مقدمة
يستقبل الشعب الفلسطيني العام الرابع للانتفاضة، والتي أجمع على تسميتها بانتفاضة الأقصى والاستقلال، وفي جعبته ألفان وسبعمائة وعشرة شهداء، مضى منهم في العام الأول (703) شهيداً، وفي العام الثاني (1282) شهيداً، وفي الثالث عن الفترة الواقعة ما بين تشرين أول 2002 وحتى نهاية آب 2003 (725) شهيداً،كان نصيب الضفة الفلسطينية خمسة وخمسون بالمائة من الشهداء والباقي البالغ خمسة وأربعون بالمائة كان من نصيب قطاع غزة، إلا أن القطاع تفوق بعدد شهدائه مع بداية عام 2003 انعكاساً للضغط العسكري الممارس ضد المحافظات الجنوبية، وقد بلغ عدد الشهداء من غير الفلسطينيين اثنا عشر شهيداً من مصر وإيطاليا وبريطانيا وأمريكا، وكان عدد الشهداء الفلسطينيون من الأراضي المحتلة في عام 1948 تسع عشر شهيدا.
احتلت محافظة نابلس المرتبة الأولى بعدد شهدائها بواقع (377) شهيداً وبنسبة 14% من إجمالي الشهداء، تليها محافظة غزة بشهدائها (356) شهيداً، ومن ثم محافظة جنين بشهدائها البالغ عددهم (283) شهيداً.
وشكل الشهداء الأطفال نسبة 19% من إجمالي الشهداء، واحتلت محافظة غزة موقع الصدارة، تلتها محافظة رفح ومن ثم محافظة نابلس. أما الشهداء المسنون ممن تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً فقد شكلوا 7% من الشهداء ، أما الشهداء الشبان للفئة العمرية ما بين 18-29 سنة فقد شكلوا 52% من إجمالي الشهداء ، وقد تم اغتيال نحو 260 مواطناً ومواطنة خلال السنوات الثلاثة المنصرمة، وكان نتيجة لمضي 180 شهيدة أن احتلت المرأة 7% من إجمالي الشهداء،
الأرقام المذكورة أعلاه ذات دلالة، لابد من قراءتها بعناية لاستخلاص بعض النتائج التي سنأتي عليها، فالحرب الدائرة بلا هوادة هي حرب الاستقلال، وقد استوعب شعبنا هذه المعادلة حتى الثمالة، فبقي رغم خسائره الفادحة يودع الشهيد تلو الشهيد بالهتاف والزغاريد…
شعب مطلوب ميتاً أو مستسلماً
أن يسقط خلال أقل من ثلاثة أعوام (2710) شهيداً، أي بمعدل 2.5 شهيداً يومياً، يدل على أن عمليات القتل كانت مقصودة لذاتها، فباستعراض تفصيلي لحالة كل شهيد على حده نجد أن نسبة الشهداء المدنيين بلغ 85% من إجمالي العدد الكلي للشهداء، كما نجد أن عمليات القتل لم يقتصر فقط على جنود جيش الاحتلال، بل أن المستوطنين وما يصطلح على تسميته بالمدنيين الإسرائيليين أيضاً شاركوا بحفلات القتل هذه، فقد قتل (54) شهيداً على يد المستوطنين، و 32 شهيداً على أيدي "المدنيين" الاسرائيليين ، واستخدم السلاح الثقيل في عمليات القتل فقصفت الأحياء السكانية بطائرات إف 16 وطائرات الاباتشي، واستخدمت المدافع الثقيلة بالقصف، و جميع الأسلحة من عيار (800) و (500) وقنابل الدمدم والمسمارية في مواجهة المقاومة سواء كانت مسلحة أو غير مسلحة، ومنذ اليوم الأول للانتفاضة تكشفت النوايا العدوانية المبيتة من قبل إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني، فأوقعت خلال قمع المظاهرات السلمية أكبر عدد ممكن من الإصابات القاتلة، ومع استمرار الانتفاضة طورت إسرائيل من حربها العدوانية وتكشفت خططها العسكرية فمن خطة حقل الأشواك لحكومة باراك التي قامت إسرائيل بموجبها بعمليات قصف جوي ومدفعي وصاروخي للمدن الفلسطينية إلى خطة المائة يوم من قبل حكومة شارون الأولى إلي خطة "اورانيم" و"اورانيم المتدحرجة" التي طور خلالها عمليات القتل والاغتيالات وقصف المدن والمقرات الحكومية المدنية والأمنية، الى جانب اقتحامات محدودة لمناطق (أ)، ومرورا بعملية "رحلة بالألوان" التي تم خلالها اجتياح كامل للمخيمات الفلسطينية، إلى عملية السور الواقي التي بدأت في آذار 2002 وحتى الأسبوع الأخير من نيسان، حيث أعيد احتلال جميع المدن الفلسطينية باستثناء محافظة أريحا، ارتكبت خلالها مجازر جماعية في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس، واستخدمت " القوة المفرطة" في قمع وقتل السكان المدنيين، وتم التعرض للطواقم الطبية وقتل (25) من عناصرها، وذلك لمنع إسعاف الجرحى الذين تركوا ينزفون حتى الموت، كل هذا يؤكد نية القتل ولا شيء غيره، والذي تأكد في القصف الوحشي للبنايات الآهلة بالسكان كما وقع في حادث حي الدرج والشيخ عجلين والشجاعية في غزة وباقي مناطق وأحياء القطاع ، وتم ارتكاب مذابح جماعية قضت أو أبادت على عائلات بأكملها كما جرى مع عائلة الشعبي وفريتخ في نابلس، وعائلة زينة العواودة في غزة، وآل مطر والحويطي في حي الدرج، وآل الهجين في حي الشيخ عجلين، وغيرهم هذه المذابح أجبرت هيئة الأمم المتحدة على الوقوف بخجل حيث أصدرت القرار (1405) القاضي بتشكيل لجنة تقصي حقائق في أحداث مخيم جنين، إلا أن إسرائيل بدعم من أمريكا استطاعتا إفشال عمل اللجنة قبل أن تبدأ، عن طريق الضغط الذي مورس على الأمين العام للأمم المتحدة فأعلن عن حلها، ولكن هذا الفشل لا يعني أن التاريخ لم يسجل هول وبشاعة ما ارتكب من عمليات قتل وتدمير، عكست وأوضحت أفكار ومفاهيم عنصرية آخذه بالانتشار والتوسع في المجتمع الاسرائيلي ، وتقود المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف السياسي والعقائدي المستند إلى المفاهيم العقائدية التوراتية، وأظهرت ضعف وهشاشة القوى التي تسمي نفسها باليسار ومعسكر السلام المزعوم، والتي ظهرت نسبيا في الانتفاضة الأولى وبرزت خلال الحرب على لبنان، لكنها انزوت الى درجة التلاشي في الانتفاضة الراهنة رغم بشاعة العدوان الاسرائيلي وممارسات حكومة اليمين المتطرف.
الاغتيالات – الإعدام خارج القانون
في إطار ممارسة سلطات الاحتلال لسياسة الاغتيال لقادة سياسيين وناشطين ميدانيين، قتل (260) شهيداً، منهم (140) مناضلاً مستهدفاً من قيادات سياسية وعسكرية كان من بينهم قادة وكوادر عسكريين ميدانيين نذكر منهم الشهداء رائد الكرمي، يوسف السركجي، مهند أبو الحلاوة، صلاح دروزة، ومحمود أبو هنود، والحضيري، وشهداء آل عبيات، والطيطي والسعدي والحنبلي ومسك وغيرهم، أما العدد المتبقي فهو لمواطنين بؤساء تواجدوا أو قادهم حظهم العاثر للتواجد في المكان والزمان غير المناسبين لحظة الاغتيال، من هؤلاء (29) طفلاً و (22) إمرأة، فلدى اغتيال الشهيد صلاح شحاده قتل (19) مواطناً من سكان المبنى الذي يقطنه الشهيد المستهدف، حيث قامت طائرة من طراز اف 16 بإطلاق صاروخ زنته طن من المتفجرات دمر البناء بشكل كامل، فلكي تصل الآلة المجرمة إلى مناضل تقوم بمجزرة جماعية للآمنين مطلقةً وصف الحدث بالعملية الناجحة، وذلك بإيقاع العقوبات الجماعية بحق الناس، وفي إطار عمليات الاغتيال استخدمت سلطات الاحتلال إضافةً إلى الصواريخ الموجهة من طائرات الاباتشي، والعبوات المزروعة بالسيارات وكابينات الهواتف العمومية والهواتف المحمولة وكذلك عن طريق القنص، وقد تركزت عمليات الاغتيال في البداية لتستهدف الناشطين العسكريين والميدانيين، ومن ثم امتدت لتشمل قيادات سياسية من الأحزاب والفصائل، كالدكتور ثابت ثابت في طولكرم والجمالين في نابلس، وأبو علي مصطفى في رام الله والمقادمة وأبو شنب في غزة وغيرهم، ووصل الأمر إلى استهداف الشيخ أحمد ياسين في تطور غير مسبوق تخطى كل الخطوط الحمر لقائد سياسي له منزله دينية رفيعة في عملية اغتيال فاشلة، وهذا ليس بمستهجن على إسرائيل، فهذه سياسة متبعة منذ وقبل تأسيس دولتهم، حيث لجأت دائماً إلى استخدامها ضد قيادات فلسطينية تحت شعار ضرب الرأس القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج في أعوام السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، فاغتالت أبو جهاد في تونس،وغسان كنفاني والكمالين والنجار في بيروت، وأبو شرار في روما، والهمشري والقلق في باريس، وخالد نزال في اثينا 1986 وغيرهم، وقد اعتقدت أنها باغتيال القيادات ستوقف أو تعيق النضال الوطني الفلسطيني بتوجيه ضربة مادية ومعنوية للمقاومة، وتشيع خلق أجواء الإحباط واليأس، إلا أن النتائج كانت تأتي لتعكس فشل هذه السياسة، حيث أدت الممارسات اللاأخلاقية للاحتلال إلى خلق أجواء ومناخات تؤدي الى تأجيج المشاعر الوطنية وتدفع المزيد من الشباب إلى التضحية والفداء والانخراط في قلب المقاومة، إلا أن المشكلة المقلقة في هذا المجال تكمن في قضية "العملاء"، الذين باعوا أنفسهم للشيطان والحقوا بمجتمعهم الألم والخزي والشكوك التي أدت إلى خلخلة النسيج الاجتماعي. وليس دفاعاً عن هذا الواقع فإن كل الاحتلالات المعروفة في التاريخ لجأت الى تجنيد الجواسيس وزرع العملاء في صفوف التنظيمات المقاومة للتزود بالمعلومات الضرورية لها، وهكذا أيضاً فعلت إسرائيل منذ بداية احتلالها لفلسطين، فقد عملت على تجنيد العملاء الذين يزودونها بما تكلفهم به من أعمال مراقبة و رصد ، غير مكتفية بامتلاكها لأجهزة الرصد الحديثة والأدوات والتقنيات المتقدمة التي لا تملكها بعض الدول الكبرى لتلحق بنا الخسائر البشرية والمعنوية هذا الأمر يضغط معه الجميع إلى ضرورة المعالجة حتى لا يأخذ البعض القانون بيده فالأمن الذاتي هو الأساس في إفشال مهمة العملاء وأسيادهم، وتحديداً في ضوء التعقيدات القائمة ولم يعد سراً أن قضية العملاء والجواسيس بدأت تضغط على الواقع وتزيد من قساوته، والذي بات معها الجميع يطالب ويدعو إلى ضرورة معالجة الظاهرة واستئصالها فقد باتت كالسرطان المستشري في الجسم الفلسطيني الذي يضعفه ويهدده، وتأجيل علاجها أو تجاهلها يدفع البعض إلى أخذ القانون بيده ولكن يجب أيضاً أن يضع المقاومون معادلاتهم الأمنية الخاصة.
الشهداء والأطفال
يوصف الشعب الفلسطيني بأنه شعب فتي، حيث تبلغ نسبة المواطنين ممن هم أقل من ثمانية عشرة عاماً 52% من الشعب، لذلك كان استهداف الآلة العسكرية الإسرائيلية لهذه الفئة كبير، فهؤلاء هم رصيد ومخزون المقاومة والمستقبل، لقد مثل الشهداء الأطفال (19%) من إجمالي الشهداء، وبواقع (506) شهيداً، نسبة الإناث منهم (11%) ، وقد قتل العدد الأكبر منهم داخل منازلهم في القصف الوحشي للمناطق السكنية، أو نتيجة لاطلاق الرصاص عشوائياً على المظاهرات السلمية، أو من خلال زرع أو ترك العبوات في الطرق الرئيسية كما حدث مع أطفال عائلة الأسطل الخمسة في خان يونس حيث استشهدوا جراء انفجار لغم أرضي زرع في محيط مدرسة أطفال في المنطقة، وبعضها كان نتيجة لعمليات الاغتيال كما حصل مع الطفلين أشرف وبلال أبو خضر، اللذان استشهدا في الشارع نتيجة لقصف المكتب الإعلامي لحركة حماس في نابلس، ولن ينسى التاريخ صورة محمد الدرة الذي قتل في حضن والده، وإيمان حجو على صدر والدتها، وضياء الطميزي في حضن والده، ورهام أبو طه التي قتلت داخل مدرستها، وخالد البازيان واياد الخششي وقد قتلا أمام منزلهما، وأطفال حسين أبو كويك الذين استشهدوا عندما قصفت سيارة والدهم المستهدف ولم يكن متواجداً فيها أصلاً، وأبناء مطر الخمسة الذين استشهدوا في حادث حي الدرج في غزة، وفي جميع الحالات التي قتل بها الأطفال، كانت الرواية الإسرائيلية واحدة وتتلخص باتهام الفلسطينيين بالعنف نتيجة للمناهج الدراسية الفلسطينية اللاسامية، وبأن الفلسطينيين يتسموا بعدم المسؤولية وأنهم يضعوا أبنائهم في دائرة الخطر رغبة منهم وفي خطة مدروسة لاستدراج وسائل الإعلام، وقد روج لهذه الرواية في الغرب، إلا أن الواقع كان ردّه أقوى، فعدد الأطفال الذين قتلوا في أحضان آبائهم وفي بيوتهم خلال قصف البنايات الوحشي وبسبب العبوات المزروعة والأجسام المشبوهة ودهس الأطفال من قبل المستوطنين تدحض الرواية الملفقة المشبوهة، وتؤكد بأن جيش الاحتلال ومستوطنيه الذين لا فرق لديهم بين الكبار والصغار ولا بين المقاومين والمسالمين حين يكون الهدف التخلص من الفلسطينيين، ويكفي أن نذكر أن (30) جنيناً قد توفوا على الحواجز لحظة ولادتهم بسبب إعاقة وصول الحوامل إلى المستشفيات وآخرهم جنين المواطنة "رولا شطيح" من قرية حواره قرب نابلس التي أنجبت طفلتها ميتة على مرأى من جنود الاحتلال على الحاجز، وبسبب الفضيحة التي حصلت على أثر الحادثة، اضطرت إسرائيل للإعلان عن تشكيل لجنة للبحث المعمق عن سبب إعاقة الجنود مرور المرأة لدخول المستشفى في المدينة!!
توازن إرادوي للقوى
يمضي الشهداء في ظل توازن إرادوي للقوى، ميزان لا علاقة له بموازين القوى على الأرض، فهذا مختل تماماً لصالح الإسرائيليون وحلفائهم، يقاوم المجتمع بكل طاقته آلة الحرب العدوانية التوسيعة العنصرية، شعب يطارد أطفاله دبابات الميركافاه بالحجارة، وطائرات الاباتشي بالمقاليع، وأسراه يقاومون بالأمعاء الخاوية، ويستمر جدول الشهداء بالجريان لشعب أصبح كله حتماً مشاريع شهادة وأولهم رئيسهم الدي لا يتورع الإسرائيليون عن تهديده بالقتل جهاراً نهاراً على الضد من القوانين الدولية، كل هذا أدى إلى التأثير في ميزان الخسائر المادية والبشرية، والأخيرة غير محتملة لدولة إسرائيل، فإن لم يستطع الشعب الفلسطيني أن يحدث الخلل المطلوب في ميزان القوى، إلا أنه تمكن أن يوقع في صنوفهم (821) قتيلاً يبلغ العسكريين منهم الثلث حتى نهاية آب 2003, وفي مقارنة بسيطة لخسائرهم البشرية في لبنان نجد أنهم قد فقدوا حوالي(800) قتيلاً على امتداد أكثر من عقدين من الزمن، دفعتهم في النهاية ضمن أسباب أخرى أهمها التفاعلات التي حدثت في المجتمع الإسرائيلي التي لم نشهدها في الحالة الفلسطينية، إلى الانسحاب من الجنوب اللبناني دون اتفاق ودون توقيع معاهدة سلام.
أننا شعب يتوجع ليل نهار، ولكنهم يتوجعون أيضاً، وحتى نخفف وجع الشهداء وأسرهم وفي الذكرى الثالثة لانطلاق الانتفاضة، نرى بأن علينا أن نعمل باتجاهات متعددة لحل الإشكالات التي تبدو صغيرة بالمقارنة مع تلك الاستعصاءات السياسية والاقتصادية والأمنية الكبيرة، لكن تخفيف الهموم ومعالجة ما يبدو صغيراً قد يكون له تأثير عظيم على صمود وتماسك ومعنويات اسر الشهداء بإسناد ظهورهم، ويشيع الثقة في المجتمع.
نحو قانون للشهداء
الحرب المجنونة التي تشنها حكومة إسرائيل المتطرفة على الشعب الفلسطيني مفتوحة، وبإعلانات واضحة من قياداتها السياسية والعسكرية، هذه الإعلانات يجب التعامل معها بكل الجدية الممكنة على جميع الأصعدة، وفي أولوية التعامل تتصدر قائمة الشهداء المرشحة للازدياد باستمرار، والتي قاربت على الثلاثة آلاف ما بين شهداء بشكل مباشر أو غير مباشر، (مرضى وجرحى يعاق إسعافهم) وإذا ما أضفنا إلى عدد شهداء انتفاضة الأقصى والاستقلال شهداء الانتفاضة الكبرى الأولى الذين بلغ عددهم 1550 شهيداً، وشهداء هبة النفق البالغ عددهم (63) شهيداً، إضافة الى شهداء الشعب الفلسطيني في الخارج في مخيمات سوريا ولبنان والأردن وشهداء الحركة الأسيرة في السجون والمعتقلات النازية الإسرائيلية، نجد أنفسنا أمام أعداد كبيرة تؤكد الحاجة إلى وجود قانون للشهداء، يظهر اهتمام الشعب الفلسطيني بهذا القطاع،ويعاملهم كجنود نظاميين لمعركة الاستقلال والحرية ، وينظم العلاقة بين اسر الشهداء ومؤسستهم المعنية، لجهة حماية الحقوق المادية والمعنوية لهم وحقهم في الحياة الكريمة وحق أبنائهم في التعليم المجاني والعمل وتوفير الضمان الاجتماعي دون تمييز أو إجحاف، فالواقع الحالي للوائح والأنظمة المنظمة للحقوق المادية تشير إلى تعدد الأنظمة والمعايير، الأمر الذي يقود إلى التمييز وعدم المساواة، وهنا لا يتم الحديث عن شهداء انتفاضة الأقصى والاستقلال فحسب،فهؤلاء توحدهم اللائحة المطبقة عليهم، بل شهداء الشعب الفلسطيني في مراحل نضاله المختلفة لحفظ كرامتهم الإنسانية والمعنوية وحتى لا تشعر عائلة الشهيد بأنها قد تحولت من حالة نضالية إلى حالة اجتماعية أو إنسانية، بل يجب تكريمهم كحالات نضالية ولمنع أن تعتريهم مشاعر الخوف والقلق على مستقبل أولادهم، لصالح أن تقتصر مشاعرهم على مشاعر الفخر والاعتزاز.
مواجهة حرب الاغتيالات
لم يخف الإسرائيليون نيتهم في استمرار حرب الاغتيالات، فهذه سياسية متبعة لن تتوقف، وهذا جزء من التراث الصهيوني الأسود، أمام هذه السياسة العدوانية المعروفة، فالشعب بأسره في مواجهة إرهاب دولة الاغتيالات المنظم، هذا الأمر يثير مسؤولية الجميع، وفي المقدمة مؤسسات حقوقية فلسطينية وعربية لدعوتهم جميعاً للتحرك بكل الأشكال وتحريك قضايا تتعلق بجرائم الحرب ضد المؤسسة العسكرية والأمنية ممثلة بشخوصها المعروفين أمام المحاكم الإسرائيلية والدولية، وتنظيم حملات إعلامية حول الإعدامات خارج القانون، باعتبار أن جرائم حرب دولة الاحتلال لا تسقط بالتقادم، هذا من جانب، ومن جانب آخر ،وقد أصبحت أساليب الاغتيال وآلياته معروفة إلى حد ما، فالأساس أن يوفر المقاومون لأنفسهم الحماية الذاتية وتجنب كل ما من شأنه تعريض حياتهم للخطر انطلاقاً من التجارب العديدة المعروفة، ومؤخراً لجأ الاسرائيليون في محاولة لتقليد القوات الأمريكية في العراق إلى وضع صور المطلوبين من قيادات وكوادر على أوراق اللعب (الشدّه)، في محاولة منها لإدراج حربها الإرهابية على الفلسطينيين ضمن الحرب المزعومة على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، علينا التعامل بحرص وحذر وجدية سياسياً وإعلامياً، على أساس أنها قوائم اغتيالات فما يبدو فكرة في البداية يحوله الإعلام إلى واقع يتم الاعتياد عليه ، وان نصمم أن نحول أوراق اللعب إلى جواكر تهزأ بهم…
الشهداء في الإعلام
يتضح من خلال الأعوام الثلاثة الماضية بأن الصورة الإعلامية للشهداء وأسرهم لم تستقر، فلم تقدم وتحديداً في الإعلام الغربي على أساس من كونها صورة إنسانية، ولم توضع في قالب أكثر حميمية، فلم يرشح عن الشهداء سوى القليل من خصوصياتهم وأحلامهم، وتحديداً بالنسبة للشهداء من غير المقاومين وقد شكلوا 85% من الشهداء، ورغم هذا فقد تم اظهارهم في الإعلام الغربي كأرقام فحسب، وما ظهر إعلامياً حول الشهداء كان يدور حول الاستشهاديين أو من يتم اغتيالهم.. ومن ثم يتم الانتقال الى ردود الفعل السياسية والعسكرية، أما الإعلام الغربي فقد قدم الإستشهاديون وعلى أساس أنهم السبب في تفجر العنف، وأن من يستشهد من الفلسطينيين فيما بعد يأتي في إطار دفاع الإسرائيليين عن أنفسهم، ولم يستطع الإعلام العربي أو الفلسطيني أن يعيد صياغة الرواية من جديد، إلا بعض الأفلام الجيدة عن مجزرة مخيم جنين، ولم تجد الترويج الإعلامي المناسب، ولم يوفر لها الإمكانيات لتحدث اختراقا إعلامياً الذي أصبح معولماً، وهنا لا نتحدث عن قوة الإعلام الإسرائيلي وسيطرته وإمكانياته الهائلة، ولكننا نتحدث عن صوره إعلامية فلسطينية ثابتة إنسانياً ومستقرة سياسياً، صورةً مدروسة تصل القلب والعقل معاً، لتعود بالعلاقة مع الإسرائيلي وتظهرها على أساس الصراع بين الجاني والضحية، بين السكين والرقبة، وبين السوط والظهر، لا تلك الصورة الإعلامية التي أظهرت الصراع وكأنه يدور بين جيشين متقابلين، علينا أن نجهد لكسب الحرب الإعلامية فقد ربحناها في الانتفاضة الأولى وكسبناها في صبرا وشاتيلا، وما علينا سوى أن نزيح بخطة مدروسة الغباش الذي لحق بها في هذه الانتفاضة.
مراكز توثيق الشهداء
لا زالت جميع المؤسسات الحكومية منها وغير الحكومية عاجزة عن استكمال توثيق شهداء فلسطين منذ مطلع القرن الماضي، ربما لن نجد خللا يذكر في شهداء الانتفاضتين وما بينهما، إلا أن الأمر ليس كذلك في محطات النضال الكبيرة سواء في ساحات اللجوء والشتات أو في المناطق المحتلة، شهداء 1936،1948،1967، شهداء المجازر المتتابعة التي على أشلائها بنيت دولة إسرائيل، مما يملي على الجميع مهمة تجميع وتوثيق شهداء فلسطين دون تلكؤ، فهؤلاء الذين مضوا ليعيش الشعب والقضية يستحقوا ان تخط أسماءهم بأحرف من نور ونار.
خاتمة
في التاريخ الفلسطيني كان الشهداء هم الشرارة التي أشعلت نار الثورات والانتفاضات، فكان لاستشهاد محمد جمجوم، فؤاد حجازي، عطا الزير، في سجن عكا في اعقاب ثورة البراق عام 1929 أن بدأ التمهيد والاعداد لثورة واضراب عام 1936 بقيادة الشيخ الشهيد عز الدين القسام ورفاقه، وكان لسقوط عمال غزة الأثر في انطلاق الإنتفاضة الأولى 1987، وكان لكواكب الشهداء في 29 أيلول عام 2000 الأثر في استمرارية وتواصل الانتفاضة، فلنرتقي إلى مستوى دماءهم ونستمر في حمل راياتهم حتى في وسط هذه العتمة، ولنرفع صوتنا عالياً بالهتاف لهم ولخلودهم، ولنرفعه في وجه الاحتلال وقطعان مستوطنيه، ولنرفعه ضد هذا الصمت المريب من المحيط الى المحيط ، ولنرفعه في وجهة كل من يؤذي وحدتنا الوطنية وضد كل من يضع الحواجز فيما بيننا، ولنرفعه في وجه العالم "المتحضر" الذي يسكت على ممارسات إسرائيل العدوانية المتأصلة في ثقافتها، فحضارته وتشدقه بحقوق الإنسان في امتحان عسير ومصداقيته أمام تحدي طالما ساعد في تمرير جرائم إسرائيل دون عقاب…