قبْل أن يتّسع الخرْق على الرّقْع.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 18:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

لا جدال في أن تنظيم المظاهرات الاحتجاجية والمسيرات التضامنية هو تعبير عن مدى اتساع هامش الحريات الفردية والجماعية، وكذا تجسيد للتطور الذي تعرفه منظومة حقوق الإنسان في المغرب، والذي أهّل بلادنا لاحتلال المرتبة الأولى في مؤشر الديمقراطية على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولعل النضج الذي تعاملت ولا زالت تتعامل به الدولة المغربية مع الدعوات المتواصلة للمظاهرات والمسيرات الاحتجاجية ضد الحرب على غزة، لم تقدّره الجهات الداعية إليها ولا راعت المصالح العليا للوطن والالتزامات الدولية للمغرب. فقد بدأت المظاهرات من أجل غزة محدودة في الزمان والمكان، مباشرة بعد انفجار الطوفان يوم 7 أكتوبر 2023، ثم تطورت عدديا (110 مظاهرة) وتوسعت أفقيا لتشمل عشرات المدن حتى صارت روتينا أسبوعيا أيام الجمعة والآحاد. في كل مرة تصر جماعة العدل والإحسان، عبر الهيئات التي أحدثتها وتتحكم في شعاراتها ومواعيد المظاهرات والمسيرات، وعلى رأسها: "الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة" و"الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع"؛ تصر على مواصلة الاحتجاج والتظاهر حتى يصير "حراكا شعبيا" ضد النظام الملكي والدولة المغربية. وهذا ما أعلنته في موقعها يوم 22 أبريل 2025: "سلسلة الحراك المغربي الممتد في الأزقة والشوارع، وفي الساحات وأمام المساجد، منذ انطلاق صافرة طوفان الأقصى". لقد خسرت الجماعة رهانها على حركة "20 فبراير" مباشرة بعد رفعها شعار "إسقاط النظام"، وتريد اليوم استغلال الحرب على غزة لمواصلة التظاهر والاحتجاج ولو بافتعال الأحداث وإشاعة الأكاذيب، لتحوّلها إلى "حراك" ضد النظام. هكذا لم تتوقف الدعوة إلى التظاهر والاحتجاج رغم إعلان وقف العدوان على غزة بعد تهديدات ترامب، وخروج أهل غزة مبتهجين في مشاهد توزيع الحلوى؛ بل استمرت الجماعة في التحريض والتجييش، تارة بذريعة التنديد بتصريحات ترامب بتحويل غزة إلى منتجعات سياحية راقية، وأخرى بتعلة رفض مخطط تهجير الغزيين، وقبلها بالاحتجاج ضد مشاركة وزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريغيف في المؤتمر الوزاري العالمي الرابع للسلامة الطرقية الذي احتضنته مدينة مراكش بين 18 و 20 فبراير 2025، من تنظيم وزارة النقل بتعاون مع منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة. فكلما صرح مسؤول إسرائيلي أو أمريكي بأدنى رأي أو مقترح يرى فيه لخوانجية عنصرا كافيا لتبرير التحريض على الاحتجاج والتظاهر، إلا وتجندوا لحشد قطيعهم وكل من في نفسه حقد على النظام وكراهية للدولة ومؤسساتها، للخروج إلى الشوارع؛ إذ ما العلاقة بين غزة وشعار "لا راعي ولا رعية" سوى استغلال غزة لتصريف الحقد والعداء للنظام. فمن كثرة المظاهرات وتمددها المكاني والزماني، بات لخوانجية متوهمين أنهم أقوى من الدولة وأنهم على زعزعة أمنها وخنق اقتصادها قادرون.
إن التحريض على التظاهر والاحتجاج لم يكن من أجل غزة ولا ضد الحرب عليها، وإنما هي ذريعة يستغلها لخوانجية لشرعنة احتلالهم الشوارع والظهور بمظهر الغيورين على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، دافعهم الرئيسي هو ابتزاز الدولة واجبار النظام على الرضوخ لمطالبهم. ولا شك أن لخوانجية يدركون جيدا مكانة فلسطين والقدس في وجدان الشعب المغربي؛ الأمر الذي يستغلونهم لتحقيق أهدافهم المرحلية الخسيسة، ومنها:
1 ـ احراج النظام، في حالة منع المظاهرات أو محاكمة حمَلة الشعارات المنافية لثوابت الشعب المغربي.
2 ـ السيطرة على الشارع وتوظيفه، عبر المظاهرات والاحتجاجات، كشكل من أشكال العصيان المدني، بنية خبيثة تتعمد استفزاز القوات العمومية عبر الشعارات التي تمس بالمقدسات والثوابت، حتى تجرها إلى مواجهات مفتوحة مع المتظاهرين.
3 ـ خنق شرايين الاقتصاد، عبر محاصرة ميناءي طنجة المتوسط والدار البيضاء كمقدمة للمخطط الخبيث الذي يسلكه لخوانجية في كل الدول، ومنها مصر حين استهدفوا قطاع السياحة لأهميته القصوى.
4 ـ محاصرة الموانئ والمطارات والمؤسسات السياحية، إذ بعد الحرب على موانئ المغرب ستأتي، بالتأكيد، الحرب على السياحة عبر محاصرة الفنادق والمنتزهات بدعوى استضافتها للإسرائيليين. وقد يتطور الأمر الى محاصرة المطارات وخلق حالة من الهلع والرعب لدى السياح ووكالات الأسفار؛ مما يضطرها الى الغاء الحجوزات والرحلات السياحية نحو المغرب الذي يصر لخوانجية على إظهاره للعالم كبلد غير آمن وعاجز عن ضبط الأوضاع وتوفير المناخ المناسب، سواء للسياحة أو للاستثمار. الأمر الذي سيعجل برحيل المستثمرين وما سيترتب عنه من أزمات اقتصادية ومالية بسبب شح المداخيل، وأزمات اجتماعية نتيجة تسريح العمال. ولعل التحذير الأخير للخارجية الأمريكية لمواطنيها من التوجه إلى المغرب بسبب تهديدات إرهابية محتملة، دليل كاف لتنبيه الدولة المغربية إلى المنحدر الخطير الذي تجرها إليه جماعة العدل والإحسان ومعها حزب العدالة والتنمية وفلول اليسار المتطرف.
5 ـ عزل المغرب وتجريده من الدعم الدولي، وإظهاره في وضع غير قادر على حماية المصالح الغربية. ذلك أن لخوانجية يريدون تكرار تجربة الخميني في إيران لما تخلى الغرب عن نظام الشاه.
ضَصّر الكلب يلْحَسْ لك فمّك.
إن حالة الضصارة والوقاحة التي وصلتها جماعة العدل والإحسان، بحيث صار قياديوها يُلوّكون، بمناسبة وبدونها، رفضهم القاطع للنظام الملكي، ويجاهرون بالتحريض ضده، في خرق سافر للدستور والقوانين وتناقض تام مع ثوابت الشعب المغربي. فالجماعة صارت تتصرف كأنها خارج القانون، ودولة داخل الدولة؛ بل تفرض على الدولة اختياراتها وتستهدف مفاصلها. وكلما تأخرت الدولة عن إعمال القانون وضبط الشارع العام، ستتمادى الجماعة في غيها ومناهضتها لاختيارات الدولة ومصالح الوطن العليا.
لا شك أن تسامح الدولة مع الجماعة وترك الحبل على الغارب أمام طغيانها، كشف حقيقتها للشعب المغربي وأظهر خبث مسعاها. فمن حسنات "طوفان غزة" انفضاح المشروع التخريبي للجماعة وخدمتها لأجندات أعداء الوطن. لكن الضصارة لن تؤدي إلا لمزيد من الضصارة. لذا وجب على الدولة حماية الأمن والاستقرار بما يستوجبانه من الحزم وتطبيق القانون قطعا لدابر المخططات العدائية والمشاريع الانقلابية. ذلك أن ما يفعله لخوانجية هو تدريب على العصيان والتمرد على النظام. وقد يتخذون من الزيارة المنتظرة لنتنياهو استجابة للدعوة التي وجهها له جلالة الملك يوم 19 يوليوز 2023، ردا على رسالة اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، الفرصة السانحة لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية. لقد باتت الفرصة سانحة للدولة لوضع حد لهذه الضصارة، خصوصا وأن الرأي العام المغربي ومواقع التواصل الاجتماعي لا يكفّان عن المطالبة الملحّة بالتصدي لخطر جماعة الظلم والبهتان ومعها بقية لخوانجية. نداءات ومطالب لخصها الشاعر الجزار الأنيق في أبياته:
هُمْ لِلْهَراوَة، لا يليق عتابُ.
إن العصا فوق العصاة بليغة،
فمتى مع الطرشان كان خطابُ.