|
الجنرال براك يميني لتنفيذ مشروع يساري
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 1955 - 2007 / 6 / 23 - 07:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السياسة على النمط الاسرائيلي
تتميز السياسة الاسرائيلية بالكثير من الغرابة . خاصة مواقف ما يعرف عامة بتيار اليسار . ومن المؤكد ان مشكلة اليسار في السياسة الاسرائيلية ، هو تردده في تنفيذ مشروعاته السياسية والاجتماعية ، بعد وصوله لمقاعد الوزارة . مسرحية عمير بيرتس ، زعيم العمل السابق ، ووزير الأمن السابق ، هي نموذج واحد أخير ما زلنا نعيش آخر حلقاتها . استطاع أن يحتل حزب العمل بعد فترة قصيرة من انضمامه لحزب العمل ، هو وحزبه " عام احاد " ، محققا تفوقا على حيتان سياسيين في حزب العمل ، وعلى رأسهم شمعون بيرس وحاييم رامون ، وآخرين .. ولدرجة أن الجنرال ، ايهود براك ، رئيس الحكومة السابق ، قرأ العنوان وامتنع عن المنافسة خوفا من الهزيمة . عمير بيرتس اكتسح حزب العمل ، مع شخصيات مرموقة من الأكاديميا والاعلام والجيش ، المعروفين برؤيتهم السياسية - الاجتماعية الاشتراكية الدمقراطية ، وحقوق الانسان ، أمثال آفيشاي بريفرمان وشيلي يحيموفيتش وعامي ايالون ، ورغم انفضاض امراء حزب العمل وهربهم الى حزب "قديما" بقيادة ايهود اولمرت ، رفضا للبقاء في حزب يقوده يهودي شرقي خلفهم ورائه ، محتلا الحزب ، ومحققا شعبية في اوساط الجمهور الاسرائيلي ، بطروحاته الاجتماعية والسياسية المبشرة بسياسة جديدة ، ورغم انفضاضهم من حزب العمل ، وتوقعاتهم ان يحيلوا الحزب بزعامة عمير بيرتس الى فقاعة صابون ، الا ان عمير بيرتس فاجأهم بانه حقق في الانتخابات العامة ارتفاعا بعدد أعضاء الكنيست من حزب العمل ،رغم ما أوقعوه من ضرر بصفوف حزب العمل ، الأمر الذي يشير الى الأتجاه السياسي والاجتماعي الذي يطمح اليه الجمهور الاسرائيلي . عمير بيرتس بعد وصوله لكرسي الوزارة ، احدث انقطاعا كاملا مع برنامجه الاجتماعي ، وتحول الى جنرال بدون نجوم ، وسار مسحوبا من أنفه في طريق القوة ، التي لا تملك اسرائيل غيرها ( حسب شهادة الشخصية السياسية الاسرائيلية المرموقة ابراهام بورغ في كتابه المثير " لننتصر على هتلر " )، وغرق في وحل غزة .. ارتكب الجيش كالعادة فظائع وجرائم حرب ضد السكان المدنيين في القطاع والضفة ، لا تخجل سابقيه في وزارة الأمن ( الدفاع ) ، ونسي مشروعه الاجتماعي والسياسي الذي أوصله لقيادة حزب العمل ، وللقوة السياسية الأساسية الثانية في اسرائيل . وجاءت حرب لبنان ، وانجر وراء حلم القوة الاسرائيلي .. وبقية الحكاية معروفة . اسرائيل فشلت في حسم الحرب بالوقت المناسب ، ودخلت في أزمة سياسية ، من أبرز نتائجها حتى الآن سقوط عمير بيرتس من قيادة حزب العمل ، وفقدانه لكرسي وزارة الأمن لصالح الزعيم الجديد ايهود براك. لا شك ان براك ، الجنرال المليونير ، كما تعرفه الصحافة الاسرائيلية ، عرف من أين تؤكل الكتف .. نجح بتجنيد مجموعة جنرالات حوله ، وقيادات حزب العمل التقليدية المتبقية ، بل وشخصيات مرموقة محسوبة على تيار اليسار أيضا ... وأحتل قيادة حزب العمل بفارق صغير ، وما الفرق ، هو صاحب البيت الآن . تجربتنا السياسية مع براك تكاد تكون نفس التجربة مع سائر الجنرالات .. ولكن لا بد من ملاحظة نوعية هامة . براك هو رئيس الحكومة الذي لم يتردد في تنفيذ تعهده بالانسحاب من جنوب لبنان . وبراك هو رئيس الحكومة الذي وصل بالمفاوضات مع الفلسطينيين ، في كامب ديفيد الثانية ومفاوضات طابه ، الى القبول بالانسحاب من 93 % من مساحة الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وتبديل المساحة الباقية بأرض مقابل أرض ، وكان على استعداد لايجاد حل لمشكلة القدس ، على اساس اقتراح كلينتون ، العربي للعرب واليهودي لليهود . ونعرف أن المفاوضات تعثرت ، من الجانب الفلسطيني أيضا ، الذي لم يجرؤ على أخذ قرار مصيري صعب ومؤلم ، ولكنه أفضل مليون مرة من الواقع البائس الذي وصلنا اليه اليوم . ان القيمة العليا للقيادة الوطنية ، ليس طرح الشعارات المستحيلة ، والألتصاق بها ، انما أيضا معرفة اللحظة المناسبة للتقدم بلا تردد ، ومهما كان الثمن مؤلما . الذين يتوهمون ان الأصرار الأعمى على المواقف المكسمالية ، سيجلب نتائج أفضل هم مغامرون مقطوعون عن الواقع السياسي . وها هو الواقع الفلسطيني بعد كامب ديفيد الثانية ، ومحادثات طابة بات في الحضيض . والواهمين أن العاب القسام النارية ستحرر فلسطين ، سيجلبون كارثة جديدة على الشعب الفلسطيني . وماهية التطورات في السلطة الفلسطينية بعد الارتداد عن التفاهمات التي توصل اليها الفلسطينيون والاسرائيليون ، وكانت قاب قوسين أو أدنى من احداث تحول نوعي في الوضع الفلسطيني ، قطف الشعب الفلسطيني الكثير من ثمارها السامة ، ومنذ ذلك الوقت تراجعت الحلول ،ولا يجوؤ أب مسؤول اسرائيلي على العودة الى طاولة المفاوضات بحجج مختلفة ، وواصل الشعب الفلسطيني دفع ثمن رهيب للجمود السياسي ، بالطبع قادة اسرائيل بعد سقوط براك من رئاسة الحكومة لم يكن في نيتهم مواصلة ما انقطع في نهاية فترة براك ، واليوم نتائج الجمود مأساوية على الشعب الفلسطيني ، وخاصة في الأحداث الكارثية في قطاع غزة . ما قصدت التعرض له في مقالي ، ليس الواقع الفلسطيني بالتحديد ، انما رؤيتي المغايرة للدور الذي سيلعبه الجنرال براك . انتبهوا الى التفاف قوى محسوبة على اليسار والمتعقلين من الوسط واليمين في حزب العمل ، ومن خارج حزب العمل ، وراء الجنرال براك .. من يظن ان هذا الالتفاف هو نكاية بعمير بيرتس ، ورفضا ليسارية عامي ايالون ومجموعته الممتازة ، يخطئ . السياسة الاسرائيلية غريبة ومستهجنة . انضمام اوفير بينيس ، المعروف باستقامته السياسية ، ومواقفه العقلانية ، ويساريته غير القابلة للبيع مقابل منصب وزاري ( استقال من حكومة اولمرت احتجاجا على ضم الفاشي ليبرمان للوزارة ) الذي فاجأ المراقبي و تحالف مع براك ، أي مع النقيض السياسي لتطلعاته . وعضوة الكنيست ، التي وصلت للكنيست بفضل عمير بيرتس ، الاعلامية الممتازة ، صاحبة المواقف الاجتماعية والسياسية اليسارية شيلي يحيموفيتش أيضا وقفت في جبهة الجنرال براك . وهناك قيادات تاريخية في حزب العمل ، ذات تطلعات يسارية وحمائمية ، أيضا وقفت الى جانب براك . ما كنت أكتب هذا المقال لو لم التقي بصحفي ومنتج أفلام مقرب من براك ، ليس عضوا في حزب العمل ، وامتنع عن كشف اسمه ، لأن الحديث كان شخصيا .. موقفه ان براك مستعد للقتال من أجل تنفيذ رؤيته السياسية ، وان رؤية براك كما لا يتردد في صياغتها هي ايجاد الحل للقضية الفلسطينية في نفس الاتجاه الذي صاغه كلينتون وارتسم في مفاوضات طابا . وتقديره أن جنرال يثق فيه الشعب في اسرائيل ، قادر على انجاز الحل ، في الساحة الفلسطينية والسورية أيضا .. وان هذا الأمر هو ما دفع أوساط يسارية وحمائمية في حزب العمل ، للعودة الى تنصيب براك قائدا للحزب ومرشحا لرئاسة الحكومة . لا يعني ذلك أن اسرائيل ستتوقف عن استعمال القوة في علاقاتها مع الفلسطينيين .. وقد يندفع براك الى المزيد من العنف ردا على العاب حماس أو الجهاد ( ما الفرق ؟ ) النارية ضد بلدات الجنوب في اسرائيل ، وسيواصل الجيش في الضفة الغربية نفس سياسة العنف .. السؤال ، هل القيادة الفلسطينية قادرة على أخذ قرارات مصيرية مؤلمة ، تشق الطريق للخلاص الفلسطيني من الاحتلال ومستوطناته حسب الصيغة التي تشكلت في طابا ؟ هناك شعارات غير قابلة للتنفيذ ، مثلا عودة اللاجئين .. وقد لاحظت أن الر ئيس الفلسطيني أيضا طرح موقفا صحيحا ، ايجاد حل مناسب لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين . من هنا رؤيتي أن لا نتسرع الى مواقف سلبية من وصول براك لقمة القرار السياسي في اسرائيل . فقط جنرال بمستوى براك قادر على تنفيذ اتفاق سلام مع الفلسطينيين . وبدعم واسع من منافسيه اليساريين في حزب العمل ، وبدعم من قوى يمينية متعقلة .. الى جانب أن وصول براك ، حقق هبوطا في شعبية نتنياهو ، بانفضاض الوسط اليمين من حوله ، وعودتهم لدعم شخصية عسكرية مثل براك . والمتوقع المزيد من اضعاف نتنياهو الذي بات زعيما لليمين المتطرف في اسرائيل . من هنا تقديرات الشارع اليهودي أن عودة الجنرال براك لقمة القرار في اسرائيل هي خطوة في اتجاه ايجاد صيغة للحل السلمي بين اسرائيل والشعب الفلسطيني ، وأنا أميل لقبول هذه الفكرة .
سياسة مجنونة ؟! هذه حقيقة غير مستهجنة في اسرائيل .
نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة [email protected]
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جوهرة التاج الأمريكية
-
الكارثة تدق ابواب غزة
-
الحزب الشيوعي الاسرائيلي بعد مؤتمره ال 25
-
لننتصر على هتلر - كتاب مثير وغير عادي ، يثير عاصفة في اسرائي
...
-
رسالة لأعضاء الحزب الشيوعي الأسرائيلي عشية عقد مؤتمره ال 25
-
لبنان سينهض من جديد
-
وثيقة حيفا - وثيقة أخرى تضاف للأرشيف
-
حديث شائق وممتع عن تاريخ الموسيقى العربية وتطورها
-
حرب يخافها الجميع
-
الانتحار احتراقا
-
كيف نمنع الحرب القادمة
-
الرواية التي لم أكتبها
-
دور الطليعة الشيوعية النهضوية في ارساء الثقافة العربية الفلس
...
-
هل هي حملة تحريض جديدة
-
خياران صعبان اسرائيل امام مفرق طرق
-
المساواة للمرأة ودمجها بالحياة العامة قاعدتان اساسيان لبناء
...
-
تفسخ وشرذمة طائفية أم تعددية حزبية دمقراطية؟
-
حول وثيقة التصور المستقبلي للعرب في اسرائيل
-
مع الشاعر حسين مهنا في ديوانه - انا هو الشاهد -
-
مؤتمر جبهة الناصرة
المزيد.....
-
ويتكوف: وفد أمريكي سيتوجه إلى السعودية لإجراء محادثات مع وفد
...
-
إيطاليا.. الجليد والنار يلتقيان في مشهد نادر لثوران بركان إت
...
-
كيف يبدو مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل؟
-
روبيو ونتنياهو يحملان إيران عدم الاستقرار في المنطقة، ويؤكدا
...
-
فيديو: مناوشات مع مؤيدين لإسرائيل أثناء مظاهرة مؤيدة لفلسطين
...
-
رئيس دولة الإمارات يستقبل النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ال
...
-
سوريا.. هجوم على دورية تابعة لوزارة الداخلية في اللاذقية يسف
...
-
سيناتور أمريكي يوجه اتهاما خطيرا لـ USAID بتمويل -داعش- والق
...
-
السعودية.. القبض على 3 وافدات لممارستهن الدعارة بأحد فنادق ا
...
-
الخارجية الروسية تعلق على كلمات كالاس حول ضحايا النزاع الأوك
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|