مجتمع السوق والسلاح الخفي
أحمد زوبدي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8155 - 2024 / 11 / 8 - 18:11
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
مجتمع السوق والسلاح الخفي /
جل الاقتصاديين النيوليبراليين الذي فازوا بجائزة نوبل للاقتصاد ومعهم تلاميذتهم من صنف أبناء شيكاغو( Les Chicago Boys)، الموجهون لقيادة دول الجنوب التي تحكمها أنظمة رجعية، جميعهم أسسوا أفكارهم على نماذج رياضية لا تلغي فقط التناقضات الاجتماعية لكن بحكم طابعها النوعي أي غير الكمي والطابع التقنوي لهذه النماذج، المعروفة في علم الاقتصاد المحض أو الخالص بمنظومة نموذج التوازن الحسابي العام ( modèle d équilibre général calculable)، فإنها تعجز عن دمجها في جهازها المفاهيمي المبني مسبقا على التناغم والتوازن. النماذج من هذا الصنف تعجز عن إعطاء حلول للأزمات لأنها لا تنطلق من الواقع بل من الخيال و الوهم أي أن أصحابها يتوهمون أن توازن الأسواق هو القاعدة وليس الاستثناء الذي تحققه اليد الخفية(main invisible) وأن كل خلل في النظام الرأسمالي هو خلل عابر يؤسس لدورة اقتصادية جديدة يسمح فيها الابتكار والمعرفة بتخطي العقبات وبالتالي تحقيق مجتمع الرفاهية والوفرة ( société d abondance).
نجح ايديولوجيو النيوليبرالية في تحويل المجتمع الإنساني إلى مجتمع السوق بتسليع كل مناحي الحياة : تسليع الاملاك الجماعية وتسليع العلاقات الإنسانية تم تسليع الثقافة والسياسة. السياسة والاقتصاد أصبحتا تتحركان في نفس الاتجاه. الاقتصاد أصبح رهن إشارة السياسة والعكس.
يطمح ايديولوجيو الرأسمالية النيوليبرالية إلى تحقيق مجتمع السوق أي تحويل البشرية إلى بضاعة. صحيح أنهم أفلحوا اليوم في هذا المشروع وهو المنحنى الذي يتوجه نحوه اليوم النظام الرأسمالي، لكن رغم ذلك فإن المجتمعات ومنها الطبقات الشعبية والفقيرة تقاوم هذا المنحنى بشدة كبيرة لأنها ترى نفسها أن ذلك سيؤدي بها إلى المزيد من الاستغلال. المجتمعات تقاوم شكل السوق الذي تريد أن بفرضه الرأسماليون النيوليبراليون وتسعى إلى مأسسة السوق، من خلال إضفاء الطابع الاجتماعي( socialisation) على هذا الإطار الاقتصادي ذي البعد الاجتماعي في أفق تجاوز المنظومة الاجتماعية القائمة أي النمط الاجتماعي الرأسمالي. السوق، كمؤسسة تجمع عارضي البضائع و المشترين وتخضع لضوابط ولمنطق معين لا يسمح بتجاوزها وإلا يدخل السوق في الفوضى. من ضوابط ومنطق السوق هو محاربة المضاربة أي الاقتصاد غير المنتج والاغتناء غير المشروع والريع وكل ما يجعل الثروة تصبح في يد كمشة من السكان على حساب الأغلبية الساحقة، وهو الوضع الذي تعيشه البشرية اليوم أي وجود 80 في المئة من الثروة في يد 2 في المائة من السكان حيث المنافسة غائبة التي يحل محلها الاحتكار واحتكارات القلة المعولمة. السوق القائم بالفعل أي المجال لتحديد الأسعار هو نتاج النظام الطبقي القائم وأن هذه الأخيرة أي الأسعار يتم تحديدها ميزان القوى الذي يلعب لصالح الطبقات المسيطرة وليس التقاء العرض و الطلب، كما يزعم الرأسماليون الفوضويون. وبالتالي فاليد الخفية التي تحمي حقوق الناس و التي تحدث عنها الليبراليون المتنورون أمثال آدام سميث وستيوارت ميل وليون فالراس وآخرون، يلغيها السوق الفوضى لصالح السلاح الخفي الذي تفرضه الطبقة المهيمنة التي تحكم بقبضة من حديد.
السلاح الخفي يتحول بين الفينة و الأخرى إلى سلاح مكشوف، وهو الابارتيد والمجازر التي تعرفها الشعوب، كما يعيش ذلك اليوم الشعب الفلسطيني الأبي ومعه أبطال المقاومة البواسل. السلاح الخفي/ المكشوف يوظف بشكل تدريجي لاجتثات الضحية المستهدفة. السلاح المكشوف يترجم فاشستية النظام الرأسمالي اليوم، الذي يدشن انهياره على المدى المتوسط المنظور حيث نعيش تفكيك البنيات التي على أساسها تكونت وتطورت الرأسمالية ومنها جهاز الدولة الذي تحول من جهاز يقوم بالمراقبة إلى جهاز ينحصر دوره في التدبير وليس الجهاز الماسك بالسلطة والحكم لتطبيق القانون.