الاخوة والرفاق في القوى السياسية الوطنية والإسلامية
الاخوة في المنظمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني
تحية القدس والعودة،،،
انطلاقاً من حرصنا ومسؤوليتنا في هذه الظروف الحرجة والدقيقة التي يعيشها شعبنا وقضيتنا، حيث تتصاعد وتائر العدوان وتتسع دوائره لتشمل كافة أبعاد وجودنا وثوابتنا الوطنية، وتزداد وترتفع حمى الضغوط الإسرائيلية والأمريكية على السلطة الوطنية الفلسطينية، بهدف إخضاعها لمنطق رؤية شارون وخطته السياسية، والدفع نحو تطويع النظام السياسي الفلسطيني، ليتكيف مع الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، ويتماثل مع النظام السياسي الذي تريده أمريكا في عموم الشرق الأوسط، ليسهل مهمتها ويحافظ على مصالحها وعلى إطباق هيمنتها الشاملة على المنطقة وعموم الإقليم.
في نفس الوقت، فإن ما تعيشه المؤسسات التمثيلية والقيادية الفلسطينية من أزمة عميقة، ليست بعيدة في العديد من جوانبها عن مؤثرات السياسة الأمريكية الصهيونية، وبشكل أكثر تحديداً ومباشرة، فقد ساهم في مفاقمة الأزمة الشروع بتهيئة الأوضاع الفلسطينية لتطبيق خارطة الطريق التي بنيت من مقدمتها، والعديد من عناصرها على التدخل الفظ في الشأن الداخلي الفلسطيني وزرع الفتنة في صفوفه مبتدئة بتحديد طابع القيادة التي تشترطها للشعب الفلسطيني (قيادة تتصرف بحسم ضد الإرهاب). وفي كل الأحوال، فإننا نعتقد أن الواقع يطرح علينا واجبات باتجاهين:
الأول: التصدي للاحتلال وغطرسته وعدوانه الشامل والممنهج على شعبنا.
الثاني: العمل على مغادرة هذه الأزمة المتفاقمة التي تعصف بالوضع الفلسطيني، وإعادة ترتيب أوضاعنا على أسس سليمة.
انطلاقاً من أن الحلقة التي يتوجب الإمساك بها بقوة، هي تحشيد كل مقومات القوة لمجابهة العدو ومخططاته ومشاريعه التصفوية بحق شعبنا وقضيتنا الوطنية.
إننا نعتقد، وكما أكدنا في مبادرات سابقة، أن الحل الجذري للأزمة السياسية والتنظيمية وإرساء الأسس القوية لمؤسساتنا وأدائنا وعلاقاتنا الوطنية هو الانتخابات الديمقراطية العامة، وفقاً لمبدأ التمثيل النسبي لكافة البنى القيادية الفلسطينية. وكخطوة تمهد وتحضر للانتقال الطبيعي نحو هذا الخيار، فإننا نؤكد على ضرورة وملحاحية تشكيل القيادة الموحدة، كمرجعية سياسية، وقيادة جماعية للشعب والعمل الوطني كلّه، ونقترح لتوفير مقومات النجاح في تشكيل هذه القيادة، أحد خيارين:
الأول: أن تكون هذه القيادة تتويجاً للتوافق حول الرؤية السياسية والنضالية الراهنة لإدارة الصراع مع الاحتلال. وهذا هو الخيار الذي نفضله.
الثاني: أن تكون القيادة نفسها إطار الحوار الوطني الشامل، وتمارس دورها في نفس الوقت كمرجعية قيادية لشعبنا وفق آليات يتفق عليها.
إن ما يدعونا لطرح هذه الخيارت هو الحقيقة التي تقتضي أن يلحظها الجميع، وهي أن التكوين السياسي لمؤسساتنا يحكمه حتى الآن واقع التباين في العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، فهناك القوى المشاركة في مؤسسات المنظمة، وهناك القوى الإسلامية غير المشاركة فيها والتي لم تكن جزءاً من تكوينها منذ البداية، إضافة إلى عدد من القوى التي كانت تاريخياً في إطار هذه المؤسسات ولكنها اليوم خارجها.
إن إدراك هذا الواقع، وضروة معالجته، يجب أن لا يسقط حقيقة أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي لشعبنا، وهي التكوين الوطني الذي يجسد وحدة شعبنا بكافة تجمعاته داخل الوطن وفي الشتات، وهو الإطار المعترف به في كل المحافل العربية والدولية.
إن منظمة التحرير الفلسطينية إنجاز لا يمكن القفز عنه أو التفريط فيه، وكل الاختلافات التي أشرنا إليها في الموقف من المنظمة ومؤسساتها لا تشكل عقبات يستحيل تجاوزها سواء في تشكيل القيادة الموحدة، أو في ترسيخ وتعزيز دور ومكانة المنظمة ومؤسساتها. وذلك بإعادة بناء وهيكلة مؤسسات المنظمة عن طريق الانتخابات العامة للمجلس الوطني كأساس لإعادة بناء باقي مؤسسات وأطر المنظمة.
إن المجلس الوطني الفلسطيني المنتخب داخل الوطن، وحيثما أمكن في الشتات، ووفقاً لنص النظام الأساسي لمنظمة التحرير، يلغي بالضرورة أية مبررات لعدم المشاركة في المجلس والهيئات الأخرى المنبثقة عنه.
وفي هذه المرحلة الانتقالية التي تسبق الانتخابات الديمقراطية الشاملة لمؤسسات المنظمة والسلطة، فإن القيادة الموحدة كإطار مؤقت، هي القيادة العليا للشأن الفلسطيني، أما ممن تتشكل هذه القيادة، وكيف تعمل دون أن تصادر دور اللجنة التنفيذية، ومؤسسات السلطة، فإننا نعتقد أن هذه المسألة يمكن التغلب على إشكالياتها، بالتشكيل والمهمات والآليات التالية:
1) القيادة الموحدة:
إطار مؤقت يتشكل من:
?أ. أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
?ب. الأمناء العامين وممثلين إضافيين من حماس والجهاد الإسلامي لتعويض عدم مشاركتهم في اللجنة التنفيذية.
?ج. عدد من الشخصيات الوطنية المستقلة من الوطن والشتات.
?د. رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني.
وهي قيادة جماعية تتحقق فيها مشاركة الجميع في اتخاذ القرارات ومتابعة تنفيذها.
قراراتها ذات الطابع الوطني والسياسي العام، وخاصة ما يتعلق بالتمثيل والعلاقات مع المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية، ترسمها وتتابع تنفيذها اللجنة التنفيذية كمؤسسة، فأعضاؤها مشاركون في القيادة المؤقتة وقراراتها.
قراراتها التي تتناول الشأن الداخلي الذي يقع ضمن دائرة السلطة فتتابع تنفيذها السلطة بهيئاتها المختلفة، وبما لا يتعارض مع النظام الأساسي والقانون.
تتحدد مهمات القيادة الموحدة بما يلي:
?أ. هي قيادة عمل عليا لكل الشأن الفلسطيني، خلال الفترة المؤقتة.
?ب. تعد وتهيئ لإجراء انتخابات ديمقراطية شاملة للشعب الفلسطيني ومؤسساته في الوطن والشتات وفقاً لنظام التمثيل النسبي الذي يحافظ على التعددية ويحولها إلى إثراء وتعزيز لوحدة شعبنا بكل تياراته الفكرية والسياسية والتنظيمية، على أن تجري الانتخابات خلال فترة زمنية يتم تحديدها.
2) منظمة التحرير الفلسطينية:
يصبح من واجب الجميع، المشاركين وغير المشاركين في مؤسساتها العمل من أجل حمايتها والمحافظة عليها، وعلى دورها ومكانتها باعتبارها:
- الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، والناطق باسمه والمعبر عنه في كل المحافل والأطر الدولية والإقليمية.
- المجسد والناظم لوحدة هذا الشعب في الوطن والشتات.
- الإطار الذي يؤكد ويرسخ الطابع السياسي والوطني لتجمعات شعبنا في الشتات ويقود مشاركتها في النضال من أجل العودة والاستقلال الوطني.
تفعيل مؤسسات المنظمة وتطويرها، بإعادة بنائها على أساس برنامج وطني وديمقراطي، وبالانتخابات وفقاً لنظامها الأساسي حيثما أمكن ذلك.
3) السلطة الوطنية:
هي المسؤولة عن تنظيم شؤون المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع، بما يعزز الصمود ومتابعة النضال لتحقيق الأهداف الوطنية.
خلال الفترة المؤقتة لعمل القيادة الوطنية الموحدة، تقوم السلطة بتنفيذ قرارات هذه القيادة، وقرارات اللجنة التنفيذية وقرارات هيئات السلطة ذاتها بما ينسجم والقوانين الناظمة لعمل السلطة والعلاقة بينها وبين المرجعيات الوطنية الأخرى.
وعلى ضوء وصول الحكومة الفلسطينية برئاسة الأخ أبو مازن لنهايتها المنطقية لأسباب متعددة، أبرزها كثافة وثقل الضغوط والإملاءات الخارجية، وارتفاع وتائر التدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني الذي يعاني أساساً، من ضعف أو غياب آليات وقواعد العمل السليمة والشفافة، في النظام السياسي الفلسطيني بمؤسساته وهيئاته المختلفة، فقد تأكدت ضرورة الشروع بالحوار الوطني الشامل لتشكيل القيادة الموحدة.
ولطبيعة التعقيدات التي تحيط بخارطة الطريق والموقف منها، فإننا ندعو لوضعها على جدول أعمال الحوار الوطني، ورغبتنا الصادقة في الوصول إلى فهم وموقف مشترك من هذه المسألة فإننا نضع بعض الأسس والمبادئ العامة لرؤيتنا وموقفنا:
أولا: يجب أن نتعامل مع أهداف نضالنا الوطنية المباشرة، في صون حق العودة وطرد الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس. كرزمة واحدة وباعتبارها خطوط حمراء، لا يجوز القفز عنها، أو تجزئتها، أو تأجيلها، فقد أكدت الحياة أن التجزئة والتأجيل، تشكل الأساس الموضوعي للضغط والابتزاز وتحويل الأهداف والشعب إلى رهائن تحت رحمة العدو.
ثانياً: إن تجربة الأشهر الماضية كافية لاختبار خارطة الطريق، ورصد وتدوين أوجه ومظاهر السلوك العدواني الإسرائيلي خلال الفترة التي شكلت عمليات الاغتيال للكوادر والقيادات بما في ذلك محاولة اغتيال الشيخ أحمد ياسين، ثم القرار الوقح بإبعاد الرئيس أبو عمار المدى الذي يمكن أن تصل إليه جرائم العدو الإسرائيلي وعليه، فإن هذا الواقع يطرح علينا توفير كل مقومات الصمود والثبات والجاهزية لمواجهة هذا العدوان والاستعلاء العنصري الصهيوني، واستنفار كل مقومات استنهاض شعبنا وطاقاته وصبها في إطار تصعيد الانتفاضة والمقاومة.
إن الواقعية السياسية المستندة إلى قراءة الواقع وتناقضاته، والسياسة الإسرائيلية العدوانية، والدور الأمريكي المساند والمنحاز لإسرائيل والذي يقدم الدعم والغطاء لعدوانها وجرائمها، يجعل من معزوفة اختبار النوايا، والعمل على كشف حقيقة المواقف الإسرائيلية، معزوفة ضارة، وفي أفضل الأحوال لا نفع منها، ولم تبق جرائم إسرائيل أية ركائز منطقية لسياسات التعامل الإيجابي مع المشاريع الأمريكية، واللجوء إلى خطاب سياسي مزدوج يلحق الأذى بنا وبأهدافنا الوطنية.
ثالثاً: إننا ندعو إلى إغلاق الباب أمام مشروع خارطة الطريق، ووقف الترويج لها أو التفاوض علىا أساسها، فهذا هو الطريق الذي يعزز المقاومة الشعبية الشاملة لشعبنا وفصائله الوطنية والإسلامية، وهو الطريق الذي يفتح الباب أمام المجتمع الدولي، وكل الأطراف المؤيدة والمتفهمة لنضالنا وحقوقنا الوطنية لإعادة الاعتبار لقرارات الشرعية الدولية، التي تؤكد على حق شعبنا في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، وتعيد لمؤسسات المجتمع الدولي دورها في العمل لتنفيذ هذه القرارات. والضغط على العدو الإسرائيلي لوقف عدوانه الشامل على شعبنا وتأمين الحماية الدولية له وتمكينه من ممارسة حقه في تقرير مصيره.
رابعاً: إن تفاقم مأزق الاحتلال الأمريكي للعراق ودعوة أمريكا الخجولة لإشراك الأمم المتحدة، وعلى الرغم من أية نوايا تستهدف توريط المجتمع الدولي في تحمل أعباء احتلال أمريكا للعراق، فهي في نفس الوقت تتضمن تراجعاً عن الموقف الأمريكي المتفرد السابق، وقد يتبعه تراجع آخر. إن هذا الميل ما كان لينشأ لولا إدراك الإدارة الأمريكية أن العبء الواقعي للاحتلال، لم يكن في حدود تصوراتها، وأنه سيعكس نفسه سلباً على حملة الرئيس بوش الانتخابية.
إن تصاعد المقاومة العراقية وتوسع رقعتها هو الذي حفر المسار لهذا الميل. ويمكن أن نجبر شارون على الرضوخ لهذا المنطق، وسلوك هذا الميل لتغطية تراجعه الحتمي، إذا ما أدرنا المعركة ضد عدوان حكومته بنجاعة ووفرنا لها كامل استحقاقاتها.
خامساً: إن الاتفاق على الحد الأدنى والقواسم المشتركة حول الرؤية السياسية وبناء الأدوات التنظيمية لتنفيذ مهامها، ستوفر المناخ والإطار الملائم لاستنباط أساليب المقاومة والنضال التي تستدعيها المرحلة وطبيعتها، والتي تأخذ بعين الاعتبار تفاعل العوامل الوطنية والقومية والإقليمية والدولية، بما يوفر أوسع اصطفاف دولي مؤيد لنضال شعبنا وأهدافه.
الاخوة والرفاق الأعزاء
هذه رؤيتنا التي نطرحها من خلال هذه المذكرة التوضيحية لبناء القيادة الوطنية الموحدة، تأكيداً وتطويراً لأفكار تقدمنا بها في السابق، نأمل اغناءها وتعميقها وتطويرها في إطار حوار جدي ومسؤول يصل بنا إلى القواسم المشتركة. ونحن على ثقة أن أعباء المرحلة من جهة وإخلاصنا للواجبات المطروحة علينا وعلى شعبنا من جهة أخرى ستجند كافة جهود شعبنا وفعالياته المخلصة نحو تحقيق هذا الهدف.
وأخيراً، فإن الإفراج عن الرفيق الأمين العام أحمد سعدات وإنهاء هذا الوضع الشاذ، ضرورة ورافعة لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها، لإنجاح هذا المشروع.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
المكتب السياسي
14/9/2003