أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إدريس ولد القابلة - مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 9- 10 - التعرف على الشيخ عبد السلام ياسين















المزيد.....


مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 9- 10 - التعرف على الشيخ عبد السلام ياسين


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 597 - 2003 / 9 / 20 - 06:15
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


نقش على جدران الزنازين

الحلقة 9

"العصبة " و " الأصفاد " كانا لا يفارقاني منذ ولجت درب مولاي الشريف حتى قدمت للنيابة وكانت الروحانيات ملاذي للتخلص من آلام التعذيب.


 كل جولة من جولات التعذيب في درب مولاي الشريف تبتدئ دائما بحوار يكاد يكون سخيفا:
 هل مازلت لا تنوي الاعتراف ؟
 عن أي شيء ؟

 عن كل ما تعرفه وعن مقرات الاجتماعات عن الأشخاص الذين تعرفهم والذين تربطك بهم علاقة و...
 قلت كل ما عندي...

 فعلا كان هناك ما أخفيته عن المحققين، لكن لم يكن ما أخفيته يتعلق بما يدور بذهن الجلادين ( سلاح، تدريب، قواعد..) كان متعلقا بأسماء وأشخاص وعلاقات فقط...وتوصل المحققون لجزء مما أخفيته من جهة ما، وتحملت أكثر من حصة تعذيب بسبب ذلك وكانت سابقة لم يرد المحققون نسيانها، وفي كل مرة، قبل الشروع في الاستنطاق يقول أحدهم:

 اسمع يا وليدي..غير اخوي المزيودة..راه الصمود تابعو الخلود في العمود.


 إنها عبارة ظلت ترافقني طوال المدة التي قضيتها بالدرب. في الأسبوع الأول من ضيافتي كان الصراخ يدوي في كل مكان، كنت ما زلت لم أتحرر من الخوف على حد ما، لاسيما وأن محققي القنيطرة كانوا يهددوني بأهوال الدرب خصوصا الضابط جسوس...لكن بعد مدة ألفت، رغما عني، الجلادين وأساليبهم وحقدهم المتجاوز للحدود....لكن الشيء الذي لم يستطع أحد ضيوف الدرب التحرر منه، رغم مختلف المحاولات، هو الألم..مختلف أنواع الألم المادي والمعنوي كانت حاضرة باستمرار، متكررة على الدوام ليل نهار بالدرب.

 ولي قصة مع الألم بالدرب. ذات ليلة استحضرت ما اطلعت عليه في أحد كتب علم النفس..قرأت أن الألم هو عبارة عن فكرة في أحد مراكز الدماغ ويمكن للمرء أن يتغلب عليها بفكرة أخرى أقوى منها، وقمت بتجريب هذه الوصفة عدة مرات وفي كل حصة من حصص التعذيب، كنت أجتهد اجتهادا في تركيز تفكيري على فكرة، وكانت الروحانيات ملاذي، في البداية كان الأمر صعبا، لكن في المرة الثانية اقتنعت اقتناعا راسخا أنه لا خيار لي إلا ذلك، اجتهدت لمضاعفة التركيز لكن فكرة الألم ظلت هي الغالبة:

 إن أجواء التحقيق وظروفه بدرب مولاي الشريف كانت توحي للمرء كأن الشعب المغربي بكامله يتآمر على الوطن وعلى مستقبله إلا الجلادون ورؤساؤهم. هؤلاء كانوا ينظرون إلى كل مغربي على أنه متهم بالتآمر وبالتالي لم يكن للجلادين إلا جمع الحجج وتحرير المحاضر لإعطاء الانطلاقة للمسرحية التي كانت نهايتها أحكام قاسية. وكانت هذه هي طريقتهم لإثبات خدمتهم وتبيان ضرورة استمرار بقائهم في مناصبهم.

 استيقظت منهك القوى من جراء ما مورس علي من تعذيب في الاستنطاق..في فترة غياب " الحاج" اقترب مني " البقال" الذي اعتقل ظلما وعدوانا مع مناضلي لنخدم العشب بسيدي سليمان، فسألني بهمس: ماذا حدث؟ ماذا قالوا لك؟ عن ماذا سألوك؟ ...وكان الرعب يتملكه لأنهم لم ينادوه لي تحقيق منذ وصوله إلى الدرب.

 بعد ركود الأمور وتباعد حصص الاستنطاق مكثت بالسرداب أحلم بمشاهد التعذيب...صور بشعة كانت أشد وقعا على النفس من الألم..وما زالت تلك الصور تحتل ركنا من لاشعوري عاقدة معي موعدا من حين آخر لتأسيس كوابيس الليالي. فمن يدخل هذا المكان عليه أن يدع التفكير في النوم والطعام والراحة جانبا لأنه لا يتحكم فيها وعليه قضاؤها تحت الإشراف المباشر " للحجاج".
 التعذيب يصبح نمط عيش في الدرب

 إن التعذيب بطبيعته يفترض وجود طرفين: الطرف المعذب والمعذب، الجلاد والضحية. وكانت المعادلة بين هذين الطرفين بدرب مولاي الشريف آنذاك تعتبر مواجهة بين أفراد مجردين من أي شيء إلا أفكارهم ومبادئهم من جهة، ومن جهة أخرى القوة غير المحدودة للدولة. وكانت هذه المواجهة تتم في الظلام، وراء الشمس، بعيدا عن العيون...لذا كانت دائما بمثابة انتصار للطرف الأول ( الضحية ) مهما كانت النتيجة. لهذا يشعر ضيوف الدرب بنشوة انتصار خاص على قوة الإرهاب والترهيب والظلم وخنق الكلمة الصادقة، انتصار خاص كفيل بالافتخار به، لأنه بقدر ما يعظمهم أمام جلاديهم فإنه يجعل الجلادين صغارا في أعينهم لا يكادون يبينون.

 في درب مولاي الشريف يصبح التعذيب للعيش وقواما من قوامات الحياة اليومية بالنسبة للمعتقل، إنه حاضر على الدوام، يمارسه جلادو الدرب على المستنطقين، وكذلك الحراس الدائمون " الحجاج" المكلفون بحراسة الضيوف 24 ساعة على 24 ساعة. والتعذيب الممارس بالدرب أشكال وأنواع، مادي ـ جسدي ومعنوي ـ نفسي. يكاد المرء بالدرب يختنق في فضاء ضيق...أنفاسه تتنافس مع أنفاس الآخرين ذات اليمين وذات الشمال في أقبية وزنازين وممرات تحتضن أكواما من البشر.

 فؤاد الهلالي ينقذني


في ليالي الشهور الأولى كنت لا تسمع بالدرب إلا الصراخ والصياح والأنين وصوت " العصبة". كانوا يعتمدون على الترهيب والتخويف أولا قبل اللجوء إلى التعذيب والضرب والتنكيل والصدمات الكهربائية والخنق " والتعلاق".

 جرى معي التحقيق مثل ما جرى مع أغلب ضيوف الدرب، اعترفت بانتمائي إلى المنظمة وبأهدافها وبعلاقتي مع مجموعة من الرفاق.

 هذه المرة ذهبوا بي إلى مكتب معصوب العينين ومكبل اليدين، " فالبانضة" و " المينوط"، كانا من الأكسسورات التي لا تفارق المرء طوال اليوم منذ ولوجه الدرب حتى تقديمه للنيابة، طالت مدة الضيافة أم قصرت بمجرد اجتياز باب المكتب هجم علي رجال وأخذوا يضربونني بأيديهم وأرجلهم، وبين اللكمة والصفعة كنت أسمع غير بعيد عني أنين وصراخ شخص كان يجتاز امتحان حصة من حصص التعذيب، أظنه فؤاد الهيلالي أو إدريس بنزكري...أحسست أن فترة الضرب طالت وكنت مكوما على نفسي لحماية الرأس والوجه من اللكمات الطائشة. ففي الظروف والأوضاع السيئة أو المحرجة يشعر المرء بأن الوقت أطول مما هو عليه في الواقع.

 أمرني أحد المحققين بخلع ثيابي بعد أن أزاح قيدي..خلعت القميص والسروال الكاكيينبطني.مرني بالاستلقاء أرضا على بطني ...قيد يدي ورجلي ووضع عمودا بينهما. ثم رفعوني وعلقوني، بطني إلى الأسفل وظهري إلى الأعلى، وماهي إلى لحظات لم أتمكن من تثمينها حتى شعرت بألم حاد في العمود الفقري وفي صدري، ألم لا يطاق...وظل الألم يتصاعد وأنا اصرخ وأقاوم، والأسئلة تطرح من هنا وهناك وأنا أجيب تارة وأصمت أخرى حتى فقدت وعيي ولم أعد أذكر شيئا...عندما استرجعت وعيي وجدت نفسي على الأرض مبللا بالماء.

 ...في مرة أخرى بينما أنا ماثل أمام المحقق، وكان من مسؤولي الدرب، لأن مكتبه كان أنيقا منظما خلافا للمكاتب الأخرى التي سبق أن حقق معي فيها، ولأن جميع الحاضرين كانوا يحترمون ذلك المحقق أكثر من المعتاد...وإذا بصوت جوهري يهز جدران المكان، شعرت بطنينه في أعماقي..وأظنه كان لفؤاد الهيلالي الذي جاؤوا به بالأمس قصد التعرف علي ومواجهتي لتفنيذ إنكاري حضور ندوة وطنية بالدار البيضاء والتي ترأسها كل من الشهيد عبد اللطيف زروال وأبراهام السرفاتي عن اللجنة الوطنية لمنظمة " إلى الأمام"...وكانت صرخاته تدل على معنى واحد، إرغامه على الاعتراف، ولا محالة أن دوري آت بعده...كنت معصوب العينين ومكبل اليدين، حافي الرجلين..كانت البانضة " محكمة هذه المرة ولم أكن أرى شيئا خلافا للمرات السابقة...قال صاحب المكتب موجها كلامه إلى فؤاد الهلالي:

 أحضرناه.أحضرناه.حضرناه...أليس هو ؟ وقفت صامتا ، وبعد لحظة جلجل صوت فؤاد الهلالي، وكان علي بردا وسلاما ، نطق وقال : لا أعرفه ..فجذبني الجلاد من قفاي وأخرجني من المكتب بسرعة.

 

مذكرات الاعتقال السياسي الحلقة 9 -العصبة - و - الأصفاد - كانا لا يفارقاني


إدريس ولد القابلة


 ذات مرة حضر " الديب" إلى السرداب وقال:" ولد الفرملية "..نوض..اتكعد" هكذا كان يناديني دائما، وأحيانا كان يقترب مني ويركلني بقدمه قائلا: نوض..اتكعد...

 قادني إلى الممر الرئيسي وسلمني لأشخاص. كان صوت المتكلم منهم غريبا عني، ولم يسبق أن حقق معي من قبل، في الطريق إلى المكتب قال: أنت ونحن الآن أمام الأمر الواقع، و" اللي عطا الله عطاه "..كل شيء أصبح واضحا...فلا داعي لأن " تكرفس على راسك وتعذبنا معك"..الكل اعترف..حتى رؤساؤك اعترفوا كلهم..السرفاتي وزعزع وبنزكري ...كلهم اعترفوا، المهم نحن نعرف كل شيء..

 أخرج سيجارة وناولني إياها..لم أكن دخنت منذ مدة... جلست أمامه على كرسي، فقال:
 هيا تكلم الآن...

 شرعت في الكذب ، لاسيما فيما يتعلق بالأسماء والأوصاف والمعلومات الشخصية حول بعض الرفاق ، أما كل ما هو مرتبط بالنظريات والمواقف والأفكار فتعمدت الإسهاب فيه إسهابا، وفيما يخص تجنب إعطاء معلومات دقيقة حول أماكن الاجتماعات كنت أقوم بتأليف قصص خيالية حول طرق الاتصال، والتركيز على اللقاءات في الهواء الطلق ، وتعمدت الوقوف على تفصيلات خيالية اعتقادا مني أن هذا النهج سيعفيني من الكشف عن معلومات حول الأشخاص والأماكن، لكنه جلب علي المتاعب وسبب لي حصص تعذيب إضافية.

 وفي إحدى المرات أخذوني من السرداب،وأثناء السير في الممر انقض علي أحد " الحجاج" وبسرعة خارقة ألقاني على الأرض...وفي لمح البصر كانت يداي مكبلتين خلف ظهري بعدما كانت مقيدة في الأمام...ظننت أنه كان يمزح مع أحد " الحجاج"، وأن القضية داخلة في إطار مزايدة حول سرعة إنجاز المهمة...لكن عندما أنهضني وأحكم عقدة " البانضة" زايلني الخوف...دنت ساعة التعذيب من جديد و" العلقة " و " التعليقة". انحدر بضري إلى قدمي من خلال الفجوة الضيقة بين " البانضة " والأنف ورأيت أنني أقف على زريبة وفهمت أنني ربما بمكتب " باطرون " الدرب أو أحد معاونيه...وما هي إلا لحظة حتى بدأت الأسئلة تتناثر من هنا وهناك...كلمات تدوي من كل جانب..وكنت في كل مرة أدير وجهي نحو مصدر الصوت...وهي لحظة ساد فيها الصمت..تحرك كرسي غير عاد، من النوع الرفيع، فاقترب شخص مني، فاحت رائحة غريبة عني لم يسبق أن صادفتها منذ قدومي إلى الدرب فقال: خذ!...خذ! وما أن انتهى من كلامه حتى انهمرت ضربة قوية على قفاي وقال قائل: ألا تسمع " الحاج" يقول لك خذ..مددت يدي وإذا بي أصادف لهيب ولاعة، أظن أنه أراد التيقن من كوني لا أرى عبر " البانضة" لما لاحظه من استدارة وجهي نحو مصدر الكلام، شمالا ويمينا.

 أجلسوني على ركبتي وبدأ الاستنطاق مرة أخر حول جواز سفر ومجموعة من الأسماء لا أعرفها ولا علاقة لي بها...وكانت الصدمات الكهربائية هي الوسيلة المعتمدة في تلك الحصة...كانت أصوات السياط تأتي من قريب ترافقها صرخات حارقة تملأ الجو حولي...آنذاك تذكرت أمي وأبي وإخوتي وكل من كانت لي علاقة معه وأنا شاب في الثانية والعشرين من عمري..وجوههم تتراقص أمام عيني وتداعب خيالي..مكثت على هذه الحال برهة من الزمن...شعرت كأنني أرتفع وأصعد تارة ثم أهوي بسرعة تارة أخرى...وأصوات الصراخ والسياط آتية من كل جانب...ولم أعد أتذكر شيئا.

 

 

نقش على جدران الزنازين


 وأنا أتصفح كتاب الأستاذ المجدوبي " التناوب عل الحصار " رجعت بي الذاكرة إلى منتصف السبعينات حينما كنت ضيفا رغما عني على المعتقل السري درب مولاي الشريف بالدار البيضاء..
 بعد حصص التعذيب المتكررة والمتتالية في الجزء الأخير من الليل، عندما كان الجلادون يعيدونني إلى مكاني بالزنزانة منهوك القوى..معصوب العينين ومكبل اليدين...كان صوت صادق رخيم يترامى إلى مسمعي، وهو يتعمد الرفع من موجاته الصوتية رغم سيادة الصمت والمنع الكلي للكلام هناك تحت طائلة العقاب والتنكيل الشديدين تاليا آيات قرآنية موضوعها الصبر والتعالي عن الواقع المر وضعف الباطل والبهتان وملء القلب بحب الله العلي القدير، حتى لا يبقى فيه مكان للتفكير في آلام المحن والتعذيب والقهر...وتكرر الأمر أكثر من مرة دون أن أتعرف على صاحب الصوت الصادق الرخيم..


 وبعد مرور مدة قصيرة، شرعت في محاولات التعرف عليه رغم تضييق الخناق ليل نهار على ضيوف درب مولاي الشريف..كتب لي التوفيق في هذا المسعى بعد عدة إخفاقات. كان صوت الملاخ، وهو من الرعيل الأول لأتباع عبد السلام ياسين بمعية العلوي الذي كان قبل اعتقاله وإيداعه بالدرب مديرا لمدرسة ابتدائية بمدينة مراكش في منتصف السبعينات. وكان سبب اختطافهما هو قيامهما بطبع واستنساخ الرسالة المشهورة لعبد السلام ياسين " الإسلام أو الطوفان" وذلك بوسائل وإمكانيات بدائية يديوية (لاليمونيير).

 جمعنا أنا والملاخ والعلوي قاسم مشترك، إذ تم اختطافنا، وكنا ضحايا للاعتقال التعسفي لمجرد أن آراءنا كانت مخالفة، اختلاف السماء عن الأرض عن الأفكار السائدة آنذاك...
 أصبحت أتحين الفرص، وعندما توفرت الفرصة، رغم المراقبة الدائمة والحراسة اللاصقة ليل نهار، تمكنت بعد جهد جهيد من التحدث إلى الملاخ واستفسرته عن فحوى الرسالة وعن كاتبها الذي كان آنذاك في المستشفى، من جراء تدهور حالته الصحية...

 هكذا تعرفت على عبد السلام ياسين وكان عمري آنذاك عشرون حولا ونيف.
 تعرفت عليه بدءا بالسماع..ومنذ ذلك اليوم ، كلما سنحت لي الفرصة ، كنت أتواصل بالرموز والحركة مع الملاخ، وأحيانا ، نسترق وقتا للكلام...وكان حديثنا القصير يدور حول فحوى " الإسلام أو الطوفان".

 هكذا كان لقائي مع بعض أفكار عبد السلام ياسين داخل غياهب السجن السري حيث كانت تكتم أنفاس الإنسان وتحاصر.


حظينا في غشت 1976 بإفراج " مزيف كان الهدف من ورائه انتزاع اعترافات إضافية ومجموعة 26 بقيت في الدرب وتحملت التبعات

 

 


مغادرة درب مولاي الشريف


 في بداية شهر غشت 1976 بدأ القائمون على درب مولاي الشريف ينادون على ضيوفه الواحد تلو الآخر لتوقيع المحاضر التي نصت كلها على أن المنظمة التي ينتمون إليها أنشئت لقلب النظام.

 فكل من طالب بالإطلاع على المحضر كان نصيبه علقة وحتى من تمكن من الإطلاع عليه، قام بذلك في ظروف وأجواء لم تكن لتسمح بأي شكل من الأشكال باستيعاب ما تضمنته بفعل عدم توفر الوقت وبفعل الضرب والشتم والدفع وسوء المعاملة أثناء القراءة. فكان الواحد منا مضطرا إلى تخطي كلمات وعبارات وفقرات وربما صفحات. وهناك من رفض التوقيع، من بينهم عبد الرحمان نودا، ، ورغم ذلك كل المحاضر قدمت موقعة دون اسثتناء ، وكانت تلك المحاضر هي الأساس المعتمد لإدانة المتهمين.

 في أواخر شهر غشت بدأ تسليم الملابس الشخصية لأصحابها. أزال الجميع البدلة الكاكية وارتدينا ملابسنا التي دخلنا بها إلى الدرب.

 عم نوع غريب من الفرج والإحساس بنوع من الانتصار لاسيما بالنسبة للذين صمدوا في وجه الجلادين ولم يكونوا سببا مباشرا أو غير مباشر في اعتقال أي أحد. لكن بعد ترحيل الأغلبية ظلت مجموعة 26، وكنت من ضمنهم، حيث طلب منا إعادة الملابس المدنية وارتداء عوضها الكاكي من جديد وبذلك ولجنا مرة أخرى الجو الجهنمي. عندما بدأ الترحيل وتقديم ضيوف درب مولاي الشريف إلى النيابة..أنكر كل الرفاق ما ورد بالمحاضر جملة وتفصيلا أمام وكيل الملك وقاضي التحقيق. وفي جو فرحة مغادرة الدرب كشف بعض الرفاق « للحجاج" عن كل الطرق والأساليب التي كنا نتواصل بها ظانين أن ساعة الرحيل حانت بالنسبة للجميع، وكان هذا خطأ فادحا أدت ثمنه غاليا مجموعة 26 الذين ظلوا بالدرب إذ أضحت الحياة به أصعب من السابق..هكذا كان على الباقين البداية من الصفر.

 

 الغرزة متقونة


 في يناير 1976 أخذونا إلى النيابة ، وعندما جاء دوري أدخلوني على شخص بدا لي أداة لتغطية وتبرير جرائم "لاإنسانية " بثوب قانوني لا يقوى على تبرير الجرائم المقترفة في درب مولاي الشريف في حق صفتنا الإنسانية. وسكنني تساؤل منذئذ: كيف يرى كل من ممثل النيابة وهيئة المحكمة التي حاكمتنا والجلادون الذين تفننوا في تعذيبنا أنفسهم، هل فعلا هم راضون عن أنفسهم وعن ما فعلوا ؟

 احتجزت لدى الشرطة بين الخميسات والقنيطرة ودرب مولاي الشريف ما يقارب السنة بدون محاكمة، وما زلت أذكر أول حصة أمام قاضي التحقيق، إذ طلب المحامي الذي تكلف بمساندتي ذلك اليوم وأظن أنه الأستاذ جاد العراقي من هيئة القنيطرة بوثائق تمديد الاعتقال، فضحك ضحكة مريبة وأشار بيده إلى أحد أركان مكتبه مشيرا إلى أكوام من الورق قائلا: كل شيء موجود يا أستاذ. ها هي التمديدات يمكن البحث عن التمديد المتعلق بالمتهم. إلا أنه سنضيع الوقت بدون جدوى. وما زلت أذكر تعقيب الأستاذ جواد العراقي الذي قال: يبدو أن الغرزة متقونة، وهو يبتسم ابتسامة مؤدبة لم تتجاوز حدود اللياقة. إن كل ضيوف درب مولاي الشريف تم اختطافهم ولم يتم تبليغ ذويهم باحتجازهم وبأسباب اعتقالهم في الظل.وغالبا ما كان الأهالي والمحامون يتصلون بمصالح الأمن الوطني للسؤال عن المفقودين لكن بدون جدوى..محتجزين في معتقلات سرية ومن ضمنها درب مولاي الشريف.




#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علامات استفهام
- قضايا استثنائية أمام محكمة استثنائية !
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 8 - الحصة الأولى من التعذيب
- العالم المتحضر يحترم حقوق الإنسان من ولادته إلى وفاته
- مذكرات الاعتقال السياسي -الحلقة 6/7 - عبد اللطيف زروال يلفظ ...
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 4/ 5 - لحظات في أركان درب م ...
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 3 - الليلة الأولى بمخفر الش ...
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة الثانية - من الخميسات إلى ا ...
- نقش على جدران الزنازين مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة الأو ...
- - مجرد إطلالة على فكر الدكتور -المهدي المنجرة
- وقفات على أرض الواقع المغربي
- الفقر وما أدراك ما الفقر ببلادي !
- رأي في الحركات الإسلامية بالمغرب
- المواطنة و الديموقراطية
- المحاكمة العادلة المعايير المتعارف عليها دوليا
- الـصحـافـة وتـطـورهـا - لـمـحـة خـاطـفـة
- أمية الأمس ليست هي أمية اليوم
- وقفات على أرض الواقع المغربي
- إشكالية الماء في العالم
- العروبة و الإسلام


المزيد.....




- بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات ...
- عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بحرب الإبادة في غزة ولبن ...
- 2024 يشهد أكبر خسارة في تاريخ الإغاثة الإنسانية: 281 قتيلا و ...
- خبراء: الجنائية الدولية لديها مذكرة اعتقال سرية لشخصيات إسرا ...
- القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في ...
- شاهد.. حصيلة قتلى موظفي الإغاثة بعام 2024 وأغلبهم بغزة
- السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق ...
- -بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4 ...
- فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز ...
- عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان ...


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إدريس ولد القابلة - مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 9- 10 - التعرف على الشيخ عبد السلام ياسين