|
المسلمون في أوروبا.. بين الغرب الأيديولوجي والغرب الإنساني
التجاني بولعوالي
مفكر وباحث
(Tijani Boulaouali)
الحوار المتمدن-العدد: 1961 - 2007 / 6 / 29 - 11:11
المحور:
مقابلات و حوارات
المسلمون في أوروبا.. بين الغرب الأيديولوجي والغرب الإنساني الكاتب المغربي التجاني بولعوالي في حوار مع "الوقت
الوقت – نادر المتروك
الكاتب المغربي المقيم في هولندا التجاني بولعوالي يرى أنّ اندماج المسلمين العقلاني في الغرب هو المنهج الصحيح الذي يمكن بعده أن "تصمت أو تبح الأصوات المعادية لوجود المسلمين في الغرب إلى الأبد" كما يقول، وفي الوقت الذي يؤكد ضرورة التفريق بين الغرب الأيديولوجي والغرب الإنساني؛ فإن بولعوالي يرى بأن هناك محاولة لتقديم صورة نمطية غير صحيحة حول الإسلام والمسلمين في أوربا. وإذ يتحفظ بولعوالي على التقدمة المبالغ فيها لصورة المفكر طارق رمضان في المشهد الإسلامي الأوروبي؛ لأنه يُقدّم نظرة برغماتية وسلبية حول بعض القضايا الإسلامية هناك. في هذا الحوار مع بولعوالي الذي أصدر كتاباً حول المسلمين في الغرب؛ نحاول تقديم جانب من أوضاع المسلمين في أوروبا، وطبيعة التحديات الحالية والمستقبلية التي تواجه الوجود الإسلامي هناك.
>>>>>
* في البداية، ومن منطلق اهتمامكم البحثي بمسألة المسلمين والغرب؛ في أي سياق تاريخي وحضاري، يمكن موْضعة الوجود الإسلامي الحالي في أوروبا، خصوصاً مع ملاحظة بُعدي العلاقة الأكثر من دموية بين الإسلام والغرب (المسيحي)؟
- في حقيقة الأمر، ينبغي أن نتجاوز ذلك التفسير الدّيني الحرفي المعهود لوجود المسلمين في الغرب، وهو تفسير ينظر إلى الأشياء بأسلوب إسقاطي لا يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجديدة، التي يفرزها واقع المسلمين المعاصر، وهي معطيات ذات طبيعة تتراوح بين الثبوت والإشكال؛ ثابتة من حيث انبثاقها من التربة التي توجد فيها وتجذّرها فيها، مما يستحيل تبديلها بشكل سريع ويسير، ومشكلة من حيث أن أي إقدام على حلها يزيد من استعصائها! فيما يتعلق بوجود المسلمين في الغرب، فإنه لم يصبح طارئاً أو مؤقتاً، بقدر ما أنه صار ثابتاً ودائماً، وحتى التخطيط الذي صمّم لوجود الأجانب في الغرب وجوداً مرحلياً، ينتهي بانقضاء مهمة اليد العاملة الأجنبية؛ مُني بفشل ذريع، سواء لدى مختلف السّياسات الغربية التي ظلت تخطط طوال أكثر من ثلاثة عقود لعودة اليد العاملة المسلمة والأجنبية إلى أوطانها الأصلية، أو لدى تلك اليد العاملة نفسها التي نزحت نحو الغرب لجمع بعض المال، ثم الرجوع إلى بلدانها قصد استثمارها هنالك في بعض المشاريع الصغيرة التي تساعدها على العيش في كرامة وأمان.
* لابد من تشديد هذه العبارة.. إنك تقول إنّ وجود المسلمين في الغرب أصبح ثابتاً؟
- نعم.. لاسيما بعدما صار الحديث عن جيل بأكمله؛ مسلم العقيدة رغم أنه غربيّ الولادة والمنبت والانتماء واللغة.. وهو لا يربطه بالعالم الإسلامي إلا شيء واحد، وهو أنه وطن آبائهم الذي ينحدرون منه، مما سوف يطرح معادلاتٍ جديدة، تقتضي تفسيراً فقهياً وسياسياً وثقافياً أكثر واقعية واستجابة لمتطلبات الحياة، وإلا فماذا سيكون مصير عشرات الملايين من المسلمين المستقرّين في الغرب، خصوصاً وأنّ الفقه المتشدّد يتمسك بأنّ ذلك الوجود خارج أسوار الوطن الإسلامي غير جائز!
الغربُ غربان.. أيديولوجي وإنساني
* وكيف تعالجون هذه المسألة؟
- في اعتقادي، ينبغي الحديث عن أنّ وجود المسلمين في الغرب هو مكسبٌ عظيم للإسلام، وإغناءٌ لا مثيل له للثقافة الإسلامية المعاصرة، لاسيما وأن ثمة - حالياً - استجابة منقطعة النظير من لدن الغربيين للدّين الإسلامي، اطلاعاً واعتناقاً، ثم إنّ المسلمين في الغرب تمكّنوا، خلال العقد الأخير، من أن يشكّلوا حضوراً لافتا داخل المجتمعات الغربية، اعترى مختلف الميادين، من ثقافيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ وتعليميةٍ وغير ذلك، حتى صارت كثيرٌ من الأحياء في شتى المدن والعواصم الأوروبية توحي لك وكأنك في دولةٍ إسلامية، وهي أحياء تتوفر فيها كلّ المؤشرات على أنّ الإسلام حاضرٌ فيها بقوّة وكثافة، من مساجد ومدارس إسلامية وأسواق شعبية وقاعات الأفراح وجمعيات ثقافية وغير ذلك.
* أفهم من ذلك أنه لم يعد ينفع إثارة السؤال التقليدي بشأن العلاقة المهجوسة بين المسلمين والغرب؟
- نعم، بعد هذا.. يمكن أن نخلص إلى أن العلاقة المهجوسة (التي أشرتم إليها في سؤالكم) بين المسلمين والغرب، لا وجود لها بذلك الشكل المضخّم، إلا على مستوى النقاش الأيديولوجي والتناول الإعلامي، فهي صناعة إعلامية مدعومة بما هو أيديولوجي معاد للإسلام، أو العكس، صناعة أيديولوجية مدعومة بما هو إعلامي معاد للإسلام، وحتى تتضّح الصّورة أكثر، فيلزمنا أن نفرّق بين نوعين من الغرب؛ أولهما ما نطلق عليه الغرب الأيديولوجي، الذي يوحي بمفاهيم الاستعمار والهيمنة والاستعلاء والقوة وغير ذلك، وعلى هذا الصعيد يمكن الحديث عن العلاقة (الأكثر من دموية)، وهي محكومة بالمناخ الدّولي العام، وهذا لا ينفي وجود غرب آخر، يمكن نعته بالغرب الحضاري والإنساني، الذي يقدّم للإنسان شتى القيم الإيجابية والإنجازات المفيدة ونحو ذلك، وهو ذلك الغرب الذي هيّأ ملاذاً دافئاً لملايين المسلمين والأجانب، في الوقت الذي أقفلت الدول الإسلامية الغنية أبوابها في وجوههم!
* تتعدّد الطروحات بشأن المنهج المناسب بخصوص المسلم في بلاد الغرب، فهناك منْ يطرح الاندماج، فيما يذهب آخرون إلى اعتماد منهج الاستفادة البراجماتية. كيف تعلقون على مثل هذه المناهج الحياتية؟
- عندما ننعِم النظر في طبيعة تفكير مسلمي الغرب عامة، وأوروبا خاصة، وكيفية انتظامهم في المجتمعات الغربية، ندرك أن هؤلاء ينقسمون إلى نموذجين؛ يتراوحان بين الانحلال التام في بوتقة الثقافة الغربية، أو الانغلاق على الذات والتقوقع باسم الدين والمحافظة والخوف من الذوبان، وما إلى ذلك من التبريرات اللاعقلانية. فلا أولئك ولا هؤلاء يخدمون الإسلام عقيدةً وثقافة، بقدر ما يحكمون عليه باللا جدوى أو التشدّد، بالرجعية أو التطرف! إنّ الإسلام في الغرب في مسيس الحاجة إلى نموذج ثالث من المسلمين الذين يشكّلون حاجزاً وسطاً متيناً، بين منْ يدعو إلى الانحلال والتفسّخ، زاعماً أنّ ضعفنا أو تأخّرنا ناجمٌ عن تديّننا وتعلّقنا بالإسلام، وبين منْ يرى في عزوفنا عن الانخراط في المجتمع الغربي، دراسة أو عملاً أو معاملة، خيرُ وسيلةٍ لحماية هويتنا من براثين الثقافة الغربية المنحرفة والعابثة! كلا النموذجين يقدّمان صورة مشوّهة للإسلام، وقلّما نجد مسلمين يتموقعون وسط هذا المعيار، فينسجون نظرة إسلامية معتدلة غير منساقة، لا إلى أولاء، ولا إلى هؤلاء.
المنهج العقلاني في الاندماج الغربي
* وما هو في رأيكم المسلك الملائم لترتيب وجود المسلم في الغرب، بحيث يحافظ فيه على ثقافته الإسلامية، وفي نفس الوقت يراعي طبيعة المحيط الجديد الذي يعيش فيه؟
- إنّ النموذج الثالث الذي يتسم تفكيره بالوسطية، وسلوكه بالاعتدال؛ يعتبر خير ما يُراهِن عليه مسلمو الغرب لتحقيق حيّز جدير بهم ضمن المجتمعات الغربية التي يستقرّون فيها، وهو نموذج راحت تتشكّل بعض ملامحه بصيغةٍ فردية أو جماعية، حيث بدأت تتعالى أصواتٌ، وتنشأ أفكارٌ تنادي بتحسين صورة الإسلام في الغرب، والكشف عن حقيقته المغيّبة أو المشوّهة، وهذه الأصوات والأفكار تشقّ لها منهجاً حياتياً وسطياً، يتجاوز النظرة النفعيّة التي ظلت سائدة لدى أجيال الهجرة الأولى، ويرفض الذوبان أو الاندماج النهائي في ثقافة الغرب.
* وما هي أبرز ملامح هذه المنهج الحياتي الذي تتحدّث عنه؟
- يتحدّد ذلك المنهج الحياتي في الاندماج الإيجابي أو العقلاني في المجتمع الغربي، وهو اندماجٌ على مستوى ما تقرّه الأدبيات السّياسية والقانونية الغربية؛ من إتقان للغة الدولة التي يستقرّ فيها الأجنبي أو المسلم، وتعرّف على ثقافتها وعاداتها وتقاليدها، واحترام ما ينصّ عليه دستورها من قوانين منظّمة للحقوق والواجبات. في مقابل ذلك يتحتّم عليه التشبث بهويته الدينية والثقافية، التي لا تلغي الآخر، بقدر ما تدعو إلى المعاملة الإيجابية معه. ثم إنّ ترتيب وجود المسلمين في الغرب بشكل دائم وصحي، غير مرهون فقط بالقوانين الغربية المنظمة لهجرة الأجانب أو استقرارهم في العالم الغربي، بقدر ما هو مرهون بمدى نجاعة هذا الوجود بين ظهراني الغرب، حيث الكيفية التي يحضر بها المسلمون في المهاجر، هي التي تحدّد مكانتهم وقيمتهم في عيون الأوروبيين والغربيين، لذلك فهم مطالبون بتحسين حضورهم بالسلوك الحسن، والمشاركة الاجتماعية والاقتصادية الفعّالة، والإسهام السّياسي المستمر، والإنتاج الثقافي الهادف، والتوجيه التربوي الصارم.
الأفكار التجديدية في الوسط الأوروبي
* في سياق التحوّلات التي شهدها الوجود الإسلامي في الغرب؛ برزت مجموعة من الأصوات "الإسلامية" التي حاولت إعادة التفكير في المخزون الثقافي الإسلامي بما يتلاءم مع الحاضنة الكيانية لأوروبا، والملاحظ أن بعضاً من هذه الأصوات يتميّز بقوةٍ فكريّة وامتدادٍ تأصيل واضح. على المستوى الأوروبي، يبدو طارق رمضان بوصفه مثالاً إشكالياً على ذلك.
- مما لا ريب فيه، أنّ صوت المنظر الإسلامي الشاب طارق رمضان له صداه الكبير في الغرب، غير أنّ ثمة الكثير من العوامل السّياسية والإعلامية التي ساهمت في إبراز هذا الصّدى وتضخيمه، وهذا لا يعني بالمطلق التنقيص من قيمة هذا الرجل الفكرية، بقدر ما يعني أن هناك مئات الأسماء التي لم تحظ بمثل هذا الظهور الإعلامي، فهي تشتغل في صمت، مكرّسة جهودها لخدمة الإسلام، فكراً وتنظيماً ودعوة، ويعود إليها الفضل الكبير في أهم المكاسب المادية والمعنوية التي حققها الإسلامُ في الغرب، حيث تنشط عشرات الآلاف من المساجد والجمعيات الإسلامية، وتصاغ في تعاون مع الجهات الغربية شتى القوانين والمشاريع والأفكار، التي تهم حياة المسلمين في الغرب.
* وكيف تقاربون مجموع الأفكار "التجديدية" التي تطرحها النخبة المسلمة في أوربا بغرض إحداث معايشة هادئة، وسليمة مع الوسط الأوروبي؟
- فيما يخصّ التنظير التجديدي للإسلام الذي يمارسه الكثير من المثقفين والباحثين المسلمين في الغرب، إما قصد تثوير ثوابت الدين الإسلامي، ادعاءً بأنها لم تعد تلائم طبيعة الحياة المعاصرة، أو أنها تقف عائقاً في وجه تقدّم المسلمين وتغيّرهم إلى الأحسن، وإما تصحيحاً لبعض الأفكار المستقاة مما يصطلح عليه بالإسلام الشعبي، رغبةً في زرع ثقافة التعايش مع غير المسلمين، وإما غير ذلك.. فإننا نرى أن قسماً من ذلك التنظير لا يُغني ولا يُسمن من جوع، فهو لا يعدو أن يكون إلا رتوشات شكلية لا تزين اللوحة الأصلية، بقدر ما تشوّهها وتحدّ من جمالها التلقائي الأول، لأن الانخراط السّلمي والفعال للمسلمين في الواقع الغربي، لا يتحقق إلا بالاندماج الإيجابي الذي تمت الإشارة إليه سابقا، وهو اندماج مبني على احترام الآخر، آخذاً بعين الاعتبار حقوقه. لذلك فإنّ كل منْ يعتقد أن التعايش الحقيقي مع الغرب يبدأ من نزع الحجاب أو اللحية أو ترك الصلاة أو شرب الخمر أو غير ذلك، فإنّ مثله مثل الذي يحرث الصحراء، فلا يحصد منها في النهاية شيئاً، لأن تجانس المسلمين مع واقعهم الجديد الذي هو الغرب، لن يتأتى إلى عن طريق التربية القويمة، التي تصحّح جملة من الأفكار الخاطئة التي جبلوا عليها، وتزوّدهم بمنهج حياة مستمد من منابع الإسلام الحقيقية، حيث الدين المعاملة أولاً وأخيراً.
التعليم الإسلامي في الغرب
* برز في الفترة الأخيرة الحديثُ حول محاولات وتجارب جادة للتعليم الإسلامي في أوروبا، وتمّ افتتاح معاهد وكليات أكاديمية بهذا الخصوص. ما هي خلفيات مثل هذه التجارب؟ وهل تجدونها ناجحة من حيث أداء وظيفتها الجديدة؟ وعلى أي نحو تتلقاها الذهنية الغربية؟
- ينبغي بدءاً التمييز بين أنواع ثلاثة من التعليم الإسلامي في الغرب، أولهما يتعلق بذلك التعليم الأسود، أي غير القانوني، الذي يُعطى لأبناء الجالية في مختلف المساجد والجمعيات الإسلامية، أثناء عطل نهاية الأسبوع (السبت والأحد)، وهو يستقطب أعداداً كبيرة من التلاميذ، ويرمي إلى الحفاظ على جانبٍ من الهوية الإسلامية للمسلمين المقيمين في الغرب، عن طريق تعليم اللغة العربية، وتحفيظ القرآن الكريم، وتلقين تعاليم الدين الإسلامي. أما النوع الثاني فهو ذلك التعليم المُدعم من قِبل بعض الدول الأوروبية، كما هو الحال بالنسبة إلى هولندا، حيث يمكن الحديث عن تعليم إسلامي قانوني، يخضع خضوعاً كلياً لمقتضيات كلٍّ من التعليم والتشريع الهولنديين، لكنه من جهةٍ أخرى يحظى بإمكانية عكس الهوية الدينية أو الثقافية الإسلامية، عن طريق إما تخصيص بعض المواد التعليمية التي تقترن، بصيغةٍ أو بأخرى، بهوية المدرسة وتلاميذها، كالتربية الإسلامية واللغة العربية أو التركية، أو تكريس بعض السلوكيات والمعاملات الإسلامية، مثل أداء الصلاة في وقتها، ومعاملة الإناث في إطار شرعي وغير ذلك، أو تنظيم بعض النشاطات ذات الطبيعة الرمزية، كالاحتفال بالأعياد الإسلامية، وتزيين الأقسام والقاعات بديكور إسلامي، وإعداد أنشطة ثقافية حول الإسلام ودوره الاجتماعي والتربوي في تهيئة الأجيال وغير ذلك. ويتشكّل هذا التعليم من 35 مدرسة ابتدائية وثانويتين. والنوع الثالث هو ذلك التعليم الإسلامي الجامعي العالي الذي يُدرّس في مجموعةٍ من الجامعات والكليات والمعاهد الإسلامية التي تمّ تأسيسها في مختلف الدول الغربية، بمبادرةٍ من مثقفي الجاليات الإسلامية هنالك، وقد بدأ هذا التعليم في الآونة الأخيرة بالاتساع، سواء على صعيد كمية المؤسسات التي تمّ فتحها أو على مستوى استقطاب الطلبة والمهتمين، حيث نشأ قسم لا يستهان به من المثقفين المسلمين في الغرب يعي أهمية هذا التعليم الإسلامي العالي، فراحوا ينتظمون فيه، دراسة أو إشرافا. غير أن ما تجدر الإشارة إليه هو أنه رغم أن هذا التعليم حقق طفرة نوعية، فتمكن من اجتذاب ثلة من المثقفين والأكاديميين الغربيين، فإنه لا يزال يعاني من تجاهل بعض السلطات الغربية له، حيث يظلّ محروماً من الاعتراف القانوني. المسلمون في بلاد الإسلام.. وفي الغرب
* بحكم الطبيعة الاختلافية بين المسلمين في بلاد الإسلام، وأولئك الذين يعيشون في الغرب؛ يطرح البعض مشكلة بخصوص إمكانات التأثير السلبي، وربما الإيجابي، المتبادل بين الطرفين. كيف تنظرون إلى أبعاد العلاقة الممكنة، والمحتملة، بين الطرفين، لاسيما مع وجود اختلافات بنيوية بين المكان "المسلم" والمكان الغربي الأوروبي؟
- إن مسألة الاختلاف بين المسلمين في بلاد الإسلام وإخوانهم المستقرين في الغرب، تقتضي في حقيقة الأمر، دراسة سوسيوـ ثقافية، تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المعطيات التاريخية والسياسية والاقتصادية والتكوينية، وقد لاحظ ذلك مجموعة من الغربيين الذي سافروا إلى العالم الإسلامي، حيث يصرّح البعضُ بأنّ المسلمين الموجودين في بلاد الإسلام يختلفون كثيراً عن أترابهم في المهاجر، خصوصاً على مستوى السلوك والمعاملة، حيث يتميّزون بالأريحية والانفتاح وحسن الخلق والصدق وغير ذلك، في حين يتسم أولئك الموجودين في الغرب بالصرامة المفرطة والانغلاق والتفسّخ والمراوغة والكذب وغير ذلك. وقد تصدق هذه الملاحظة على مسلمي الغرب، لكن بشكل نسبي، لأن الصورة التي صُمّمت للإسلام في الغرب، هي صورة مقزّمة، نُسجت بفرشاة الأيديولوجيا ومقصّ الإعلام، فما يُشاع حول تعفّن المسلمين وفسادهم، لعله ينطبق على مجموعةٍ صغيرة من الشباب الطائش، وليس على الجميع، ثم لا ينبغي تجاهل البنية القانونية الصارمة للمجتمعات الغربية، التي تحاصر المواطن العادي من كلّ جهة، فيشعر كأنه مأسور، فلا يملك إلا أن يداهن ويراوغ ويتملّص من ضغط القوانين، ومع مرّ الأيام يصبح لديه الخروج على القانون، من أجل تحقيق بعض مقتضيات الحياة الضرورية أو الكمالية أمراً عادياً، ولو كان ذلك محظوراً قانونياً.
* وماذا عن العلاقة بين الطرفين.. كيف ترى مستقبلها؟
- هذا الاختلاف النسبي الناشيء بين المسلمين المقيمين في الغرب وإخوانهم في البلدان الإسلامية؛ ليس له أيّ دخلٍ في طبيعة العلاقة القائمة بين الطرفين، فهي علاقة مبنية على التواصل والتعاون الدائمين، رمزياً ومادياً، حيث يساهم أغلبُ المسلمين المستقرّين في الغرب بحمل عبء عائلاتهم المعوزة، بل وأنّ معظمهم هاجرَ وهو مسكونٌ بهاجس إنقاذ عائلته من الحاجة. غير أنه من المتوقع أن تتعرّض هذه العلاقة لنوع من الارتجاج في المستقبل القريب المقدر بأربعة أو خمسة عقود، حيث سوف تنتهي الأجيال الأولى التي تربطها أواصر وطيدة بالأوطان الأصلية، فيصبح المسلمون في الغرب ممثلين بالأجيال الأخيرة، التي ولدت وتربّت في الغرب، ولا تقرنها بأوطان آبائها إلا علاقات تذكاريّة ورمزية.
#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)
Tijani_Boulaouali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهجرة المعاكسة؛ حلم العودة الذي يأتي ولا يأتي
-
الريف في مواجهة الحرب الكيماوية الأولى
-
ازدواجية الجنسية في هولندا بين الثابت القانوني والمتحول السي
...
-
العجز أم التعاجز العربي؟!
-
المسلمون في الغرب بين تناقضات الواقع وتحديات المستقبل
-
غدا.. عودة السيف
-
القضية الأمازيغية بين رد الاعتبار والتوظيف الأيديولوجي
-
جبن الشجعان وشجاعة الجبناء
-
نداء إلى كل مكونات المجتمع الأمازيغي حول إعداد قسم خاص باللغ
...
-
الإصلاح السياسي لا يتأتى إلا بالوعي الديموقراطي
-
استغلال الأمازيغية من حيث هو اعتراف بها
-
حول المكسب العلمي الجديد/نموذج الجامعة الحرة بهولندا
-
(2) من السماء إلى الأرض
-
(1) من السماء إلى الأرض
-
مدينة الفراغ
-
الحماية الذاتية خير علاج للتهديدات الموجهة إلى المثقفين
-
المسلمون بالغرب في مواجهة العداء السياسي والإعلامي
-
معركة الحجاب أو حصان طروادة الأخير
-
! وطني الذي زارني في المنفى
-
اندماج المسلمين في الغرب بين الإمكان واللا إمكان
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|