أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل سوداني - النقد المزدوج وغربة المسرح العربي















المزيد.....



النقد المزدوج وغربة المسرح العربي


فاضل سوداني

الحوار المتمدن-العدد: 1954 - 2007 / 6 / 22 - 09:34
المحور: الادب والفن
    


نص المحاضرة الكامل الذي القي في
المهرجـان الوطنــي للمســرح المحتــرف: الدورة العربية
الجزائر عـاصمة الثقافـــة العربيـــة 2007

تلغي هيمنة مركزية الثقافة الغربية إمكانيات الثقافات الاقل حضارة ومركزية في التعبير عن نفسها نتيجة عدم أعتراف هذه الثقافة باشكال ثقافية اقليمية اخرى لها طابع وجذور البيئة والمجتمع او الحضارة التي تنشا فيها كما هو الحال بالنسبة الى الثقافات الشرقية
ان الثقافة والفن والفكر بابعادهما الانسانية الكوسموبولوتية بعيدا عن مركزية الهيمنة لثقافة ما ، ستحقق طرفي المعادلة ، ثقافة تحافظ على خصوصيتها وفي ذات الوقت تعيرنحو الآخر ، وسيؤدي هذا التكامل الى تحقيق شمولية الوعي الانساني .هذا النزوع التكاملي هو الذي يعطي لخصوصية الهوية تمايزها وفي ذات الوقت يمنح الفكر والفن هدفا انسانيا شاملا .
ولاجل توضيح هذا الامر وكيفية انعكاسه على المسرح العربي يمكن القول بان تطور الحياة السياسية والاجتماعية في العالم عموما خلال النصف الثاني من القرن العشرين فرض تغيرات وتطورات في بنية المجتمع العربي وفي طبيعة الانسان ذاته بالرغم من الانتكاسات التراجعية السكونية لوقف حركة التطور :
ـ حيث حدثت الكثير من الثورات في الوطن العربي للتحرر من الاستعمار الاستيطاني كما هو الحال في مصر والعراق والجزائر وباقي البلدان العربية
ـ ثم ادى التطور التكنولوجي الهائل في العلم والفكر الانساني وخاصة في الغرب والدول الاوربية الى تحول العالم الى قرية صغيرة مما خلق حالة من تقارب الثقافات والحضارات بالرغم من هيمنة المراكز الثقافية الغربية من جانب و النكوص والانزواء الذاتي والانعزال الذي ميز بعض دول العالم الثالث ومنها الدول العربية بحجة الحفاظ على الخصوصية او الهوية ، مما ادى التزام الفكر الظلامي الماضوي السكوني الذي لايخلق الديناميكية الفكرية .
التاكيد على الهوية والخصوصية والغاء التواصل مع ثقافة وحضارة الآخر بدون النظر الى الفكر الغربي باعتباره لايحتوي فقط على الهيمنة والتهميش وانما يحتوي ايضا على تلك الافكار التي تدعو على التكامل الفكري والثقافي مع الآخر ، ومن هنا ان ديناميكية المخاطبة الفكرية مع الاخر يجب ان تعتمد على كيفية طرح السؤال العربي الحضاري بحيث لايكون سؤالا من اجل الغاءه واما سؤال يحتوي على التبادل والتكامل معه.
والجانب الاخر في الفهم الخاطئ للخصوصة والهوية هو الالتزام المطلق بالماضي الساكن والتراث غير الديناميكي الذي لا يرتبط بالعصرنا ورفض الحداثة وتطورها المستقبلي خوفا من الغزو الثقافي مما يخلق طرح الاجوبة الجاهزة عن المجتمع والتاريخ والماضي السلفي ويعتبر أي سؤال لمقاربة او تفكيك هذا الماصي ومكوناته المقدسة ، محرم . مما يخلق حالة من السكونية ويؤدي هذا الى السذاجة الفكرية والفنية التي ستميز الحياة الثقافية والفكرية أي ان الى الغاء الاختلاف والتعدد وطرح السؤال والشك بكل المقدسات الفكرية الساكنة التي يحتمه التطور .
ولكن وبالرغم من كل شئ فان التطورات الكبرى في العالم فرضت على الثقافة العربية ضرورة مواكبة هذه التطورات وبالتاكيد لابد للمسرح ان يتاثر بهذا التطورايضا ، من خلال تاثير الكثير من اتجاهات واشكال المسرح الاوربي على الحياة المسرحية العربية بعيدا عن الهيمنة والتهميش وانما لاشاعة تلك الافكار الانسانية التي تدعوا الى الغنى الفكري والثقافي مع الآخر . ومن هنا فان ديناميكية المخاطبة الفكرية مع الاخر يجب ان تعتمد على كيفية طرح السؤال العربي الحضاري بحيث لايكون سؤالا هدفه الغاء الآخر وانما من اجل التكامل معه.
وهنا نكون في مستوى المثاقفة اذا نظرنا بكل حيادية الى الفكر الغربي ـ بما فيه المسرح ـ كونه يخلق نوعا ثقافيا مبني على الشك وضد كل الجمود والسكون في حضارة غربية تحولت إلى كونية . والجانب الآخر هو كيفية انعكاس التجارب والاكتشافات المسرحية على مستويات تفاعل مسرحنا العربي مع تجارب المسرح الاوربي والغربي بحيث تمتلك صوتها العربي وروحها الشرقية . وهذا مادعى له الكثير من المنظرين والنقاد والمخرجين والمؤلفين في مسرحنا.
ومن المؤكد سيؤدى كل هذا الى خلق نوع من التاثير في المفاهيم الفكرية في داخل المجتمع وكذلك الى اكتشاف وسائل وطرق تكنيكية معاصرة كلغة جديدة للعرض المسرحي .

ولكن في ذات الوقت حدثت ردود الفعل التي دعت الى القطيعة مع الفكرالغربي والاوربي والعودة الى الذات ليس من اجل خلق التهجين الديناميكي والمتبادل بين هذا الفكر وبين بذرات الحداثة في الثقافة والتراث العربي .
وقد خلق هوس البحث في تاكيد وجود مسرح عربي حتى في التقاليد الاجتماعية او في ابعد الطقوس عن المسرح والدراما واعتبارها مسرحا عربيا متميزا ومتفردا يدفعنا الى الانطواء على الذات بحجة الخوف من غزو الثقافي من قبل حضارة وثقافة الآخر . مما فرض السؤال التالي هل من المعقول ان يطلب من كل ثقافة ان يكون في تراثها مسرحا ؟ او السؤال الآخر هو ان جميع التقاليد الشعبية والاجتماعية لابد ان تكون درامية ؟؟ .. الخ.ألا يكون من الاجدى خلق هذا التكامل بين التكنولوجيا الابداعية للغرب الحضاري واشكال لتراث العربي الدرامي الديناميكي .
صحيح ان المسرح العربي وجهود الفنان الكبيرة في تطوير الحداثة في المسرح قد فرض مواكبة وممارسة هذه الاكتشافات والتجارب التي انجزها المسرح الاوربي في أكثر من قرن من الزمان حتى يمتلك تكنيكها وابعادها الفنية ، لكن الكثير من فنانينا العرب لم يكيفوها لتصيح جزءا من مسرحة ويتذوقها جمهوره بذائقته العربية (وليس الاوربية) وكانها جزء من روحه بمعنى انهم لم ينتبهوا الى ضرورة تفكيك هذه التجارب ونقدها.
اذن من الضروري اعادة تفكيك هذه العلاقة حتى نتوصل الى مسرح عربي يواكب التطورات في العالم ، مما يخلق ذائقة جمالية جديدة في مجتمعنا . والسؤال التالي سيساعدنا على فهم طبيعة الالتباسات التي حدثت خلال الخمسين سنة الاخيرة من القرن الماضي :
هل نفضل العيش في زمن الحداثة او روح العصر الذي يحتم علينا الانفتاح على ثقافة الاخر والتكامل معها وبهذا يكون للمسرح العربي دورا مهما في التاثير على وعي الانسان العربي ؟
ام اننا نفضل ان نعيش في قرية منعزلة بعيدا عن التبادل الثقافي والحضاري نحمل ماضينا وتراثنا كدملة تتضخم ؟ مع الاخذ بلاعتبار ان ازمة الفكر والثقافة والمسرح العربي في بعض وجوهها هي ازمة صراع من اجل الحداثة .
اذن الا يمكننا القيام بعملية الشك في كل القيم والمفاهيم و المقاربة او التقكيك و التفسر الحداثي لمقدسات الماضي. وكذلك المقدسات السائدة من أجل خلق امكانية فائقة لقدرة العقل على تجاوز ازمته الحقيقة تاريخيا وحاضرا ؟ و ومواجهة السؤال الصعب .. هل كانت المدينة العربية ومازالت مهيأة حقا لاستقبال المسر ح الحداثي المؤثر وليس المسرح السياحي ؟
ان هذه الاسئلة تدفعنا الى التزام مبدأالشك وتأويل التأويل

الشك وتأويل التأويل
وهذا يعني ان العقل والخيال البشري المتنور قد أنجز الكثير من مراحل التطور مما منحنا الان القدرة على الشك في كل شئ ، بما فيه الشك في التاريخ و الفكر ومرتكزات الابداع والوعي الجمالي وجميع النظريات والمذاهب ، أي الشك في المفاهيم جميعها سواء الكونية اوالبيولوجية منها اوعلاقة الذات بالأنا الأخرى … الخ
مادام ان الخطوات الاولى لمرحلة الشك في الوعي الانساني ذاته قد أنجزت في الماضي عندما بدأ كل من ماركس ونيتشه وفرويد وبعض المفكرين العرب ، الشك في المفاهيم السابقة ووضعوا تأويلهم الجديد لها وصاغوا مفاهيمهم الجديدة ، وبهذا فانهم اعتبروا تاريخيا فلاسفة للشك الذي من خلاله فرضوا الحداثة في الفلسفة والفكر ووضعوا البذور الاولى لما بعد الحداثة ،.وقد ركز كل هذا مفهوما جديدا هو ان الانسان يعني الحرية وهو سيد عالمه وذاته .
وبالتاكيد فان هذا يشمل تطورات الفن الحداثي والمسرح المعاصر الذي فرض الشك في مفاهيم الكتاب والمنظرين الاغريق والشك في نظرية فاجنر التراجيدية وفكرته حول الفن المركب والتي سبقت ستانسلافسكي ( ونظريته في واقعية الفعل وإعادة خلق الشخصية ) على إعتباره أول من وضع النظرية الجديدة في عمل الممثل وكذلك انتونين آرتو (ومسرح القسوة الذي طالب من خلال مفاهيمه ذات الطابع الفلسفي لتطوير نظرية العرض ورفض الواقع على المسرح وفرض الواقع الا بداعي البصري في العرض كبديل وربط المسرح بالحلم عندما أكد بأن المسرح : هو الذي يجعلنا نحلم ونحن مستيقظون ، ويكف أن يكون مسرحا ، إذا تخلى عن هذه المهمة) . وايضا ماقدمته مفاهيم برشت (والتغريب المسرحي ) وصموئيل بيكيت ( ونصوصه البصرية التي أكد فيها نظرية بصرية لكتابة النص المسرحي الذي يعتبر اساس لمرتكزات النص البصري الذي نفكر به ، بالرغم من أن بيكت يكتب نصا بصريا يبحث من خلاله في الوجود المطلق للآشياء ، ووضع الانسان المتورط بوجوده في دائرة العدم ، ومن هنا ينشا جحيم العلاقة بينه والآخر ، وعدم فهم العالم والأشياء المحيطة ، وما رواياته أيضا إلا نصوص درامية بصرية عن الوجود والعدم ) ومع غروتوفسكي ( بدأ تأويل الجسد وعلاقته بالفضاء الديناميكي ) ، وهم جميعا فرضوا وعيا حداثيا لأنهم قاموا بتاويل جديد للمفاهيم السابقة وإكتشفوا طرائق واساليب جديدة ، وهنا يكون من الضروري في مسرح الحداثة ومابعد الحداثة (وغيرها من المصطلحات)، قراءة مفاهيمهم ونصوصهم ونظرياتهم بتأويل جديد يعتمد منطق تأويل التأويل أو التأويل المضاعف( حسب إمبرتو إيكو )من خلال التزام نزعتي الشك وتطوير النزعة النقدية لجميع القيم والقوانين الفنية التي أصبحت الان ثابتة مما عمق سكونيتنا الابداعية في المسرح العالمي عموما .
وبما أن المسرح قضية حضارية أساسا فانه ينشأ ويتطور في المدينة الحضارية وتحتمه تكاملية المجتمع المديني . ولهذا فان أي تفكير بجوهر وماهية المسرح هو بحث قوامه وطبيعته اجتماعية فلسفية وجمالية وفينومينولوجية ـ ظاهرا تيه ـ أيضا .. وبالرغم من ارتباط المسرح بالمثيولوجيا والطقوس الدينية لمختلف المجتمعات القديمة ، إلا انه كان ـ ومازال ـ يعبر بشكل بصري عن التصورات والأسس الفكرية والفلسفية والمشكلات الاجتماعية للمدينة والا نسان . لان تطور المسرح وتكامله فكريا وجماليا ، يحتم فرض مقدمات جوهرية تؤثر في المدينة كمجتمع والإنسان كفرد برغم تعقيدات التطور الاجتماعي . وأهم هذه المقدمات هي … ديمقراطية الممارسة الاجتماعية ، وحرية الذات ككائن بشري وكذات مبدعة فاعلة ، بما فيها حرية الاكتشاف والخيال والتجريب في الفكر والفن وشتى أشكال الوعي الثقافي .
وقد أحدثت الممارسة الديمقراطية في المجتمع الاثيني القديم تطورا وتغيراً داخليا هائلا. وهذا يؤكد قدرة المسرح على التأثير في المدينة فالانسجام الحقيقي بين هدفية التكامل الاجتماعي و الثقافي ـ وبالذات المسرح ، باعتباره فعالية جماهيرية ـ هو الذي سيخلق نوعا من وحدة الهدف لتحقيق مجتمع المدينة الحضاري والمسرح الحضاري المستقبلي ، فتتكامل العلاقة التبادلية بين تأثير مجتمع المدينة في تكوين فكر الفنان وبالتالي القدرة التأثيرية للمسرح في المدينة
، لان المدينة المتحضرة التي تهيأ مقدمات التكامل الاجتماعي ويكون التطور العلمي والفكري والثقافي أساس وجودها اليومي ، بالتأكيد ستكون مدينة مستقبلية ، ويوتوبيا ، ومدينة الحلم ، والفردوس . أنها المدينة والمدنية التي تؤثر على المتعايشين في فضاءها الديناميكي .
ولكن في المجتمع العربي فان السياسة والاديولوجيا هي التي تقود الثقافة و المسرح وليس العكس وبما ان السلطة والدولة هي التي تسير المسرح والثقافة عموما فانها تكيف المسرح الى برنامجها واديولوجية هذا الحزب او ذاك او دولة القبيلة التي تقود البلاد بصدفة تاريخية بعد ان تهزم شعبها ، وبذلك يتحول المسرح سواء كان السياسي او الاجتماعي او العبثي( حيث عمدت الكثير من السلطات اشاعة عدمية الثقافة والفن للتخريب وليس البناء ) الى مسرح متكيف وهذا يخلق فنانا متكيفا ايضا وهذا الفنان يرقص دائما سواء في عرس الثعالب ام في خيمة العزاء . انه الفنان المتكيف يأتمر باوامر السلطة عندما يفرض اديولوجياتها كقدرية سياسية واجتماعية .ومثل هذا المسرح الذي يقوده مثل هكذا فنان سيكون ضد جمهوره وسيساهم في تخريب المسرح .
لان السؤال الذي يضعنا في مستوى المسؤولية هو كشف ذلك السؤال المستور دائما وهو:
كيف يمكن ان يكون المسرح حداثيا او مابعد الحداثة او لنقل معاصرا يصبو الى دوره النهضوي وهو يخضع لسلطة تقوده الى الماضي ،اذن بالتأكيد ستكون النتيجة هي انهيار المجتمع و الثقافة العربية بما فيها المسرح ، وكيف يكون موقف الفنان العربي ضمن هذه الظروف والشروط بالرغم من الجهود العظيمة التي بذلها للخروج من عنق الزجاجة او في احسن الاحوال يداهن ويوافق على المفروض عليه واعني ان يحمل دائما جملا عربيا على ظهره او يضع غشاوة على عينيه في مجتمع يسير مبتهجا نحو هاوية الجحيم .
بالتاكيد فان هذا الوضع يحدث نوع من الانفصال الحقيقي بين الفنان والسلطة عندما تحاول الاخيرة ان تخلق منه فنانا متكيفا لبرامجها واديولوجيتها هذا من جانب ، ويحدث الانفصال ايضا بين الفنان وذاته عندما يمارس تكيفه وعدم قناعته ، فيضطر الى عدم معالجته للافكار المصيرية والاساسية التي تقلق الانسان والمجتمع ، ويطرح تلك الافكار التي تضمن دعاية مباشرة لابدية السلطة القمعية . والجانب الثالث هو الانفصال الاكثر خطورة بين الفنان وجمهوره .
وفي كثير من الاحيان فان سياسة المسرح العربي التخديري والكثير من العروض المقامة على هذا الاساس تلغي الجمهور نتيجة معالجة الفنان لموضوعات لاتهمه ، او يعمد الى المعالجة العمومية والغامضة لها ، اضافة الى إلتزامه اللاواعي للفكر السكوني الماضوي.

ومما يزيد تغريب الجمهور عن المسرح هو ان الاخير يتحول الى درس اجتماعي واخلاقي وتاريخي او يتحدث عن ماضي يكون الانسان العربي مفصول عنه تماما .... الخ او انه يطرح تلك الافكار التي تهم مجتمع اخر وليس مجتمعه تيمنا برغبة الفنان ان يكون تجريبا ، لذلك فان الجمهور حتى وان كان غير مثقف فانه يعرف لعبة السلطة والفنان المتكيف في ذات الوقت .
اذن ازمة المسرح والثقافة مرتبطة بازمة العقل والفكر العربيان ، وهذه الازمة تخلق إشكالية في المسرح العربي تؤدي الى ثبوتية و سكونية أسئلته و يدخل هذا ضمن جاهزية الفكر عموما مما يشكل بالتأكيد خطورة كبيرة على الثقافة و الفن عموما واذا لا نملك القدرة على مناقشة وطرح هذه المعادلة من خلال اعادة النظر وتفكيك الممنوعات و المحرمات والمستور عنه ، سواء في الحياة الاجتماعية اوالسياسية اوتلك الافكار الماضية التي تشكل ظلامية الفكر وعدميته والتي تفرض الان على الانسان العربي كافكار قدرية ، اقول اذا لم ملتزم الشك والنقد وتفكيك كل هذه المفاهيم ومقدسات الماضي فلن تكون هنالك علاقة حقيقية للانسان بثقافته او مسرحه .
ولكن المسرح العربي خلق تواصلا مع جميع اتجاهات المسرح العالمي كتابة وعرضا ، فهي خليط من الارسطوية والبرشتية والعبثية والطليعية ومسرح القسوة لارتو ومسرح غروتوفسكي واكتشافات روبرت ولسن وبينا باويش في منهجها في الرقص المقدس وغيرها ، وهذا ادى الى تنوع في المسرح العربي ، ونستطيع ان نشخص اتجاهات الاخراج التي تعكس بالضرورة اتجاهات الكتابة المسرحية :
الاول : الالتزام المطلق بالمسرح الاوربي ومفاهيم ارسطو باعتبارها الشكل الوحيد في المسرح ومسرح العلبة باعتباره الشكل الوحيد الملائم للتطور والنهضة المسرحية والجمالية ، ليس فقط في شكل العرض وانما في طبيعة التفكير بمهمة المسرح ووسائله في الفرجة والتفاعل .مع نقل لربرتوار المسرح الغربي وعرض مسرحيات اوربية بالرغم من ان الكثير منها تبدو بعيدة عن مشكلات الانسان العربي الذي مازال بعيدا عن الاغتراب الذي تعالجه هذه االمسرحيات في المجتمع الاوربي .
والاتجاه الثاني: استخدام الاشكال التراثية والفلوكلورية العربية والشرقية واشكال ماقبل المسرح في محاولة لتأصيل المسرح .
الثالث : الخلط وفرض اشكال واتجاهات اوربية على افكار تراثية لا تتناسب مع الحداثة بحجة التجريب.
رابعا : التزام بعض التجارب المسرحية التي اعتمدت التهجين بين تكنيك المسرح الاوربي والموروث التراثي العربي من خلال امكانيات وتكنيك النظرية البرشتية .
وبالرغم من ان برشت ظاهرة أوربية وان المفاهيم الفكرية والمشاكل الاجتماعية التي عالجها تتعلق بالمجتمع والانسان البرجوازي الاوربي إلا ان الفنان العربي يجد نفسه قريبا فكريا من مفهوم التغريب والرؤيا التاريخية والوعي الجدلي لهذه لمفاهيم بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية و السياسية التي تحرم إنساننا من حريته والعيش في مجتمع الديمقراطية ، اضافة الى انه وجد امكانية خلق العرض المسرحي الشعبي استنادا الى الغنى والتنوع في الاشكال التراثية الشرقية وارتباطا بمكتشافات المسرح الاوربي المعاصر وفي مقدمتها المفاهيم الملحمية البرشتية وخاصة مفهوم التغريب لانه يهدف الى :
(معرفة الشيء وتعميق الوعي به . ويساعد على الكشف عن التناقض في الظاهرة الطبيعة والاجتماعية ، بحيث يقوم المؤلف " والمخرج والممثل" بإعادة تفكيك الواقع وظواهره إلى أجزاءه الرئيسية المكونة له حتى يساعد المتفرج على رؤيتها كما تبدو للوهلة الأولى . أي تقديم المادة العادية بطريقة غير عادية ، تسهل عملية الكشف عن جوهر المادة الداخلي ، وتحويل المسار بطريقة مفاجئة ، وإدهاش المتفرج أثناء ذلك ، إذن التغريب هو وسيلة لتحرير المتفرج من سحر التصورات والآراء المضللة. )
لكن التعرف الحقيقي على برشت والمسرح الملحمي من قبل الفنان العربي كانت في فترة الستينات من القرن الماضي، وبتاثير المسرح السياسي والمسرح الملحمي البرشتي استخدم المخرج العربي الكثير من الوسائل التي تخلق العلاقة بين المتفرج والعرض المسرحي
كما في مسرحيات يوسف العاني والفريد فرج وعز الدين المدني عبد الكريم برشيد قاسم محمد ابراهيم جلال المنصف السويسي فاضل الجعايبي والمنصف السويسي وغيرهم .
ولكن الكثيرمن الفنانين فهم برشت من جانبه السياسي كونه وسيلة للتوعية السياسية ولم تقترن نظرية التغريب بالتحولات الفكرية التي يمكن ان تؤثر جذريا في الوعي او الفكر ، ولهذا فان هذه المفاهيم البرشتية لم تخضع لوعي تفكيكي ناقد وانما أُخذت بقدسية نتيحة لعقدة الشعور بالتهميش الثقافي والفكري و هيمنة المراكز الحضارية والاوربية الكبرى على الثقافة الاقليمية .
ويمكن القول هنا بان تأثير هذه المفاهيم على المسرح والفنان العربي حتم سؤالنا التالي : هل تمتلك للبرشتية أهميتها للمجتمع العربي وكذلك المسرح سواء كان ذلك يف السابق ام في الوقت الحاضر وخاصة بعد التغير الجذري في الموازين والصراعات الدولية والاجتماعية وفقدان ثقة الانسان بذاته وما يحيطه .؟؟
وتعتبر تجربة سعد اللله ونوس في الوصول الى العرض الشعبي مستفبدا من المفاهيم البرشتية تعتبر تجربة رائدة ، حيث جرب تكيّف المفاهيم البرختية مع التذوق الجمالي والفكري للجمهور العربي بغية المساهمة في تغير مفاهيمه
وبالرغم من أن سعد الله يتفق بشكل كامل مع أهم مقولات برخت إلا انه يعتقد بصعوبة تقديم مسرحياته كما هي للجمهور العربي ( لان برخت عندما كتب أفكاره ومسرحياته كان في ذهنه المسرح البرجوازي والجمهور الأوربي ، ولهذا فان الصعوبة في تقديم برخت والإفادة منه ، ليست في مضمون المسرحيات وإنما في البنية الشكلية التي تقوم عليها .
وقد تبنى ونوس في السبعينات مفهوم التسييس كوسيلة لجعل المسرح فعالا في علاقته بالجمهور بهدف خلق العرض الشعبي ، وقد أُستهلك هذا المفهوم في المسرح العربي من قبل الكثير من المسرحيات التجارية الرديئة حتى تحول الى مفهوم لايدلل على مضمونه التقدمي .
أما الزاوية الثانية فتخص الجانب الجمالي أي "اشكال الاتصال الجديدة والمبتكرة التي لايوفّرها تراث المسرح العالمي والعربي " (الذي يستند الى المفاهيم المسرحية الارسطوية ).
ومن هنا جاءت أهمية البحث ـ بالنسبة له ـ عن أشكال نابعة من البيئة والتراث العربي . لذا فانه عمل على إحياء شكل تراثي مهم هو "مسرح المقهى " حيث تقدم أمام رواد المقهى ( الجمهور المسرحي) مشاكلهم المعاصرة من خلال تلك الأشكال التراثية ـ كالحكواتي ـ التي مازالت الذاكرة الاجتماعية تحتفظ بمكانة خاصة لها . ففي المقهى يمكن أن نحقق المعادلة المسرحية . فهنالك مكان اللعب ( التمثيل ) ومكان المتفرجين ( رواد المقهى ) . وقد دعى ونوس إلى تحرير العرض المسرحي من أطر القوانين مسرح العلبة الضيقة والخانقة ، وهذا يعني إحياء شكل من الأشكال التراثية القديمة غير المسرحية التي تحتوي على عناصر درامية من اجل تجديد العرض المسرحي .
ولكن بناء مسرح عربي برأيه يجب أن يكون ( عبر طرح الإشكالية الاجتماعية وليس عبر طرح إشكالية الشكل المسرحي ، بحيث يتم بناء وعي الإنسان لا أن يعطى وعيا جاهزا يفرض عليه كأيديولوجيا .
وبما أن مسرح سعد الله ونوس يبدأ من الجمهور وطبيعة المشكلة التي تعالج أمامه، فانه يعمد إلى طرح أسئلة جدية لتحديد وظيفة المسرح الذي يبغيه :
1) من هو الجمهور الذي يتوجه له المسرح ؟
تحديد طبيعة والتركيبته الاجتماعية الظروف الثقافية للجمهور المسرحي الذي يتفاعل مع المسرح كحدث اجتماعي .
2) ما هو الموضوع الذي يعالجه المسرح أمام الجمهور ؟
3) ما هي الوسائل التي ينبغي استخدامها حتى نحقق تفاعلا كبيرا مع المتفرجين ؟
وبعنىآخر ما هو الشكل الذي يتوافق مع معطيات الإشكاليتين السابقتين ؟ أي تحديد الجمهور ومعرفة احتياجاته ، والمشكلة الفكرية التي نريد مناقشتها .

إن سعد الله ونوس كشف عن فنية وديناميكية التراث والطقوس الشعبية ، وأَثْرى بذلك أشكالا ووسائلا تعبيرية يمكن استخدامها في المسرح العربي والمسرح الشرقي عموما بغية الوصول إلى العرض الشعبي وتأصيله .ومن خلاله امتلك المسرح العربي امتداده في المسرح العالمي .
ومخرج آخر استطاع ان يستلهم برشت بحرية اكبر واعني المخرج العراقي إبراهيم جلال الذي عمد الى فرض ملكة الجدل ، بمعنى التحاور والجدل مع النص والممثل والجمهور والواقع . ولقد ساعده فهمه لنظرية برخت الممزوج بمنهج الطريقة الامريكي التي تقرا وتفهم برشت بوعي وابداع أكطثر حرية ،على التوصل الى اسلوب شعبي في المسرح .
وقد كان يؤكد دائما على ضرورة اعتمادا على إستلهام ودراسة واعية للجذور الاصيلة للقديم من اجل ان يكون الجديد منسجما مع تطور العصر .
وتأكيد المخرج ابراهيم جلال دائما على إبراز التناقضات الاجتماعية والفهم الصائب للعلاقة الجدلية بين القديم والجديد ،يوضح فهمه للجدلية في الابداع الفني ، ويدفعه الى ان ينظر للقضية الاجتماعية من منظور مناقشتها ضمن الصراع والتناقض والتجديد ، فالواقع يحمل في داخله تناقضه الحاد . ومن هنا جاء حرص ابراهيم جلال على طرح السؤال الصعب في الفن :
ماهو الفن ؟ وماهي المشكلة ؟ ومن هو المتلقي ؟
فالمسرح بالنسبة له لا يقدم اجوبة جاهزة بل أسئلة متواصلة تثيرالقلق. ولهذا كان ابراهيم جلال يحاول الوصول وامتلاك هذا اسلوبه الخاص في المسرح من خلال المزاوجة بين نظرية برشت الملحمية وبين واقعية ستانسلافسكيي العاطفية .وقد اخذ من برشت الجدل العقلي واسلوب الاخراج الملحمي ومن ستانسلافسكي الاسلوب الواقعي والحس الشعبي والعاطفة الصادقة . وهو لم يقرأ برشت على انه قاموس لمقولات فلسفية وعقلية جامدة ، وانما استوعبه ايضا من حيث ان هذه المقولات لا يمكن ان تصل الى الجمهور في كعاطفة ثرثارة ، حتى لايكون المسرح متحفا للشمع وألا يكون الممثل مهرجا فكهاٌ ، لهذا فانه أؤكد دائما على المزاوجة بين الفكر ، والعقل وجذوة الروح .
ولم يقتصر التاثير على المسرح المشرقي وانما كان له تاثيره في المغرب العربي ايضا فبرزت الكثير من الاسماء في الجزائر مثلا مثل عبد الرحمن ولد كاكي ومصطفى كاتب وعبد القادر علوله وكاتب ياسين ومحمد بن قطاف ، مصطفى كاتب ، سليمان بن عيسى ، زياني شريف عياد وغيرهم .
ومن المتاثرين ببرشت أيضا الروائي والمؤلف المسرحي كاتب ياسين الذي وساهم في الدفاع عن قضية شعبة أمام القارئ الفرنسي والاوربي من خلال رواياته الشهيرة مثل رواية" نجمة " وغيرها وكذلك مسرحياته كمسرحية :الاجداد يزدادون شراسة. ومسرحية مسحوق الذكاء . والجثة المطوقة ، التي تناقش عنها مع برشت عند زيارة البرلين انسامبل الى باريس عام 1955 . وبعد التحرير أصبحت نظرته كوسموبولوتية (عالمية ) وبدأ في الكتابة التي تخدم نضال الانسان عموما كما في مسرحية " الرجل ذو الحذاء المطاطي " التي كتبها عن نضال الشعب الفيتنامي انذاك و ( محمد خذ حقيبتك وارحل ) .حاول دائما اعتماد منهج الكتابة عن مشاكل لمجتمع الجزائري وخاصة قدرية التخلف المتأت من التزمت الديني السلفي وأثره في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال . وقد استفاد كاتب ياسين من المسرح البرشتي ، لانه يعتبر برشت فنانا ديالكتيكيا واعطى اهمية كبيرة لاستخدامه في المسرح الجزائري والمسرح العربي لكن
بشئ من الحذر ، وكان يؤكد على عدم الاستفادة ( من مفهوم التغريب في ظروف الجزائر ، لان الجمهور في بلادنا ـ خلافا للجمهور البرجوازي الالماني الذي صاغ برخت هذا المبدأ من اجله ـ لم يتشوه بعادة الاندماجEmpathy مع الحدث او الشخصية . ان هذة العدة لاتشكل خطورة بالنسبة لنا .ولهذا فنحن نحذفها من قائمة استفادتنا من مسرح برشت الملحمي )
ولكن د. لميس العماري"1" على هذا الراي هو: ان هدف التغريب لايعني فقط الحيلولة دون حدوث الاندماج بين الشخصية والجمهور. التغريب هو جزء عضوي من نظرة ديالكتيكية للعالم ، وهذه النظرة هي التي تتحكم في عملية الخلق الفني برمتها. انه في الواقع موقف من الحياة .
وبالرغم من اهمية عنصر التغريب في المفاهيم البرشتية وتكيفها لتنسجم مع الكثير من الثقافات والمسارح لمختلف البلدان ، إلا ان اطروحة كاتب ياسين وحذره من استخدام التغريب البرشتي كمنهج تفكيك للمجتمع والثقافة الراسمالية ، لها اهميتها في الوقت الحاضر بالذات عند ما تحتم الضرورة اعادة صياغة المفاهيم المسرحية الجديدة للمسرح العربي .
ويعتبر المؤلف والمخرج المسرحي عبدالقادر علولة واحد من اهم المخرجين العرب والجزائريين الذين يعملون على تكييف أفكار برشت وانجازات المسرح الملحمي للجمهور الجزائري من خلال ربطها مع المخزون الهائل من التراث والثقافة الشعبية العربية عموما .
معتمدا على أهم وسائل التوصيل التي تحقق العلاقة الفعالة بين الفنان والمشاهد . ولهذا فانه يبحث في التراث الجزائري والعربي عن تلك الاشكال الماقبل المسرحية او الدرامية وربطها بمفاهيم المسرح الملحمي لتكيعها حتى تنسجم مع متطلبات عرض مسرحي لجمهور ومجتمع ليس اوربيا .
وتحقيقا لهذا الهدف قام علولة باحلال الكوال بدلا من الراوي البرشتي ـ الشرق الجذور اصلا ، حيث يمكننا ان نجدها في التراث الشعبي العربي وتراث المغرب العربي بالتحديد . ومهمة هذه الشخصية هي رواية وتمثيل الاحداث والقصص التاريخية التي لها مكانتها في الذاكرة الشعبية وكذلك الاحداث المعاصرة في الاسواق والساحات العامة وا ماكن تجمع الناس الذين يشكلون جمهوره عادة . و يمكن حتى يومنا هذا مصادفة الكوال في اسواق الجزائر
والمغرب العربي الشعبية وهو يقص على الجمهور حكاياتة التاريخية او المعاصرة مازجا اياها ببعض المشاكل السياسية التي تثير جماهير السوق
وبهذا فان الممثل في مسرحيات هذا المخرج اصبح كوالا ووظيفته " كراوية " اصبحت اكثر تأثيرا ، عندما امتزجت بتقنية التجربة العالمية ، بحيث اصبح الكوال يلعب الدور الاساسي في الحدث.واصبح العرض المسرحي سرديا وبهذا فانه اقترب من المسرح الملحمي البرختي. فيقوم الراوي ( الكوال ) بكسر مجرى الاحداث ليس في النص فحسب ( ان المخرج هو الذي يكتب مسرحياته عادة ) وانما في الاداء والعرض . ولهذا فان الممثلين هم رواة اوكوالين ، اضافة الى كونهم يؤدون اكثر من دور . ( ويعتبر هذا متماشيا مع طبيعة الحياة الاجتماعية العربيةو المسرح والجمهور العربي ) .
ومن اجل التأكيد على كسر الايهام في الحدث والاداء ، فان علولة يمزج في عروضه بين ماهو واقعي وماهو رمزي واحيانا خيالي ( فنتازي ) ، بحيث يتم التاكيد للجمهور بانهم في مسرح وان هنالك ممثلون على الخشبة يروون حكايةما .فالمسرح لايكتفي بالسرد من قبل الراوية وانما يجب ان يخضع كل شئ لمتطلبات اللغة المسرحية بحيث يخدم المشكلة الاجتماعية . وبغية الوصول الى تغريب الحدث والشخصية فان المخرج الجزائري يعمد الى خلق تلك المسافة بين الممثل والشخصية باستخدام صيغة الشخص الثالث كما هو الحال لدى برخت . أي ان الممثل يمثل الشخصية ويستعرضها بشكل مبدع وليس بشكل ميكانيكي . وبهذا فان الجمهور يمتلك تصوره عن الشخصية .

عمل علوله على تحقيق مسرح «الحلقة» شكلاً وأداء وانتاحية وفرجة ، بعد أن توصل من خلال الممارسة العملية إلى قناعة شخصية أن القالب المسرحي الأرسطي ليس هو الشكل الملائم الذي يستطيع أن يؤدي به رسالته الاجتماعية، في البيئة التي يتعامل معها، وقدم خلالها خمسة أعمال فنية ثرية.
وفي محاضرة لعبد القادر علولة ألقاها في برلين سنة1987 في المؤتمر العاشر للجمعية الدولية لنقاد المسرح، شرح تجربته التي اوصلته الى شكل مسرحي غير ارسطوطاليسي بسبب محدوديته لذلك فهو(يتميز بالتكرار الممل للفضاء مما يخلق العرض المسرحي الساكن ، او يكون هنالك طغيان الخطاب السياسي المباشر الذي يكاد يحول المسرح إلى بيانات سياسية فكان يجب إعادة النظر في كل العرض المسرحي جملة وتفصيلا) .
ونتيجة لارتباط مسرح الحلقة بتراث وتاريخ الجمهور العربي يحتم فرض شكل ومضمون وتكنيك الفرجة المسرحية والتواصل مع الجمهور مما فرض ان يجري كل شئ داخل الحلقة المغلقة،. وفرض ايضا اختزال الديكور الى ادواد ضرورية فقط .وتغير في تكنيك الأداء المسرحي أيضا، يتلاءم مع الجمهور الذي يحيط العرض والذي يصغي ويشاهد هذا السرد ( الحكي ) الذي يبنيه علةلة في عروضه .واصبح الممثل قريبا من الجمهور وحققا فن الفرجة.. وعلولة يحدد مفهومه وهدفه من المسرح على الشكل التالي :
« إن النقطة التي ننطلق منها لتحقيق المسرح المحكي ليست ماثلة في أن لنا تراثاً قصصياً يمكن إعادة تشكيله مسرحياً، وإنما القضية هي أن لدينا تراثاً قصصياً ذا طبيعة مسرحية، يصدر عن خيال مسرحي، وفهم متميز لمطالب المشهد، والموقف، والشخصية، وسائر عناصر البناء المسرحي، غير أنه كتب بأسلوب الحكاية (وليس الحوار)، لأن أسلوب الحكي كان الأسلوب المستقر والممكن، ولأن الأذن العربية هي الطريق المدرب لالتقاط الجمال (وليس العين)، ولأن التمثيل لم يكن نشاطاً فنياً اجتماعياً يتعامل مع المستويات الأدبية الكتابية». «وأخيراً، ليكن منطلقنا في رعاية هذه الظاهرة الفنية في تراثنا الحكائي ما ندعو إليه من تأصيل لفنون الإبداع العربية (المعاصرة والقادمة) بتحريرها من شروط أنتجتها حضارات أخرى».
ومن خلال تجاربه استنتج أن ما يعني الجمهور بالأساس ليس هو ما يشاهدونه ولكن ما يسمعونه، على اعتبار ان الذائقة الجمالية العربية تعتد على السماع ، وبالرغم من اهمية الاشكال المسرحية التراثية كالحلقة مثلا ، الا انتمد على المشاهدة والذائقة البصرية هي التي تستجيب لروح الانسان ولايمكن بناء عرض مسرحي اعتمادا على الاذن والبصر والبصيرة .
وقبل استشهادة كتب فكرة لمسرحيته الجديدة والمفروض ان ينجزها كتابة واخراجا وعرضها مع فنانين وممثلين من مختلف البلدان في برلين و البلدان الاوربية ويتم هذا ضمن المشروع المسرحي العالمي ( يوتوبيا 93 ) الذي تشرف عليه د. لميس العماري ( عاشت وعملت في جامعة وهران سنوات طويله ) ولكن اغتيال عبد القادر علولة بعد الفطور الرمضاني وهم متوجه لالقاء محاضرة في المسرح في يوم (10 اذار / مارس 1994 حال دون ذلك . وفي عام 2000 حاولنا من جديد انا والدكتورة لميس وكتبت تصورا لكتابة نصا مسرحيا تاسيسا على فكرة علولة ، ولكن المشروع تعثر بسبب التمويل .
ويمكننا ان نستنتج بان علولة كان صاحب مشروع مسرحي انساني الهدف يصل به الى العالمية ومن خلاله كان يمكن ان يطور مفاهيمه المسرحية عن مسرح الحلقة، أو فن الدراما الشعبية او رموز التراث الشعبي من اجل الوصول الى الفرجة المسرحية . وتعتبر مسرحيته الاجواد من اهم التجارب في تطبيق مفاهيمه حول المزج بين البرشتية والتراث الشعبي . ) .

اذن يمكن القول بان أهمية برشت تكمن في خلخلة البناء الارسطوي للمسرح وخلق الاسس الجديدة للفرجة الفرجة واعادة انتاجية المسرح من خلال مفاهيم وفكر يطمح ان يتناسب مع اسس جديدة لبناء المجتمع والانسان
وما انجزه برشت في التغريب هدف الى تفكيك استغلال النظام والمجتمع الراسمالي التزمه الفنان العربي في مسرحه ومجتمعة بذات عناصر التحليل والتفكيك بالرغم من ان المجتمعات في الشرق والمتمع العربي ليسا مجتمعات راسمالية .
وبالرغم من اهمية المبدأ البرشتي المستند على الفلسفة هيجل وماركس من ان مانراه في الواقع ليس ثابتا وانما يمكن تغيرة ، هو من اهم المبادئ التي تهم المجتمع و المسرح العربي ، الا ان برشت ذاته اكتشف بان المسرح الملحمي يجب ان يتطور او حتى تلغي اساسياته، واعتبرها هفوة حقيقية لانها تجعل من مبدأ التغيرب مختصرا على نقد وتفكيك مفاهيم المجتمع الراسمالي بدون ان يعممها على المجتمعات الاخرى بما فيها المجتمع الاشتراكي الذي كان ينتمي اليه ، ولهذا فانه طرح مصطاح المسرح الديالكتيكي ، لكن الموت لم يمهله ان يضع اسس هذا المسرح الذي فكر فيه في اخر سنوات عمره .
وقد قام بهذه المهمة من بعده احد مريديه وتلامذته وهو هاينر موللر من خلال تطوير مفهوم التغريب وتطبيقه على الكشف عن ميكانيزم الاستغلال ونقد مجانية العلاقات وكذلك اسس الخراب في ذات الامسان في المجتمع الاشتراكي ومن توسيعه لتطبيقه على أي مجتمع اخر مشابه في ظروفه. وهذه قضية جوهرية تهم المجتمع العربي في كيفية فهم اسس تفكيك المجتمع المبني على اسس الاقتصاد الاسيوي والذي كان يطمح ان يكون اشتراكيا.
ويبقى السؤال الان قائما هل هنالك ضرورة لمفاهيم برشت في المسرح العربي الان ؟؟ والسؤال الآخر أليس هنالك خوف من موت المسرح الذي نبغي .؟؟

موت المسرح العربي

ومن الاسباب التي تدعو الى التشائم والتفائل في ذات الوقت هي القول بان ازمة المسرح مرتبطة بازمة الثقافة والفكر والعقل العربي ، و هذه قضية معقدة اضافة الى تشتت المسرح بين تاكيد هويته وهيمنة المفاهيم المسرحية الغربية ، اضافة الى اسباب اخرى ستئدي الى موت المسرح حتما منها :
ـ أما كونه فنا واقعيا فوتوغرافيا يخدعنا برؤية الواقع والطبيعة مرة ثانية في المسرح .
ـ أو لانه فنا استهلاكيا يلتزم بسوق العرض والطلب التجاري ، مبتعدا عن معالجة القيم الإنسانية والمعرفية العميقة وقلق الانسان بسبب الخوف من انهيار حضارته .
ـ او باعتباره فن لايعالج اسئلته المصيرية من خلال اعتماده على لغة الفن البصرية والتي تؤثر على البصر والبصيرة والسمع والحواس الاخرى ، والاشكالية التي تكمن في شيزوفرينا المثقف العربي وكذلك المجتمع عموما في تفضيل المستور والقناع والسير باتجاء التاريخ السلبي الذي لا يعتمد على البناء الابداعي والديالكتيكي للتاريخ .

انقاذ المسرح يتحدد بالاعتماد على :
ـ اعادة صياغة اسس المسرح من جميع الجوانب التي تخص العرض وكذلك التاليف المسرحي
وبما ان الفرجة مرتبطة بالانثروبولوجيا في المسرح عادة ، وهذا مااثبته يوجين باربا وايضا ما جاء في افكار واعمال الروسي فيزفولد مايرهولد . ان هذه التصور يفرض مسرحا يتميز بكونه
ـ لا ينقل حوار المؤلف نقلا سلبيا كما هو المسرح التقليدي .
ـ يكون فيه للفرجة مكانتها واهميتها الابداعية وذلك من خلال ديناميكية العلاقة بين المؤدي والمتفرج .
ـ وهو مسرح لابد ان يتجاوز تطور احداث النص لصالح لغة الجسد وتاثيرها الكبير على المتفرج . أي ان المتفرج في هذا المسرح يتواصل مع العرض من خلال امكانيات وتقنيات الجسد الفرجوية وليس مع تفاصيل تاريخية الجسد اليومية ووضائفه كما هو عليه في الواقع .وهناك الكثير من المسارح في العالم التي تعتمد امكانيات الجسد الفرجوية مثل : مسرح الكابوكي والنو والكتاكالي ، والاشكال الفرجوية ، والرقص الدرامي التعبيري .
ـالدمج الحداثي بين خصوصية الهوية والحداثة المسرحية الاوربية
ـ اعادة تفكيك برشت والمفاهيم السائدة .
ـ كتابة النص المسرحي البصري الذي يجب ان يتخلى عن الكتابة السردية ، ومعرفة كيفية بناء الفضاء المسرحي البصري دون الاعتماد على الثرثرةالسردية وعدم انتظار المخرج لتحويل الكلمة الى حركة .ان النص البصري له علاقة بالتاويل البصري واعادة بناء الفضاء بصريا من اجل تحقيق الفرجة البصرية وليست السمعية / استنادا الى ماادعوه بالبعد الرابع للفضاء في العرض المسرحي .( وهذا يحتاج الى وقت طويل لشرحه ) .
ـ ان تهميش ثقافتنا الديناميكية و الحرة والملتصصة بالعصر والحداثة ، ياتي من غزو الافكار الظلامية والالتزام بها بدون ان يتم رفضها .
ـ نحن بحاجة الى السؤال الديناميكي المعاصر حتى وان كان اوربيا مادامت العولمة تعني التكامل الحضاري والثقافي وليس هيمنة المراكز الكبرى وتهميش ثقافات المجتمعات الاقل حضارية . ان السؤال الفكري والفلسفي لاذي يهمنا ويهم الاخر في ذات الوقت هو الذي يخلق في دواخلنا القدرة على مواجهة سؤالنا المصيري .
ـ وهذا يفرض ضرورة التهجين بين الثقافة والفكر الاوربي والثقافة و الذات العربية المتحررة فكريا من الفكر الماضوي السكوني والمهيأة لاستقبال الاخر بروح التكامل . وأيضا يعني التهجين بين التراث العربي و الذي كان يحمل بذرة المستقبل والممزوج مع الحداثة وبين الحداثة الاوربية.
إذن تحتم المعاصرة والحداثة ، ضرورة التهجين والتفاعل بين الفكر المسرحي الغربي و الهوية الذاتية ، وفي ذات الوقت الاختلاف في جوهريهما . وبالتأكيد يتم هذا من خلال التزام ( النقد المزدوج) أي نقد المفاهيم الغربية والاوربية المهيمنة وفي ذات الوقت الاختلاف معها ، وايضا نقد الهوية الذاتية ( او مايسمى بالاصالة ) وهذا يعني الدمج الحداثي بين خصوصية الهوية والحداثة الاوربية. وبالتاكيد فان هذا يخلق طرحا لسؤال معاصر وتكنيك فرجوي جديد في المسرح العربي .و لا يتم هذا الا بقبول فكر وثقافة الاخر



#فاضل_سوداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنان العراقي عوني كرومي وبرتولد برخت
- العراق والسياسة والمنفى والغرب ومسرح الصورة
- جحيم الحرية والتباس الحقيقة الذاتية
- بصريات الجسد في الطقس المسرحي
- ذكرى عنادل العمارة ( ميسان) المهاجرة
- رسائل تشيخوف يقرأها المخرج بيتر بروك دراميا
- عروض مسرحية عن همس الحواس و ذاكرة الاشياء
- عرض مسرحية حدّ ث ودلالات الفكر الاخراجي في المسرح
- فن التشكيل البصري في زمن العولمة
- البعد الرابع لغة فن التشكيل البصري
- البعد الرابع لغة الفن البصري
- الممثل في مسرح البعد الرابع البصري
- هل مازال العراق يلتهم أبناؤه
- الموسيقى ومجزرة حلبجه
- زهور المدينة المدللة في الزمن الهني
- فان كوخ .... رحلة ضوئية باللون والجسد للتطهير من العنف
- طنجة .... برزخ الابداع والمنفى
- أسطورة النار المقدسة في الأزمنة المنسية
- الجسد والحضور الميتافيزيقي للشعر البصري
- عبد الرزاق المطلبي واحلام كانت مرمية في الطريق) سر التجسد)


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل سوداني - النقد المزدوج وغربة المسرح العربي