|
انتهاك الديموقراطية في فلسطين
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 1956 - 2007 / 6 / 24 - 11:48
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ فجر التاريخ وفلسطين تفتخر بسمة رئيسة وهي أنها وطن الحضارات والأعراق والأجناس والديانات ، فكانت موئلا لمن ينوون أن يغادروا (أجسادهم) الفانية ليجدوا (أرواحهم ) الباقية ، منذ فجر التاريخ وفلسطين تتحدى من يقصدون تدميرها لينتصروا عليها ، فما أن تُدمَّر حتى تُعمر ، لذلك فلقد استحقت لقب (العنقاء) التي تظل تُبعث من رمادها إلى نهاية الزمن ! بُنيت فيها الهياكل والكنائس والمساجد ، ودمرت ثم انتصبت شامخة من جديد ، ومر عليها كل طغاة الأرض والفاتحون ، وجربوا فيها كل ألوان القتال والوفاق ، فماتوا إلاها ، بقيت فلسطينُ هي فلسطين! لم تتعلم الأجيال بعد (حكمة) فلسطين الرئيسة وهي : " أنا وطن اللبن والعسل ، وطنكم جميعكم بغض النظر عن أصولكم وأعراقكم ، بغض النظر عن معتقداتكم وأديانكم ". لم يعِ كثيرون أن لغز القوة الشمشونية في فلسطين يكمن في فسيفسائها العرقية والطبقية والدينية ، وقد باءت كل محاولات الحاقدين بالفشل الذريع ، كل المحاولات التي كانت تقضي بأن تكون موطنا لعرق واحد ودين واحد ، حاول نبوخد نصر وقورش وهادريان وغيرهم كثيرون أن يجعلوها (مزقا) وشظايا ووطنا عنصريا فلم ينجحوا ! ظلت فلسطين في التاريخ الحديث رمزا لنضال (أهلها) بكل أجناسهم في وجه غاصبيها بكل ألوانهم أيضا ، فوقفت فلسطين في وجه من أرادوا أن يلبسوها ثوبهم الديني ، بقيت صامدة تقاتل (بذخيرة) الأديان السماوية الثلاثة وبخليط أجناسها وأعراقها التي شكلت (سبيكتها) المسلحة و(كتائبها) القوية . تمكن المحتلون الإسرائيليون في عصرنا الراهن من فك عناصر قوتها والعثور على سر منعتها وصمودها ، واستطاعوا النفاذ إلى (جينتها) ومن ثم العبث بهذه الجينة ، نعم تمكنوا من تحويل مركز قوتها ليصبح كعب ( أخيل) فلسطين ، وبدؤوا بغزة ! من المستفيد من الاعتداء على مقر دير راهبات الوردية المسيحية في غزة ؟ هل هو اعتداءٌ يهدف لإقصاء أهلنا المسيحيين من وطنهم بادعاءٍ نصرة الإسلام والمسلمين ؟ أم انه تنفيذٌ للمخطط الرهيب الذي يهدف للإطاحة بالمصدر الرئيس للقوة النضالية الفلسطينية ؟ إن ما حدث لراهبات الوردية في غزة ، وما حدث لمكتبة جمعية الكتاب المقدس قبل فترة لا يمتُّ إلى الدين الإسلامي بصلة ، لأن ديننا الإسلامي ظلَّ يؤكد سماحته طوال العصور ، ولمن ينسون حتى أبسط تعاليم دينهم الإسلامي أُورد هذه الاقتباسات : قال أبو بكرخليفة الرسول الكريم وهو يوصي يزيد بن أبي سفيان وهو ذاهبٌ لتولي إمارة الشام : " يا يزيد ... إنكم ستجدون أقواما قد حبسوا أنفسهم في الصوامع فاتركوهم وما حبسوا أنفسهم له ، ولا تقتلوا كبيرا هرما ولا امرأة ولا وليدا ولا مريضا ولا (راهبا) ولا تخربوا عمرانا ، ولا تقطعوا شجرة إلا لنفعٍ ، ولا تحرقنَّ نخلا ، ولا تغرقنَّه ولا تغدر ولا تُمثِّل ... ولينصرن الله من ينصره " أما كتاب الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب المعروف لأهل القدس فإنني أستعيده للعبرة ولتذكير من يحاولون أن يُنسوا المسلمين جوهر دينهم على حساب ترهاتهم ومن ثم ينسبونها إلى الدين . جاء في كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " هذا ما أعطى عبدالله (عمرأمير المؤمنين ) أهل إيلياء من الأمان : أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبهم ... وسقيمها وبريئها وسائر ملتها .. أنها لا تُسكنُ كنائسُهُم ، ولا تهدم ، ولا يُنقصُ منها ، ولا من حيِّزها ، ولا من صُلُبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يُكرهون على دينهم ... ولا يُضارّ أحد منهم " لم أعثر على كلمات جامعة مانعةٍ في الإسلام للحفاظ على حقوق الأديان الأخرى ، تماثلُ هذه الكلمات ، وأنا أدعو كل قارئ للتمعن في عبارات الخليفة عبارة عبارة : وليتأكد القارئ من الوصية بالكنائس والصلب فهو يذكر التفاصيل الصغيرة للحفاظ على الكنائس والصلبان بكلمات بليغة موجزة . فهو يأمر بألا يُنتقص من الكنائس ، ويحدد بالضبط بتعبير [ حَيِّز الكنيسة ] ليدل على حظر المساس حتى بمحيطها البعيد وفي حادثة أخرى لا أزال أذكر بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي عندما احتلت قطاع غزة ومرت بجوار الجندي المجهول أطلقت الرصاص على يده اليمنى التي تحمل بندقية(الكارلوستاف) فأسقطتها ، لأن الجندي المجهول كان يصوب بندقيته في اتجاه الشرق ،جهة جبل صهيون ، وظل الجندي المجهول هيكلا يقف مجردا من السلاح وظن جيش الاحتلال أنهم أزالوا الرمز الوطني الفلسطيني ،إلى أن أُعيد إليه سلاحه في التسعينيات ، وهذا ما جعل المحتلين يشعرون بالغيظ ، فأوعزوا إلى بعض الجاهلين والمأجورين منا بكسر يده التي تحمل البندقية مرة أخرى في ظل الحكم الفلسطيني ، ثم أعيدتْ للجندي بندقيتُهُ مرة ثالثة غير أن المحتلين ظلوا يترصدون به الدوائر حتى أزالوه عن الوجود بأصابع تزعم بأنها تنتمي إلى الوطن . هي إذن المؤامرة الكبرى على النضال الفلسطيني كله ، المؤامرة التي تستهدف نسيجنا الفلسطيني كله المؤامرة التي تقضي على الرموز الوطنية ، المؤامرة التي ترمي إلى إحراق نسيجنا الاجتماعي القوي وترمي إلى تهجير المخلصين والنابغين والمفكرين والعاملين فبعد تراكم الأحداث التي مرت على الشارع الفلسطيني .. لم يبق للفلسطينيين ما يفخرون به ، ولا ما يقنعون به العالم حول عدالة القضية ، فماذا سنقول للعالم : قفوا معنا وانصرونا وادعموا قضيتنا العادلة ، بينما نحن نقتتل على (لُعاعِ)الدنيا ومناصبها وغنائمها ، ونُفجر مخزوننا النضالي الفلسطيني الطويل ؟!! ماذا نقول للعالم : ادعمونا يا أنصار السلام من كل الأديان ، بينما نحن نفجّر مراكز العبادة والكُنس لبعض الأديان؟ ماذا نقول للعالم ، أنطالبهم بأن يقفوا معنا لإقرار حق العودة ، في الوقت الذي يتمنى فيه أبناؤنا أن يغادروا أوطانهم ليعيشوا في أي وطن آخر أكثر امنا ، يعرف أهله كيف يحترمون تاريخهم النضالي الطويل ويحافظون عليه ؟ ألا نخافُ أن يطرح أحدهم علينا سؤالا يقول : "ألستم أيها الفلسطينيون أكثر شعوب الأرض مطالبة بالحرية والديموقراطية من أجل قضيتكم العادلة ... فهل يجوز أن تقوموا في الوقت نفسه بانتهاك أبسط الحريات والديموقراطية بإصرار وترصُّد ؟!!"
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اغتيال النشء الفلسطيني
-
العملاء واغتيال الروح الفلسطينية
-
رسالة من غزة إلى حفيدي
-
رسالة إلى حفيدي
-
الغيرة وما أدراك ؟!!
-
هل هناك مؤامرة على الترجمةإلى اللغة العربية ؟
-
من فنون اللجوء الفلسطيني
-
عجائب ثقافية
-
بلاد الفرز ... والحراسات
-
ابتسم .. أنت في غزة
-
وجادلهم ..... بالمتفجرات
-
علاقة الأحزاب الفلسطينية بمنظمات المجتمع المدني
-
هل الإحباط مرض عربيٌ ؟
-
هل أنظمة الاختبارات التقليدية إرهاب ؟
-
المرأة بين الحقيقة والخيال
-
المبدعون قرون استشعار
-
إحراق الكتب في فلسطين
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|