عنتريات سماسرة حقوق الإنسان تُفسد فرص العفو الملكي.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 8078 - 2024 / 8 / 23 - 20:48
المحور: حقوق الانسان     

خلف العفو الملكي في المناسبات الوطنية الثلاث ــ الذكرى الفضية لاعتلاء جلالة الملك العرش، ذكرى ثورة الملك والشعب، عيد الشباب ــ ارتياحا واسعا لدى الرأي العام الوطني والحقوقي لأبعاده الإنسانية والاجتماعية؛ إذ بلغ عدد المستفيدين 8684 شخصا. مناسبة بقدر ما أفرحت آلاف الأسر وبعثت الآمال الكبيرة في أن يشمل العطف الملكي معتقلي الريف، بقدر ما استغلها سماسرة حقوق الإنسان لركوب أحصنتهم القصبية وإطلاق تصريحات عنترية مستفزة أساءت إلى قضية المعتقلين. ذلك أن مجال العفو الملكي لا يستقيم معه أسلوب المبارزة الطَّرَزانية ولا التغني بالضغوط الخارجية. بل هو مجال للرحمة والعطف والرأفة يشمل بهم جلالة الملك عينة من المعتقلين والمسجونين وفقا لأحكام الدستور (الفصل 58).
الِّليْ شَفْتو رَاكْبْ عْلَى قَصْبَة قُولْ لُو مبروك العُودْ.
استغل سماسرة حقوق الإنسان مناسبة العفو الملكي على الصحفيين الثلاثة (بوعشرين، الراضي، الريسوني) ليطلقوا تصريحات عنترية وكأنهم خارجون للتو من مبارزة توهّموا فيها النصر على الدولة، وأن العفو لم يأت رأفة وعطفا ولكن نتيجة للضغوط. بهذا الوهم العنتري اعتبروا العفو عن محمد زيان ومعتقلي الريف حتما حاصلا في عيد الشباب. فهذا عزيز غالي يتعنتر: أن هذه الفرحة اليوم ما كان لها أن تتم ..لولا تضافر وتكاتف الجهود .. المتواصلة للحركة الحقوقية والديمقراطية وكافة القوى الحية في بلادنا وفي الخارج والضغط الدولي الذي خلقته ومارسته على كامل المستويات والذي يجب علينا جميعا ان نعمل على تقويته واستمراره حتى انتزاع الحرية لباقي المعتقلين ". وسار على نهجه العنتري ابن زيان حين استقباله للمشمولين بالعفو بمنزله: "بينتو جسدتو بأن النضال ديالنا ماشي نضال خاوي بأن فاش كناضلو وكنوقفو وما كنسكتوش وكنصمدو كتعطي النتيجة، والنتيجة ها هي أمامكم، ها هم الإخوان كلهم خرجو بإذن الله الحمد لله. أنا كنعتبرها أحب من أحب وكره من كره هزيمة لكل من خطط لهذه العملية الفاشلة".
تصريحات وعنتريات سماسرة حقوق الإنسان لم ولن تكون في مصلحة المعتقلين. كما أن حرياتهم لم تكن من أولويات السماسرة الذين لهم حسابات ورهانات بعيدة عن مصلحة المعتقلين وآمالهم في معانقة الحرية. لقد اعتاد السماسرة إياهم على المتاجرة بمثل هذه القضايا ولا يريدون لها أن تنتهي؛ لأن انتهاءها يؤذن بالخسارة والعطالة. إنهم يعتبرون قضية المعتقلين بضاعة يتاجرون بها ويراهنون عليها لتحقيق مصالحهم الضيقة. لهذا نجدهم يرفعون شعارات مستفزة، ويدلون بتصريحات عنترية يريدون بها إفساد فرص العفو الملكي على عينة من المعتقلين الذين هم في تقدير السماسرة "سلعة مربحة" وذات قيمة في السوق الإعلامية. فلا غرابة، إذن، أن يتجاهل السماسرة قضية السجناء في ملفات القنب الهندي الذين شملهم العفو الملكي وعددهم 4831 شخص. إنه عدد جد مهم لكنه لم يلق أدنى اهتمام من طرف سماسرة حقوق الإنسان مادام لا يخدم رهاناتهم وعلى رأسها تصفية الحساب مع النظام عبر التشهير والتحريض.
يخشى سماسرة حقوق الإنسان من وضعية العطالة أن تصيبهم. لهذا يختلقون الفرص ويحرضون على التظاهر والاحتجاج من أجل قضايا لا تهم المعيش اليومي للمواطنين تخطيطا منهم لإنهاك الأجهزة الأمنية واستفزازها بكثرة المظاهرات وتواتر الاحتجاجات على مدار الأسبوع. لقد خرجت المظاهرات والاحتجاجات، من أجل وقف الحرب على غزة، عن أهدافها التضامنية بعد أن بلغت 46 جمعة بتاريخ 23 غشت 2024. أما المسيرات والوقفات الاحتجاجية ضد الحرب فمتواصلة بعشرات المدن المغربية منذ 7 أكتوبر. كل هذا ليس لعيون غزة ولا رغبة في وقف الحرب والدمار، ولكن لرهانات سياسوية خبيثة وأجندات خارجية تريد شرا بهذا الوطن والشعب. فما عجزت الجهات المحرضة على الاحتجاج والتظاهر عن تحقيقه، سواء عبر صناديق الاقتراع، أو منامات الشيخ و"قومته"، أو أوهام "الثورة الحمراء" وديكتاتورية البروليتارية المزعومة، تسعى لتحقيقه عبر شحذ وشحن المواطنين وحشدهم في الشوارع والساحات العمومية. كل أملهم أن تصدر ردة فعل منفلتة من عناصر أمنية بسبب الإرهاق والاستفزاز، ليجعلوا منها شرارة الفتنة التي يتم التخطيط لها من طرف دعاة "الخلافة على منهاج النبوة" وأذنابهم حملة شعار "الضرب معا والسير على حدة".
الطوفان يجرف أصحابه.
فشل الطوفان المزعوم الذي توعّد به شيخهم، وأقام لهم صرحا من الرمال والأوهام سرعان ما تحلل وتبخر. وأحيى طوفان "حماس" أوهام الجماعة. لهذا نزلوا بكل ما يستطيعون من خبث وكذب وبهتان وتزوير. غايتهم الدنيئة تأليب الرأي العام ضد النظام باسم غزة التي دمرها "طوفان الأقصى" وجرف كل أوهام لخوانجية ودعاة "القومة" و "الثورة".
إن النظام والدولة المغربية ليسا "بيت العنكبوت". لهذا تحطمت على أسوارهما أوهام السماسرة وعنترياتهم في إطلاقة سراح زيان ومعتقلي الريف "ضغطا" وليس عطفا ورأفة. من هنا أنصح ذوي المعتقلين إياهم بإعلان براءتهم من عنتريات السماسرة وسحب ملفات أبنائهم من أيدي المتاجرين بها. ففي العفو أمل لا يؤجله إلا التنطع.