-وقف إطلاق النار- أم وقفة في التطهير العرقي في غزة؟!
فارس محمود
الحوار المتمدن
-
العدد: 8232 - 2025 / 1 / 24 - 00:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد انقضاء 15 شهر على عملية الإبادة الجماعية في فلسطين، توصلت حماس وإسرائيل وبوساطة قطرية ومصرية وأمريكية في 19 كانون الثاني إلى وقف أطلاق للنار. لقد كان كابوساً دموياً مؤرقاً. إن تعرف جماهير غزة يوم بدء هذه المجزرة، فانها لم تعلم يوماً متى تنتهي، متى وباي عدد من القتلى والجرحى والدمار تقتنع الفاشية الإسرائيلية بايقاف الحرب. لا يعرف أحد حتى هو السادي الصهيوني نتنياهو نفسه يوم إنجلاء هذه الغُمة من حياة أكثر من مليوني إنسان لا ذنب لهم في كل ما يجري. إن ذنبهم الوحيد هم كونهم فلسطينيون من قطاع غزة! سادية، رغم انها تعلم ساعة وقف إطلاق النار، إلا انها واصلت ولحد اللحظة الأخيرة بالقتل والموت دون هدف وضرورة عسكرية وعملية معروفة وواضحة، كأنها تستخسر على الفلسطيني العيش والحياة.
إبادة سلبت أرواح أكثر من 47 الف إنسان بريء، وما يقارب 100 الف جريح، ولازال الألاف تحت الأنقاض لحد هذه اللحظة، أغلبهم أطفال وكبار في السن ونساء لاحول لهم ولا قوة تحت شلالات وحمى النار المتواصلة لخمسة عشر شهراً.
لم يكن هدف اليمين الصهيوني الاسرائيلي ذا ربط بالسابع من أكتوبر. إن خطط هذه القضية ومراحلها موجودة على طاولات حكومة نتنياهو منذ سنين، وإنها رات في ذلك اليوم حجة وفرصة لتنفيذ هذا المخطط الذي اسموه "خارطة الشرق الأوسط الجديد" والذي يتمثل احد محاوره بازالة فلسطين من الخارطة. إن موضوعات من مثل "7 اكتوبر" و"حماس" هما كذبة وقحة! فمالذي يدفع حكومة نتنياهو، وبعد حبر اتفاق وقف إطلاق النار لم يجف بعد، إرسال أرتالها العسكرية لإقتحام جنين والضفة الغربية، وتهديد القادة العسكريين النازيين الاسرائيليين الضفة الغربية بالحديث عن إستعدادهم لتحويل الضفة غزة أخرى؟!!! هل هذه غزة؟! هل هذه حماس؟! أمن هنا انطلقت "7 اكتوبر". فعلاً ان العيش مع اسرائيل كمثل عيش أمراة مع مريض نفسي!!
لقد كان طرحهم من الأساس هو إحداث "نكبة" أخرى، تشريد وتهجير أهالي غزة الى سيناء مرة وللأبد، كجزء من هدف إلإخلاء التدريجي لفلسطين من الفلسطينيين وتصفية قضية فلسطين، اي التخلص من أكثر من مليوني فلسطيني بين ليلة وضحاها، بيد ان هذا الطرح قد فشل! ولهذا راى اليمين الصهيوني الحاكم انه لا بد من عملية الإبادة هذه!! إذ ان مجزرة بهذا الحد من الوحشية والإمعان بالوحشية لا يبررها أي مبرر. إرتعب العالم كله فعلاً لهذا الحد من الوحشية والجنون الإستهتار بحياة الناس.
يسموها أيقاف إطلاق النار!! لم يكن هناك "إطلاق نار". كما نؤكد مرة أخرى حقيقة انه يكذب من يطلق عليها حرباً، ومُغرض من يسميها كذلك. لكل من إسرائيل وحماس مصلحة في هذه التسمية، فتكمن مصلحة الأولى في التغطية على عملية إبادة شعب أعزل، وتصور للآخرين انها في حرب مع طرف ما، حماس، وليست حرب على جماهير فلسطين ذاتها!!! وهذه أكبر كذبة وتزوير. وترى حماس في هذا فرصة لنيل مكانة، وبالتالي سلطة، كممثل لجماهير غزة ومتحدث باسمها ويعزز مكانتها كمفاوض بأسم جماهير فلسطين وبالأخص مكانتها بوجه منظمة التحرير الفلسطينية، في الوقت الذي دفع ثمن هذه الحرب هي جماهير غزة على وجه الخصوص!
إذا إفترضنا على سبيل الافتراض لا الواقع انها حرباً وبين إسرائيل وحماس، فـ"حرب" غزة هي أكثر حروب العالم المعاصر غير متكافئة. فمن جهة أحد أطرافها، إسرائيل مدججة بتكنولوجيا عسكرية هائلة ودعم عسكري وامني وإستخباراتي وسياسي لاقوى قوة عالمية، امريكا، وبدعم تسليحي بلغ 23 مليون دولار وقوى وحكومات وميزانيات غربية هائلة، والطرف الآخر ليس بدولة أساساً بل منظمة صغيرة في جغرافيا صغيرة جدا ومُضيق عليها في منطقة محصورة ومحاصرة تماماً لأكثر من 17 عام، ولا تتمتع هذه المنظمة بأية حماية لوجستيكية أوعسكرية او ...!!
لقد راينا حروباً كثيرة تكون فيها الأطراف "غير متكافئة" نوعاً ما، لقد رأينا حرب ليبيا ضد الإحتلال الإيطالي، او حرب الجزائر أو إفغانستان أوفيتنام أو حتى حرب حزب الله وإسرائيل عام 2006، ولكن تتمتع كل هذه القوى بمساحات جغرافية واسعة ومناطق مفتوحة توفر لها إمكانية مناورة مقارنة بغزة المحاصرة براً وبحراً وجواً وصغيرة بحد بحيث يكون الجميع تحت أنظار ورحمة جيش سادي شرس ومريض وذا أيديولجية بربرية ونازية!!
لم نرى هذا الحد من الدمار والتخريب ولا هذا الحد من إستخدام الأسلحة، حرب رميت فيه أكثر من 100 ألف طن من الصواريخ والمتفجرات لتحيل قطاع كامل الى ركام. فبالاضافة الى البنية التحتية من مستشفيات ومدارس ومراكز اقتصادية وتجارية و...، دمرت أكثر من 80% من المنازل، ناهيك عن التجويع والتشرد واستخدام التجويع والحصار على الغذاء والادوية التي تعد جرائم حرب بكل معنى الكلمة.
لقد إفتقدت إسرائيل للشجاعة الأخلاقية، الشجاعة التي تدفع "القوي جدا" لـ"الترفع" عن ضرب خصم "محدود قدرة الرد"! بيد إن هذا الأمر يستلزم "كرامة" و"إحترام للنفس" و"عزة نفس"، وهو ما يفتقده اليمين الحاكم!
ان وقف إطلاق النار هذا هش جداً للأسف. فمع حكومة فاشية وعنصرية ومستهترة بكل القيم المتعارف عليها والتي تدوس على كل القرارات والمقررات الدولية مثل هذه لا ينتظر أحد منها شيء غير المصائب. يبقى هذا الكابوس يحوم على رؤوس جماهير فلسطين. لا يمد وقف إطلاق النار وسائر الاتفاقات الأخرى اليد لحل القضايا الأكثر جذرية. فلم يتحقق أي من مطالب جماهير فلسطين برفع الحصار عن غزة وأيقاف بناء المستوطنات في الضفة الغربية ووضع حد للتمييز والظلم المؤسساتي وسائر المطاليب الأخرى، وان وقف إطلاق النار، ورغم أهميته الكبيرة، لا يمس جوهر القضايا، وسيتكرر هذا السناريو بين حين وآخر.
لم تحقق إسرائيل اي من اهدافها، لم تسحق حماس وتنهي وجودها بل، بعد 15 شهر من الاجرام المتواصل و"العنتريات"، جلست للتفاوض معها حول ايقاف إطلاق النار في غزة. رفع نتنياهو في الامم المتحدة خارطة "الشرق الأوسط الجديد" بدون فلسطين، فشل! وانفضحت وتبينت الماهية الاجرامية والعنصرية على الصعيد العالمي جراء وحشيتها! ودفعت هي بوحشيتها القضية الفلسطينية في الغرب نحو نيل تأييد على صعيد عالمي واجتماعي واسع. عجزت اسرائيل عن تحقيق أهدافها من "الحرب"، وأخفقت.
بوجود مثل هكذا حكومة يصعب الحديث عن حل الدولتين، وأن يكون لجماهير فلسطين دولتهم المستقلة والمتساوية الحقوق، إلا بضغط إنساني ودولي عارم يجبر "ولي نعمة" هذه الحكومة الفاشية، وتحديداً أمريكا، على غلق صنبور دعم إسرائيل وتعنتها وإدامة إحتلالها والإقرار بحقوق جماهير فلسطين.