رواء الجصاني
الحوار المتمدن-العدد: 1951 - 2007 / 6 / 19 - 05:32
المحور:
الادب والفن
منذ سني شبابه الأولى، عقد الجواهري العزم على أن "لا يروح" من الحياة إلا وقد أبقى فيها عطاءً وابداعاً خالدين، لا يشكك فيهما إلا خامل هنا، وحاسد هناك، كما ورد في رائيته عام 1931... نكتب عن ذلك ونحن على عتبة الذكرى العاشرة لرحيل ملهم ملأ القرن العشرين وشغل أهله شعراً وقيماً، كما ولغواً وجدلاً، في آن واحد، وفي ذلك تميز حقيقي أثار – ويثير – أحقاد العاجزين منذ عقود، وإلى اليوم.
... وعن مثل هذه الحال، أو قريباً منها، سألت الجواهري ذات يوم – وقد نَشرتُ عن تلك الواقعة بعد نهار واحد من رحيله في 27/7/1997 – عن سمو بيت قاله في ذكرى عبد الناصر عام 1971: "أكبرت يومك أن يكون رثاءا - الخالدون عرفتهم أحياءا" فرد دون ايما انتظار، بل وبتباهٍ، وبما يعني ان ندرة نادرة تستحق مثل ذلك الرأي - الموقف... ولا أشك لحظة في أنه لم يكن إلا حاسباً نفسه ضمن تلك "الندرة" بل وفي صميمها... ولربما ثمة من يحاول اليوم التنصل من الاعتراف بعظمة ذلك الشاعر الفرد، وللسياسة والحزبية أحكام!...
... والخلود، معنى وهدفاً، راود الجواهري، وهو في بدء انطلاقته لعالم الامتحان والاقتحام ، وقد يوثق ذلك ما كتبه عام 1921: "كلما حدثت عن نجم بدا، حدثتني النفس ان ذاك أنا"... ولم يكن ليمتنع، وعلى مدى عقود حياته المديدة، عن أن يجهر بذلك، وفي وقائع عديدة... ولعل الاتيان بشاهد عيان آخر ذي صلة، يزيد من توضيح ما ندعيه، ونعني قوله عام 1954: "ستبقى - ويفنى نيزك وشهاب - عروقٌ أبيّات الدماء غضاب"... ثم، لابد ان تشخص في الذهن أيضاً تلك الأبيات التي كتبها الجواهري في ذكرى الرصافي (1959)، حينما تساءل "عن لغز الحياة، وحيرة الألباب" - ان يستحيل الفكر محض تراب". ولا نشك هنا أيضا بأنه كان يستعير الصورة، ليقرنها بما يفكر به ويطمح إليه.
... وبعد كل ما تقدم، نعيد الحديث الذي جاء في بحر هذه السطور، وان بصورة أخرى: هل تحتاج الذكرى العاشرة، الوشيكة، لرحيل الجواهري، "احتفاءً" أو "احياءً"؟ هل سيختار "البلد العجيب" في راهنه اليوم، طريقاً مناسبة لأن يستذكر شاعره الرمز!... وهل سيتوقف المبدعون والمثقفون والشعراء عند الذكرى بما تستحقه؟ أم سيجدون مبرراً للانكفاء فيكتفون بترديد ما قاله عميدهم عام 1950 "باقٍ وأعمار الطغاة قصار"... أو ما قاله عام 1979: "يموت الخالدون بكل فجٍ، ويستعصي على الموت الخلود"!! إنها مجرد تساؤلات، ولكنها ليست بريئة بالتأكيد!
#رواء_الجصاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟