً للقانون). ويسجل على عباس هو أيضاً أنه تعامل مع اللجنة التنفيذية، بسياسة تكتيكية ضيقة الأفق دون الاستجابة لقوانين الاصلاح الديمقراطي بالتمثيل النسبي الكامل، وحدودها الاستقواء على حركة حماس وهنية وحكومته.
كذلك عطل عباس قرار مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني (القاهرة ـ آذار/مارس 2005) الذي قضى بدعوة اللجنة الوطنية العليا للاجتماع خلال شهر من تاريخ المؤتمر لوضع الإجراءات الضرورية لتفعيل م.ت.ف. ومؤسساتها، بما في ذلك إعادة تشكيل مجلسها الوطني الفلسطيني بانتخابات شاملة وفقاً لقانون عصري جديد (كما ورد في القرار). علماً أن اللجنة الوطنية العليا تتشكل من رئيس اللجنة التنفيذية وأعضائها ورئيس المجلس الوطني والأمناء العامين وشخصيات مستقلة يتم التوافق عليها.
بدورها نصت وثيقة الوفاق والوطني ـ وثيقة الأسرى (27/6/2006) على وجوب إحياء م.ت.ف. وتفعيل دورها، ودعت بلغة واضحة إلى تشكيل مجلس وطني جديد بالانتخابات الشاملة في الداخل والخارج وفقاً لمبدأ التمثيل النسبي، وبما يتيح تمثيل القوى والاتجاهات السياسية الفلسطينية كافة، مؤكدة على أن المنظمة هي المرجعية السياسية العليا للسلطة الفلسطينية، وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
ودعت وثيقة الوفاق الوطني إلى إصلاح الاتحادات والنقابات والجمعيات في الوطن المحتل والشتات على اساس الشراكة الاجتماعية والسياسية والمطلبية لكل مكونات المجتمع بقوانين انتخابات التمثيل النسبي الكامل.
ومع أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ونزولاً عند ضغوط القوى الديمقراطية (وفي المقدمة نضال الجبهة الديمقراطية لبناء نظام سياسي فلسطيني ديمقراطي جديد وموّحد)، كلفت إحدى اللجان المنبثقة عنها (تضم أحمد قريع رئيساً وعضوي اللجنة التنفيذية، الرفيق تيسير خالد وغسان الشكعة) التمهيد لانعقاد اللجنة الوطنية العليا، إلا أن العراقيل المفتعلة زرعت في طريقها بهدف استبعاد القرار التاريخي الخاص بإعادة بناء وإحياء المنظمة نظراً لما يحمله هذا القرار من استحقاقات سياسية ذات تداعيات استراتيجية على مجمل الحالة الفلسطينية، ومسيرتها الكفاحية.
المجلس المركزي دروس التجارب المرّة:
انعقاد اجتماع المجلس المركزي في 20/60/2007 جاء في ظل أوضاع فلسطينية شديدة التأزم والتعقيد، هبت عليها رياح الحرب الأهلية المدمرة، بفعل جولات الاقتتال بين فتح وحماس، ولجوء الأخيرة إلى سياسة دموية، حسمت فيها الوضع لصالحها بعد أن هاجمت مقرات الأجهزة الأمنية، واحتلتها، وأعدمت عدداً من جنودها وضباطها، واستولت على المقرات الرسمية (9-15 حزيران/يونيو 2007 )، وتجاوز عدد القتلى المئتين والاف الجرحى ودمار وحرق المؤسسات العامة والخاصة. وقد أدى ذلك إلى انهيار حكومة الائتلاف البرلماني المسماة بحكومة الوحدة الوطنية، وتمزق الاتفاق الثنائي بين فتح وحماس في مكة، وانفصال القطاع عن السلطة الفلسطينية الشرعية، وتمرد من تبقى من حكومة إسماعيل هنية على قرارات رئيس السلطة القاضية بإقالة هنية، واعتبار حكومته مستقيلة، وإعلان حالة الطوارئ، وتشكيل حكومة جديدة لإنفاذ حالة الطوارئ هذه، وتعليق العمل بعدد من مواد القانون الأساسي ذات الصلة بدور المجلس التشريعي، وإعلان حل مجلس الأمن القومي، وقرارات أخرى تنسجم والسياق نفسه.
وبالتالي فإن انعقاد المجلس المركزي، في هذا السياق السياسي، وفي ظل التطورات الخطيرة، يحمل في طياته سلسلة من التأكيدات من أهمها:
* أنه في ظل التمرد على الشرعية الفلسطينية من قبل حكومة هنية المقالة ومن قبل حركة حماس، وفي ظل ادعاءات تمثيلية تحاول استكمال الانقلاب العسكري بانقلاب سياسي، يأتي اجتماع المجلس المركزي ليعيد وضع الأمور في نصابها الحقيقي، ووضع النقاط، مرة أخرى، على الحروف، من خلال التأكيد مجدداً على أن م.ت. ف. هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وأن المنظمة هي المرجعية السياسية العليا للسلطة الفلسطينية.
* وأنه ـ استطراداً ـ أكد شرعية حكومة سلام فياض، ومنح الشرعية كذلك لمجموع القرارات التي اتخذها عباس، ورسم لحكومة فياض وجهة عملها متمثلة بعنوانين كبيرين هما منع الفوضى والفلتان الأمني وإعادة الشرعية إلى قطاع غزة، ورفع الحصار عن مناطق السلطة والعمل عل معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تولدت بفعل الحصار الذي ضرب على حكومتي هنية الأولى والثانية.
* أنه، أكد وحدة القضية الفلسطينية، أرضاً، وشعباً، ومجتمعاً، وحقوقاً وطنية، في مواجهة الانقسام الحاصل بين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة بفعل لجوء حماس إلى الحسم لعسكري والانقلاب على الشرعية الفلسطينية.
قرارات ديمقراطية إصلاحية استجابة لوثيقة الوفاق الوطني ونضالات القوى الديمقراطية:
لقد أثبتت قرارات المجلس المركزي، في ظل الحالة الفلسطينية المأزومة و"صوملة" قطاع غزة، أن م.ت.ف. تشكل الضمانة لوحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة قضيته وحقوقه الوطنية، وأنها صمام الأمان في مواجهة السياسات الانشقاقية والمغامرة، وكل السياسيات الأخرى العابثة بالبرنامج الوطني، من أية جهة أتت. وبالتالي فإن النضال لأجل إعادة بناء وتفعيل هذه المنظمة وإحياء وتجديد مؤسساتها وإصلاح أوضاعها، تعتبر ضرورة وطنية ماسة، بما يوفر للمنظمة القدرة الأكبر على لعب الدور المنوط بها في ظل الاستحقاقات والتحديات القادمة على مجمل الحالة الفلسطينية، في الصراع مع العدو الإسرائيلي، أو في إطار التفاعلات الفلسطينية الداخلية الناشئة عن التعددية السياسية والفكرية والبرنامجية القائمة.
والمجلس المركزي للمنظمة، هو الهيئة التشريعية العليا فيها، في غياب المجلس الوطني وقد جاءت قراراته منسجمة مع الوجهة السياسية الوطنية لعموم الحالة الفلسطينية بتياراتها الوطنية والقومية والديمقراطية والليبرالية التعددية المعروفة، وتحت سقف الشراكة السياسية والقواسم المشتركة.
لكن الملاحظ في السياق نفسه، أن المجلس المركزي لم يقف عند حدود حسم الموقف مما جرى في قطاع غزة من أحداث دراماتيكية، وما تلاها من مظاهر الفلتان الأمني، وقرارات الرئيس عباس ذات الصلة، بل امتد النقاش فيه ليطال عموم الحالة الفلسطينية، وعلى الأخص الأوضاع المتهالكة لمنظمة التحرير ومؤسسات السلطة التشريعية والتنفيذية، والاتحادات والنقابات لتوحيد المجتمع، وضرورة بنائها مجدداً على أسس ديمقراطية، فاتخذ في سياق ذلك سلسلة من القرارات لعل أهمها:
* التأكيد على قرار اللجنة التنفيذية في 5/5/2007 القاضي باعتماد مبدأ التمثيل النسبي في قوانين الانتخابات الخاصة بمؤسسات المنظمة والسلطة ومؤسسات المجتمع المدني من اتحادات ونقابات وجمعيات وأندية وسواها.
* التأكيد على إعادة بناء المجلس الوطني الفلسطيني بالانتخابات الشاملة في الداخل والخارج بقانون انتخاب يعتمد مبدأ النسبية الكاملة. وتكليف اللجنة التنفيذية بوضع قانون انتخابات التمثيل النسبي الشامل والكامل للمجلس الجديد.
* التأكيد على انتخابات تشريعية ورئاسية وفق التمثيل النسبي الكامل في اقرب فرصة ممكنة بما يمكن الحالة الفلسطينية من استعادة وحدتها وحياتها الديمقراطية والتعددية.
وبذلك يكون المجلس المركزي قد أغلق الدائرة بالدعوة إلى إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني، إن على مستوى المنظمة أو على مستوى السلطة أو في مؤسسات المجتمع المدني، لصالح الاصلاحات الديمقراطية الحقيقية وتكريس التعددية، وإرساء الوحدة الوطنية على أسس راسخة، بحيث تتسع المؤسسات لتمثيل الطيف الواسع من القوى السياسية والنقابية والاجتماعية والفكرية والبرنامجية ذات الاتجاهات المختلفة، كل وفقاً لموقعه الجماهيري ونفوذه في الشارع، وبما يتناسب وحجم دوره وفعاليته الميدانية. وبقراراته هذه، يكون المجلس قد طوى صفحة اعتماد القوانين الانتخابية الانقسامية الاحتكارية والاقصائية القائمة على الدائرة الفردية، أو ما يسمى بالنظام المختلط (الجمع بين الدائرة والتمثيل النسبي مناصفة، او القائمة المغلقة بالصوت الواحد في النقابات والاتحادات، أو مشاريع المحاصصة والصفقات الفوقية التي اسست وتؤسس للانقسام والحروب الاهلية) وهو نظام أنتج في كل الأحوال كوارثه وفشله في تلبية حاجات الحالة الفلسطينية والاستجابة إلى ما يواجهها من تحديات واستحقاقات.

القرارات والمرجعية السياسية
لم تقتصر قرارات المجلس المركزي على الجانب التنظيمي القاضي بإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية جديدة وحقيقية تكفل وتصون التعددية السياسية وتفتح الباب لوحدة وطنية في شكل أرقى مما هي عليه الآن بخطوات كبرى إلى الأمام... بل امتدت قراراته لتطال الموضوع السياسي، فتعيد الاعتبار لوثيقة الوفاق الوطني وآلياتها التنفيذية، التي شكلت موضوع إجماع القوى الفلسطينية كافة على أساس الشراكة الوطنية والديمقراطية، السياسية والاجتماعية والنضالية.
* فأعاد التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة كاملة السيادة بحدود حزيران (يونيو) 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
* وأعاد التأكيد كذلك على حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم التي شردوا منها، متمسكاً في هذا السياق بالقرار 194 الذي كفل لهم هذا الحق.
* وجدد الدعوة لعقد مؤتمر دولي لإطلاق عملية سياسية تكفل للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية والشرعية غير القابلة للتصرف، بموجب قرارات الأمم المتحدة.
* وجدد التمسك بمبادرة السلام الفلسطينية التي تبناها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988.
* بالمقابل جدد رفضه للحلول الجزئية، وللدولة ذات الحدود المؤقتة، ولمشاريع التوطين وإعادة التهجير، ولكل الحلول والسيناريوهات البديلة للحل الوطني للقضية الفلسطينية. بما في ذلك خطة الانطواء والحل أحادي الجانب.
* الملاحظ كذلك أن المجلس المركزي، منسجماً مع قراراته هذه، تجاهل خطة خارطة الطريق في موقف لافت يتجاوز السياسة المعتمدة من قبل الفريق الفلسطيني المفاوض، والتي ساهمت في تعميق الخلافات والانقسامات داخل الصف الفلسطيني.
ويمكن، بإيجاز، اعتبار مجمل هذه القرارات، تعبيراً عن مراجعة سياسية، نقدية، واضحة، وعلنية، لسياسة الفريق الفلسطيني المفاوض، ومحاولة من المجلس المركزي لإعادة وضع العربة السياسية الفلسطينية على الطريق الصحيح. خاصة وأن المجلس المركزي أورد في نصوصه فقرة واضحة تؤكد حق الشعب الفلسطيني في الكفاح والمقاومة لتحقيق أهدافه الوطنية وضمان حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف.
ماذا بعد هذه القرارات؟!
المطلوب تشريع قوانين الانتخابات التوحيدية وتنفيذ القرارات:
يتوجب القول أولاً انه ما كان ممكناً الوصول إلى قرارات المجلس المركزي بالشكل الذي صدرت عليه لولا موافقة كتلة فتح داخل المجلس عليها. وهي الكتلة الأكبر، والتي بإمكانها أن تمرر قراراً أو تجهضه. وهو ما يطرح السؤال التالي: ما هو الدافع الحقيقي خلف استجابة فتح لهذه المواقف وموافقتها على قرارات المجلس المركزي في اجتماعه في 20-21/6/2007.
يكتسب السؤال أهميته إذا ما تذكرنا جيداً إن فتح هي التي عرقلت على مدى السنوات الطويلة كل خطوات إصلاح أوضاع م.ت.ف. وأوضاع السلطة، وكل الخطوات الهادفة إلى تطوير الحياة السياسية الفلسطينية، وتعميق الديمقراطية فيها، وتطوير العلاقات الداخلية على قاعدة صون التعددية.
وحتى لا نذهب بعيداً نتوقف عند محطة مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة (آذار/مارس/2005) وقد نص إعلانها على اعتماد قانون جديد للانتخابات المحلية وفقاً لمبدأ التمثيل النسبي الكامل. وعرقل وفد فتح في الحوار الوصول إلى قرار مماثل بشأن الانتخابات التشريعية، وخضع لضغوطات كتلته البرلمانية التي أصرت على النظام المختلط (مناصفة بين التمثيل النسبي ونظام الدوائر). أما بشأن المجلس الوطني فإن أقصى ما وافقت عليه فتح هو اعتماد > للانتخابات، ورفضت بالمقابل النص على تعريف هذا القانون. باعتماد مبدأ النسبية الكاملة في التمثيل، وبدلاً من أن تستخلص حماس دروس تجربة فتح أعادت استنساخها بتشكيل حكومة احادية من لون واحد، وعقد اتفاقات المحاصصة مع فتح والذهاب إلى الحسم بقوة السلاح و"صوملة" قطاع غزة.
ومع ذلك فقد ماطلت كتلة فتح البرلمانية في المجلس التشريعي الأول (وهي الكتلة الحزبية الوحيدة وصاحبة القرار المصيري بكل ما يتعلق بقوانين المجلس التشريعي آنذاك) في الاستجابة لقرارات مؤتمر الحوار في القاهرة، بشأن "دمقرطة" قوانين الانتخابات المحلية والتشريعية. إلى أن وقعت الانتخابات المحلية في جولة أولى وجولة ثانية تكبدت فيها فتح خسارة فادحة وأصيبت بهزائم نكراء في مواجهة حركة حماس بنظام قوائم الدوائر واغلبية الصوت الواحد. عندها فقط انصاعت كتلة فتح البرلمانية ورضخت للواقع، واستجابت لقرارات القاهرة، وأعادت صياغة قانون الانتخابات المحلية وفق مبدأ التمثيل النسبي، لإدراكها، عبر التجربة المرة أن هذا القانون هو الذي يضمن لها الحفاظ على ماء وجهها، كحركة سياسية، وهو الذي يضمن منع طغيان قوة سياسية واحدة على باقي القوى، وهو الذي يفتح الباب أمام تمثيل معظم القوى السياسية، كل حسب نفوذه. وعبر التجربة المرة التي أدركت فتح أن القوانين السابقة التي قادتها إلى الهيمنة على المؤسسة الفلسطينية لم تعد تتلاءم مع واقع الحال، وتنتج فقط الانقسامات والنزعات الاحتكارية الاحادية والثنائية ودوامة الاقتتال والحروب الاهلية.
ومع ذلك فإن طغيان الوعي الفئوي والفصائلي الضيق على تفكير الكتلة البرلمانية لفتح في <<التشريعي>> الأول حال دون أن تستخلص الدروس الكاملة من تجربة الانتخابات المحلية، فعمدت إلى عرقلة تعديل قانون الانتخابات التشريعية. ولولا الضغوط التي مورست عليها من قبل الحالة السياسية الفلسطينية لاكتفت بالتعديل الأول الذي قضى بنظام مختلط، ثلثاه بنظام الدوائر، وثلثه بنظام التمثيل النسبي.
كذلك أجهضت كتلة فتح البرلمانية مشروعاً اقترحته مؤسسة الرئاسة باعتماد النسبية الكاملة في الانتخابات التشريعية، واكتفت باعتماد النظام المختلط مناصفة والذي قاد إلى النتائج المعروفة، الأمر الذي دفع بعض قادة فتح أمام التجربة المرة (مرة أخرى) للاعتراف عن جانب كبير من مسؤولية كتلة فتح البرلمانية عن النتائج التي أسفرت عنها انتخابات التشريعي الثاني.
من هنا نستطيع القول أن التحارب المرة التي <<أقنعت>> فتح بضرورة إدخال إصلاحات على النظام السياسي الفلسطيني، من مدخل إصلاح قانون الانتخابات. غير أن هذا لا يبرر لفتح هذا التعطيل، عبر السنوات الماضية، للخطوات الإصلاحية. فالتعطيل كان ناجماً عن تغليب المصالح الفئوية والفصائلية والشخصية والعائلية على المصلحة الوطنية العليا. وهي المصالح التي كانت تصطدم بها كل دعوات الجبهة الديمقراطية ونضالاتها لأجل إصلاح المؤسسة الفلسطينية والانتقال بها من حالة التخلف إلى وضع جديد عصري ومتطور، و لإدراك الجبهة، أن تطور الحالة السياسية الفلسطينية يتطلب هذه الإصلاحات، وانه دون هذا، فإن مستقبل القضية الوطنية مهدد بالمخاطر العديدة.
وهذا ما أثبته استنساخ حماس لتجربة فتح وعدم استخلاص دروسها، فذهبت حماس إلى احتكار حكومة السلطة، وتراجعت عن تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، وعقدت صفقة المحاصصة الاحتكارية الثنائية مع فتح (8 شباط/فبراير 2007 ) بعد موجات من الاقتتال الدامي، والانتقال إلى الحسم العسكري بالاستيلاء على السلطة في قطاع غزة و"صوملة" الارض المحتلة بفصل غزة عن الضفة الفلسطينية، ولا زال نزيف الاحتكار والانقسام يتوالى فصولاً دامية وتداعياتها المرّة الوطنية والسياسية حتى الآن. وبالتالي يجب القول إن الحالة السياسية الفلسطينية لم تكن تحتاج إلى كل هذه الكوارث السياسية وإلى كل جولات الاقتتال التي عاشها الوضع الفلسطيني بين فتح وحماس، وإلى هذا الانقسام السياسي الخطير، حتى تقتنع فتح بضرورة إصلاح النظام السياسي الفلسطيني. لقد تم إهدار سنوات من عمر الشعب، وعمر القضية، وإهدار أنهار من الدم، وكان ممكناً توفير هذا كله، وتوفير العذابات المضنية على الشعب الفلسطيني لو أن الفريق المتنفذ في م.ت.ف. استجاب لدعوات الجبهة الديمقراطية ومشاريعها الإصلاحية عندما أطلقتها منذ سنوات (ما زالت الجبهة تتمسك بمبدأ التمثيل النسبي، في المؤسسات، وتناضل لأجله، منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي لإدراكها، منذ ذلك الوقت، أن هذا النظام هو الذي يضمن الوحدة الوطنية الحقيقية بديلاً لسياسة الدمج، والإلحاق والتبعية، وهيمنة فريق على آخر، وسياسة التعزيز والاستفراد بالقرار).
الأمر ذاته ينطبق على القرارات السياسية التي اتخذها المجلس المركزي، والتي، لو تم الانضباط لها، في المسيرة السياسية والكفاحية للشعب الفلسطيني، لما أجهضت الانتفاضة الأولى باتفاق اوسلو، ولما تم الوصول بالانتفاضة الثانية إلى الوقوع في مستنقع الاقتتال الدموي بين الأطراف بين فتح وحماس.
ماذا بعد؟
هل يمكن النظر إلى قرارات المجلس المركزي على أنها أوفت بالغرض، وأنها حققت ما هو مطلوب منها. بالطبع لا. فقرارات المجلس المركزي هي مجرد محطة على طريق الإصلاح السياسي والتنظيمي والمؤسساتي للنظام السياسي الفلسطيني. وإن العبرة تبقى على الدوام في التنفيذ. لذلك وجب القول أن ما تحقق جيد، وخطوة مهمة إلى الأمام. لكنه غير كاف. المطلوب الآن، أن تتحمل اللجنة التنفيذية في م.ت.ف. مسؤوليتها في وضع الآليات الضرورية لنقل قرارات المجلس المركزي من على الورق وتنفيذها بما يقود إلى بناء واقع سياسي جديد. ومطلوب المباشرة بالدعوة لاجتماع اللجنة الوطنية العليا، للعمل على تطبيق ما جاء بما خص انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني الجديد.
إن قرارات المجلس المركزي فتحت الباب أمام معركة العمل على تنفيذها كاملة. وهي تشكل الآن سلاحاً، بيد القوى الديمقراطية الفلسطينية، وبشكل خاص بيد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وعموم مناضليها وأنصارها وجماهيرها، لمواصلة النضال لأجل الإصلاح السياسي والتنظيمي والمؤسساتي للنظام السياسي الفلسطيني.
يحق للجبهة الديمقراطية أن تفاخر أن قرارات المجلس المركزي جاءت مطابقة لنضالاتها بدمقرطة النظام السياسي الفلسطيني لمؤسسات السلطة في الارض المحتلة، ولمؤسسات م.ت.ف داخل الوطن وفي الشتات، ودعواتها ومبادراتها، وهذا ما يملي على الجبهة بالتالي مسؤولية خاصة في الدفاع عن هذه القرارات ومواصلة النضال اليومي الدؤوب لتشريعها وتطبيقها. والجبهة التي كان لها شرف إطلاق البرنامج الوطني الفلسطيني، والنضال لأجل تبنيه من قبل مجمل الحالة الفلسطينية باتجاهاتها السياسية المختلفة، تقف الآن (هي والقوى الديمقراطية والوطنية والليبرالية) أمام منعطف سياسي لا يقل أهمية وخطورة عن المنعطف الذي وقفت عنده يوم أطلقت برنامجها السياسي المرحلي. وإلا فإن الحالة الفلسطينية مهددة بالوقوع ضحية الانقسامات السياسية،وضحية الصراعات الفئوية وضحية نظامها السياسي الذي أثبتت التجارب المرة أنه نظام لا ديمقراطي، مهترئ، أنتج الاقتتال والفساد والاحتكار والمحاصصة الانقسامية المدمّرة، والحروب الاهلية والصوملة، عاجز عن تلبية التحديات والاستحقاقات التاريخية التي تنتصب أمام المسيرة الكفاحية للشعب الفلسطيني. ■



#نايف_حواتمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حواتمة‏:‏ لابد من الالتزام بوثائق الوحدة الوطنية وإعلان الق ...
- حوار مع نايف حواتمة حول آخر التطورات السياسية
- حكومة الوحدة الوطنية الحقيقية والشاملة لم ترَ النور بعد
- لا أفق سياسي لاستئناف العملية السياسية الفلسطينية الإسرائيل ...
- اذا بقيت الحكومة قائمة على المحاصصة الثنائية ستكون امام طريق ...
- الوحدة الوطنية الفلسطينية غائبة بسبب عقلية احتكار السلطة بين ...
- حواتمة يجيب على الأسئلة المطروحة على قمة الرياض
- لا للضغوط والشروط الأمريكية الإسرائيلية لإفراغ مبادرة السلام ...
- نايف حواتمة يخاطب المهرجان الجماهيري الحاشد في غزة
- حواتمة: يجيب على اسئلة الصحافة
- حواتمة في كلمة للمحتفلين في رام الله
- صراع حماس وفتح سبب الانقسام ...
- حواتمة في حوار العام الجديد
- حواتمة: حوار شامل سيُعقد في غزة بعد عيد الأضحى
- سنبذل كل جهد ممكن من أجل عدم قطع الطريق أمام معاودة الحوار ا ...
- حواتمة يجيب على أسئلة حول الوضع الفلسطيني الراهن
- المسؤولون عن تعطيل الوفاق الوطني هم ذاتهم من يحتكرون السلطة ...
- حوار الصراحة والمراجعة النقدية والوحدة الوطنية
- حواتمة حكومة الوحدة الوطنية ضرورة مصيرية للشعب الفلسطيني
- 11 أيلول/ سبتمبر ... تداعيات الشرق الأوسط والعالم


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نايف حواتمة - قراءة نقدية في قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير