|
المهرجان السنوي الرابع للمسرح المدرسي... حدود الانجاز والتجاوز
جبار وناس
الحوار المتمدن-العدد: 1954 - 2007 / 6 / 22 - 09:34
المحور:
الادب والفن
مع انعقاد الدورة الرابعة للمسرح المدرسي من قبل قسم النشاط المدرسي في تربية ذي قار نكون مع تقليد سنوي ثقافي وفني نطمح أن يصبح هذا التقليد أكثر استمرارية ورسوخا في الحضور والفاعلية المؤثرة في تحريك الوسط الثقافي والفني وبالذات الوسط المسرحي وأن يكون هذا الوسط محط اهتمام ورعاية المؤسسات التربوية والثقافية والاعلامية الساندة والتي تعنى بانتاج ما يساعد على حيوية وديمومة الفن المسرحي . فالمسرح المدرسي يمكن ان يكون أحد أهم العوامل المؤثرة في تحقيق الكثير من الاهداف التربوية للطلبة فهذا المسرح يسهم في تنمية الكثير من المفاهيم الاساسية والقيم الاخلاقية والدينية والوطنية لدى الطلبة من خلال تواصلهم مع عروض المسرح المدرسي المختلفة بيد ان هذا التواصل لا يأتي الا من خلال التخطيط الدقيق والتنفيذ السليم القائم على أصول الاعداد الفني المتقن . ان ايجاد النشاط المدرسي كجهة تهتم بانتاج وادامة النشاط المسرحي بانواعه ( مسرح طفل – المدرسي – الطلابي .. وغيرها ) يأتي من منطلق الادراك الصائب لأهمية الدور الذي تلعبه التربية الفنية ثقافيا واجتماعيا في مخاطبة حواس وعقول النشئ الجديد كي يجد له مكانا متميزا وفاعلا وسط مجتمعه وهو يحاول ان يكون رقما يشار له في حضارة الحاضر والمستقبل . لقد كان هذا المهرجان واحدا من الفعاليات الثقافية والفنية التي أعدها قسم النشاط المدرسي في تربية ذي قار حيث تنوعت الفعاليات ما بين الفن التشكيلي وفن الخطابة والانشودة المدرسية ومسابقة الانشاء والتعبير وكل هذا ليعزز من مكانة الدور الذي يضطلع به قسم النشاط كرافد حيوي يسهم في اعلاء رسالة الفن النبيل وفق خطاب جمالي وفكري يقوم على قاعدة الوعي الفني الصحيح كما أكد ذلك الفنان حسين ناصر مدير القسم . ان ما يبرز أمامنا ذلك الحضور الطاغي لوطننا الحبيب ( العراق ) بكل ما يعانيه من جراحات والدعوة الى تضميد هذه الجراحات بتضافر اهله للوقوف بوجه الثقافة الدخيلة التي جعلت من أطفال بلدنا عرضة للعنف والفصل العنصري والطائفي وتهميش الاخر وطرح مفاهيم هدامة لا تمت بصلة الى حاضر ومستقبل هذا البلد الغالي . وقد أكدت العروض المقدمة على أهمية الوقوف من أجل ايقاف هذه الثقافة اللا انسانية القادمة من وراء الحدود باعتبارها آفة تنخر في جذور وطننا الذي كان وما يزال يؤمن بثقافة الانسان والحوار ويرفض ثقافة الهمجية التي تجعل من الانسان سلعة وهدفا للقتل اليومي والمجاني بدواع شتى لم يتعرف عليها قاموس الحياة اليومية لمجتمعنا من قبل . 1. مسرحية ( فوق النار ... فوق الثلج ) ثنائية التضاد والتناقض . من اعداد واخراج الفنان أحمد موسى ومن تقديم ثانوية علي الكرار للبنين حيث يستند المخرج على جملة من الشعر الاسباني المعاصر وكذلك يعتمد على قصيدة ( الليل واحداق الموتى ) للشاعر رشيد مجيد ليقدم لنا عرضا يقوم على فرضية التضاد والتناقض ما بين النار والثلج اذ يحاول البحث عن الذي يحول الحب الى حدائق وأبراز ما يحول الجمال الى قمامة والكون الفسيح الى مستنقع يمتلئ بالفوضى والدم . ينجح المخرج في تقريب الشعر كمهاد درامي الى ذهنية الطلبة واستثمار ذلك باستعارته للعبة مصارعة الثيران المشهورة في اسبانيا ومحاولة ادخالها الى بنية العرض المسرحي بتجريدها من واقعها الاصلي واعطائها لبوسا محليا يتأطر بمفهوم وطني وجمالي يقول ببقاء الانسان هذا الكائن المبدع لا بصفته وحشا مفترسا . ان هذا العرض كما العروض الاخرى في المهرجان يعد وثيقة ادانة صارخة بوجه الاحتلال وما جاء به من ممارسات ومفاهيم اساءت للكثير من عادات وقيم مجتمعنا . اعتمد العرض على طاقات ادائية شابة واعدة تمثلت باداء كل من : حيدر علي ناصر – سجاد عبد علي – محمد عباس – حسين علي حسين – نوار غالب – حيدر رشاد – أحمد علي ناصر – عمر عبد علي .
2. مسرحية ( الجرس ) .. سؤال التاريخ . كعادته يقدم لنا المؤلف محمد حسين عبد الرزاق وكما في نصوصه السابقة ما يساعد على الدهشة والجذب حين قدم لنا التساءل المشروع حول أهلية التاريخ وما حواه سابقا وأي تاريخ يمكن أن نستند اليه وهل يمكن أن نعيش ونساير ما كان سائدا في قرون غابرة عفى عليها الدهر حينما احتكمت الى تطبيقات الواقع المعاصر فهو اذ يختار مفردة الجرس ليكون المنبه لصوت الحضارة بوجه آلية الخراب والتدمير التي حلت بوطننا . كانت بساطة الاخراج وحركة المخرج محمد مبدر وهو ينفذ ما جاء به نص المؤلف على خشبة المسرح عامل استحسان من قبل الجمهور حين وضع اسم بغداد على باب المدرسة التي يروم التلاميذ الدخول اليها لغرض الدراسة كتأكيد لقيمة بغداد وما تمثله من رمز للوحدة والتماسك والرابط الذي قامت عليه وحدة ابناء العراق وتعد حركة المخرج الممثل مدير المدرسة وهو يقرع الجرس بدورانه حول التلاميذ ومحاولته رفع صوت الجرس لتعلو على أصوات الانفجارات التي تحيط بالمدرسة من الالتماعات المهمة التي تحسب لصالح العرض وهو بهذا يجسد لنا فعلا مسرحيا ازاء ما يحدث فأي تراجيديا تلك التي تدور وسط اجواء العنف والدمار لتقول لنا ان الاهم سيكون الفعل الجريء المشاكس لا بالكلام فقط . كان لديكور الفنان كريم داود من الفاعلية والحضور المهيمن كأحد الفواعل التي ساهمت في اظهار مقبولية العرض اضافة الى الاداء التلقائي البسيط للتلاميذ : ذو الفقار سالم – حسين عبد الهادي – حسين نبيل – أحمد أبادر – حيدر سلام – عباس طارش – علي مشتاق – علي نعيم وهم تلاميذ مدرسة البصرة الابتدائية .
3. مسرحية ( اقتراب داخل الضوء ) من تأليف واخراج الفنان زيدان حمود ومن تقديم ثانوية الصمود للبنين وتمثيل : سامر جعفر – مصطفى عبد العباس – أحمد رحيم – كرار سالم ياسر – عمار عبد العزيز – محمد حسن داخل – سالم توفيق – عباس راجي . والمخرج يحاول رفض الاحتلال ولكل ما جاء به من تشتيت لأواصر المجتمع العراقي فقدم لنا شخصيات منشطرة عن شخصية واحدة تعاني من الحجز والاهمال ترتدي الشخصيات اقنعة سوداء وبيضاء وتكون بحوار ساخن وصراع مستمر مع شخصية الاخر ذي القبعة الرمادية الذي يسقط في نهاية العرض امام اجماع هذه الشخصيات المنشطرة حيث يجبرونه على الركوع وخلع قبعته وبعدها تقوم الشخصيات بالكشف عن نفسها من خلال خلع اقنعتها . ان اللغة التي كتب بها النص تكاد تقترب من الشعر والغموض والاجواء التي تحركت بها شخصيات النص لا تكاد تتلاءم مع مفردات المسرح المدرسي الذي يتطلب البساطة والوضوح في تقديم المفاهيم وجعلها مسيرة داخل نص العرض والذي شاهدناه في هذه المسرحية يصلح لمسرح الكبار وليس لطلاب المدارس الذين حضر بعض منهم ولم تتجاوز اعمارهم السادسة عشر عاما ولم يستطع اغلبهم التواصل مع ما يريد العرض المسرحي طرحه .
4. مسرحية ( حبة قمح ) من تأليف الكاتب علي عبد النبي الزيدي واخراج الفنان زكي عطا . وهناك عرض لمسرح الدمى كان من المؤمل تقديمها في أيام المهرجان الا ان العملين لم يقدما بسبب تزامن عروض المهرجان مع الاحداث والاشتباكات المسلحة التي شهدتها المحافظة خلال يومي 16/5 و 17/5/2007 . وتعطيل الدراسة مما ادى الى انفراط عقد التواصل مع المهرجان وقطع الامل في مواصلة المهرجان ولكن هذا لا يمنع من ان ترشح بعض الملاحظات نراها تصب في صالح العمل المسرحي والنشاط المدرسي منها : 1. كنا قد أشرنا في العام الماضي وفي الدورة السابقة للمهرجان لبعض السلبيات ونرجو ان لا نجد لها مكانا يذكر في دورة هذا العام ومنها الاصرار على اقامة هذه الفعالية وكأنها تزجية لأمور ادارية لابد من المرور بها مرور الكرام ضمن الخطة السنوية لقسم النشاط المدرسي بعيدا عن الفكرة التي ترى ان المسرح المدرسي هو الحاضنة والرئة التي يتنفس منها الطلبة عبق المسرح الاصيل والذي تطرح على خشباته كل تلك القيم والمفاهيم الاخلاقية والوطنية والتي ستكون سندا لهم في مسارات الحياة الاجتماعية بعد تبنيها فكرا وجمالا . 2. نرى من الضروري وضع ضوابط تحدد وتفرز ما بين المسرح المدرسي ومسرح الطفل والطلابي وعدم الخلط بينهما ومن الاهمية بمكان تحديد العنوان الرئيسي للمهرجان وتوخي الدقة المطلوبة في ذلك . فالمسرح المدرسي من الناحية العلمية يمثل الفعاليات التي تقوم بها المدارس اتماما للعملية التربوية والتعليمية ومسرح الطفل له خواصه وشروطه التي يقوم عليها تختلف عن المسرح المدرسي . 3. لابد من ايجاد حالة تنافسية بين العروض المقدمة تعتمد النص الجيد والاخراج المتميز وكل مفاصل العرض المسرحي الاخرى وتخصيص جوائز يأتي ذلك من خلال وجود لجنة تضم عددا من الفنانين والكتاب والنقاد العاملين في حقل المسرح تعتمد المعايير الموضوعية والعلمية في الاختبار والفرز كيما تخلق مفاهيم صحيحة وتقديم عروض ذات مستوى يليق بالهدف التربوي والفني للمهرجان . 4. لعل من العوامل المساعدة التي نراها فاعلة في اغناء ونجاح المهرجان وجود الرؤية النقدية المصاحبة للعروض المقدمة تضع المسؤولين على هذا المهرجان امام اطلاع ومعرفة بكل نقاط الاجادة والسلب ، فالنقد هو الوسيلة الناجعة لتجاوز الاخطاء . 5. على القائمين على هذا المهرجان أن يعملوا على مشاركة المدارس الاخرى وعدم الاختصار على مدرستين او ثلاث وعدم الاختصار على المخرجين المنسبين الى قسم النشاط فقط ففي أغلب المدارس معلمون ومدرسون ممن درسوا فن المسرح أكاديميا وفي اشراكهم يحقق القدر المطلوب مما يهدف اليه المسرح المدرسي . ان هذه الملاحظات لا تقلل من الجوانب الايجابية تلك التي تقول لنا ان فن المسرح بخير رغم التشاؤم الذي يحيط بنا في عدم عودة المسرح الاصيل في ظروف كالتي يمر بها بلدنا متمثلة بسيادة العنف وفتاوى الذبح والتحريم يضاف لها عدم احترام الثقافة عموما والمسرح بشكل خاص والمتأتي من هيمنة التعصب وفكرة الغاء الاخر .
#جبار_وناس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لأنك وحدك
-
في الاقتراب من عالم الطفل تأشير لمسرحية درس في الهواء الطلق
-
في محافظة ذي قار...المهرجان المسرحي الطلابي الثالث ...إشارة
...
-
مسرحية ( أكفان ومغازل ) انفراد الصوت الواحد
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|