من قال انها حرباً على حماس؟!
فارس محمود
الحوار المتمدن
-
العدد: 7782 - 2023 / 11 / 1 - 20:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ 7 تشرين الاول-اكتوبر، تتحفنا الصحافة والاعلام العالمي عموماً، والصحافة الغربية على وجه الخصوص، بالحديث عن "حرب اسرائيل-حماس". ان من يتحفوننا بهذه الصيغة المغرضة يشوشون الامور ويضللوا البشرية عن قصد وعمد، وهذا ما تقتضيه مصالحهم. إذ ان أول مقتضيات الحرب هو ان يكون هناك طرفان بينهما درجة من "التوازن" و"التماثل" في القوى او حتى ان يكون الفارق كبيراً. بيد ان ما يجري في غزة ليس بحرب ولا صلة له بحرب، ناهيك عن كونها حرب على حماس. ان ما نراه هو عملية قتل وإبادة جماعية للفلسطيين الأبرياء بكل ما للكلمة من معنى. انه يضاهي أعمال التطهير بحق الابورجينيين او السكان الاصليين في أمريكا وكندا و... غيرها.
اننا نرى هنا مصلحة واقعية واضحة لأطراف في هذا التصوير. فحكومة اسرائيل، والمعسكر المناصر لها، يسعيان لتصوير الأمر على ان حماس هي منظمة أرهابية وما قامت به هو عمل إرهابي، وهذه الاطراف في صراع مع "الارهاب" ومن أجل "استئصال الارهاب". وتحدثت من اللحظات الأولى عن وجود الجيش الاسرائيلي رايات داعش السوداء في الأماكن التي هاجمتها حماس وانسحبت منها!! ومضى الرئيس ماكرون ابعد للحديث، وبنفاق ورياء معهودين، عن "ضرورة توسيع التحالف الذي وقف ضد داعش لمحاربة إرهاب حماس" هذه المرة.
من جهة أخرى، لحماس مصلحة كبيرة في إشاعة مثل هذا التصوير، لترد على مكانتها المتداعية بالاخص بعد تطبيع عدة بلدان عربية مع اسرائيل وبالاخص مع إقتراب التطبيع السعودي-الاسرائيلي، وتدفع بمكانتها هذه امام العالم بوصفها طرفاً "ممثلاً لجماهير فلسطين" في صراع مع "عدو الفلسطينيين"، وتعلّي من هذه المكانة، بالأخص امام غريمتها منظمة التحرير الفلسطينية ومحمود عباس، في صراع القوى الجاري الذي لا يسير اجمالاً لصالح "القضية الفلسطينية".
فهذا التصوير يهدف الى التغطية على "أصل القضايا"، الا وهو احتلال اسرائيل لفلسطين وسياسات التطهير الاثني والعرقي والتهجير وعمليات القتل والابادة الجماعية وارساء دولة اسرائيل على سائر الاراضي الفلسطينية.
***
فُجعت البشرية جمعاء بحجم الارهاب الدموي المنفلت والذي لا يعرف حدوداً أو سقفاً الذي مارسته اسرائيل على الابرياء. فمن الساعات الاولى للسابع من تشرين الاول، حرّض قادة الجيش والمسؤولين الاسرائيليين الجنود، وبالفم "المليان"، بتصريحاتهم التي هي نموذج صارخ على البربرية السافرة وتفضح، على خلاف ادعائاتهم، الهدف الأساسي من الحرب.
"سنحاصر غزة بصورة تامة، سنوقف الكهرباء والغذاء والوقود والدواء وكل شيء عنها، نحن في حرب ضد وحوش وسنتعامل معها بالشكل الذي يناسبها" (يوفي غالانت وزير دفاع الحكومة الاسرائيلية).
"نلغي جميع قوانين الحرب. لن يتعرض جنودنا للمسائلة تجاه أي شيء. لن تكون هناك محاكم عسكرية"، (الجنرال هرتزل ليفي، رئيس أركان الجيش الاسرائيلي). اي التوصية لجيش "الارض الموعودة": اقتلوا "على راحتكم"، فليس هناك "محاكم"!!!
حين يكون قادة دولة على هذه الشاكلة، ماذا تكون عليه الدولة غير دولة فاشية وشوفينية ودولة تطهير عرقي ولا يمكن تسميتها بغير ذلك.
ومن كلام وتصريحات مسؤولييها، ومن المشاهدات الواقعية بالتمشيط بالصواريخ والفسفور الابيض لغزة وقصف المستشفيات والمدارس والبيوت على رؤوس اصحابها ومقتل اكثر من 8 الاف انسان بريء نصفهم من الأطفال وجرح اكثر من 21 الف أخرين!! ان كمية الصواريخ التي القتها اسرائيل خلال أقل من 3 أسابيع هي اقل بكثير من الصواريخ التي أُلقيت خلال عام كامل على افغانستان!!
وبخلاف ادعائات الفاشيين الاسرائيليين، انها ليست حرباً على حماس ولا "استئصال حماس"، كما انها ليست حرب "الخير" على "الشر" ولا حرب "الديمقراطية" على "التوحش وألارهاب الاسلامي" ولا حرب "الدفاع عن حياة وأمان الاسرائيليين" وغيرها من ترهات. فالكل يعلم ان "الارهاب" الاسلامي وحماس والجهاد وغيرهم تربوا وترعرعوا في حضن "الديمقراطية" الغربية والاسرائيلية على السواء. فلحد الامس، (2021)، كان نتنياهو يتفاخر في مؤتمر حزبه عن "ارساله لاموال طائلة لحماس في غزة بالطائرات الاسرائيلية من أجل شق وتقوية الصدع داخل الفلسطينين واضعاف تيار محمود عباس!!" بوصفه "منجز سياسي".
ان مبتكري هذه الرواية السمجة هم الغرب نفسه و"امبراطورية الكذب" الاعلامية، اي صحافتهم الخانعة والذليلة الممثلة للسياسات الخارجية لبلدانها. ان مبتكري هذه الدعاية هم انفسهم من نفخوا الروح في هذه التيارات "الارهابية" ورمى الغرب بهذه الجماعات لتمسك بخناق الجماهير الكادحة والمحرومة في بلدانها في كل زاوية من زوايا العالم، بهدف الدفع بسياسات وأهداف الحكومات الغربية الخاصة بلجم اليسار والشيوعية والطبقة العاملة وفرض "الاستقرار" السياسي، قل تأمين أجواء مناسبة قمعية واستبدادية، لحركة الرأسمال والاستغلال والعمالة الرخيصة والربح. وها هي اليوم تمشط اسرائيل قطاع غزة بالصواريخ والمدفعية على رؤوس تلك الجماهير ذاتها التي ابتلت ب"الارهاب" الاسلامي الذي صنعته ومولّته اسرائيل والغرب أنفسهما.
انها ليست حرب من الاساس، بقدر ما هي عملية ابادة وتطهير عرقي. لا يستلزم "استئصال حماس" شن حرب على غزة وتدميرها بالكامل ولا الى كل ما تقوم به اسرائيل اليوم. ومثلما بينت التجارب الكثيرة، ان سبيل استئصال حماس واي "حماس" أخرى مرتبط بصورة مباشرة بحل القضية الفلسطينية بصورة عادلة عبر انهاء الاحتلال وتاسيس دولة فلسطين المستقلة، وهذا ما تعرفه اسرائيل والغرب جيداً وهو ما لا يقوما به ولا يريدوا القيام به من الأساس.
فامتداداً لسياساتها التوسعية والاستيطانية، استغلت ووظفت اسرائيل "الجريحة" و"المُهانة" هجوم حماس لتدفع بمشروعها الاستيطاني المعروف ومواصلة سياسات التهجير وسلب الاراضي وانهاء الوجود الفلسطيني في قطاع غزة. ولهذا، فانها، وأول خطوة لطرد سكان غزة بحجة "انسانية" وجراء "قلق"ها على سكان غزة، طلبت من مصر ان تفتح ممر لانتقال سكان غزة "المدنيين" الى سيناء كي تمحي حماس و"تجنب أرواح ابناء قطاع غزة المخاطر"!!! بيد ان هذه الخديعة التوسعية لم تنطلي على أحد!
انها حرب اجرامية لا على حماس، وأنما على الجماهير المحرومة في غزة، على مليونين و300 الف انسان، حرب على المجتمع الانساني، حرب علينا جميعا! وان مصير هذه الحرب هو مصيرنا كلنا أيضا، مصير كل انسان يلتسع قلبه لانسانية الانسان! ان السكوت على هذه البربرية والوقوف مكتوفي الايدي تجاهها لن يرمي مئات الالاف من الفلسطينين في نارها وجحيمها فحسب، بل لن يبقى قيمة لأي كرامة وقيم أنسانية على وجه الارض ويشيع هذا التوحش والوحشية على العالم بوصفها أساليب "عادية" في حياة البشر!