بثينة رفيع
الحوار المتمدن-العدد: 1964 - 2007 / 7 / 2 - 10:30
المحور:
الادب والفن
أولاَ يتجاهلونك ثم يسخرون منك , ثم يقاتلونك , ثم تفوز أنت ...( المهاتما غاندي )
فلسطين.... مساحة من دماء
لم يعد أحد يغادرك إلى حلم يجابه هزيمة و يعجز عن صده مستحيل .. منذ أن ناداك شريداَ حافي القدمين وخلفه كل أشجار الجليل صارخاَ ... أصبح عندي الآن بندقية إلى فلسطين خذوني معكم , هل حقا هذا صوتك ؟؟ أم أن الأحبة الذين تفرقوا أصبحوا بنادقاَ ما عادت ترى أعداءك فقتلتك أنت !! هل يذكر القابعون فوق أحزانك وبقايا ترابك فارساَ ترك البقاء وأنبت من شقاء ليلك خاتمة الدم ليعود خطا أرصفة لحيفا تعد أمطارها .. هل يذكرون قمرا في حزيران ؟؟ وشح جبهته بشريط أسود ليغرق في كحل عينيك مخزن أقحوان ينفجر فتغرق كيسوفيم في الظلام ؟؟ هل يذكرون فارساَ أشرق من دون صباح ؟؟ امتد بفرع لم تعهده الأغصان ، قاتل كل ذئاب الليل ليحتضن حقول الدمع وهي تعض على الأجفان .. يمحونا ويكتبنا .. يعيد تشكيلنا في التلال صوتا أبديا بهديل حمام يستصرخ كل من أُلقي من فوق البيوت الشاهقة والمآذن مكبل اليدين .. لا تغب في التراب .. حلق عالياَ في أفق متمرد واصرخ بالضمائر حين يقتلها الظلم العبثي وفتنة الاحتواء .. فلسطين أصبحت مساحة من دماء .. قهر يقسم ظهر ضحية .. تستنجد بمن ظل حيا ليدفن ضحية أخرى ... هل يكفي عرف الفصيل والعشيرة كي نبدأ من جديد ؟؟ الآن يقذفنا النصر الأخضر للوراء ليرقص على دموع أمهات يكفن ربيع حلم توجنه بالأمل والرجاء ورتق الثياب الممزقة في صبر ليل طويل يواريه في المخيم الفقر والعراء .. و جوع أطفال انتظروا فلسطين بأعين المتربصين خلف متراس العودة والفداء , الآن تبتلع غزة حجارتها وجراحها وماءها .. لتكبر مآذنها عند كل صلاة .. كيف يشكو من كان في فيه دماء ؟؟ تغلق التوابيت على الأجساد الصغيرة وتعجز عن البكاء ، هل نصدق أن الثورة أكبر ملهاة ؟؟ وأن أكذوبة تاريخ وحدت يهود الفلاشا ليصبحوا أكثر وطنية ورحمة وتلاحماَ من أبناء مخيم جباليا والبريج والنصيرات ؟؟ حين لايجمعنا صفيح مخيم ونكبتين وفزع برد في خيمة .. وغصة اغتراب حين لايوحدنا ذاك الدفء الساجد بين الأكتاف المتراصة في خندق المقاومة ، ذاك النفير وعبق الانتماء لوجهها عندما يسقط شهيد بين يدي شهيد .. تتحول الثورة لمغامرة فاشلة ورحمها لا ينجب إلا القرود و لعنة القسمة والسلاح ؟؟؟ حين يصير الوطن مفقوء العينين فينا لن نراه إلا شارعا ينتمي لسجن يقبع بحاجز .. وقناصة أثكلت كل أم ... ووطنا أصبح أوطان .. حين لاترى إلا ظلك وأنت تدير ظهرك للوطن والشمس والشهداء يصبح قتل طفلة انتصار .. وتمزيق وطن أسهل من تفريغ المخزن في صدر الأعداء .. وسرقة بيت أهم من عودة المجدل وتحرير شبر من تراب , أصبح عندي الآن بندقية لكنها مصوبة هناك على الأفئدة التي اعتلاها الشقاء والتشرد سنين طوال هل تأخذوني معكم للضفة الأخرى حسرة أم ... وحكاية جندي ألقى ورود عمره لتنصهر أشلاؤه بسلاحه ونزيف هذه الأرض .. هل تأخذوني معكم ذكرى جندي قتل مرتين ابتلع الحروب المرة فأضاع اسمه وموطنه .. وانتصب حجارة تاريخ صامت ينتظر السقوط من فوق نصب تذكاري.. ليصبح الأسود المجهول فينا علنيا وتبكينا غزة على الطرقات , الآن أصبحنا نصدق فرسانا عاهدوا أن يدخلوا أسدود فاتحين ليمحوا من هوائها العار ويفتحوا الوطن المحتل .. ثم لايرون أسدود إلا في مخيم الشاطئ .. وشارع صلاح الدين .. وحي الرمال .. الآن أصبحنا نصدق فدائيا عاد للوطن بعد طول غياب كي يفتح فيه بقية الأبواب ثم يهرب من بوابة الأعداء , أصبح عندي الآن بندقية لكنها مكسورة الأضلاع .. خجولة أمام أطفالي لاتجيب على سؤال .. مات الوطن أو عاش الوطن سيان .. مادام مبتور اليدين والقدمين مقسما بين الأصفر والأخضر و الاحتلال , لاشيء أنت وكل الرصاص وما تبقى في جعبتك منه ألف هراء وفلسطين لم يذبحها من الوريد إلى الوريد إلا فراغك والكذب على براءة دمائها وشريعة التنظيم والتنظير الثوري والانتقام , تربص جيداً فلم يعد أمامك الآن معركة ثورية إلا على اللحم المكوم الذي لفظ الطفولة بعيداً .. ليتقن لغة الهروب من الرصاص والدمار بعد أن أصبح الطريق إليها لايمرمن فوهة بندقية.. بل من حرب الشوارع وغنائم الحرب الأهلية .. والقتل على الهوية السياسية .. هكذا أصبحنا ندعو على الأعداء من أخوتنا بالموت بعد أن كنا نحميهم بالروح والجسد .. هكذا قرر القادة الآلهة .... أن تحريرك لن يكون إلا باغتصابك مرة ثالثة .. هكذا يرون الهوية الوطنية .. وطنين بحكومتين وأعلاما ملونة وقناعا أسود وكوفية , فلأقُل لن تعودي سبيه منذ أن أغرقنا بالقرارات لنقف متسولين لعزتنا تحت مظلة ذل الشرعية الدولية .. فلأقُل أنك الآن حرة أبية لكن ليس قبل أن توارينا في قبر جماعي .. نحن الصامتون كالرضا الذليل على تمزيق ثيابك وعريك بين البنادق الرخيصة , لا تزوري القباب التي أعتقها الراحلون في صدرك .. عندما كنت القضية فالحواجز في الدروب أصبحت لغة رسمية .. لا نجم في غزة يضيء .. ولا صبية صغار عادوا ينثرونك في ألعابهم أسماءَ لقراهم السليبة و الزمان أصبح بدورته الأخيرة ..والسلام أثقله الحزن فوق البيوت التي دمرت على رؤوس ساكنيها.. والغصة أحكمت بالعويل عند أقدام الفاتحين الجدد , والطريق ليافا أصبحت أقرب من غزة لدير البلح ,هل تصالحين فينا دمك والأغلال التي شددناها على يديك..لم نعد أنت.فنحن منتصرون دوماَ عليك في جميع غزواتنا..لم نعد نرى فيك القدس والأسيرة الأبية منذ أن أصبنا المجدلية بالرصاص في قدميها وأقفلنا الحوار بالخيانة الوطنية ..لتظلي وحدك مع الشهداء في مآقينا حلماَ لثورة أبقت جوارحنا مفتوحة للآمال وأبقتك كالهدية تسلمك الروح للروح .. قد كان لي فيك بيتا لم أغادره حتى هدم .. كان لي فيك فجراً غطته الشظية بالسواد فاحتراق .. هل أقول الوداع ؟؟ إن البلاد التي تركت فيها الأهل والأحبة لأعود إليك ستهجرني إن عدت أستجدي الحقيقة لأهجو الدروب التي أوصلتني إليك وحدك .. وأبقتني فيك كفلسطين رهينة .. وبين الرهائن لايكبر إلا سجن جلاد بنافذة صغيرة .. الآن صياد أرخى الشراع في قارب ليقبل جرحا غائرا بجبهتك يمتد ظمأنا لبرتقالك البعيد فتغرق يافا بالرحيل .. ونبقى نحن وراء الرغيف .. كان الرجوع إليك من محن العواصم أمنية كبيرة .. أضعناها لنهرب خلف المعابر وبين الرايات الملونة ، لتصيري مثلنا على الغرباء وبين رفاق الطريق سبيه أو دخيلة .. حين تهجرني الحروف أود أن أواري في ثراك القهر الذي أصبح في أعين أطفالك أغنية .. أود أن أدفن العواصم التي قبّلت يوما حذاء فدائي ثم عادت إليه لتذبحه بين صغاره وأمه .. لتحيي الهزيمة بانتصار مدجج بالأخضر والخوف بين الدموع على الوجوه الملائكية , لا تغيبي كالحقيقة ..حين تصير الأوطان مضيعة لبنيها لن أنشد بعد اليوم موطني .. عندما أراك تمتدين على الجباه العالية نخلة .. وتحت أقدام المليشيا تفرين من أنفاسك كالطرائد الذبيحة ، أفتديك بما تبقى من البنين لتعودي جميلة.. وأذكر اللقاء الأول في ساحة الكرامة حين الوغى أغراه عزمي .. فاقترب مني لأبقيه صديقاً .. ننادي سويا في البلاد الموصدة حول خصرك ، لنرفع للسماء رأسك .. أصبح عندي الآن بندقية لكنها يتيمة .. لم يستطع عدوي أخذها مني فظلت في يدي واحة للعشق في قلوب العائدين من وطن السنابل والسياج الشائك ... والورود المقدسية .. تعرف الوطن المباح .. بقايا أجساد تفجرت هناك ليتكامل في طهره الهواء والتراب .. لا تعرف الوطن المستباح المقسم بين العيون والخرائط شمالا وجنوباً .. وبين أيدي الجيوش الفاتحين عتاداً .. وجثثاَ مكومة تعيد فينا قبية و دير ياسين .. وتوقظ في التاريخ نكبتنا لنبقى من كل الوطن البقية .. وهاأنذا عدت منك إليك .. لكني بعد أن اختصرت بك الدنيا ظل صوتك ووجهك بعيداً .. وصرت بين قتلاك قتيلاً .. ليناديك من فوق صدري الممزق .. كل من رآك مركزاَ للكون مرة .. ومرة أخرى سجادة فارسية ... أصبح عندي الآن بندقية لكنها هناك مع الشهداء .. انتشلوها من يدي.. بعد أن أضحى تحرير غزة من فلسطين وشعبها .... كل القضية.
#بثينة_رفيع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟